خطة استراتيجية لحوارنا مع الآخر (2-2)
جريدة المدينة في الخميس, 19 يونيو 2008
سهيلة زين العابدين حمّاد
ينبغي لنا أن نضع خطة استراتيجية نسير عليها في حوارنا مع الآخر ليثمر ثماره المرجوة، فقد ظللنا نحاورهم نصف قرن، ولم نصل معهم إلى نتيجة
كلنا متفقون على أنَّ ما توصل إليهم علماء الأمة الإسلامية من توصيات في مؤتمر الحوار الذي اختتمت أعماله يوم 6/6/2008 في مكة المكرمة ينبغي أن تكون من أولويات الأمة لمواجهة تحديات هذه المرحلة، وما سيليها من مراحل، ولكن ألستم معي في أنَّه ينبغي لنا أن نضع خطة استراتيجية نسير عليها في حوارنا مع الآخر ليثمر ثماره المرجوة، فقد ظللنا نحاورهم نصف قرن، ولم نصل معهم إلى نتيجة، فلا يزالون ينكرون أنّ الإسلام دين سماوي، وهو خاتمة الأديان، وأنَّ محمداً صلى عليه وسلم نبي من أنبياء الله، ورسول من رسله، وأنَّه خاتمهم، وأن القرآن الكريم كتاب الله مثل التوراة والإنجيل، فلا تزال دول الغرب لا تعترف بالإسلام كدين سماوي باستثناء أربع دول. وأرى أنَّه لوضع هذه الخطة الاستراتيجية أن تجتمع جميع لجان الحوار الإسلامية، لوضعها، ويحدد فيها محاور هذا الحوار الذي أرى أنَّه ينبغي أن يأتي في مقدمتها الآتي:
1- العمل على تحرير العقلية المسيحية من سيطرة التراث اليهودي عليها ،والذي جعلها تقبل من اليهود ما أضفوه من قدسية على تأريخهم الذي كتبوه في التوراة المزيفة ،وقد سلمت العقلية المسيحية بهذا التاريخ كحقيقة مسلم بها ،حسب تعبير المؤرخ البريطاني «أرنولد توينبي» في كتابه «المشكلة اليهودية العالمية»؛ إذ قال: (وتقبلت الكنيسة المسيحية دون مناقشة تفسير اليهود لتاريخهم كما ورد في التوراة بما تضمنه بين طياتها من المطاعن ضد الشعوب التي احتكوا بها كالفينيقيين والفلسطينيين والأرمويين والموابين… الخ.. وانفرد اليهود في هذا الميدان بإقدامهم على رفع سجل تاريخهم إلى التقديس، ونجاحهم نجاحاً لا يبارى في إيهام مئات الملايين من البشر على مدى الأحقاب، ومن ناحية أخرى لا يوجد لأعداء اليهود القدامى من ينهض للدفاع عن قضيتهم إلاَّ أصوات العلماء والباحثين الخافتة، وتعتبر المذاهب المسيحية على اختلافها التأريخ اليهودي تأريخاً مقدساً للمسيح، ومهما يكن نصيب الفرد المسيحي من الاستفادة الفكرية، ومقدار تحرره الذهني فيصعب عليه بمكان أن يتخلص من التراث اليهودي في المسيحية لأنَّه كامن في شعوره الباطني، ويوجه مسار تفكيره، وبالتالي فإذا كانت الكشوف الأثرية تهدم ادعاءات اليهود، وتلقي أضواء صادقة على المجتمعات الأخرى، فما برحت جمهرة المسيحيين تأخذ التاريخ اليهودي كما ورد في التوراة قضية مسلماً بها).
