حديث الذكريات

حديث الذكريات ٥

By 20 March، 2021April 26th, 2021No Comments

دراستي في جامعة الأزهر(5)  أنا والدكتورة سيدة كاشف (ب)  بقلم/ د. سهيلة زين العابدين حمّاد توقفتُ في الحلقة الماضية عن ترجمات المستشرقين للقرآن الكريم والمآخذ عليها ,وتوقفت عند موقفهم من الحديث الشريف الذي سأحدثكم عنه في هذه الحلقة. وسأبدأ بما كتبته الدكتورة سيدة كاشف في هذا الصدد في صفحة 25 : ” أمَّا الأحاديث فتتصل اتصالاً وثيقاً بنشأة التاريخ عند العرب بعد القرآن ، وتعني كلمة “حديث” في الأصل ” الخبر” ، أو “الرواية الشفوية” في موضوع ديني أو دنيوي . ثُمَّ اتخذت معنى خاصاً في الإسلام فصارت تعني أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم  .أمَّا كلمة “سنة” فتعني طريقة التصرف العادي في النواحي الاجتماعية والدينية والقانونية .وكانت هذه الكلمة معروفة عند العرب الجاهلين ، وتعني العادة المتبعة عندهم .فلمَّا جاء الإسلام صارة تعني عادة الرسول صلى الله عليه وسلم أي عمله أو أقرَّه ، أو رآه فلم ينكره ، فالحديث يشير للقول ، والسنة تشير للعمل ، وقد تكون السنة مشمولة بحديث ،كما يتضح من قول الإمام أحمد بن حنبل “في هذا الحديث خمس سنن” ثُم تتحدث عن الوضع في الحديث في صفحة  26 فتقول : ( والواقع أنَّ أئمة الحديث متفقون على أنَّ أحاديث كثيرة وضعتها جهات مختلفة ، ويشير ابن حزم صاحب “الفصل في الملل والأهواء والنحل ” إلى وضع أحاديث في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه ، ومنذ الفتنة الأولى في الإسلام زمن عثمان بن عفَّان أخذ وضع الحديث يزداد وينمو حتى استفحل الأمر فيما بعد .فنرى الأمويين يروجون الأحاديث في فضائل عثمان ، وفضائل الأمويين .وقد وضع العباسيون أحاديث تؤيد حكمهم ،وتثبت حقهم في الخلافة…) ثُمَّ نجدها تزعم أنَّ علماء الحديث قد اهتموا برواة الحديث ،وأهملوا في التدقيق في متنه ،زاعمة أنَّ كثيراً من الأحاديث مثار نقاش حول مدى صحتها ودقتها ،فتقول في صفحة 28: ( وكان ابتلاء الحديث بالوضع سبباً في عناية المحدثين بالتنقيب والتدقيق فيه .ومع أنَّ علماء الحديث بذلوا جهداً عظيماً رائعاً في هذا الميدان إلاَّ أنَّ اهتمامهم كان منصباً على النقد الظاهري دون الباطني أي على الرواة ورجال السند دون نصوص الحديث .والواقع أنَّ محاولات رجال الحديث لم تؤد إلى تنقيته التامة فظل كثير من الأحاديث مثار نقاش حول مدى صحتها ودقتها.) وتتحدث عن تدوين الحديث فتقول : ( ويظهر أنَّ التدوين المنظَّم للحديث كان في القرن الثالث الهجري ،إذ ظهرت في مجموعات من كتب الحديث أهمها عند السنة ستة…إلى أن تقول في صفحة 32 : ( وهناك رواية تنسب للإمام مالك بن أنس مؤداها أنّ الخليفة عمر بن عبد العزيز ( 99ـ 101هـ) أمر قاضيه على المدينة ـ أبا بكر محمد بن عمر ابن حزم ـ أن يكتب له ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته خوفاً من ضياع العلم ،وذهاب العلماء .وهذا الخبر يرد في طبعة واحدة لموطأ مالك ،وهي رواية محمد الحسن الشيباني .ولا يشير جامعو الأحاديث في القرن الثالث الهجري إلى هذا الجمع في زمن عمر بن عبد العزيز.)  هذا أخطر ما جاء في كتاب الدكتورة سيدة عن السنة النبوية المطهرة، وكان مضمون ردي عليها في إجابة الامتحان كالتالي : في البداية لي وقفة عند تعريفها للسنة وقصرها على أفعال الرسول ،وقد تكون مشمولة بحديث . تعريف السنة لغة :  الطريقة محمودة كانت أو مذمومة ،ومنه قوله صلى الله عليه وسلم : ( من سنَّ سنة حسنة فله أجرها ،وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ،ومن سنَّ سنة سيئة فعليه وزرها من عملها إلى يوم القيامة . السنة في اصطلاح المحدثين: ما أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير ،أو صفة خلقية أو سيرة سواءً كان قبل البعثة أو بعدها.