سهيلة زين العابدين حمّاد
نُشر في جريدة المدينة في 26 مايو 2022م
لقد تابعتُ مسلسلي العائدون وبطلوع الروح، وكلاهما طرح ما يقوم به تنظيم داعش من تغرير بالشباب، وإيهامهم بدولة الخلافة، وأنّ الرِّقّة عاصمة الخلافة جنة الله في أرضه، وأنّ العمليات الانتحارية أعلى مراتب الاستشهاد ليظفروا بحور العين، وأنّ المسلمين هم الدواعش فقط، أمّا غير الدواعش فهم كفار مرتدون جزاؤهم القتل، وقبل دخولهم الرقة تُسحب منهم جوازات سفرهم، وهواتفهم النقّالة لقطع تواصلهم بالعالم الخارجي ويظلون تحت سطوتهم، ويتعاملون معهم كأنّهم حيوانات عليهم تنفيذ الأوامر بلا سؤال ولا مناقشة، وينقلونهم من مكان إلى مكان آخر، ولا يعلمون أين هم ذاهبون؟ وكما يًدربون الرجال على القتال، يدربون أيضًا النساء، وإذا كشفت المرأة وجهها تُجلد ستين جلدة، أو ارتكبت أية مخالفة، وإذا حاول أحدهم الهرب من دولة الخلافة يُعدم، والقادة يقتل بعضهم البعض طمعًا في السلطة، وجهاد النكاح هو المعمول به في المجتمع الداعشي، كما كشف المسلسلان أنّ الدواعش مملون من أمريكا، وأنّ أجهزة استخبارية أجنبية هي التي تُخطط لعملياتهم الإرهابية وتنقلّاتهم، والجديد فيهما أنّهما دخلا في عمق المجتمع الداعشي، ونقلا لنا أدق تفاصيله خاصة مسلسل” بطلوع الروح” فقد كشف مؤلفه محمد هشام عبية، أنّه استوحى قصة روح من تحقيق عن مخيم زوجات الدواعش” الروج”، ولفت انتباهه قصة سيدة أٌجبرت على الذهاب للرقة التي اعتبروها عاصمة” دولة الخلافة الإسلامية”، ولكنها ظلّت في المخيم ولم تعد إلى بلدها مصر، لأنّها زوجة داعشي. خلاف روح التي ذهبت إلى لبنان.
ومن أهم ما يميز مسلسل بطلوع الروح أنّه توغّل داخل المجتمع النسائي الداعشي في الرقة، وسلّط الضوء على لواء الخنساء بالرقة أنشأ تنظيم داعش في الرقة الذي أنشأه التنظيم عام 2014 لتوعية النساء بعقيدة داش ومعاقبة اللواتي لا يحترمن القانون، كاللواتي يخرجن بدون مرافق أو غير مغطيات بشكل كامل علنيًا؛ إذ يتعرضن للاعتقال والجّلد من قبل الخنساء.
وقد ركزّ مسلسل العائدون” على الجانب الاستخباراتي، بمتابعة المخابرات المصرية العائدين من الدواعش من الرقة بعد سقوطها إلى بلاد أخرى وفقًا لما خطّطته المخابرات الأجنبية التي صنعتهم(الأمريكية والإسرائيلية)ليكونوا خلايا نائمة بها تنفذ ما يوكلون إليها من مهام في البلاد التي هم بها.
إنّ تنظيم داعش الإرهابي من التنظيمات المسلحة المنبثقة من تنظيم القاعدة الإرهابي المسلح من صناعة المخابرات الأمريكية، وقد أنشأته لإسقاط الإتحاد السوفيتي ، وكانت تطلق عليهم المجاهدين ، وبعد سقوط الاتحاد السوفيتي أصبح المجاهدون إرهابيين، وبعد سقوط بغداد إثر الغزو الأنجلو الأمريكي أوجدت المخابرات الأمريكية والإسرائيلية ما سمي بِ ” تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وكلا التنظيمين منبثق من تنظيم الإخوان صنيعة الماسونية العالميةـ فمؤسس تنظيم الإخوان حسن الساعاتي ( البنّا) من اليهود الماسونيين المغاربة .
وقد أوجد أعداء الإسلام هذه التنظيمات الإرهابية المسلحة من الإسلام السني لتشويه صورته، مستغلين دعاوى قيام دولة الخلافة، وفتاوى علماء ينتمون إلى مختلف العصور بقتل المرتدين، وتدريسها ضمن المناهج الدراسية في العالم العربي، مع عدم وجود في القرآن آية واحدة تنص على قتل المرتد أو أية عقوبة دنيوية، منها قوله تعالى(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَّمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا)[النساء: 137]، كما لا وجود دولة الخلافة في تاريخنا الإسلامي، والقول إنّ نظام الحكم في الإسلام، هو نظام الخلافة لا غير” قول يُغاير الحقائق التاريخية الثابتة، فلا يوجد نظام خلافة نسير عليه، فكل خليفة من الخلفاء الراشدين تولى الخلافة بطريقة غير التي تولاها الذي قبله. وعلى المسلمين أن يختاروا من هذه الطرق ما يناسب عصورهم وظروفهم، وبتولي معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه الحكم هو بداية نهاية الخلافة وتحولها إلى حكم وراثي منحصر في أسر حاكمة تتنافس فيما بينها على الحكم، وظهرت في الدولتيْن الأموية والعباسية دويلات وإمارات مستقلة حتى أصبح نفوذ الخليفة العباسي لايتعدى بغداد وضواحيها.
