د. سهيلة زين العابدين حمّاد
نُشر في جريدة المدينة بتاريخ 26 بناير 2023م.
ما تتخذه حكومة طالبان من قرارات شأن داخلي بدولة أفغانستان لا يحق لأحد التدخل فيه، مثلها مثل غيرها من الحكومات، ولكن عندما ينسب نائب المتحدث الرسمي لحكومة طالبان قرارات منع النساء من التعليم والعمل، ومنعهن من الخروج من منازلهن بلا محرم إلى الشريعة الإسلامية، فلابد من دحض تلك الادعاءات بنصوص من القرآن الكريم وصحيح الأحاديث النبوية والوقائع التاريخية من السيرة النبوية ـ وتاريخ الحضارة الإسلامية .
أولًا: هذا مخالف لمكانة المرأة في القرآن الكريم، فهي والرجل من أصل واحد(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ) ومتساوية معه في المسؤولية الإنسانية في الأجر والثواب(فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بعض)(وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَـئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا ) ، كما انّها متساوية معه في تحمَّل أمانة الاستخلاف (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً) وكذلك في كمال الأهلية(وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى .والنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى .وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنثَى إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى. فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى . وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى .فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى. وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى .وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى .فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى) مع تمتعها بشخصية مستقلة، ولها حرية الاختيار بين الإيمان والكفر(ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ .وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) كما أنّها متساوية بالرجل في وجوب الهجرة من أرض الكفرلقد أجريت +1 لهذا بشكل عام. تراجع(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ)وفي الولاية(وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَه ُ) وفي الشورى فقد جاءت آيتا الشورى بصيغة العموم،(فَبِمَا رَحمَةٍ مَّن اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظَّاً غَلِيظَ القَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِك فَاعفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُم في الأَمْرِ)ومشاركتها الرجال في المباهلة(فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ) المساواة في إجارة المحارب (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ) المساواة في أهلية التكليف، فالمرأة متساوية مـــع الرجل في أهليــــة الـــتكليـــف الشــــرعي، ويوضح هذا: توفر شروط التكليف لديها، وهي: الإسلام، والبلوغ، والعقل، بلا تفرقة بين ذكر وأنثى. وقد بدأ الله تكليف الرجل والمرأة منذ بدء الخليقة، قال تعالى:)وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الجنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَدَاً حَيْثُ شِئتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِين)، وتأكيدًا لمسؤولية المرأة كانت بيعة النساء خاصة بهن، وليست تابعة لبيعة الرجال (يا أيُّها النَّبيُّ إذا جَاءَكَ المُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلى أنْ لا يُشْرِكْنَ باللهِ شيئًا ولاَ يَسْرِقَنَ ولاَ يَزْنِين ولاَ يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ ولا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيِهِنَّ وأَرْجُلِهِنَّ ولاَ يَعْصِينَكَ في معْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ) والمرأة مساوية للرجل في الأهلية المالية، والكد والسعاية(لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء
نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ) (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى)
ثانيًا: لم يًحرِّم القرآن القرآن الكريم مشاركة المرأة في الحياة الاجتماعية ولقاؤها الرجال، وقد بيّن هذا في عدة أزمة ومواضع، منها : في زمن إبراهيم عليه السلام (قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَىٰ قَوْمِ لُوط. وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ .قَالَتْ يَا وَيْلَتَىٰ أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَٰذَا بَعْلِي شَيْخًا ۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ .قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ۖ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ) وفي زمن سليمان عليه السلام:( قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.)وفي زمن النبي محمد صلى الله عليه وسلم: في أول سورة المجادلة، وفي آيتي المباهلة والشهادة في توثيق المداينة في قوله تعالى : (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ ۖ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ) فكيف ستشهد المرأتان مع الرجل إن لم تكونا معه في مجلس واحد دون ساتر يحجب عنهما رؤية ما ستشهدان به.
أمّا عن مشاركتها في الحياة العامة فكانت أول مستشار في الإسلام(أم المؤمنين السيدة خديجة بنت خويلد)، وأوّل شهيدة في الإسلام(سمية بنت خياط) وهاجرت إلى الحبشة، وإلى المدينة المنورة، وبايعت الرسول صلى الله عليه وسلم على عقد تأسيس الدولة الإسلامية الأولى، وبايعته على القتال( بيعة الرضوان) البيعة التي نزل فيها قوله تعالى:(لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا) ووأوفت بما بايعت به، وقاتلت مع الرسول صلى الله عليه وسلم، بل دافعت نسيبة بنت كعب( أم عمارة) يوم أحد، وتلّقت الضربات عنه، وأبلت بلاءً حسنَا،جُرحت ثلاثة عشر جُرحًا بين طعنة برمح أو ضربة بسيف، كما كانت تسقي الجرحى وتطبّبهم. وكانت رضي الله عنها تخرج في مواقعه عليه الصلاة والسلام، وتنقل معها خيمتها بكل متطلباتها وأدواتها واحتياجاتها فوق ظهور الجِمال، ثم تُقيمها بإزاء معسكر المسلمين، تشاركها العمل الصحابيات رضوان الله عليهن، منهن أمهات المؤمنين مثل عائشة رضي الله عنها لكي يصبحن مداويات للجرحى؛ لذا تعتبر خيمة رفيدة الأسلمية على الرغم من بدائيتها أول مستشفى ميدان، و.كما تواتر أنه أقيم لها خيمة خاصة وبارزة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم كمستشفى لعلاج المرضى والمصابين بجروح، ودرّبت فريقًا من الممرضات حيث قسمتهن إلى مجموعات لرعاية المرضى ليلاً ونهارًا. وكان قد عهد إليها رسول الله ﷺ علاج سعد بن معاذ رضي الله في خيمتها.
للحديث صلة .
البريد الالكتروني : Suhaila_hammad@hotmail.com
رابط المقال: https://www.al-madina.com/article/824715/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8/%D9%84%D8%A7-%D8%B9%D9%84%D8%A7%D9%82%D8%A9-%D9%84%D9%84%D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85-%D8%A8%D9%85%D9%86%D8%B9-%D8%B7%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D9%86-%D8%AA%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%85-%D9%88%D8%B9%D9%85%D9%84-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%B3%D8%A7%D8%A1-%D9%81%D9%8A-%D8%A3%D9%81%D8%BA%D8%A7%D9%86%D8%B3%D8%AA%D8%A7%D9%86