، وهي بهذا ترادف الحديث عند بعضهم. السنة في اصطلاح الأصوليين: ما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير . فمثال القول : ما تحدث به النبي صلى الله عليه وسلم في مختلف المناسبات ممَّا يتعلق بتشريع الأحكام كقوله عليه الصلاة والسلام : ( إنَّما الأعمال بالنيات ) ،وقوله : ( البيعان بالخيار مالم يتفرقا) ومثال الفعل : ما نقله الصحابة من أفعال النبي صلى الله عليه وسلم في شؤون العبادة وغيرها ،كأداة الصلوات ،ومناسك الحج ،وآداب الصيام ،وقضائه ،وغيرها. ومثال التقرير: ما أقره الرسول صلى الله عليه وسلم من أفعال صدرت عن بعض أصحابه بسكوت منه مع دلالة الرضى ،أو بإظهار استحسان وتأييد. أمَّا عن الوضع في الحديث فكما هو ثابت من إجماع العلماء والفقهاء والمحدثين والمؤرخين المسلمين أنَّ الوضع في الحديث قد بدأ زمن الفتنة الكبرى المؤلمة [1]،فلقد كانت سنة 40 هـ هي الحد الفاصل بين صفاء السنة وخلوصها من الكذب والوضع ،وبين التزيد فيها واتخاذها وسيلة لخدمة الأغراض السياسية والانقسامات الداخلية[2] . ولم يقع الوضع في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ؛ إذ لم يصح في ذلك شيء ، وقد غلب على ظن أحمد أمين أنَّ حديث ( من كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار ) إنَّما قيل في حادثة زور فيها على الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولكن ما ذهب إليه لا سند له في روايات التاريخ ، ولا في سياق الحديث ،فالنبي صلى الله عليه وسلم إنَّما قال ذلك حين أمر أصحابه بالتبليغ عنه ،وفيه دلالة على أنّ النبي صلى الله عليه وسلم توقع ما سيكون من كذب عليه فحذر من ذلك ،ونبَّه أصحابه إلى أخذ الحيطة والتيقظ في قبول الأحاديث ،ولم يصح دليل على أنَّه قال في حادثة تزوير معينة. ولا شك أنَّ تعلق الصحابة بالإسلام ، وما بذلوه من تضحيات جسام في النفس والمال والأولاد يقطع بإخلاصهم ونزاهتهم وصدقهم وعدالتهم ،قال البراء ( ما كل نحدثكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعناه منه ،منه ما سمعناه منه ، ومنه ما حدَّثنا أصحابنا ونحن لا نكذب)، وذكر أنس رضي الله عنه  حديثاً فقال له الرجل : أنت سمعت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم أو حدَّثني من لا يكذب ، والله ما كنا نكذب ، ولا ندري ما الكذب ، وكان أنس يغضب إذا سئل عن حديث أسمعه من النبي صلى الله عليه وسلم ، ويقول :” ما كان بعضنا يكذب على بعض” . وكذلك لا توجد أدلة على وقوع الوضع في خلافة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ،ولا شك أنَّ كثرة الصحابة الكبار ووحدة الأمة في هذه الفترة المبكرة منعت من ظهور الوضع في الحديث[3]. وهذا يؤكد عدم صحة ما ذكرته الدكتورة سيدة في قولها : ( ويشير ابن حزم صاحب “الفصل في الملل والأهواء والنحل ” إلى وضع أحاديث في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه ،ومنذ الفتنة الأولى في الإسلام زمن عثمان بن عفَّان أخذ وضع الحديث يزداد وينمو حتى استفحل الأمر فيما بعد …) وعند رجوعي إلى كتاب “الفصل في الملل والأهواء والنحل ” لابن حزم  فلم أجد فيه ذكر إلى وضع الحديث في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولعلَّها استندت إلى قولها هذا قول ابن حزم  في