بقلمد. سهيلة زين العابدين حماد
جريدة المدينة الثلاثاء 1551432هـ الموافق 1942011م.
 تحدثتُ في الحلقتيْن السابقتيْن عن حقوق المرأة الدينية والمدنية والمالية التي ما زالت المرأة السعودية بحاجة اليها، وسأتحدث اليوم عن حقوق المرأة التعليمية والسياسية التي منحها إيّاها الإسلام، وحرمها منها المجتمع.


فأنظمتنا وقوانينا التي اشترطت موافقة ولي أمر الفتاة على قبول الفتاة في المدرسة والجامعة والعمل، ومنحه حق سحب ملفها وقتما شاء أدى إلى ارتفاع نسبة الأمية بين الإناث إلى 18،2% طبقاً لإحصائيات وزارة التربية والتعليم عام 2010م، كما حرمها هذا الشرط حق الابتعاث للدراسة في الخارج الذي يستلزم موافقته، ومرافقة أحد محارمها لها، وفي كثير من الأحايين تقف هذه الشروط حجر عثرة أمام حرمان الكثيرات من حق الابتعاث مع أنّ منهن متفوقات ومبدعات قد يحققن إنجازات علمية كبرى على مستوى عالمي، فقد تكون الفتاة يتيمة ،وعمها ولي أمرها، ويرفض ابتعاثها لأنّ ابنته لم تحصل على بعثة، واشتراط مرافقة المحرم يحرم الفتاة من البعثة إن لم يوجد لديها محرم، أو ظروفه لا تسمح له مرافقتها، ممّا يضطرها إلى زواج المسفار، فتقع في مشكلة كبيرة تغير مجرى حياتها، فلرفع هذا الظلم الواقع على المرأة لابد من إلغاء اشتراط موافقة ولي أمر الفتاة على الدراسة والابتعاث والعمل، وكذلك إلغاء اشتراط مرافقة المحرم على الابتعاث، واستبدال ذلك بتولي الملحقيات الثقافية تأمين سكن للمبتعثات بإشراف موظفات من قبل الملحقيات.

