بحوث ومؤتمرات

ماذا وراء إيجاد خطاب لغوي أنثوي

By 21 مارس، 2021أبريل 26th, 2021No Comments

ماذا وراء إيجاد خطاب لغوي أنثوي ورقة عمل مقدمة من سهيلة زين العابدين حمّاد للمؤتمر السادس لجمعية لسان العرب تحت رعاية الأمين العام لجامعة الدول العربية الأستاذ عمرو موسى وعقد في مقر جامعة الدول العربية في الفترة من 6ـ 8\11\ 1999م تحت رعاية الأمين العام لجامعة الدول العربية ،في الفترة من 6/8/11/1999م عقد المؤتمر السادس لجمعية لسان العرب في مبنى جامعة الدول العربية ،وقد شارك فيه عدد من الباحثين اللغوين في مقدمتهم الأستاذ الدكتور “كمال بشر ” ،وقد لفت انتباهي عدد من البحوث التي يزعم أصحابها أنَّهم يهدفون تبسيط اللغة العربية ،وأحد هذه البحوث غيَّر فيه صاحبه شكل الحروف العربية ،وجعلها ثلاث وثلاثين حرفاً بدلاً من ثمانية وعشرين حرفاً ،أو تلك الباحثة التي تعمل في الجامعة الأمريكية التي ألغت حركات الضبط واستبدلتها بالأحرف ،فالواو بدل الضمة ، والألف بدل الفتحة ، والياء بدل الكسرة ،والنون بدل التنوين ،فإذا ما كتبنا كلمة “قيراط” مثلاً تُكتب هكذا “قييرااطن!! ها القارئ الكريم هل تستطيع معرفة قراءة هذه الكلمة؟؟ والبعض دعا إلى التسامح في استعمال المصطلحات الأجنبية بكثرة ،ولكن هناك صرخة صامتة قدمتها إحدى الأخوات الصم نيابة عن زملائها وزميلاتها الذين حضروا هذا المؤتمر ،وجاؤا من الإسكندرية ،قالت في كلمتها التي ترجمها لنا أحد خبراء قراءة الشفايف ،كانت كلمتها عتاباً لعلماء اللغة العربية الذين لم يفكروا في الصم ،فيبتدعون طريقة لفهمهم بدون وسيط ،كما تكن برايل من اكتشاف طريقة يقرأ بها كفيفوا البصر ،قالت هذه الأخت : إنَّني لا أريد أن يكون وسيطاً بيني وبين الطبيب الذي اذهب إليه لعلاجي ،فقد تكون لديَّ أسراراً لا أريد أن يطلع عليها سوى طبيبي ،ثُمَّ أنِّني أريد أن أشعر أنَّ مثلي مثل الآخرين أستطيع التفاهم معهم مباشرة دون مترجم إشارات. وقد أثارت هذه الكلمة اهتمام اللغة الذين كانوا في المؤتمر ،وأذكر أنَّ الأستاذ الدكتور كمال بشر قال : سنهتم بهذه القضية ،فهي جديرة بالاهتمام ،وكيف لم نفكر فيها من قبل ،وكان من الحضور أحد المستشرقين الألمان ،وقال إنه يوجد لديه في جهاز الكمبيوتر برنامجاً يساعد الصم على التفاهم به عن طريقه بلا مترجم إشارات. تأنيث اللغة: هذا وقد شاركتُ في هذا المؤتمر بورقة عمل بعنوان ” ماذا وراء إيجاد خطاب لغوي أنثوي؟ قلتُ فيها : بما أنّ اللغة العربية لغة القرآن الكريم ،فهي هدف من الأهداف الهامة التي يسعى أعداء الدين الإسلامي لهدمها ،وبالتالي هدم الدين ،ووسائلهم لمحاربة القرآن في لغته كثيرة منها : دعوتهم إلى الكتابة باللهجة العامية ،والكتابة بالحروف اللاتينية ،وكتابة القرآن الكريم بالخط الإملائي . ومنذ سنوات قلائل ظهرت على السَّاحة دعوة جديدة تبنَّاها بعض الحداثيين العرب ظاهرها مناصرة المرأة ،وباطنها هدم الدين الإسلامي وإفساده بإسقاط بعض التكاليف الدينية عن المرأة ،وذلك عن طريق إفساد اللغة العربية بإيجاد خطاب لغوي أنثوي ،وأطلقوا عليه ثقافة “الجندر” أي ثقافة النوع. وكما ترون أنَّ كلمة “جندر” Gender كلمة إنجليزية ،فما دخلها في اللغة العربية؟ كلنا يعرف أنَّ الخطاب في القرآن الكريم قائم على صيغة العموم للذكور والإناث معاً كقوله تعالى ( يا أيها النَّاس ) ،( يا أيها الذين آمنوا ) ، ( إنَّ الذين آمنوا) ، وهذا دليل على التكافؤ والمماثلة ،وهذا لم يمنع أنَّه جلَّ شأنه خصَّ النساء بالخطاب في آيات كثيرة كقوله تعالى : ( يا أيها النَّبي إذا جاءك النساء يُبايعنك على أن لا يُشركن بالله شيئاً ولا يسرقن ولا يزنين ولا يَقْتُلن أولادهُنَّ ولا يأتيِنَ بِبُهْتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك في معروفٍ فبايعهنَّ واستغفر لَهُنَّ اللهَ إنَّ اللهَ غفورٌ رحيم) فهنا خصَّ جلَّ شأنه النساء بالخطاب ليعلن أن بيعتهن مستقلة عن بيعة الرجال. أيضاً خصَّهن بالخطاب في بعض الآيات كقوله تعالى ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهوْن عن المنكر ) وقوله تعالى : ( والزَّانية والزَّاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ) ،وقوله تعالى : ( والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما). وقوله تعالى في سورة النَّمل آية 97 ( من عمِلَ صَالِحاً من ذكرٍ أو أُنْثى وهو مؤمن فلنحيينَّه حياةً طيبةً ولَنجزيَنَّهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون) وقوله تعالى في سورة غافر ( ومن عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فاؤلئك يدخلون الجنَّة) وقوله تعالى: ( يا أيها النَّاس إنَّا خلقنَاكُمْ من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إنَّ أكرمكم عند الله أتقاكم ). هذه الآيات وغيرها إنَّما جاء الخطاب فيها للنساء كما جاء فيها للرجال ،رداً على ما أثير من تساؤلات في المجامع الكنسية في القرن السادس الميلادي قبيل ظهور الإسلام حول ماهية المرأة؟ هل المرأة إنسانٌ ذو نفسٍ وروحٍ خالدة؟ وهل هي أهل لأن تتلقى الدين؟ وهل تصح منها العبادة ؟ وهل يُتاح لها أن تدخل الجنة في الآخرة ؟ وغيرها من التساؤلات. فجاء الرد الإلهي عليهم بهذه الآيات التي بيَّن فيها أنَّ المرأة إنسانة مثلها مثل الرجل كلاهما خلق من نفس واحدة ،متساوية في الأجر والثواب والحدود والعقوبات ،تدخل الجنة أ، آمنت بالله وعملت صالحاً وتدخل النَّار إن كفرت بالله ،وأنَّ مقياس الأفضلية عند الله جلَّ شأنه بين البشر ذكوراً وإناثاً التقوى ، معلناً أنَّ المرأة تصح منها العبادة في فوله تعالى : ( مسلمات مؤمنات فاتنات تائبات عابدات ) فعندما يشمل المرأة بخطاب العموم ليس فيه انتقاص للمرأة والتقليل من شأنها كما يزعم البعض ليثيروا المرأة العربية على لغتها ويجعلوها تتمرد عليها ،وليفسدوا الدين الإسلامي من خلالها بإسقاط ما عليها من تكاليف والتزامات وردَّت في صيغة العموم مثل الصيام في قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا كُتِب عليكم الصِّيام كما كُتِب على الذين من قبلكم ) ،لأنَّ تخصيص الأنثى بخطاب لغوي في كل الأحوال يجعل المرأة المسلمة بمرور الزمن تقول إنَّ الصيام لم يفرض عليّ لأنَّ صيغة الخطاب للذكور ،ولم يخصني الله بالخطاب ، وهذا ما يريد الأعداء الوصول إليه. ومبررات دعاة الخطاب الأنثوي لدعوتهم كثيرة ،وكلها في مجموعها مبررات واهية لا تستند على أسس علمية ، وإنَّما تقوم على نظريات وأقاويل وأبطال