سهيلة زين العابدين حمّاد

 نُشر في جريدة المدينة في 10 مارس 2022م.

 من مبررات الرئيس بوتين للعملية العسكرية التي قام بها ضد أوكرانيا  حماية أمن بلاده بإسقاط نظام الحكم فيها لموالاته للغرب ،وتمثيله للنازين الجُدد، وتحييد أوكرانيا بنزع سلاحها وعدم انضمامها إلى حلف الناتو وإسقاط نظام الحكم فيها لموالاته للغرب.

  وعند رجوعنا بالذاكرة إلى عام 2002م نجد أنّ مبررات جورج بوش لغزوه  العراق الإطاحة برئيس العراق بدعوى أنّه كان يمثل تهديدًا للسلام العالمي، ووصفه بالطاغية الشرير، وراعي للإرهاب الدولي، ونزع السلاح من العراق  لامتلاكه أسلحة الدمار الشامل  التي تشكل خطرًا على أمن الولايات المتحدة،  وهذه المبررات لا تختلف عن مبررات بوتين،  فأوكرانيا تقع مباشرة على حدود بلاده  بطول( 402) كلم، وتبعد موسكو عن أقرب نقطة في الحدود الأوكرانية أكثر من (480) كلم، أمّا العراق ليست على حدود أمريكا، بل تبعد عنها بِ 129، 11كلم.فأين الخطر الذي يهدد أمن بلاده؟ ورغم إقرار بوش بأنّ امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل مجرد كذبة، لأنّه لم يوجد دليل على امتلاكه له، ورغم تسريحها للجيش العراقي، الذي كلّف 250 مليار دولار وتحوبل سلاحه إلى خردة باعت الطن منها ما بين 30 – 50 دولارًا، وقد كانت قوات التحالف التي دخلت العراق  في 20 مارس عام 2003م بقيادة الولايات المتحدة  قوامها 200 ألف جندي بدون  تفويض من الأمم المتحدة . وقد كشف موقع “غلوبال ريسيرج” المتخصص في إحصاءات الحروب ونتائجها، وبلوع  عدد ضحايا تبعات الاحتلال الأمريكي للعراق بلغ 2,4 مليون عراقي قتلوا منذ غزو واحتلال البلاد في 2003م إلى الآن.

 إضافة إلى  ملايين اللاجئين، وعشرات الألوف من المُشوّهين من إشعاعات القنابل العنقودية والفسفورية واليورانيوم المنضّب الذي لوث أرض وأجواء العراق، مع نهب بترول وثروات وآثار العراق، وتعذيب السجناء في سجن أبي غريب في بغداد . ولم يكتفى بهذا؛ إذ نجد أمريكا أوجدت تنظيم داعش الإرهابي وسلّمته العراق، وبعد أن أدعت قضاءها عليه سلّمنه لإيران التي ملأته بميلشياتها المسلحة، لإخضاعه لنفوذها،  ولم تشهد العراق استقرارًا وأمانًا منذ احتلالها إلى الآن.

 رغم كل هذا لم تُفرض ولا عقوبة واحدة على أمريكا وبريطانيا وبوش وبليير، ولم يحاكما جنائيًا، بل لم يُساءلا ، ولم تٌقرض على بلادهما تعويضات مالية للمتضررين العراقيين، في حين فرضت على العراق تعويضات مالية للكويت والمتضررين من الغزو الصدامي للكويت، كما لم تقم تحقيقات في الجنائية الدولية على ما ارتكبته أمريكا وبريطانيا من جرائم حرب في العراق، كما ستقام الآن على بوتين.

،  بينما نجد الولايات المتحدة الأمريكية، والتكتلّات الأوروبية المتمثلة في دول الناتو، والاتحاد الأوروبي والدول السبع  فرضت منذ اليوم الثاني للعملية العسكرية الروسية ضد أوكرانيا عقوبات  صارمة على اقتصاد روسيا وبنوكها بإخراجها من نظام سويفت البنكي، وعلى طيرانها بمنع مرور الطيران الروسي بأجواء (36) من الدول الغربية، وغيرها من الدول، وكذلك منع عبور سفنها بالمياه الإقليمية لتلك الدول. مع وقوف حلف الناتو على أهبة الاستعداد للقتال من خلال نشر قواته في ألمانيا، وأوروبا الشرقية،  ولا سيما دول حلف الناتو الواقعة على الحدود الروسية، مع انهمار الأسلحة على أوكرانيا من أمريكا والدول الأوروبية بمئات ملايين الدولارات، وكذلك مرتزقة من المحاربين الأوروبيين المتقاعدين، مع  فتح الدول الأوربية البولندية والسلوفاكية والمجرية والرومانية  والمولدوفية حدودها وبيوت بعض أفراد شعوبها للاجئين الأوكرانيين، بينما نجد ممن اضطر من العرب اللجوء إلى أوروبا من جراء غزو الغرب لبلادهم، وإشعاله حروب أهلية طائفية بينهم ممن نجوا من قوارب  الموت قد أغلقت تلك  الدول حدودها أمامهم؛ إذ أظهر لجو الأوكرانيين فروقًا كبيرة في تعامل الدول الأوروبية بينهم وبين اللاجئين العرب والأفغان والأفارقة، فقد تغيّرت لهجة بعض قادة الدول الأوروبية الذين سبق لهم التعبير عن آراء متطرفة معادية للهجرة، فغيّروا أقوالهم مِنْ “لن نسمح لأحد بالدخول “إلى “سنسمح للجميع بالدخول”، ومن هؤلاء رئيس الوزراء البلغاري كيريل بيتكوف الذي قال للصحفيين عن المهاجرين الأوكرانيين:”هؤلاء ليسوا بلاجئين ممن اعتدنا عليهم، فهؤلاء أوربيون أذكياء متعلمون. “ويقول سياسي أوكراني عن اللاجئين الأوكران:” هؤلاء ليسوا عراقيين ولا أفغانًا، إنّهم أوربيون بعيون زرقاء وشعر أصفر. “

