قراءة في منهج التاريخ والحضارة الإسلامية(1)
مقولة الرسول صلى الله عليه وسلم صاحب الشّرع هي التي يرددها المستشرقون وجميع أعداء الإسلام للتشكيك في أنّ القرآن الكريم من عند الله، ويدّعون أنّه من محمد(صلى الله عليه وسلّم)
د. سهيلة زين العابدين حماد
الثلاثاء 17/06/2014
عندما نتساءل لماذا يُلحد بعض شبابنا؟ سنجد أنّ مناهجنا الدراسية ساعدت -عن غير قصد – أعداءنا في تنفيذ مخطط دفع بعض شبابنا إلى الإلحاد، وأقول قولي هذا بناءً على ما وجدته في مناهجنا، فعند قراءتي لمنهج الحضارة الإسلامية للثاني ثانوي لعام 1424/2003استوقفني وصدمني تعريف الخلافة، بأنّها» خلافة عن صاحب الشرع(الرسول صلى الله عليه وسلم)في حراسة الدين وسياسة الدنيا به»، وقد تمّ تحريف تعريف الماوردي للإمامة في الأحكام السلطانية وهو:» موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا»، فمقولة صاحب الشرع الرسول صلى الله عليه وسلم جد خطيرة تنفي أنّ الشرع من عند الله، فالله جلّ شأنه هو صاحب الشرع، وليس رسوله، فالرسول عليه الصلاة والسلام ما هو إلّا مبلّغ له، فمقولة الرسول صلى الله عليه وسلم صاحب الشّرع هي التي يرددها المستشرقون وجميع أعداء الإسلام للتشكيك في أنّ القرآن الكريم من عند الله، ويدّعون أنّه من محمد(صلى الله عليه وسلّم)، وهذا الذي نسمعه من الشباب المسلم الذين تمّ إلحادهم؛ فيقولون القرآن كلام محمد (صلى الله عليه وسلم)ولستُ أدري كيف غاب هذا عن مؤلفي المنهج الخمس، ومراجعيه الأربع، وغاب أيضًا على معالي وزير المعارف آنذاك، الذي أقر الكتاب بتوقيعه عليه، وفيه هذه العبارة ، فإذا درّسنا أولادنا وبناتنا هذه المقولة كيف نُقنعهم أنّ الإسلام دين سماوي؟
ولو بحثنا عن تعريف للخلافة بأسلوب يفهمه الطلبة والطالبات نجد تعريف وزارة الأوقاف المصرية الذي ينطبق على مفهوم الخلافة، وهو:» الخلافة في الإسلام منصب سياسي يجمع صاحبه بين السلطتين الزمنية والروحية، ولكن وظيفته الدينية لا تتعدى المحافظة على شرع الله»
من الأمور الخطيرة الواردة في هذا المنهج ما جاء في صفحة (109) تحت عنوان تدوين الحديث، وهذا نصّه : «بدأت كتابة الحديث في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ،ومن قبل بعض الصحابة، غير أنّ ذلك التدوين كان يجري على نطاق ضيّق للغاية، فقد أُثر عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله:» لا تكتبوا عني، ومن كتب عنّي غير القرآن فليمحه، وحدّثوا عنّي ولا حرج، ومن كذب عليّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النّار»، ثمّ أذن عليه الصلاة والسلم إذنًا عامًا حين نزل أكثر الوحي، وحفظه الكثيرون، وأمن اختلاطه بسواه..»