وبطلات من ورق ،وإليكم بعض هذه المبررات ،وسأسوقها لكم من كتاب ” المرأة واللغة ” للدكتور عبد الله الغذَّامي ،وهو متزعم هذه الدعوة ،وهمه كله في السنوات الثلاث الأخيرة العمل على نشرعها ،فما من مؤتمر أو ندوة يحضرها ،أو محاضرة عامة يحاضر فيها ،أو حديث صحفي أو تلفازي يدلي بهما إلاَّ ويتحدث عن هذا الهم الكبير الذي يشغله ،وهو إيجاد خطاب لغوي أنثوي ،ويرى في هذا حلاً لمشاكلها ،وفكاً لعقدها ،وكمالاً لتحريرها. ويلخص هذه المبررات في الآتي : أولاً : إنَّ المرأة تشعر بأنَّها رجل ناقص ،ـ هكذا يقول فرويد ـ لنقصان عضو الذكورة ،وليدعم نظرية “فرويد” نجده صوَّر الحياة بالنسبة للمرأة ،كلها بؤس وانهزام وانكسار وخضوع للرجل ،والرجل هو القوي ،المتسلط ،المستبد الذي يقهر المرأة ويذلها ويغلبها ، والمرأة لا حول لها ولا قوة ،كل أملها وطموحها ،وتطلعها في هذه الحياة أن تكون رجلاً كاملاً فتارة تتزيا بزيه ،وتنتحل شخصية الرجل للظهور بمظهر الرجال مثل عازف الجيتار ” بيلي تيتون” الذي تزوج من امرأة وتبنى أولاداً ذكوراً عاش حياته كلها كرجل ،والحقيقة أنَّها كانت أنثى عاشت في ثوب رجل ،وتارة ثانية تكون الأنثى أنثى ،ولكن لها اسم رجل ،وتتصرف تتصرف الرجال ،وتسلك سلوك الرجال إنَّها الأستاذة ” طلعت ” إحدى بطلات قصص غادة السَّمان ،,تارة ثالثة تتسمى أنثى باسم رجل مثل ” جورج إليوت” ،و”جورج صاند ” ،وتارة رابعة تُنقِصُ الرجل عضواً من أعضائه ليكون رجلاً ناقصاً مثلها ،كما في رواية “ذاكرة الجسد” لأحلام مستغانمي ،وتارة خامسة عن طريق إحلال روح رجل في جسد أنثى ،كما جاء في قصة الأصلة لرجاء عالِم ، إذ تنتقل روح ابن طفيل بين عدد كبير من الإناث،وتارة سادسة تُصاب المرأة بالجنون لإحساسها أنّها امرأة ناقصة لأنَّها لم تكن أماً لأنَّها لا تكون امرأة كاملة غلاَّ بإنجاب طفل ـ طبقاً لنظرية فرويد ـ ،وقد حرمت من ذلك ؛إذ أوهمها زوجها ،والذي أصيب بعقم إثر إصابته بحادث ،أنَّها هي العاقر لأنَّه كان متزوجاً من قبلها ولديه بنت ،وعندما اكتشفت هذه الحقيقة أصيبت بالجنون. تلكم قصة الأديبة المعروفة “ملك حفني ناصف” . وتارة سابعة تموت من فرط إحساسها بالاكتئاب لكونها أنثى ،إنَّها الأديبة “مي زيادة” . وهكذا نجد الأمثلة لحالات شاذة ،ولبطلات من ورق ،ليوهم المرأة أنَّ جميع عقدها ومشاكلها مبعثها شعورها بأنَّها “رجل ناقص” ،ولن يزول هذا الشعور غلاَّ بإيجاد خطاب لغوي خاص بها ،كما نلاحظ هنا أنَّ الدكتور الغذَّامي باستناده على نظرية فرويد بأنَّ المرأة رجل ناقص: 1-خالف النص القرآني ( لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم). 2- أقرَّ عقيدة تناسخ الأرواح القائمة عليها قصة ” الأصلة ” لرجاء عالم ،وذلك من خلال تحليله لها ،وهذا يتنافى مع عقيدتنا الإسلامية ،ومعروف أنَّ عقيدة تناسخ الأرواح من العقائد البوذية والهندوكية أخذتها منها الفرق الباطنية. 3- تجاهل تكريم الإسلام للمرأة والآيات الكريمات التي خصَّ بها الله شأنه تكريماً لها كأم وزوجة ،وابنة ،وكذلك الآيات لكريمات التي قدَّمت لنا نماذج من النساء المؤمنات الطاهرات العابدات القانتات ،وكذلك ما ورد في السنة النبوية المطهرة من فضائل الصحابيات الجليلات رضوان الله عليهن. 