2- العمل على جعل الطرف المحاور يعترف بالإسلام ديناً سماوياً، وأنَّ القرآن الكريم كلام الله ينبغي احترامه، وعدم النيل منه، وتغيير ترتيب سوره، كما فعل بعض المستشرقين، مثل وليم مويير في كتابه «شهادة القرآن على الكتب اليهودية والمسيحية» بينما نحن لم نغير في آيات التوراة والإنجيل رغم تأكدنا بأنَّ هذيْن الكتابيْن قد تعرضا للتحريف لأنَّ القرآن أخبرنا بذلك. والعمل على جعل الطرف الآخر يعترف بأنَّ محمداً بن عبدالله صلى الله عليه وسلم رسول من الله يجب احترامه، وعدم النيل منه، كما فعل المستشرقون، وصامويل هنتنجتون الذي جعل النبي محمداً صلى الله عليه وسلم مقاتلاً عنيفاً، ونزَّه بوذا عن ذلك، بوذا الذي ليس بنبي، ودينه ديناً وثنياً.
3- العمل على جعل الكنيسة تعتذر للمسلمين على الحركة الاستشراقية التي نالت من الإسلام ونبيه عليه الصلاة والسلام، والتي كان من أهدافها تنصير المسلمين، وصرف المسيحيين عن الإسلام، وهو الأصل الحقيقي للاستشراق فقد نشأ في كنف الكنيسة، وعناية الرهبان، بل هناك مراكز ومعاهد للدراسات العربية والإسلامية في عواصم عربية وآسيوية توجه من قبل المؤسسات التنصيرية مثل جامعة القديس يوسف في بيروت، والمعهد الدومنيكاني للدراسات الشرقية في القاهرة، ومعهد لدراسات الآباء البيض في تونس وغيرها، وقد كان الاستشراق برعاية الكنيسة من أهم العوامل التي ساعدت على استعمار البلاد العربية والإسلامية، وكان من المستشرقين سفراء وقناصل بمثابة جواسيس لبلادهم.
4- العمل على تحرير العقلية المسيحية من عقيدة التثليث التي أدخلها اليهودي «شاؤل الذي سمى نفسه بـ»بولس» بعد اعتناقه للمسيحية، فهو حوَّل المسيحية من عقيدة التوحيد إلى عقيدة التثليث لتدمير المسيحية، وتحطيم معتقداتها واتجاهاتها لدرجة نجد أنَّ مايكل هارت يعتبر بولس من مؤسسي المسيحية ،فقد قسّم فضل تأسيس المسيحية بين كل من القديس «بولس» وبين «عيسى عليه السلام»، ويفرد الفضل الأكبر لبولس، بل يعتبره المؤسس الحقيقي للمسيحية، وليس عيسى عليه السلام، ويرى أنَّه يتفوق بأنَّه كتب أناجيل أكثر من الحواريين، بينما لم يكتب عيسى كلمة واحدة. والمعروف أنَّ عقيدة التثليث التي جاء بها بولس طرحت في المجامع الكنسية، واستقر عليها مجمع نيقيا الذي عقد في عام 325م، وكان المسيحيون قبله مختلفين في هذه العقيدة، فمنهم من كان يؤمن بالتوحيد، ويدعو إليه وينكر ألوهية المسيح وعقيدة التثليث، ويشن الحرب على بولس وأتباعه، ويتهمه بأنَّه أفسد الديانة المسيحية بعد أن عجز عن القضاء عليها بالسيف والسلطان، ودخل في المسيحية وأخرجها من التوحيد إلى الوثنية، والمسيحيون الذين لبوا دعوة بولس كانت لهم نزعات مختلفة من يهودية ووثنية وفلسفية. ولكن في عام 1977م أصدر سبعة من علماء اللاهوت البريطانيين كتاباً تحت عنوان The myth of God incarenate وترجمته «أسطورة التجسيد الإلهي»، والمقصود بها أسطورة تجسيد الإله في السيد المسيح، وهي العودة التي تستند إليها مسيحية الغرب في دعوة البنوة والتثليث ،وأجمع هؤلاء العلماء أنَّ دعوى تجسيد الله سبحانه وتعالى في جسد المسيح دعوى غير حقيقية وباطلة، ولا يسندها شيء من المنطق، بل لا تعدو أن تكون أسطورة مقحومة على الفكر المسيحي الذي جاء به عيسى بن مريم عليه السلام ،مأخوذة من الفكر اليهودي والتراث الوثني الإغريقي، ولم تجر على لسان السيد المسيح نفسه، ولا نقلها عنه أحد تلاميذه الذين لازموه، وتتلمذوا على يديه المعروفين باسم الحواريين.