نحن نعلم أنّ هناك من يُثيرون شبهة عدم كتابة السنة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، مستدلين بحديث «لا تكتبوا عنّي، ومن كتب عنّي غير القرآن فليمحه»
مع أنّ هذا الحديث قد اختلف العلماء في وقفه ورفعه قال ابن حجر:» ومنهم من أعلّ حديث أبي سعيد، وقال: الصواب وقفه على أبي سعيد، قاله البخاري وغيره» وقال الخطيب البغدادي: «تفرد همّام برواية هذا الحديث عن زيد بن أسلم هكذا مرفوعا»
ونعلم أيضًا أنّ وضع الحديث بدأ عام 40هـ بعد أحداث الفتنة، ولكن المستشرق اليهودي «جولد تسهير في كتابه» العقيدة والشريعة في الإسلام» أول من أطلق أكذوبة وضع الأحاديث في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم بقصد هدم السنة، فقال في صفحة 46:» إذ كانوا قديماً لا يروْن غضاضة في التصريح بأنَّ في الحديث قسماً غير صحيح، وكان يقال عن النبي في حياته كذباً كما كذب عليه بعد موته» وكان تسهير متحفظاً في إطلاق هذه الأكذوبة، فلم يطلقها دفعة واحدة، وإنَّما نجد له عبارات متناثرة بين ثنايا الكتاب، فهو لم يسترسل ويفصل لأنَّه يعلم أنَّ بصفته يهودياً فلن يقبل المسلمون مقولته، فمهمة الاسترسال والتجميع والتصريح أوكل بها لتلامذته من أبناء الإسلام لأنَّ المسلمين سيتقبَّلون منهم ما يقولون بصفتهم مسلمين، وهذا ما تمَّ وحصل فها هو أحمد أمين، ومحمود أبو رية وغيرهما كثر قد تجاوزوا كل الحدود، وليثبتوا أنَّ الوضع تمَّ في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم أنكروا ما كتب من أحاديث في عهده، بل أنَّ بعضهم اعتبر الوثيقة الصادقة «وثيقة عبد الله بن عمرو بن العاص ما هي إلاَّ أدعية. وادعى بعضهم أنَّ سيدنا أبا بكر رضي الله عنه أوقف الحديث وعطَّل السنة، وأنَّ عمر بن الخطَّاب وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهم أحرقوا ومحوا ما يقع بين أيديهم من أحاديث.
فما ورد في منهج الحضارة الإسلامية عن تدوين الحديث يتم استغلاله لتأكيد هذه الشبهات، وتأكيد عدم التزام الصحابة رضوان الله عليهم بما يأمرهم به الرسول صلى الله عليه وسلم بعدم كتابة الحديث، فكتبه بعضهم في نطاق ضيق، ثم يذكر في نهاية المقطع صحيفة أبي هريرة، وفي الهامش: صحيفة سعد بن عبادة الأنصاري، وصحيفة جابر بن عبد الله، وصحيفة عبد الله بن عمرو بن العاص المعروفة باسم الصحيفة الصادقة، فنجد الكلام فيه متناقضات، مع أنّهم كتبوا هذه الصحائف في عهده بعد نسخ هذا الحديث، والإذن لهم بالكتابة، وكانوا قد حفظوه شفاهة، فكان صحابته رضوان الله عليهم حريصين على حضور مجلسه، وكانوا يتدارسون الحديث ويحفظونه، وكان الحاضر منهم يُعلم الغائب ومعروف قوة ذاكرة العرب، فعندما أذن لهم بالكتابة كتبوه في صحائف فكان النهي في أول الأمر حين خاف اختلاطه بغيره.
كما أنّ بإيراد» ومن كذب عليّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النّار في النهي عن كتابة الحديث، ما يتم استغلاله تأكيداً لمزاعم «تسهير» بأنّ الوضع بدأ في عهده عليه الصلاة والسلام ،مع أنّ هذا الحديث قيل في حادثة زور فيها على الرسول صلى الله عليه وسلم، حتى نجد الإمام مسلم في روايته لحديث» لا تكتبوا عني..» قال: قال همّام: أحسبه قال ـ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار» أي أنّه غير متأكد، واعتبره الإمام النووي في شرحه لهذا الحديث أنّه حديث مستقل؛ إذ قال:» وأمّا حديث :» ومن كذب فليتبوأ مقعده من النّار» فسبق شرحه في أول الكتاب»[ انظر: صحيح مسلم بشرح النووي م 17(التحفة ــ الزهد) ص329، دار المعرفة ــ بيروت ـ لبنان].
للحديث صلة.
البريد اليكتروني : suhaila_hammad@hotmail.com
http://www.al-madina.com/node/539147