د. سهيلة زين العابدين حمّاد
نُشر في جريدة المدينة في 24 نوفمبر 2022ن
ممّا لاشك فيه أنَّ الإنسان الذي ينشأ على حوار متفهم وبنّاء سينشأ إنسانًا سويًا مؤمنًا إيمانًا قويًا بخالقه لا تزعزعه أعاصير وتيارات فكرية تؤثر على عقيدته، يتمتع بخلق قويم، محب لدينه ووطنه وقيادته وأمته، خال من العقد النفسية، متعايش مع نفسه قبل تعايشه مع الآخرين، راضٍ وقانع بما وهبه الله من قدرات ومهارات وكفاءات، ويعمل على تنميتها و استثمارها للخير، محب لمن يعيشون حوله حتى لو كانوا مخالفين له في الدين، أو المذهب ، يعرف واجباته تجاه الآخرين ويؤديها قبل أن يُطالب الآخرين بحقوقه تجاههم ، ففي الحوار البنَّاء ترويض للنفس على قبول النقد، واحترام آراء الآخرين، وتتجلّى أهميته في دعم النمو النفسي من مشاعر الكبت وتحرير النفس من الصراعات والمشاعر العدائية والمخاوف والقلاقل فأهميته تكمن في أنّه وسيلة بنائية علاجية تساعد في حل كثير من المشكلات، وتعزيز الثقة بالنفس .
يقول والد معالي وزير الصحة الأسبق الدكتور عبد الله الربيعة عندما أصبح وزيرًا” توقعت من عبد الله ذلك فمن صغره كنت أطلق عليه دائمًا اسم الدكتور، ولكنه حقق ما كنت أتمنى وأكثر أيضًا من حدود طموحي”[جريدة المدينة الصادرة يوم السبت 21 فبراير 2009م]
عندما جرح معالي وزير الصحة الدكتور عبد العزيز الربيعة في رأسه، وهو صغير، وكان الجرح يتطلب عمل عدة غرز في الرأس ليلتئم الجرح، وصحبه والده إلى إحدى مستشفيات الرياض، وعُملت له الغُرز بدون مخدر؛ إذ لم يكن وقتها متوفرًا في المستشفى، وكان عبد الله الصغير يصرخ من الألم، فكان والده يقول له:”بكرة لما تصير دكتور سوف تكون أحسن منهم كلهم “
هذه العبارات من الأب كانت دافعًا قويًا للابن التي منحته الثقة والإيمان بنفسه، فجدَّ وتعب من أجل أن يصبح طبيبًا ناجحًا، فأصبح وزيرًا للصحة، وطبيبًا عالميًا متميزًا، بل وفريدًا في فصل التوائم.
إنَّ كل جملة، أو عبارة تُقال للطفل تحمل في طياتها رسالة ضمنية موجهة له بخصوص علاقته بهذا العالم، فعندما يدمج الطفل هذه الرسالة مع ذاته، فسرعان ما تصبح اعتقادًا يحكم تجربته المستقبلية، حتى إذا لم يكن واعيًا لهذا الاعتقاد، فإنَّه ـ أي الاعتقادـ سيؤثر على شتى أوجه حياته.
وللأسف فإنَّ الأطفال ليست لديهم القدرة على تنقية ما يدخل جهازهم العقلي، فإنَّهم لا يستطيعون قول:” أنا أقبل هذا الإطراء، ولكني أرفض ذلك النقد، فالطفل يرى والديه على أنّهما كائنات عالمة بكل الأمور، وتعتبر كلماتهما أحكامًا نافذة. وفيما يستطيع الطفل النظر إلى الوراء، وتعديل اعتقاداته السابقة، إلاّ أنَّه يظل بصفة مبدئية مأسورًا بما سمعه ممن تولوا تربيته,[دوجلاس بلوك بالتعاون مع “جون ميريت” (2005م) قوة الحديث الإيجابي ، ص 7، 8 ط1 مكتبة جريرـ الرياض].
وفي إحدى القبائل الأفريقية يُسمى الأطفال طبقًا لأيام الأسبوع التي ولدوا فيها، وقد وُجد أنَّ نصف الجرائم التي ترتكب في هذه القبيلة يقوم بها هؤلاء الذين ولدوا يوم الأربعاء، والذي يحمل معنى العنف في اللغة المحلية لهذه القبيلة، وفي الولايات المتحدة يتذكر الكثير من السجناء أنَّ من أوَّل ما سمعوه من آبائهم كان: “في أحد الأيام سينتهي بكم المطاف إلى السجن”.
إذا كانت الكلمات بإمكانها أن تمزِّق وتدمر، فهي تستطيع أن تبني وتشجع، فبدلًا من أن نقول:”سينتهي بك الحال إلى السجن ” ماذا لو أنَّ أولئك السجناء قد سمعوا ـ عندما كانوا أطفالًا ـ عبارات مثل: إنَّني فخور بك، أو ” أنت فائز دائمًا”، أو ” استمر في العمل الخيِّر”، أو أنت طفل لامع”، أو “تستطيع أن تفعلها ؟” ممَّا لاشك فيه أنَّ حياتهم كانت ستأخذ منحنى مختلفًا تمام الاختلاف .
