سهيلة زين العابدين حمّاد

  نُشر في جريدة المدينة في 9 يونيه عام 2022م

   لقد فاجأتنا الأحداث بالعملية العسكرية الروسية على أوكرانيا بلجوء أكثر من ثمانية ملايين أوكرانيًا لبولندا ورومانيا وسلوفاكيا والمجر ومولدوفيا؛ حيث فتحت هذه الدول حدودها مرحبة باللاجئين الأوكران مع توفير كل احتياجاتهم من إقامة شرعية وعمل ودراسة وسكن، وقد انضم إليها (21) دولة أوروبية أخرى،  في وقت كان على مسرح الأحداث العالمية مآسي اللاجئين  العرب غير الشرعية من الدول المُسيطرة عليها الميليشيات المُدعّمة إيرانيًا، بضوء أخضر من الغرب بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية،  والتي تنفذ أجندتها في المنطقة على حساب سيادة دولتها وعز شعوبها وحقن دمائهم في مقدمتها العراق وسوريا واليمن ولبنان.

  وسأبدأ بحزب الله في لبنان الذي أنشأته إيران بدعوى مقاومة الاحتلال الإسرائيلي في لبنان عقب الاجتياح الإسرائيلي لها عام 1982م، وقامت بتسليحه، وبه أصبحت الآن هي المسيطرة على القرار السياسي وقرار الحرب في لبنان بعد عزلها عن أشقائها العرب،  ولا سيما دول الخليج العربي، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية ممّا أدى إلى انهيار اقتصاد  لبنان ، وهي الآن على حافة الانهيار، وكان هذا أحد أسباب هجرة بعض الشباب اللبناني  في قوارب الموت، وآخرها غرق قارب طرابلس؛ إذ انضمّ ضحاياه  إلى المئات من ضحايا قوارب الموت، بعد أن قرّروا الهجرة والهرب من جهنّم الذي بشّر بها الرئيس عون  الشعب اللبناني، رغم الخطر المتربّص بهم في رحلة مجهولة النتائج والمصير”.

    ثُم العراق التي تعرّضت للغزو الأنجلو الأمريكي عام 2003م  بأكذوبة امتلاكها  لأسلحة الدمار الشامل، ولم يكتف الاحتلال بتدمير البُنية التحتية والبيئية والعسكرية بالعراق بتسريح الجيش العراقي وتحويل سلاحه إلى خردة يباع طن الحديد منه بين(30-50) دولارًا أمريكيًا؛ إذ امتد إلى تدمير البُنية التحتية للإنسان العراقي بالكّمْ المهول من اليورانيوم المُنضّب الذي ملأ أرضه، واعتقل الألوف، وجرائمه في سجن” أبو غريب” شاهدة عليه،  وهُجِّر من هُجّر، ثم سلّم العراق لداعش، وأخيرًا سلّمه لإيران لتقضي على البقية الباقة من الإنسان العراقي الذي أغرقته بمليشياتها المسلحة لفرض أجندتها بقوة السلاح، فانعدم الأمن والأمان، وكثرت الاغتيالات، واحتكرت إيران السوق العراقي، وملأته بمنتجاتها حتى باتت تصدر له الكهرباء، وهو من الدول الغنية المُنتجة للبترول وانهار اقتصاده،  ممّا دفع ببعض شبابه إلى الهجرات غير الشرعية، وشاهدنا مؤخرًا ما تعرّض له المهاجرون العراقيون في بلاروسيا من أذى وضرب وإهانات وسرقات لأموالهم، ومنهم من عاد إلى بلاده جُثثًا هامدة، ومع كل هذه المآسي التي تعرّض لها العراق منذ بدء الاحتلال الأمريكي له عام 2003 م حتى الآن، ورغم اعتراف جورج بوش الابن باحتلاله العراق نتيجة أكذوبة امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل لم تُساءل أمريكا وبريطانيا عن احتلالهما العراق الذي أدى به إلى ما هو عليه الآن، ولم يُطالب العراق الولايات المتحدة الأمريكية بدفع تعويضات مالية له عن احتلاله له، وما أحدثه هذا  الاحتلال، وما أعقبه احتلال داعش لبعض المدن العراقية ثم الاحتلال الإيراني من  خراب ودمار وقتل وتعذيب وانتهاك أعراض وتهجير ونهب أمواله وبتروله وآثاره وتدمير البُنية التحتية لأرضه وشعبه وإثارة الصراع الطائفي بين أفراد شعبه الذي أحدثه احتلاله للعراق.

  وبدلًا من تعويض بريطانيا  المتضررين العراقيين  تفاجأنا باتفاق حكومتها غير الإنساني والقانوني مع رواندا على نقل اللاجئين العزّاب غير الشرعيين إلى بريطانيا من عراقيين وسوريين وأفارقة إلى مصير مجهول في رواندا.  هذه الاتفاقية المناهضة للاجئين وللإنسانية، وهي ضد أناس يمرون بأصعب ظروف حياتهم،  أناس اجبروا بسبب الحروب وانعدام الاستقرار والعنف، أو الكوارث الطبيعية وآثارها، منها الاحتلال الأنجلو أمريكي للعراق، وما ترتب عليه من انعدام الأمن والأمان  سببًا في هجرة العراقيين من بلادهم والعيش في مخيمات النزوح وهم في مسيرتهم هذه يتعرضون لعشرات المخاطر على حياتهم، حيث أنّ المئات والآلاف منهم يموتون أو يغرقون أو يختفون سنويًا.