فأين هو نظام الخلافة في الإسلام، حتى يتبّنى كثير من علماء الأمة قيام دولة الخلافة، ولا يوجد نظام ثابت لها، ويورطون الشباب في قتال المسلمين، والقيام بعمليات إرهابية تحت شعار تكوين دولة الخلافة؟
فكل حزب وتنظيم دولي وإقليمي متبني مشروع إقامة دولة الخلافة يريد أن تكون الخلافة له، ويتصارع جميعهم عليها، وحوّلوا بلادنا العربية والإسلامية إلى صراع دموي دائم، وهذا ما يريده أعداء الأمة الإسلامية، الذين أوجدوهم لقلب أنظمة الحكم في بلادهم ليستولوا عليه، وقد وجدوا بُغيتهم في تمزيق بلادنا وتفتيتها، وتحويلها إلى دويلات قائمة على أساس عرقي ومذهبي وطائفي لتكون إسرائيل هي الدولة الكبرى في المنطقة.
وواهمون من يعتبرون الدولة العثمانية دولة خلافة ، فهي دولة مُحتلة بسطت نفوذها على العالم الإسلامي بالقتال والسلاح حتى احتلته على مدى قرون عديدة ، وكان حكامها يُلقبون بالسلاطين.
والماسونية بالتعاون مع أجهزة المخابرات الإسرائيلية والأمريكية والبريطانية والأمريكية أوجدت هذه التنظيمات السنية المسلحة لتشويه صورة الإسلام السني في العالم وتصويره أنّه دين إرهابي من جهة ومن جهة أخرى لضرب السنة بعضهم ببعض، وتكفير بعضهم البعض وقتل بعضهم البعض لتقليص نفوذهم، وإثارة الفتن الطائفية بين أبناء الشعب الواحد، وهذا يفسر لنا ظهور تنظيم داعش في العراق أعقاب الغزو الأنجلو أمريكي للعراق، وإسقاط الحكم السني بها، وإتاحة الفرصة الكبيرة للنظام الطائفي في العراق كيف يمارس كل أصناف الاستبداد والقهر تجاه السنة في العراق، وكيف أصبح التهجير لسنة العراق من المناطق المختلطة على قدم وساق، وتغيير التركيبة السكانية في الجنوب لجعل الشيعة الأغلبية به، وجعلوا الحكم بالعراق بالمحصاصة الطائفية مثل لبنان، وحصروا أغلب المناصب الحساسة في الشيعة، ولم يجعلوا للسنة سوى رئاسة البرلمان فقط، كما عملوا على وتفتيت الوحدة الوطنية وزرع بذور الشر بين مكونات شعب عاش طويلًا بسلام وانسجام قبل أن تطل عليه مجموعات داعش وجماعات الزرقاوي ومنظمات صنعت في أقبية المخابرات ليتدفق عليها البسطاء من الشباب طلبًا للشهادة ورضوان الله.. على وقع التفخيخ والتفجير في بشر لا ناقة لهم ولا جمل في هذا الصراع الدموي المحموم.
فمن الباكستان إلى افغانستان إلى العراق إلى سورية ولبنان إلى اليمن تدور أكثر المعارك جنونًا وبؤسًا وعبثية. كيف أصبح الاسلام متهمًا بفعل هذه المجموعات التي لا يمكن ان تعيش أو تعمل أو تبقى على قيد الحياة بلا دعم.. كيف صُنع هذا الخليط الغريب الذي يشارك فيه حتمًا أجهزة استخبارات كبيرة تعي اهدافها، ورؤوس تتعاطى من تلك الأهداف، وجموع مغيبة جاءت طلبًا للجهاد الذي لم تدرك منه سوى قتل الآخر الخصم – او من يُصور خصمًا – بأبشع الصور حتى لو تبدى أنّه لا فائدة ولا هدف ولا نتيجة بعد هذا النهر الطويل من الدماء والاشلاء والدمار.
لقد جعلت العقول الصهيونية الأمريكية الأوروبية التي أوجدت هذه التنظيمات الإسلام السني والسنة أو مشروعًا إرهابيًا في عقل العالم لتسليم سلطة المسلمين للإسلام الشيعي، وهذا يفسر لنا تسليم أمريكا العراق لإيران، وإعطاء الضوء الأخضر لميليشيات إيران المسلحة في العراق ولبنان واليمن للعبث بأمن تلك البلاد، وقتال السنة وتقويض نفوذهم، وهذا يفسر لنا عدم القضاء على القاعدة وداعش في أفغانستان والعراق وسوريا واليمن ، مع تسليم السلطة للإخوان في تونس ومصر وليبيا عقب ما سميت بِ “ثورات الربيع العربي” .
وقد كشف مسلسلا”بطلوع الروح”و”العائدون” جوانب كثيرة من المخطط الشيطاني الصهيوأمريكي أوروبي، ولكن للأسف نجد البعض منا لا يزال مُضللًا ويعتبر ما تقوم به داعش يمثل الإسلام، واتهام من يُبيِّن حقيقتها يهاجم الإسلام؛ لذا نجد قد تعالت بعض الأصوات لمنع عرض مسلسل ” بطلوع الروح” لمجرد إذاعة “برومو”المسلسل.
وأخيرًا أحيي أسرتي المسلسل وأطالب المزيد من مثل هذه المسلسلات لكشف حقيقة داعش للشباب لئلا يقعون فريسة في براثنها، وقد أبدع جميع ممثلي المسلسليْن في أدوارهم.
البريد الالكتروني:
suhaila_hammad@hotmail.com رابط المقال في جريدة المدينة : «العائدون» و«بطلوع الروح».. كشفا حقيقة «داعش» ومن وراءها! – جريدة المدينة (al-madina.com)