أمّا حقوق المرأة السياسية فللأسف مجتمعنا السعودي، وخطابنا الديني، وأنظمتنا لا تعترف بها رغم ورود آيات قرآنية قطعية الدلالة تمنحها لها، فقد جاءت آية البيعة بصيغة الخطاب فيها بتخصيص النساء بها للتأكيد على استقلالية بيعتهن عن الرجال في الآية (12) من سورة الممتحنة تقول: (يا أيها النَّبيُ إذا جاءك المُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنكَ على أنْ لا يُشْرِكنَ باللهِ شيئاً ولا يَسْرِقَنَ ولا يزْنِينَ ولا يَقْتُلنَ أوْلاَدَهُنَّ ولا يأتِين بِبُهْتانٍ يفترِينَهُ بين أيديِهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ ولاَ يَعْصِينَكَ في معْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ).
وقد بايعت النساء الرسول صلى الله عليه وسلم بيعة العقبة الأولى، وهو على عقد تأسيس الدولة الإسلامية، وحماية الرسول صلى الله عليه وسلم، كما بايعه النساء عندما قدم إلى المدينة مهاجراً إليها ،وبايعنه بيعة الرضوان على القتال في سبيل الله، كما بايعنه يوم فتح مكة، وأمَّا عن حق الشورى، فآيتا الشورى جاءتا بصيغة العموم، ففي الآية 159 من سورة آل عمران يقول تعالى: (فَبِمَا رَحمَةٍ مَّن اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظَّاً غَلِيظَ القَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِك فَاعفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُم في الأَمْرِ) وقوله تعالى في الآية 38 من سورة الشورى: (وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبَّهم وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُون) ومن حيث التطبيق ،فقد أخذ الرسول صلى الله عليه وسلم بمشورة زوجه أم المؤمنين السيدة خديجة رضي الله عنها في أمر الوحي، كما أخذ برأي أم سلمة رضي الله عنها في موقف صحابته من صلح الحديبية ،كما طلب عمر بن الخطاب رضي الله عنه من ابنته حفصة المشورة في تحديد المدة التي يغيب فيها الزوج عن زوجه دون أن تُفتتن، كما أخذ برأي المرأة القرشية في مسألة تحديد المهور، وأعلن على الملأ أنَّه أخطأ وأصابت امرأة ،كما عيَّن الشفاء بنت عبدالله من بني عدي مستشارة له، وقد أخذ عبد الرحمن بن عوف رأي النساء فيمن يتولى الخلافة بعد عمر رضي الله عنه عثمان بن عفَّان، أم علي بن أبي طالب رضي الله عنهما؟
أمّا عن حق المرأة في الولاية وتوليها المناصب القيادية قوله تعالى: (والمؤمنون والمُؤمنات بعضُهم أولياءُ بعض يأمرون بالمعروفِ وَيَنْهَوْن عن المنكر).
ومن حيث التطبيق فقد عيَّن عمر بن الخطاب الشفاء بنت عبد الله على الحسبة ،فهي أول من تولى الحِسبة في الإسلام لأنَّ عمر رضي الله عنه مؤسس الحسبة ،والحسبة يعادلها الآن وزارة الشؤون البلدية أي أنّ المرأة كانت أوَّل وزيرة للبلديات في الإسلام، كما ولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه ابنته حفصة على نظارة وقف له، وقد تولت المرأة المسلمة الحكم في عدة ولايات إسلامية في مختلف العصور.
وهناك من يُعارض نيل المرأة لهذه الحقوق معتبرينها حقوقاً مزعومة معطلين الآيات القرآنية التي تمنحها تلك الحقوق، فعن البيعة يعتبرونها مجرد بيعة نبي، مع أنَّه لا توجد بيعات للأنبياء والرسل ،وعن الشورى يعتبرون الخطاب جاء بالعموم على التخصيص، فالخطاب للرجال، ويُعلِّلون أخذ الرسول بمشورة أم سلمة رضي الله عنها، إنّه مجرد زوج أخذ برأي زوجه، ويشككون في رواية محاجة المرأة القرشية لسيدنا عمر رغم صحتها، أمَّا آية الولاية فيعتبرون الولاية المقصودة المناصرة والمعاضدة، رغم أنَّ الإمام ابن تيمية قال: (إنَّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يقوم ولا يتم إلاَّ بقوة ولاية وإمارة؛ لذا كانت ولاية الناس من أعظم واجبات الدين).
ومن المتناقضات الاجتماعية طرح وزارة العمل عمل المرأة السعودية كمدبرة منزل، رغم اشتراط المحرم في كل خطوة تخطوها، ورغم ان عملها في البيوت يعرضها إلى مخاطر التحرش والاغتصاب، لكن البعض ومنهم علماء دين تقبلوا الفكرة في حين رفضوا جلوسها تحت قبة مجلس الشورى، أو توليها أي منصب قيادي، وكأنّ المجتمع السعودي يصر على امتهان المرأة فيسمح لها بالعمل كخادمة في البيوت، ولا تكون وزيرة، أو عضوة في مجلس الشورى، أو مديرة جامعة أو مديرة بنك، ويرضى لها البيع مفترشة الأرض، ويرفض بيعها في محل تجاري!!!
ولكن الذي أراه لإعادة حقوقها السياسية ،وحق المشاركة في الحياة العامة، وليتحقق التوازن في المجتمع صدور قرار بمنح المرأة حق البيعة بتخصيص يوم لبيعة النساء، مع منحها حق الترشيح والانتخاب في المجالس البلدية، ومنحها حق العضوية في مجلس الشورى، وتوليها مناصب قيادية، مع تخصيص يومين في الأسبوع للقاء النساء وسماع مطالبهن.

suhaila_hammad@hotmail.com
المصدر : جريدة المدينة http://www.al-madina.com/node/299347

Leave a Reply