الجزء الرابع في فصل “الكلام في محمد صلى الله عليه وسلم ” ( وأمَّا الخبر المذكور الذي فيه :” لقد عرض على عذابكم أدنى من هذه الشجرة ،ولو نزل عذَّاب ما نجا منه إلاَّ عمر” . فهذا خبر لا يصح لأنَّ المنفرد بروايته عكرمة بن عمَّار اليمامي ،وهو ممن قد صحَّ عليه وضع الحديث أو سوء الحفظ أو الخطأ الذي لا يجوز معهما الرواية عنه ،ثمَّ لو صحَّ لكان القول فيه كما قلنا من أنَّه قصد الخير بذلك ) فهذا القول لا يستدل به  على أنَّ الوضع كان في عهد الرسول صلى الله عليه وسلَّم ،بل بالعكس قوله أنَّ “عكرمة بن عمَّار اليمامي انفرد بروايته أكبر دليل على أنَّه ليس في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ،لأنَّه لو كان في عهده فقد يكون سمعه مباشرة من الرسول عليه الصلاة والسلام ،ولا غبار هنا على الرواية المفردة ،كما أنَّه ليس بصحابي ،وابن حزم لم يقطع بوضعه الحديث ،فقال : ” قد صحَّ عليه وضع الحديث ، أو سوء الحفظ ،أو الخطأ الذي لا يجوز معهما  الرواية عنه. ولو بحثنا عن ترجمته في كتب الرجال سنجد ابن حجر العسقلاني قال عنه في “تهذيب التهذيب ” أنَّه توفي في إمارة المهدي عام 159 هـ ،وقال عنه في التقريب : ” أنَّه صدوق يغلط” فهذا يبين لنا أنَّه لم يعاصر الرسول صلى الله عليه وسلم ،فكيف بنت الدكتورة سيدة كاشف من هذه الرواية لابن حزم ،بأنَّ ابن حزم قال بوضع الحديث في عهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم؟؟ ولكن كما يبدو أنَّ الدكتورة سيدة كاشف متأثرة بمقولة الأستاذ أحمد أمين في فجر الإسلام، والمتأثر بمزاعم جولد تسهير بأنَّ الوضع كان في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ، وذلك في كتابة ” العقيدة والشريعة في الإسلام ” ليشكك في صحة السنة النبوية . ما مزاعم  المستشرق اليهودي جولد تسهير عن الوضع في الأحاديث؟        كان هذا المستشرق أول من قال بالوضع في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ،فقال في صفحة 41 من كتابه “العقيدة والشريعة في الإسلام ” : ( ولا نستطيع أن نفرد الأحاديث الموضوعة للأجيال المتأخرة وحدها ،بل هناك أحاديث عليها طابع القدم ،وهذا إمَّا قالها الرسول أو من عمل رجال الإسلام القدامى ) وعاد وصرَّح بعبارة أوضح فقال في صفحة 46 : ( إذ كانوا قديماً لا يروْن غضاضة في التصريح بأنَّ في الحديث قسماً غير صحيح ” كان يقال عن النبي في حياته كذباً كما كذب عليه بعد موته”، وحينما يرون من ناحية أنّ النبي أوعد المكذِّب بالنار ،فإنَّهم من ناحية يقررون مثل هذا الحديث : ” سيكثر التحديث عني ،كما حدثوا عن الأنبياء ،فما أتاكم عني فأعرضوه على كتاب الله ،فإن وافق كتاب الله فأنا قلته ،وإن خالف كتاب الله فلم أقله “) فجولد تسهير هو أول من أطلق أكذوبة الوضع في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم بقصد هدم السنة ، وكان متحفظاً في إطلاق هذه الأكذوبة ، ولم يطلقها دفعة واحدة ، وإنَّما نجد له عبارات متناثرة بين ثنايا الكتاب ،فهو لم يسترسل ويفصل ،وذلك لأنَّه يعلم أنَّ بصفته يهودي فلن يقبل المسلمون مقولته ، فمهمة الاسترسال والتجميع والتصريح أوكل بها لتلامذته من أبناء الإسلام لأنَّ المسلمين سيتقبَّلون منهم ما يقولون بصفتهم مسلمين ، وهذا ما تمَّ وحصل فها هو أحمد أمين ،ومحمود أبو رية وغيرهما كثير ، قد تجاوزوا كل الحدود ، وليثبتوا أنَّ الوضع تمَّ في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم أنكروا ما كتب من أحاديث في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ،بل أنَّ بعضهم اعتبر الوثيقة الصادقة “وثيقة عبد الله بن عمرو بن العاص ما هي إلاَّ أدعية .