د. سهيلة زين العابدين حمّاد
الخميس 1 يناير 2009م.
تحدثتُ في الحلقة الماضية عن بعض أسباب بلوغ المملكة لعربية السعودية المرتبة ال 128 بين دول العالم في الفجوة الاقتصادية بين الرجال والنساء ،,بيَّنتُ أنَّ نظرة المجتمع إلى المرأة بأنَّها دون الرجل ،والتعامل معها على أنَّها قاصر على الدوام إلاّ عند ارتكابها لجريمة ما عندئذ تصبح كاملة الأهلية وتطبق عليها الحدود والقصاص والعقوبات ،ولا يسقط عنها حداً أو عقوبة لكونها أنثى!!
وأواصل الحديث معكم عن أسباب تلك الفجوة التي لا تقتصر على الجانب الاقتصادي ،وإنَّما تشمل جميع المجالات بلا استثناء.
إنَّ الفجوة الاقتصادية ستزداد طالما أنَّ المجتمع قرر حصر عمل المرأة في التدريس والتطبيب والتمريض ؛ ولذا فإنَّ 85 % من العاملات في السعودية يعملن في القطاع الحكومي ومن هؤلاء 83.4 % يعملن في قطاع التعليم يليه العاملات في القطاع الصحي بنسبة 5% ( خطة التنمية الثامنة في المملكة ، وزارة التخطيط، 2005 :ص374 ) .
من جهة أخرى أدى قصر اشتغال المرأة على القطاع الحكومي وفي مجالات محدودة إلى تهميش مساهمة المرأة في القطاعات المنتجة الأخرى بحيث تدنت نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل إلى 5% حتى نهاية الخطة الرابعة عام 1990 ثم أخذت في التحسن لتصل اليوم إلى نسبة 10% ويتوقع لها أن ترتفع إلى 14% بنهاية الخطة الثامنة عام 2010 ، هذا علماً بأنَّ البيانات الإحصائية لعام 2002 ( مصلحة الإحصاءات العامة، نشرة القوى العاملة 2002 ) أشارت إلى أنَّ الإناث في سن العمل ( من 25-60 سنة )يتجاوزن عدد الذكور في الإجمالي العام للسكان بمقدار (70 ) أنثى وعلى النقيض من ذلك ينخفض عدد الإناث في قوة العمل ليصل إلى( 173 ) أنثى لكل ألف من الذكور! .
فنسبة البطالة بين الذكور 9% بينما هي في الإناث 26%
ستزداد الفجوة الاقتصادية بين الرجل والنساء لدينا ما دامت نسبة فقر النساء كبيرة جداً ،وارتفاع نسبة المتسولات إلى (74،27%) ،وذلك طبقاً لإحصائيات وزارة الشؤون الاجتماعية لعام 1425 ـ 1426هـ/ 2004ـ 2005م .
ستزداد الفجوة الاقتصادية بين الرجل والنساء لدينا مادامت تحكمنا عادات وأعراف وتقاليد ومفاهيم خاطئة تحرم المرأة من حقها في الولاية بتولي مناصب قيادية الذي يوضحه قوله تعالى : ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهوْن عن المنكر)،وقول الرسول صلى الله عليه وسلم ” كلككم راع وكلكم مسؤول عن رعيته”،أما قوله صلى الله عليه وسلم ” لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة ” فهذا جاء بخصوص السبب وليس بعموم اللفظ،وهو خاص بدولة الفرس آنذاك ،والسُنَّة لا تناقض القرآن ،فكيف جل شأنه يقول : ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهوْن عن المنكر) ويشيد بملكة سبأ ،ويوافق قولها ،ولم يستنكر توليها الحكم في بلادها ،وأثبت القرآن أن دولتها دولة قوية ،وفلح قومها بحكمها لهم في الدنيا والآخرة بدخولها الإسلام ،وقد أقرها سيدنا سليمان على حكم اليمن بعد إسلامها،فكيف بعد كل هذا يأتي الرسول صلى الله عليه وسلم ،ويعمم عدم فلاح قوم تولت أمرهم امرأة؟؟ وهذا يؤكد أنَّ هذا الحديث جاء بخصوص السبب ،وليس لعموم اللفظ.
فالمرأة السعودية لن تتقلد مناصب قيادية مهما بلغت درجتها العلمية ،وثقافتها وخبرتها ،ومهما خدمت في الدولة،فإمرأة سعودية واحدة هي التي حصلت على المرتبة الممتازة ،وهي مديرة جامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن للبنات ،والمرأة السعودية لن تحصل على هذه المرتبة ،مادام سن تقاعدها أصبح خمسين سنة فقط ،بينما الرجل سن تقاعده (63) سنة ،وبالتالي لن تُعطى للمرأة فرصة ترقي مراتب وظيفية عليا ،وهناك إغراء لها بأن يُصرف لها كامل المرتب إن تقاعدت بعد خدمة (20 ) سنة ،فالمرأة في سن الخمسين تكون قد أنهت مسؤولياتها الأسرية ،وقد زوَّجت أولادها وبناتها ،وتعاني من فراغ قاتل ،فتكون أحوج إلى العمل ؛إضافة أنَّها تكون نضجت علمياً وفكرياً ،وتكوَّنت لديها خبرة بالعمل ،والدولة أحوج ما تكون لمثل هذه الخبرات ،فلماذا نوقف عطاء المرأة المعطاءة عند سن الخمسين ؟ لمّ لا نجعل الأمر اختيارياً ،فالتي لا تسمح ظروفها الصحية ،أو الأسرية الاستمرار في العمل عند سن الخمسين لها حق طلب التقاعد ؟ولكن إلزام المرأة بالتقاعد عند سن الخمسين فيه إجحاف لحقها في الترقي إلى مراتب عليا في السلم الوظيفي ،وبالتالي في تقلد منا صب قيادية ، لقد اتصلت بي إحدى الموجهات التربويات في تعليم البنات تقول لي : ” إلى متى سنظل محرومات من تولي مناصب قيادية في الوزارة ،يضعون مدراء تعليم علينا ،وهم دوننا علماً وخبرة ،فنحن مهما خدمنا في الوزارة فلن نرقى إلى أية وظيفة فيها ،مع حصولنا على شهاات عليا،فحدنا مديرة الإشراف النسوي يرأسها مدير إدارة تعليم المنطقة !!!
والسؤال لماذا وزارة التربية والتعليم لا تعين سيدات مديرات للمناطق ؟؟؟
ستزداد الفجوة الاقتصادية بين الرجال والنساء مادامت المرأة تُحرم ـ بحكم وأعراف وتقاليد قبلية تتنافى مع تعاليم الإسلام ـ من كثير من حقوقها ،وهذا مسأبحثه في الحلقة القادمة ؛ إذ لا تزال للحديث بقية.
البريد اليكتروني : suhaila_ hammad@hotmail.com
……………………………………………..
نُشر في صفحة الرأي بجريدة المدينة بعنوان الفجوة الاقتصادية بين الرجال والنساء.