ونشرت سكاي نيوز عربية ما قاله  أحد الطلبة الجزائريريين الذي يدرسون في جامعة خاركيف في أوكرانيا : ” أنّه في محطة قطار مدينة خاركيف لا يُسمح للعرب والهنود والأفارقة وغيرهم صعود القطارات”، هربًا من القصف، بينما يُسمح للكلاب والقطط بصحبة الأوكرانيين.

 وانتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي فيديوهات تحت الوسم: #أفارقة_في_أوكرانيا، تظهر طلابًا أفارقة وهم يحرمون من الصعود على متن القطارات التي تحمل الناس خارج أوكرانيا، وذلك حتى يفسحوا المجال لنقل الأوكرانيين.

   وهذا ما دفع الاتحاد الأفريقي ليعلن من نيروبي بأنّه من حق أي شخص عبور الحدود الدولية هربًا من النزاع.

   وهكذا نجد أنّ الحرب الروسية الأوكرانية قد أسقطت أقنعة الغرب دعاة حماية حقوق الإنسان ونبذ التمييز العنصري؛ إذ تبيّن أنّ الإنسان الذي يعملون على حماية حقوقه هو الإنسان الغربي والإسرائيلي واليهودي فقط – فقد قامت سياسة أمريكا ومخططاتها  على حماية أمن إسرائيل تُؤكده مقولة الرئيس الأمريكي نيكسون(1969ـــ 1974م):”لا يهمنا في الشرق الأوسط سوى أمن إسرائيل والنفط، وأكدَّ على هذا كولن باول وزير الخارجية الأمريكي في ولاية بوش من عام(2001 ـــ  2005 ):”أنَّهم يريدون تغيير خريطة المنطقة  لتحقيق الأمن لإسرائيل.” – أمّا سائر شعوب العالم  فلا حقوق لهم في أعراف الدول الغربية، بل  لا بُسمح لهم ركوب القطارات المغادرة للحدود الأوكرانية مع السماح لقطط وكلاب الأوكرانيين بالركوب معهم، ولم نر عقوبات ولا مساءلات إن أنتهك الغربي والإسرائيلي سيادة أوطانهم وحقوق شعوبها، فأمريكا أشعلت أكثر من مائتي حرب أبادت فيها ستين مليونًا من البشر، ولم تفرض عليها عقوبات ولا تعويضات مالية، بل أعطت  الضوء الأخضر لإسرائيل وتركيا وإيران لانتهاك أمن وسيادة  فلسطين ولبنان وسوريا والعراق وليبيا واليمن، من خلال الجيش الإسرائيلي وميلشيات إيران ومرتزقة تركيا. بل أعطت لروسيا ذاتها الضوء الأخضر للعمليات العسكرية التي قامت بها في سوريا، وهذا يكشف لنا ازدواجية المعايير لدى الغرب، وعدم حياديته، فما أُبيح لبوش حُرّم على بوتن، لأنّ بوش غزا واحتل بلديْن هما أفغانستان والعراق من دول الضوء الأخضر المستباحة أراضيها وشعوبها وخيراتها، بينما بوتين أخترق الخط الأحمر بغزوه بلدًا أوروبيًا – ولكن ما حُرِّم عليه في أوروبا أُبيح له في سوريا – ولأنّه من المستهدفين لتحجيمه، وإضعاف اقتصاد بلاده فأمريكا مُتشبِّسة بأن تظل القطب الأوحد في العالم، وهذا يبرر حيادية الصين حليفة روسيا لئلّا تُسلّط عليها سهام الغرب لتحجيمها وضرب اقتصادها.

    وبعد اتضاح لنا هذه  الحقائق، فقد آن الأوان أن ينبذ أبناء الوطن الواحد  في بلادنا العربية النعرات الدينية والطائفية والعرقية، وأن ينحاز جميعنا إلى أوطاننا وقياداتنا، ونعمل جميعًا لبناء أوطاننا لا لهدمها، ولتقدمها لا لتأخرها، ولتنميتها لا لتعويقها، وكفانا نحن العرب تقرّقًا وتشرذمًا حتى أصبحنا مطمعًا للغربيين، علينا أن نتحد، ونشكل تكتلًا عربيًا قويًا لمواجهة كل التحديات، وأن نعمل نظامًا بنكيًا عالميًا موحدًا يُعادل نظام سويفت الأوروبي، وأن نحرر عملاتنا من الارتباط بالدولار أو اليورو أو الجنيه الإسترليني،  ـوأن نسحب أرصدتنا من بنوك الدول الغربية التي تمتهن حقوقنا وإنسانيتنا وتنتهك سيادة أوطاننا بين الفينة والأخرى، فلا أمان لهم، فقد يُجمّدون أرصدتنا لأتفه الأسباب، كما علينا أن ننشئ منصّات عالمية للتواصل لا تقل عن تويتر وفيس بوك.

البريد الكتروني : Suhaila_hammad@hotmail.com

رابط المقال : الأزمة الأوكرانية الروسية.. أسقطت أقنعة الغرب! – جريدة المدينة (al-madina.com)

Leave a Reply