سهيلة زين العابدين حمّاد

  ممّا يُثير الدهشة والاستغراب أنّ  بعض  المثقفين المسلمين يعتبرون التهنئة بالسنة الشمسية الميلادية من المحرّمات على المسلمين، فالاحتفال بها من وجهة نظرهم أنّها من ثقافات المسيحيين وليست من ثقافة الأمة الإسلامية، ولأنّنا في حالة انهزام ثقافي في العصر الحديث يلتفت بعض المثقفين المسلمين إلى هذا التاريخ الميلادي الذين يُنظر إليهم ـــ من قِبل هؤلاء ـــ  أنّهم غير متدينين، ومنهم إن هنّاته بالسنة الشمسية الميلادية الجديدة، يقول لك ردًا على تهنئتك :

لا تٌهنِّنيني بعامٍ ليس عامي    لستُ قِسِّيسًا ولا جدي ابن حام

أنت يا هذا حنيــفٌ مسلـــمٌ       رأسُ عامي غُرّةُ الشهر الــــــحرامِ

  والغريب أنّ هؤلاء المثقفين قد ربطوا الاحتفال بمقدم السنة الشمسية الجديدة بمناسبة دينية تخص المسيحين، وهي ميلاد المسيح عليه السلام، وليس هناك تاريخ مثبت في الكتاب المقدّس يحدد تاريخ مولد المسيح عليه السلام، ولكنّ القرآن الكريم بيّن أنّه وُلد في فصل الصيف، يوضِّح هذا قوله تعالى لستنا مريم عندما جاءها المخاض:(فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَىٰ جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَٰذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا * فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا * وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا)[مريم:23ــــ 25]

 ومعروف أنّ الرطب لا يكون  إلّا في فصل الصيف، ولكن آباء الكنيسة حدّدوا في مجمع نيقية عام 325م موعد الاحتفال بمولد المسيح عليه  بدءًا من ليلة 24 ديسمبر ونهار 25 ديسمبر في التقويمين الغريغوري( الكنائس الكاثوليكية)  واليولياني( الكنائس الأرثوذكسية)  غير أنّه وبنتيجة اختلاف التقويمين ثلاث عشر يومًا يقع العيد لدى الكنائس التي تتبع التقويم اليولياني عشية 6 يناير ونهار 7 يناير، فلا علاقة له برأس السنة الشمسية الميلادية، وإن كان كتّاب التأريخ الإنساني والحضاري والسياسي والثقافي للعالم اختاروا التقويم الشمسي لتسجيل وتدوين هذا التاريخ ، وما كان قبل اعتماد التاريخ الميلادي اطلقوا عليه قبل الميلاد، ورمزوا إليه ب( ق. م) وما كان بعد الميلاد رمزوا إليه بِ (م)

والتقويم القمري الشمسي  يُستخدم في العديد من البلدان، ويعتمد على دورتي الشمس والقمر، حيث يكون طول السنة بالمعدل على طول مسار الأرض حول الشمس (أي 365 يوما وربع تقريبًا)،أما طول الشهر بالمعدل فيكون على طول مسار القمر حول الأرض(أي 29 يوما ونصف تقريبا)وبسبب نقص السنة القمرية عن الشمسية بأحد عشر يومًا تقريبًا بما يعدل النقص بين هاتين الدورتين من خلال إضافة شهر كامل للسنة إذا تراجع التقويم 30 يوما مقارنة بمرور المواسم في بعض السنوات، ولهذا يضاف إليه شهرًا واحدًا جاعلًا  بذلك السنة 13 شهرًا، بدلًا من 12.

والعديد من التقاويم تستخدم التقويم القمري الشمسي منها: التقويم العبري والتقويم الهندوسي والتقويم البنغالي والتقويم الياباني والتقويم الكوري والتقويم الصيني والتقويم الهيليني والتقويم البابلي.