4- تجاهل ما حققته المرأة المسلمة من مكانة علمية عظيمة في كنف الإسلام ،وما كانت لها من مشاركات في الحياة العامة في مختلف العصور. ثانياً : استناده على مقولة لمي زيادة ،تقول فيها : “نحن نكتب بلغة لسنا فيها ” ليجعل منها القاعدة والمرتكز لمبرراته اللغوية ،وهذا أوقعه في المغالطات التالية: 1- فقد اعترض على الخطاب اللغوي للزوجة بزوج ،وهو هنا يلمح إلى الخطاب القرآني ،لأنَّه لم يرد لفظ زوجة في القرآن ،وإنَّما يُشار إلى الزوجة بِ “زوج” للمماثلة والتكافؤ (ولهنَّ مثل الذي عليهن بالمعروف) 2- كما نجده أخضع اللغة للمنطق ،وهذا لا يقره اللغويون ،لأنَّه من المُسلَّمات عدم خضوع اللغة للمنطق ،فمثلاً جاء في قوله تعالى : ( وجاءت الرسل) ،وهنا أُلحقت تاء التأنيث ،بجمع تكسير للمذكر ،وهناك أسماء ذكور تنتهي بتاء التأنيث ،مثل : شوكت ،وطلعت ،وبهجت ،أو تنتهي بتاء مربوطة دالة على مؤنث ،مثل : حمزة ،وعرفة ،وعطية ، وصدقة ،وغيرها. 3- وقع الدكتور الغذَّامي في خطأ كبير حين احتج على نسبة الأولاد لآبائهم مع أنَّ الله جل شأنه أمر بذلك حفظاً للأنساب .. كقوله تعالى : ( ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله) ،كما نجده جلَّ شأنه نسب الأولاد إلى آبائهم في قوله “بني إسرائيل” ، و”ابنة عمران” ،و ” يا بني آدم ” ،و” آل ياسين”. هذه باختصار شديد مبررات الدكتور عبد الله الغذَّامي لإيجاد خطاب لغوي أنثوي للمرأة مع حشد كبير للعبارات التي تشعر المرأة بالقهر والنقص ،وأنَّها مكممة الفم ،ولا تتحدث إلاَّ إذا لها الرجل ،وأنَّ الرجل هو الذي يهبها آلة الكلام ،وهي اللسان ،وهذا يتنافى مع ما جاء في القرآن الكريم ،أنَّ الله خلق الإنسان ،وخلق له لساناً وشفتيْن ،وهو الذي علَّمه البيان. ولهجة الخطاب التي استخدمها الدكتور الغذَّامي هي ذات اللهجة التي سمعتها في مؤتمر مائة عام على تحرير المرأة ،والهدف منها تحريض المرأة على الثورة على واقعها ،وعلى أسرتها ،وعلى أمومتها ،وزوجيتها ،,لغتها ،وكما قلتُ في المقدمة إنَّ دعوة إيجاد لغة أنثوية أو دعوة تأنيث اللغة ـ مع أنَّ الكلمة مؤنثة ،وكذلك كلمة “كتابة”،,جمعهما جمع مؤنث سالم ـ قد دعا إليها الحداثيون ،والحداثة كما أوضحت الكاتبة البريطانية “فرانسيس ستوندرز Frances Stonor Slunders في كتابها “مَن يدفع التكاليف؟”الصادر في يوليو عام 1999م ،قيام الحكومة الأمريكية عبر وكالة المخابرات المركزية لإيجاد مدارس وتيارات ثقافية كاملة ،ومنها تيَّار الحداثة ،ودعم مجلة الحوار العربية ،وغيرها ، تتضح أمامنا هذه الدعوة ومراميها خاصة إن عرفنا من هم وراء المخابرات الأمريكية ،وإلى ماذا يهدفون؟ أرجو من مؤتمركم هذا أن يتصدى لهذه الدعوة ،وأن يصدر من ضمن توصياته ما يحول دون رواجها ،وان تتولى جامعة الدول العربية هذا المر بمنع طرح قضية الخطاب الأنثوي في المؤتمرات أو المحاضرات ؛غذ لاحظتُ أنَّها في خلال ثلاث سنوات قد انتشرت بشكل كبير وملحوظ لأنَّ الحداثيين منتشرون بكثرة في جميع أنحاء وطننا العربي. في النهاية أشكر سعادة الدكتور عاطف نصَّار على إتاحته لي فرصة الحديث إليكم ،كما أشكره وأشكر جميع أعضاء جمعية لسان العرب على غيرتهم على اللغة العربية ،وحرصهم على سلامتها.

Leave a Reply