سهيلة زين العابدين حمّاد
نُشر في جريدة المدينة بتاريخ 14 إبريل 2022م.
هذا المثل ينطبق على حال دول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا بشكل خاص والولايات المتحدة الأمريكية وسائر الدول التي سارت في مسار هستيريا العقوبات التي فٌرِضت على روسيا جراء حملتها العسكرية على أوكرانيا بشكل عام ؛ إذ عاقبت هذه الدول نفسها مع عقوباتها على روسيا، فتداعياتها ألحقت الأذى والضرر باقتصادها والحياة المعيشية لشعوبها ستؤدي في النهاية إلى ثورة شعوبها على حكوماتها، ومساءلتها عمّا اتخذته من قرارات دون الرجوع إليها؛ إذ ترتب على تلك العقوبات ارتفاع نسبة التضخم في أمريكا؛ حيث بلغت (9، 7%)، وهي أعلى نسبة منذ أربعين عامًا، أمّا التضخم في بريطانيا فقد ارتفع إلى أعلى مستوى له في 30 عامًا عند 6.2%، وهو أعلى مستوى للتوقعات بين المحللين، وبلغت نسبة التضخم في ألمانيا 7،3% وهو الأعلى منذ توحيد ألمانيا، أمّا في فرنسا فقد بلغت نسبة التضخم ( 4،5%) ، وبلغ في أوروبا (7،5%)، وارتفعت أسعار الحبوب وزيوت الطهي؛ لأنّ روسيا وأوكرانيا توفران نحو 30% من صادرات القمح عالميًا، وحوالي 70% من إنتاج زيوت الطهي، وقد شحّـت بعض السلع الغذائية في بعض الدول الأوروبية مثل ألمانيا التي أصبحت أرفف السوبر ماركت بها خالية من زيت دوّار الشمس، مع ارتفاع أسعار الطاقة في أمريكا حيث بلغ سعر جالون البنزين 5 دولارات، وقد حدثت احتجاجات شعبية في أسبانيا وإيطاليا وفرنسا وألمانيا على ارتفاع أسعار الوقود والسلع الغذائية، كما نظمت شركات النقل في نيويورك، وعدة دول أوروبية احتجاجات بسبب ارتفاع أسعار الوقود، فأوروبا تستورد من روسيا 30% من احتياجاتها من الطاقة، و40 % من احتياجاتها من الغاز، ونجد 100 ألف مزرعة في إيطاليا مهددة بالإغلاق لارتفاع أسعار السماد، واحتياجاتها من مواد أخرى، وسيترتب على هذا ارتفاع في أسعار المواد الغذائية إن توفرت، وقرار منع أوروبا منع بيع السلع الفاخرة لروسيا ستكون له تداعياته الاقتصادية على منطقة اليورو.
وقد أثار الغزو الروسي لأوكرانيا الذي بدأ في 24 فبراير2022، مخاوف من تباطؤ في الاقتصاد العالمي، إذ تسبّب بزيادة مطردة وسريعة في أسعار المواد الأولية لا سيما موارد الطاقة، ووّلد قلقًا من اضطراب سلاسل التوريد، في وقت كان العالم يخرج بشكل تدريجي من تأثير عامين من جائحة كوفيد-19.
إنّ إغلاق الشركات الروسية ومكاتب وسائل الإعلام الروسي العاملة في الدول الأوروبية، سيزيد من البطالة لتوقف العاملين فيها عن العمل، وانسحاب الشركات الأوربية من روسيا سيؤدي إلى إلحاق خسائر كبرى بها، وكل هذا ينعكس بالسلب على الاقتصاد الأوروبي.
هذا وقد أكد رئيس المجلس الأوروبي، شارل ميشيل أنّ العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي على روسيا ستؤثر على دول الاتحاد.
في مقال نشر في مجلة بوليتيكو للمسؤولة السابقة في الخزانة ومجلس الأمن القومي الأمريكي جوليا فريدلاندر والتي تعد المسؤولة البارزة حاليً ا في مركز جيو- إيكونوميكس، تساءلت عن قدرة الغرب على تحمل تداعيات حربه المالية التي أعلنها ضد روسيا، قالت إنّ “المحللين يراقبون كل صباح ومنذ الغزو الروسي لأوكرانيا أمرين وعلى التوالي، فعلى شاشة يراقبون تحرك الجيش الروسي باتجاه العاصمة كييف وعلى شاشة ثانية يراقبون وضع الروبل، العملة الروسية”.