وادعى بعضهم أنَّ سيدنا أبي بكر رضي الله عنه أوقف الحديث وعطَّل السنة ،وأنَّ عمر بن الخطَّاب ،وعلي بن أبي طالب ،وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهم أحرقوا ومحوا ما يقع بين أيديهم من أحاديث ،بل نجدهم تجرأوا على صحابة رسول الله ،وطعنوا فيهم ، وأي صحابة ! إنَّهم من كبار الصحابة عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه ، وعبد الله بن عبَّاس ،وعبد الله بن عمر ، وأبي هريرة رضوان الله عليهم، والأكثر من هذا أنَّهم طعنوا في ذاكرة الصحابة ، وبذلك لم يدعوا مجالاً لصحة الحديث النبوي ، فهو لم يكتب وحرق ومحو كل ما كتب ، والذاكرة تخطيء ، مع التشكيك في رواية الأحاديث ، وهذا ما هدف إليه جولد تسهي ر ،فقد حقق له تلامذته ما يريد. أعود إلى شبه إنكار الدكتورة سيدة كاشف لرواية تدوين الحديث على رأس المائة في عهد عمر بن عبد العزيز، حيث قالت : ( وهناك رواية تنسب للإمام مالك بن أنس مؤداها أنّ الخليفة عمر بن عبد العزيز ( 99ـ 101هـ) أمر قاضيه على المدينة ـ أبا بكر محمد بن عمر ابن حزم ـ أن يكتب له ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته خوفاً من ضياع العلم ، وذهاب العلماء .وهذا الخبر يرد في طبعة واحدة لموطأ مالك ،وهي رواية محمد الحسن الشيباني .ولا يشير جامعو الأحاديث في القرن الثالث الهجري إلى هذا الجمع في زمن عمر بن عبد العزيز.) ،مؤكدة أنَّ التدوين المنظَّم بدأ في القرن الثالث الهجري .  ولست أدري على أي أساس استندت الدكتورة سيدة كاشف أنَّ جامعي الحديث في القرن الثالث الهجري لم يشيروا إلى الجمع في زمن عمر بن عبد العزيز، وبالتالي تشكك في حدوثه ؟ ثَّم أنَّ قوله : ” وهناك رواية تنسب للإمام مالك بن أنس  ..الخ ” يشكك في صحة الرواية ،مع أنّ الرواية صحيحة ، وقد تناقلتها كتب الحديث ،فقد أرسل عمر بن عبد العزيز إلى ولاته في الأمصار ـ وليس إلى أمير المدينة  فقط ،وهنا خطأ وقعت فيه الدكتورة سيدة ،فأبو بكر بن حزم كان أمير المدينة ، وليس قاضيها  ـ  : ( انظروا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجمعوه) .وكان فيما كتب إلى أهل المدينة : انظروا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فإنِّي خفتُ دروس العلم ، وذهاب أهله) ،كما وجَّه كتباً إلى الأئمة والأعلام ،ومن الذين كتب لهم محمد بن مسلم بن شهاب الزهري ،المتوفى سنة 124هـ.وما أن صدر هذا الأمر من الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز إلاَّ شمَّر الأئمة عن ساعد الجد ،فلقد آن أوان جمع السنة بعد أن كانت مبعثرة ،صحيفة هنا ،وصحيفة هناك ،أحاديث يحفظها هذا ،وأحاديث يحفظها ذاك ،وهذا الجمع ،وهذا التدوين كثيراً ما تمنوه ،وكثيراً ما أملوه ،فبدأ جمع الصحف ونسخها ،وإرسال النسخ إلى الخليفة ،ومن عنده صحف نسخ منها ما يرسله إلى الخليفة ،والخليفة يرسل إلى كل مصر دفتراً ،وشهدت فترة خلافة عمر بن عبد العزيز ، ثمَّ ما بعدها حركة علمية في ميدان السنة ،أسفرت عن كتابة السنة، وجمع كل ما كتب ـ وهو ما يعرف بالتدوين ـ ثمَّ تبويب وتصنيف هذا الجمع من الحديث . وممَّا يجدر التنبيه إليه أنَّ فترة خلافة عمر بن عبد العزيز لم تكن انطلاقاً في عالم التدوين فقط ، بل كانت مع ذلك انطلاقاً في عالم التحديث والرواية ،فأمر الأئمة أن يحيوا مجالس التحديث في المساجد ،فعن عكرمة قال : سمعتُ كتاب عمر بن عبد العزيز يقول : أمَّا بعد فآمر أهل العلم أن ينشروا العلم في