سهيلة زين العابدين حمّاد
نشر في جريدة المدينة في 6 يناير 2022
نشأت جامعة الدول العربية في 22 مارس عام 1945م؛ حيث تم التوقيع والتصديق على ميثاقها من قبل حكومات السعودية ومصر وسوريا والأردن والعراق ولبنان واليمن الشمالي، وهي الدول المستقلة آنذاك باستثناء مصر التي كانت تحت الانتداب البريطاني إلى 18 يونيو 1956م حيث تمّ إجلاء آخر جندي بريطاني عن أرضها، ثمّ انضمّـت باقي الدول العربية على التوالي إليها عند حصولها على استقلالها.
وأُنشئت جامعة الدول العربية لأهداف من أهمها: توثيق الصلات بين الدول العربية، والحفاظ على استقلال الدول الأعضاء، وتنسيق الخطط والسياسات بين الدول الأعضاء، وتحقيق التعاون في الشؤون الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والصحية، وغيرها، والنظر بصفة عامة في شؤون البلاد العربية ومصالحها، والتعاون مع الهيئات الدولية لكفالة الأمن والسلام وتنظيم العلاقات الاقتصادية والاجتماعية، وجاء ميثاق الجامعة مؤكدًا على هذه الأهداف ، خاصة في مادتيه الثانية والسادسة
وميثاق جامعة الدول العربية مضى عليه الآن (77) عامًا، وتختلف أوضاع البلاد العربية اختلافًا جذريًا عمّا كانت عليه عند تأسيس جامعة الدول العربية وكتابة ميثاقها والتصديق عليه، وإن أجريت بعض التعديلات على بعض مواده في سنوات متفرّقة، ولكنّه لا يزال يُحيِّد جامعة الدول العربية تجاه ما تشهده البلاد العربية من مشرقها إلى مغربها من أحداث تهدد أمنها واستقرارها وسيادتها، بخضوع بعضها تحت هيمنة قوى إقليمية تتحكم في قراراتها السياسية من خلال وكلائها الذين جنّدتهم لتحقيق أهدافها ومخططاتها في الدول العربية بالمنطقة بدعم من القوى الدولية الكبرى التي أعطتهم الضوء الأخضر لبسط نفوذهم وسيطرتهم عليها، وتغضُّ الطْرف عن تهريب الأسلحة إليهم، ومن المحزن والمؤلم حقًا الغياب التام لجامعة الدول العربية، ووقوفها موقف المتفرّج، وهي تشهد لبنان تحتضر تئن من الجوع والفقر والمرض والذل تحت تهديد قوة سلاح إيران الذي في يدي وكيلها حزب الله البالغ عدد مقاتليه مائة ألف مقاتل.
كما نجدها عاجزة أمام اعتداءات الحوثيين المتكررة على المدنيين بالمملكة العربية السعودية بالصواريخ والمسيّرات على جيزان ونجران وخميس مشيط والرياض ومطار أبها، وكذلك على المدنيين اليمنيين، وتجنيد صغارهم وخطف نسائهم وبناتهم وتهجيرهم، وملاحقتهم في مخيمات نزوحهم بالصواريخ البالستية، والألغام والحيلولة دون وصول المعونات الغذائية إليهم.
والعجز ذاته نلمسه فيما يحدث في العراق، من اغتيالات للمعارضين للتواجد الإيراني في العراق، ومحاولة اغتيال الكاظمي رئيس الحكومة العراقية وسيطرة الميليشيات الموالية لإيران على القرار السياسي في العراق، وتأخر المصادقة على نتائج الانتخابات أكثر من شهرين.