هذا وتوجد نصوص في الأناجيل الأربعة المعتمدة عند المسيحيين وهي “مرقص”، و“يوحنا»، و“متى”، و“لوقا” وأيضاً إنجيل برنابا تقر بعقيدة التوحيد، وأنَّ عيسى عليه السلام عبد الله ورسوله، وليس إلهاً ولا ابناً للآلهة، وأنَّه رسول بني إسرائيل فقط روى مرقص على لسان عيسى عليه السلام في الإصحاح الإثنى عشر الآيتين 30،31 «الرب إلهنا إله واحد وليس آخر سواه»، ويروي متى عن عيسى عليه السلام في الآية 8 من الإصحاح 32 قوله «إنَّ أباكم واحد الذي في السماوات»، وجاء في إنجيل يوحنا أنَّ المسيح عليه السلام قال في دعائه: «إنَّ الحياة الدائمة إنَّما توجب للنَّاس أن يشهدوا أنَّك أنت الله الواحد الحق، وأنَّك أرسلت اليسوع المسيح»، ويقول أتباعه في الإصحاح الثامن آية 4: «إنَّ الله ربِّي وربكم وإلهي وإلهكم»، وجاء فيه أيضاً قول عيسى: «وأنا إنسان قد كلمكم بالحق الذي سمعه من الله.» وجاء في إنجيل لوقا «أنَّ عيسى رسول الله، وليس أكثر من رسول، وقد خرج نبي عظيم».
إنَّ تحرير العقلية المسيحية من عقيدة التثليث، هو تحرير لها من سيطرة التراث اليهودي عليها.
5- أن يشارك العلماء المختصون في الإعجاز العلمي في القرآن الكريم في لجان الحوار، وطرح الإعجاز العلمي في القرآن الكريم في محاور الحوار علَّه يسهم في جعل المتحاورين يعترفون بأنَّ الإسلام دين سماوي، وأنَّ القرآن الكريم كلام الله.
6- السماح للمسلمين المقيمين في البلاد المسيحية بإنشاء مساجد ومراكز إسلامية، ومدارس ومعاهد وكليات وجامعات إسلامية في تلك البلاد، على اعتبار أنَّ الكنائس والمدارس والمعاهد والكليات والجامعات المسيحية منتشرة في البلاد العربية والإسلامية، ففي المقابل عليهم أن يسمحوا للمسلمين في البلاد المسيحية، ما هو مسموح للمسيحيين إنشاؤه في بلاد المسلمين.
ثانياً: العمل على إعداد كوادر مؤهلة للحوار:
وذلك بأن تنشأ أقسام للدراسات العليا في معاهد وكليات الشريعة والدراسات القرآنية، والسنة والسيرة النبوية لإعداد المحاورين، يدرس لهم فيها الديانتان اليهودية والمسيحية، وتاريخ الشعوب التي تدين بالأديان السماوية، والإعجاز العلمي في القرآن، وتاريخ الحضارة الإسلامية وإنجازات المسلمين في جميع العلوم، ويدرس لهم أيضاً الحضارة الغربية، والحضارات القديمة، كما تدرس لهم لغات الذين سوف يعدون للتحاور معهم.
وأعتقد أنَّنا إذا التزمنا بهذه الأسس قد نحرز نتائج إيجابية من هذا الحوار، وأتمنى أن تهتم رابطة العالم لإسلامي وجامعة الأزهر، وجميع المؤسسات الإسلامية المتبنية للحوار بهذا الطرح ،وأن يكون موضع دراسة لديها.