مساجدهم ،فإنَّ السنة كانت قد أميتت) سمة التدوين والتصنيف في هذه المرحلة : عند بدأ العلماء في التدوين دوَّنوا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فقط ؛إذ كان كلام الخليفة إليهم : ولا يقبل إلاَّ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فلما كان عصر التصنيف ،والذي لا يزال إلى الآن ،أخذ أشكالاً مختلفة ،بدأت بأنَّه ضمَّ المرفوع والموقوف والمقطوع من الحديث ،فدوَّن الأئمة أقوال الصحابة ،وأقوال التابعين من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم ،كما يتضح ذلك من موطأ الإمام مالك ،وكانوا يؤلفون كل باب على حدة ،ومنهم من ألَّف في كل الأبواب ،ومنهم اقتصر على أبواب الأحكام فقط ،وظل الأمر على هذا ـ جمع أقوال الصحابة والتابعين مع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ إلى نهاية القرن الثاني.[4] السنة في القرن الثالث وما بعده: فلما كان القرن الثالث الهجري رأى بعض الأئمة أن يفرد حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة ،وهو ما يعرف بالمسند ، وظل بعض الأئمة على طريقة التدوين على الأبواب ، وكثر التدوين في هذه الفترة ، واتخذ نظماً وأسماء مختلفة منها “السنن” ،”المصنَّف” ، “المعجم” ،” الجامع” ،”الأطراف” ،” المستدرك” ، “المستخرج “،ولم تقف جهودهم عند جمع الأحاديث وترتيبها ، وإنَّما تعدَّت ذلك إلى شرح الأحاديث ،واستنباط ما فيها ، والجمع بين ما ظاهره التعارض ،وبيان الناسخ والمنسوخ ،وذكر أسباب ورود الحديث، وبيان حال كل حديث بدراسة إسناده ومتنه ،ممَّا جعل علم الحديث من مفاخر الأمة الإسلامية كعلم أخذ حقه كما ينبغي ،وفق أصول في غاية الدقة والكمال ،فلا تجد وجهاً من الوجوه إلاَّ وقد خدمت السنة منه ،ولا تخطر ببال أحدنا طريقة لخدمة السنة ،إلاَّ وتجد الأئمة قد سلكوها[5]. ولقد وضعوا قواعد عامة لتقسيم الحديث وتمييزه ،ولم يكتف العلماء بالتزام الإسناد والتثبت من الأحاديث بالارتحال إلى الصحابة ،وكبار التابعين ،وبمراجعتها ومقارنتها ،ومعرفة طرقها وأسانيدها ،ومعرفة رواتها وأحوالهم ،والثقة منهم والمجروح ،بل قسموا الحديث إلى صحيح وحسن وضعيف ،وتكلموا في أنواع الضعيف ،وبنوا ذلك على منشأ الضعف من السند أو المتن[6] . كما دوَّنوا علم علل الأحاديث سواءً علل الإسناد أو علل المتون. وقد دوَّن العلماء هذه القواعد ،وظهرت في كتب خُصصت لهذا الشأن ،مثل كتاب ” الكفاية في علم الرواية “للخطيب البغدادي ،وغيرها كثير . وهذا يؤكد أنَّهم اهتموا بالسند والمتن ، ولم يهملوا المتن كما قالت الدكتورة سيدة كاشف. هذا مضمون إجابتي في مادة منهج البحث العلمي  عن  سؤال الامتحان عن القرآن الكريم والحديث كمصدرين لأحداث التاريخ ،والتي فنّدتُ فيها ما كتبته الدكتورة سيدة كاشف عن القرآن الكريم والحديث ،ممَّا ينافي الحقيقة ،ويثير الشكوك حول صحتهما. أمَّا السؤال الثاني فكان نصه : أهم ملامح وسمات المنهج العلمي الذي انتهجه المؤرخون المسلمون القدامى في تسجيل وكتابة أحداث التاريخ في العصور الإسلامية .  وهذا ما سأحدثكم عنه في الحلقة القادمة إن شاء الله.

Suhaila_hammad@hotmail.com [1] -محمد الصبَّاغ : الحديث النبوي ، ص 305. [2] – د. مصطفى السباعي :السنة ومكانتها من التشريع ،ص 55. [3] – د. أكرم ضياء العمري : بحوث في السنة المشرفة ،ص 19 ،20. [4] – د. عبد المهدي عبد القادر : السنة ومكانتها ،ص 124. [5] – المرجع السابق : ص 124. [6] – محمد البشير ظافر الأزهري : تحذير المسلمين من الأحاديث الموضوعة ، ص 13.

Leave a Reply