يُعتبر بعض الأطفال محظوظين بما فيه الكفاية، إذا كان من يتولون تربيتهم يقومون بمنحهم العبارات التعزيزية والتشجيعية، فعلى سبيل المثال: ذكر أحد المقاولين الناجحين أنَّ أمه قد جلست بجانبه في وقت النوم عندما كان عمره أربع سنوات، وهمست في أذنه قائلة:” تستطيع فعل أي شيء تريده، ليست هناك حدود لما تستطيع تحقيقه، فأصبح في داخل هذا الطفل اعتقاد إيجابي يردده” أستطيع أن أسعى وراء ما أريده وأحصل عليه”، فكان الأثر المدعم والمعزز لحياته، أنَّه أصبح طفلَا واثقًا من نفسه، وقد أصبح مقاولًا ناجحًا فيما بعد عندما كبر، وفي وسط العشرينات من عمره بدأ عمله ببناء القوارب، وبعد ذلك كبر عمله ونشاطه حتى أصبح مشروعًا ناجحًا بشكل كبير، والآن يستخدم نفس العبارات التعزيزية مع أطفاله، بحيث تستطيع أن تعزز رغبات الطفل واحتياجاته باحترام اختياراته وإتاحة الخيارات أمامه، وهذه بعض نماذج التعزيز:
وأحب استطلاعك للعالم. إنَّني مسرور لأنَّك تريد أن تبحث عن هذا الموضوع، أو ذاك.[د. ماري بولسـ لينش. (2005م) حديث الأولاد ” كيف تساعد ابنك على التعبير عن مشاعره. ص 248 .ط1،مكتبة جرير ـ الرياض.]
هناك أسباب عديدة وراء عدم استخدام الأولاد أسلوبًا صحيًا للتعبير عن الغضب فيتحول إلى سلوك عدواني داخل المنزل أولًا ـ بين الإخوة، فيقوم أحد الأولاد الأكبر سنًا أو حجمًا بمضايقة أخيه، أو أخته الصغير، وإن كان لا يوجد من يُقوِّض مثل هذا السلوك، فقد يصبح الأولاد عدوانيين كذلك مع الأقران والملكية في المدرسة، وبعد ذلك في المجتمع ككل، فهم يضربون، ويركلون بأرجلهم، ويلقون ويقذفون بالأحجار بعيدًا، ويسخرون، ويلعنون، ويضربون أجسامهم بعنف، ويضربون الحائط برؤوسهم .. لكن نادرًا ما يشجعهم أحد على استخدام الكلمات للتعبير عمّا يشعرون به. وللأسف فإنَّ قليلًا من الآباء يعرفون بالفعل ما هو التعبير الصحي عن الغضب، وتتمثل القواعد الأساسية الثلاث للتعبير الصحي عن الغضب التي ينبغي على الآباء تربية أولادهم عليها في:
1.عدم إيذاء نفسك.
2. عدم إيذاء الآخرين.
3. عدم تدمير الملكية.[المرجع السابق. ص 248]
وكذلك هناك أسباب عديدة وراء عدم استخدام الأولاد أسلوبًا صحيًا للتعبير عن الغضب، فيتحول إلى سلوك عدواني داخل المنزل أولًا ـ بين الإخوة، فيقوم أحد الأولاد الأكبر سنًا أو حجمًا بمضايقة أخيه، أو أخته الصغير ، وإن كان لا يوجد من يُقوِّض مثل هذا السلوك، فقد يصبح الأولاد عدوانيين كذلك مع الأقران والملكية في المدرسة، وبعد ذلك في المجتمع ككل، فهم يضربون، ويركلون بأرجلهم، ويلقون ويقذفون بالأحجار بعيدًا، ويسخرون، ويلعنون، ويضربون أجسامهم بعنف، ويضربون الحائط برؤوسهم .. لكن نادرًا ما يشجعهم أحد على استخدام الكلمات للتعبير عمّا يشعرون به، وللأسف فإنَّ قليلًا من الآباء يعرفون بالفعل ما هو التعبير الصحي عن الغضب.[د. سهيلة زين العابدين حمّاد. حوار الآباء مع الأبناء حقًا من حقوق الأبناء. مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني. الرياض.]
وممّا يجدر توجيه الانتباه إليه هو أنّ الأم إذا استهلّت حوارها مع ابنتها بقولها:”لا أدري إذا كنتِ قد كبرتِ بما يكفي كي أناقش معكِ هذا الموضوع، ولكن…” فهي بذلك نجحت في الاستحواذ على انتباه وتركيز ابنتها
كما على الأبويْن أن يعملا على غرس احترام الذات وتقديرها في أبنائهم، وإذا افتقر الآباء والأمهات إلى القدرة على بناء الثقة داخل أبنائهم، فهؤلاء الأبناء في خطر كبير منذ اللحظات الأولى لميلادهم. يعاني الأفراد المصابون باختلال وظيفي دائمًا سواءً كانوا أطفالًا أبرياء خجولين، أم مجرمين لديهم ضعف كبير في شخصياتهم سببه ضآلة نظرتهم لأنفسهم، وهم يعيشون منعزلين في عالمهم يسيطر عليهم الحزن والغضب، ويشعرون بغصة من إحساسهم بالضآلة، ويخافون من أن يتحوَّل إحساسهم هذا في النهاية إلى سلبية مريرة، وإحساس بالإحباط والعداء، وأخيرًا الثورة ضد السلطة والآباء والأمهات، وغيرهم من الناس الأبرياء.[المرجع السابق]
البريد الالكتروني: Suhaila_hammad@hotmail.com
رابط المقال : https://www.al-madina.com/article/816159/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8/%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%AF%D9%8A%D8%AB-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%8A%D8%AC%D8%A7%D8%A8%D9%8A-%D9%84%D9%84%D8%A2%D8%A8%D8%A7%D8%A1-%D9%88%D8%A3%D8%AB%D8%B1%D9%87-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%A8%D9%86%D8%A7%D8%A1-%D8%B4%D8%AE%D8%B5%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%A8%D9%86%D8%A7%D8%A1