وذكر المقال أنّ “الولايات المتحدة قامت مع شركائها على مدى أسبوعين تاريخيين بفرض عقوبات صارمة على المؤسسات المالية الروسية بما فيها منعها من استخدام نظام الرسائل الدولي “سويفت، وفرضت قيودًا على دينها بل وفرضت عقوبات على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نفسه. وكل تحرك من هذه التحركات غير وضع “البقرة المقدسة”منذ ضم شبه جزيرة القرم والحرب في دونباس، وهو أنّه يجب عدم المس بالمصارف الروسية الكبرى وكذا يجب عدم مس العقوبات بالدين في السوق الثانوي(التبادل في الدين الروسي بين كيانين غير روسيين) وعدم فرض عقوبات على بوتين، وهي إشارة معروفة عن رغبة الولايات المتحدة بتغيير النظام. وكان الهدف المعلن في عقوبات عام 2014 هو تغيير سلوك الكرملين وعدم المس بالاقتصاد الروسي بشكل أوسع. ولكن السياسة الآن تغيرت وتقوم على إفلاس البلد ودفع اقتصاده للانهيار التام”.
وأشارت فريدلاندر إلى أنّ “مجموعة الدول السبع أعلنت في الأسبوع الماضي أنّها جمدت الاحتياطي الأجنبي الروسي المحفوظة داخل اختصاصها القانوني، ممّا قيد منفذ روسيا على 400 مليار دولار أي نسبة 60% من احتياطها الأجنبي. وكشفت العقوبات عن العزيمة غير المسبوقة لدى الحلفاء لتبني أكبر خيار مثير للضرر.” ثمّ بيّنت الهدف من هذه العقوبات فقالت:” والهدف من هذه العقوبات على روسيا هو تغيير الاستراتيجية العسكرية التي تحدث الآن.” وقالت:” الفشل في وقف العدوان الروسي أو منع تداعياته على الاقتصاد العالمي، سيعطي صورة أنّ أشد العقوبات الأمريكية لن تؤثر على النتيجة العسكرية أو السياسية”.
وأكملت المجلة في مقالها: “وفي النهاية ستثبت استراتيجية بايدن أنّها عامل مهم أو فاشل لاستخدام المفاصل المالية والاقتصادية في الأمن القومي. والفشل في وقف العدوان الروسي أو منع تداعياته على الاقتصاد العالمي سيعطي صورة أنّ أشد العقوبات الأمريكية لن تؤثر على النتيجة العسكرية أو السياسية.
وأشارت في مقالها إلى تناقض موقف بايدن الحالي من العقوبات مع انتقاده لسلفه ترامب من اعتماده المفرط على العقوبات التي رأى أنّها غير فعالية وتترك آثارًا عكسية. كما تطرقت إلى نقطة جد هامة، وهي: أنّ الدول التي تتعرض للعقوبات ستؤدي إلى تآكل السوق الغربي نظرًا لأنّه لم يعد خيارًا آمنا لها، فهو السوق الذي يجمد أرصدتها، ولن يتأثر الدولار الأمريكي سريعًا لأنّ اقتصاد العالم مرتبط به، لكن كما لاحظت استراتيجية الخزانة الأمريكية في البداية فقُوّته قد تتراجع مع مرور الوقت. ويمكن أن تؤدي سياسة العقوبات كأداة في الأمن القومي بشكل يبعد المنافسين الجيوسياسيين عن نظامها المالي ويحرمها من التأثير عليهم.
هذا والتداعيات الاقتصادية لم ترتد على أوروبا فقط، وإنّما ارتدت على جميع دول العالم، ولاسيما الدول النامية والفقيرة؛ لما ترتب عليها من ارتفاع في أسعار الوقود والمواد الغذائية، ولاسيما القمح والشعير والزيوت، والمستفيد من هذه العقوبات الولايات المتحدة التي تعمل على استبدال أوروبا الطاقة والغاز الروسي، بالطاقة والغاز الأمريكي رغم ارتفاع تكلفته بخمسة أضعاف الغاز الروسي، والأخطر من هذا تحكم أمريكا في القرار الأوروبي، وتسييره وفق مصالحها.
وهكذا نجد أنّه في سبيل تحرير أوكرانيا من القبضة الروسية وقعت أوروبا في القبضة الأمريكية، وتحت هيمنتها، فحقًا قد جنت على نفسها براقش!
البريد الالكتروني : Suhaila_hammad@hotmail. Com
رابط المقال : وجنت على نفسها براقش! – جريدة المدينة (al-madina.com)