أمّا ليبيا فالإجراء الوحيد الذي قامت به جامعة الدول العربية جراء موجات ما سُمّيت بثورات الربيع العربي التي شهدتها لبيبا في مارس2011، دعت الجامعة في12 مارس 2011م مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إلى فرض منطقة حظر جوي على ليبيا في محاولة لحماية المدنيين من الهجمات الجوية، ولكن نجدها صمتت أمام تدخل دول الناتو المتمثلة في الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا في دعم الجماعات المتمردة في ليبيا في ثورتها ضد الرئيس المستبد معمر القذافي بغارات جوية تحت ذريعة تحقيق الديمقراطية والاستقرار في هذا البلد، ولكنّ تدخلها العسكري أدى إلى نشوب حرب أهلية؛ حيث أصبح السلاح المنفلت منتشرًا في أيدي الأطراف المتنازعة، وتكوّنت الميليشيات المسلّحة التي تناصر كل فريق ولا تزال موجودة، والسلاح يصل إليها تحت أعين الأمم المتحدة ودول الناتو في وقت تم تحريم وصوله إلى الجيش الوطني الليبي، ومنذ ذلك الحين إلى الآن لا تزال ليبيا تحت الوصاية الأممية ودول الناتو، التي مكّنت الأخوان من ليبيا، وأتت بحكومة فايز السراج، ثم حكومة عبد الحميد الدبيبة اللذان عزّزا تواجد تركيا في ليبيا، التي أتت بمرتزقتها من سوريا، وأُنشأت قواعد عسكرية إلى جانب وجود مرتزقة أتت بها روسيا، ومرتزقة إرهابيين أفارقة من العصابات المسلحة الوافدة من الدول الإفريقية المتاخمة لحدود ليبيا الجنوبية تواجدت في الجنوب الليبي الذي اتخذوه قاعدة للتدريب والتمويل والانطلاق لتنفيذ عمليات إرهابية منذ سقوط نظام معمر القذافي عام 2011 حيث تنشط في مدن سبها وبراك الشاطئ، وكذلك أوباري وغات، وتتبع المعارضة التشادية والنيجيرية وكذلك السودانية، وهي تتصارع فيما بينها للسيطرة على طرق التهريب، وباتت تشكلّ خطرًا على السكان المحلييّن بعد انخراطها في عمليات اختطاف وارتكابها لعدّة جرائم، وبلغ عددهم أكثر من 25 ألفا، ويتحكم تنظيم الإخوان في أغلبهم، وانقسمت ليبيا إلى شرق وغرب وشمال وجنوب، وفي ظل هذه الانقسام وانفلات السلاح وهشاشة الأمن حدّدت الأمم المتحدة والدول التي فرضت وصايتها على ليبيا 24 ديسمبر2021 يوم الانتخابات الرئاسية والبرلمانية نتج عنه عدم تحقيق الاستحقاق الانتخابي، وهذا المتوقع؛ إذ المفروض أن تبدأ بنزع السلاح من الميلشيات المسلحة، وتسليمه إلى الجيش، وضم العناصر الوطنية من تلك الميلشيات إلى الجيش، وإخراج جميع المرتزقة وإلزام الحكومة المؤقتة بذلك ومحاسبتها على تقصيرها مع إلزام رئيس الحكومة وأعضائها بتعهداتهم عدم ترشحهم للانتخابات الرئاسية ومساءلتهم، فإن كانت النية صادقة في حل المسألة الليبية وتحقيق الأمن والاستقرار فيها مع توحيدها لتمّ ذلك، لكن إجراء انتخابات في الوضع الحالي سينتهي الأمر إلى ما انتهى إليه، والمؤلم موقف جامعة الدول العربية الصامت تجاه ما حدث في ليبيا، وما يحدث في اليمن ولبنان والعراق وسوريا، كذلك عجزها ـعن فض المنازعات بين الدول الأعضاء بالطرق السلمية مثل الوساطة والتحكيم.
لذا أناشد القادة العرب الذين يتمتعون بالسيادة على بلادهم واستقلالية قرارتهم السياسية أن يعملوا على تعديل ميثاق جامعة الدول العربية، وإعطائها صلاحية اتخاذ القرارات الحاسمة، وعدم السماح للدول الأجنبية والإقليمية التدخل في شؤون أية دولة عربية، وعدم السماح بإنشاء أو وجود ميليشيات مسلحة أو استخدام مرتزقة مسلحة في أي بلد عربي، وإلزام الميلشيات المسلحة الموجودة حاليًا في البلاد العربية بتسليم أسلحتها لجيوش بلادها وتوقيع عقوبات رادعة على المخالفين والرافضين تسليم ما بأيديهم من أسلحة، وترحيل المرتزقة من البلاد العربية الموجودة فيها، وكذلك توقيع عقوبات على الدول العربية المخالفة لميثاق الجامعة من أجل الحفاظ على سيادة الدول العربية واستقلالها، وتحقيق الأمن والاستقرار فيها، وإنشاء محكمة عليا بجامعة الدول العربية لمحاكمة عملاء الدول الأجنبية والإقليمية، والذين يستعدون الدول الأجنبية والإقليمية على بلادهم، وكذلك محاكمة مجرمي الحروب من المسؤولين والحكّام العرب.
البريد الكتروني : Suhaila_hammad@hotmail.com
المصدر: جريدة المدينة جامعة الدول العربية.. أين هي؟! – جريدة المدينة (al-madina.com)