      ومنذ عام 2011 م كان انطلاق ما سُمّي بثورات الربيع العربي في تونس ومصر وسوريا وليبيا واليمن التي أكلت الأخضر واليابس وقتلت وهجّرت ودّمرت خطّطت لها إدارة أوباما مع حلفائها من القوى الدولية الكبرى لتمكين الإخوان وإيران وتركيا من الدول العربية، فأوهموا الخُمينيين  بإعادة قيام الإمبراطورية الصفوية وأوهموا أردوغان بتحقيق حلمه بإعادة قيام الإمبراطورية العثمانية، وأوهموا الإخوان بتحقيق هدفهم في إقامة دولة الخلافة،  وجعلوا الشباب العربي ينفذها بإيهامهم بتحقيق أحلامهم في الحرية والديمقراطية والعيش حياة كريمة،  وتمّ تمكين الإخوان من حكم تونس ومصر وليبيا ونجّى الله مصر بيقظة شعبها وتضامن جيشها معه، ووقفة مخلصة من أشقائها العرب وفي مقدمتهم المملكة العربية السعودية من النفق المظلم الذي كانت فيه.

   وكل هذا ليضعفوا الدول العربية ويدمروها ويُضعفوا اقتصادها بإثارة الفتن الطائفية بين شعوبها ليقتل بعضهم البعض، وتحويلهم إلى لاجئين غير شرعيين في قوارب الموت، ومنهم من يموت غرقًا، والناجون لا يجدون سوى الذل والإهانة من الدول الأوربية التي يلجأون إليها، وتستخدمهم بعض الدول أوراق ضغط على الدول الأخرى لتحقيق أهدافهم، مثل أوردغان، ومؤخرًا بلاروسيا، بينما  فتحت (26) دولة أوروبية حدودها وبيوتها لللاجئين الأوكورانيين، مع توفير لهم العمل والدراسة والإقامة لمدة ثلاث سنين .

 وكان مخطط ثورات الربيع العربي الهدف منها إضعاف الدول العربية وإشغالها بحروب أهلية بين شعوبها  لجعل إسرائيل هي القوة الكبرى في المنطقة، وتمكينها من تحقيق حلمها في إقامة دولة إسرائيل الكبرى التي تمتد من النيل إلى الفرات ومن الأرز إلى النخيل.

وخلال العشر سنوات  منذ ثورة 2011 في سوريا حتى الآن، اضطر11 مليون سوري – هم أكثر من نصف أهل البلاد – إلى ترك أماكن سكنهم وبيوتهم نتيجة الحرب المندلعة والعنف المصاحب لها والخوف… لجأ نصفهم الى أماكن أخرى داخل البلاد، وأمّا نصفهم الآخر فلجأوا إلى دول الجوار. وفي هجرات غير شرعية عبر قوارب الموت، وأصبحت سوريا مطمعًا لأمريكا وروسيا وتركيا وإيران وميليشياتها وأصبح فيها ما يقارب ال(68) ميليشيا مسلّحة، وكان نصيب ليبيا من الفوضى والدمار لا يقل عن شقيقاتها، وأكثر من(300) ميليشيا مسلحة بها، ولا تزال ألعوبة في أيدى الدول الكبرى، ويُخشى أن تُفاجئنا نتائج الانتخابات الليبية برئيس إخواني  مدعوم من تركيا أو من روسيا، ليكمل تنفيذ المخطط، كما فاجأتنا الأمم المتحدة بالدبيبة رئيسًا مؤقتًا للحكومة الليبية، أمّا اليمن فلا يزال يعيش شعبها مآسي  القتل والتفجير والاعتقال  والخطف والاغتصاب وتجنيد الأطفال وإيقافهم عن الدراسة وتدمير مدارسهم وزرع الألغام في الشوارع والطرقات، وكذلك في طرق الملاحة البحرية التي يرتكبها الحوثي بلا مساءلة ومحاسبة.

    والمجتمع الدولي صامت عن كل هذه الانتهاكات، ولا تتحرّك القوى الكبرى إلّا لحماية مصالحها والإنسان الغربي واليهودي، ولم يُساءل الجناة الأساسيون الذين أوصلوا تلك البلاد إلى ما هي عليه الآن، فلابد أن تستيقظ الشعوب العربية من غفوتها، وأن يكون ولاءها لأوطانها، وليس للمذهب الذي تدين به، أو الجماعة التي ينتمون إليها، فولاؤهم للمذهب أو للجماعة سيفقدهم الأرض التي يقفون عليها، وعندئذ سيكونون لاجئين بلا أوطان غير مرحب بهم، ورقيقًا لمن كان ولاءهم لهم.

البريد الكتروني: Suhaila_hammad@hotmail.com

رابط المقال : قوارب الموت للاجئين العرب بلا مساءلة!! – جريدة المدينة (al-madina.com)

Leave a Reply