 أمّا التقويم القمري هو تقويم يعتمد على دورات القمر الكاملة كأساس لحساب الأشهر، حيث تكون كل 12 دورة سنة قمرية، على عكس التقاويم الشمسية، التي تعتمد دوراتها السنوية بشكل مباشر فقط على السنة الشمسية. التقويم الميلادي – وهو التقويم الأكثر استخدامًا- هو تقويم شمسي تطور في الأصل من نظام التقويم القمري. يتميز التقويم القمري البحت أيضًا عن التقويم الشمسي قمري، الذي يتم مواءمة الأشهر القمرية الخاصة به مع السنة الشمسية من خلال بعض عمليات النسيء أو الاقحام . ويختلف الطور القمري الذي يحدد موعد بدء الأشهر من تقويم إلى آخر، حيث يعتمد البعض طور المحاق، والبعض الآخر البدر، وآخرون الهلال، والبعض الآخر يستخدم حسابات مفصلة. من أمثلة التقويم القمري التقويم الصيني والعبري والهندي، والهجري( الهلالي) فلم يُعمل به إلّا في عهد عمر بن الخطّاب رضي الله عنه، والذي جعله يبدأ بهجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة قبل 1443 سنة، فكيف نُسقط تاريخ الإنسانية السابق لهذا التاريخ حتى لا نكون انهزاميين كما يقول البعض؟

  وممّا يجدر ذكره أنّ مولد الرسول صلى الله عليه وسلم أُرّخ بعام الفيل الذي وافق عام 571م، وهو التاريخ الذي أعتمده كتّاب السيرة.

   وإن أردنا إعادة كتابة التاريخ الإنساني بالتاريخ الهجري، فللأسف لا يعرفه أغلبية سكان الأرض بمن فيهم غالبية المسلمين، ثمّ أنّ طلبة العلم العرب والمسلمين الذين يدرسون في جامعات أمريكية وأوروبية وحتى جامعات عربية إسلامية نجدهم يكتبون تواريخ العلوم المتخصصين فيها وتواريخ الاكتشافات العلمية فيها بالتاريخ الشمسي الميلادي  لأنّه السائد والمُتعامل به، ويكتبونها باللغات المعتمدة في تلك الجامعات التي ليست منها اللغة العربية بما فيها بعض الجامعات العربية.

فالأمر يتعلّق بدورات الشمس والقمر التي هي من عند الله الخالق جل شأنه ، والتهنئة برأس السنة الشمسية الميلادية لا علاقة له بدين، وليس فيه مخالفة دينية من قبل المسلمين، أو عدم تديًّن، أو انهزامية أُمّة أمام أخرى، يقول تعالى:(هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ ٱلشَّمۡسَ ضِیَاۤءࣰ وَٱلۡقَمَرَ نُورࣰا ‌وَقَدَّرَهُۥ ‌مَنَازِلَ لِتَعۡلَمُوا۟ عَدَدَ ٱلسِّنِینَ وَٱلۡحِسَابَۚ)[يونس: 5]

وقد تمسّك المسلمون بالتقويم الهلالي الهجري لمعرفة مواقيت الحج والصيام (یَسۡألُونَكَ عَنِ ٱلۡأَهِلَّةِۖ قُلۡ هِیَ مَوَٰاقِیتُ لِلنَّاسِ ‌وَٱلۡحَجِّ)[البقرة: 189] وحدث الهجرة أهم حدث لتكوين دولة الإسلام الأولى، ولكن للأسف نجد هناك من المسلمين من يُحرّم الاحتفال بقدوم سنة هجرية جديدة.

(إِنَّ ‌عِدَّةَ ‌ٱلشُّهُورِ عِندَ ٱللَّهِ ٱثۡنَا عَشَرَ شَهۡرࣰا فِی كِتَٰابِ ٱللَّهِ یَوۡمَ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ مِنۡهَاۤ أَرۡبَعَةٌ حُرُم)[ التوبة: 36]

البريد الالكتروني: Suhaila_ hammad@hotmail.com

Leave a Reply