خلاقيات الكتابات الأدبية محاضرة ألقتها سهيلة زين العابدين حمَّاد رئيسة لجنة الأديبات الإسلاميات برابطة الأدب الإسلامي العالمية وعضو الاتحاد النسائي العالمي وعضو اتحاد المؤرخين العرب بالقاهرة ألقتها في أندية الفتيات بالشارقة بمناسبة جائزة أندية الفتيات بالشارقة لإبداعات المرأة العربية في الأدب في 21/8/1422هـ 6/11/2001م فهرس الموضوعات مقدمة موقف الأدب العربي من العولمة عوامل التذويب والانصهار دعوة الدكتور طه حسين إلى العولمة منذ مطلع القرن العشرين الكلاسيكية الإغريقية الكلاسيكية الإغريقية في أدب توفيق الحكيم أثر الأسطورة على الأدب العربي أثر الأسطورة الإغريقية على القصة السعودية الرومانسية الواقعية الواقعية الاشتراكية نظرة الواقعية الماركسية والاشتراكية للإنسان أثر الواقعية الاشتراكية على الأدب العربي الرمزية الرمزية تحت مجهر التصور الإسلامي أثر الرمزية على الأدب العربي الوجودية جان بول سارتر والوجودية الوجودية تحت مجهر التصور الإسلامي أثر الوجودية على الأدب العربي 1-أنيس منصور 2-الدكتور يوسف إدريس 3-نجيب محفوظ 4-إحسان عبد القدوس قصة أنا حرة والأنانية الفردية الوجودية وأنف وثلاث عيون أيام في الحلال والإرادة الحرة الفرويدية نقد نظرية فرويد من المنظور النفسي الفرويدية تحت مجهر التصور الإسلامي أثر الفرويدية على الأدب العربي أثر الفرويدية على أدب إحسان عبد القدوس الرجل في نظر الأستاذ إحسان عبد القدوس من خلال قصصه المرأة في نظر الأستاذ إحسان عبد القدوس من خلال قصصه أثر الفرويدية على أدب الدكتورة نوال السعداوي الأدب الإسلامي خصائص الأدب الإسلامي أولاً : الشمولية ثانياً: التوازن ثالثاً :السمو رابعاً : الجمالية خامساً: أنَّه أدب هادف وأصيل الخاتمة ثبت المصادر والمراجع فهرس الموضوعات بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة: الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أمَّا بعد… إنَّ لكلِّ أمةٍ أدبًا يعبرُ عن عقيدتِها ،ونظامِ حياتها ،وطريقةِ تفكيرِها ،وآمالِها وطموحاتِها وإنجازاتِها ،وقد حبا اللهُ الأمةَ الإسلاميةَ منهجاً ربانياً تستقي منه أسساً وقواعدَ لفكرِها وأدبِها وفقَ التصَّورِ الإسلامي للخالقِ جلَّ شأنه والإنسانِ والكونِ والحياة ،وهذا التصورُ يمثِّلُ نظرةً تتسمُ بالإيمانِ والإنسانية ،وبالتوازن والشمولية ،وبالسمو والجمالية، ولكن أدبَ الأمةُ الإسلاميةُ المعاصر افتقدَ بعضُه هذه الأسس والقواعد، فالمتتبعُ للحركةِ الأدبيةِ في عالمنا العربي منذ حملة نابليون بونابرت على مصر في أواخر القرن الثامن عشر حتى وقتنا الحاضر يجدُ أنَّ أدبَنا قد تأثر تأثراً جد كبير بالفكر الغربي ؛إذ تبنى معظمُ أدبائِنا العرب جميعَ المذاهبِ والتياراتِ الفلسفيةِ الغربيةِ الحديثةِ من كلاسيكيةٍ ورومانسية ،ووجوديةٍ، وفرويدية، وسرياليةٍ ، وبرناسية ،ورمزيةٍ ،وبنيوية ،وواقعيةٍ بكل أنواعِها وأشكالها كالواقعيةِ الماركسية والواقعيةِ السحرية… الخ فأصبح أدبُنا العربي في بعضِه ملحداً ماركسياً ،وبعضِه الآخر جنسياً إباحياً تظلِّلُه وثنيةُ الإغريق وأساطيرِهم لافتتان معظمِ الأدباءِ بالأدب الإغريقي وانبهارهم بأساطيرِه ،إضافة إلى تسليطِهم الأضواءَ على جانبٍ مُعتمٍ في تاريخِنا السياسي والأدبي ،وذلك بإبرازِ الزنادقةِ الملحدين والماجنين والمتصوفين ممن لهم انتماءاتٍ تنتهي إلى الحركاتِ الباطنيةِ والماسونية ،وكأنَّ تراثَنا لا يمثلُه إلاَّ هؤلاء ، ونتيجة لهذا فقدَ أدَبُنا العربي هوِّيتَه الإسلامية ،فالذين كتبوه مسلمون ،ولكنَّهم تجرَّدُوا من إسلامهم وعقيدتهم حين دوَّنوه ،وكأنهم استجابوا لمقولةِ الدكتور طه حسين-رحمه الله- “إنَّ الإنسانَ يستطيعُ أن يكون مؤمناً وكافراً في وقتٍ واحد ،مؤمناً بضميرِه، وكافراً في عقلِه” وهذه ازدواجيةٌ يرفضُها العقلُ والمنطقُ لأنَّها تجمعُ بين نقيضين أو ضديْن ،والنقيضان والضدان لا يجتمعان هذا أولاً، وثانياً لا يمكنُ فصلُ العقلِ عن الضمير ،فإذا كان العقلُ كافراً كيف يكون الضميرُ مؤمناً؟؟ إنَّ الإنسانَ لا يمكنُ أن يتجزأ، إنَّه عقلٌ وروحٌ وفكرٌ ووجدان ،وضميرٌ وجسد ،ولا يمكن فصلُه عن بعضِه البعض وإلاَّ اختلت وظائفُه ،وشُلَّت حركتُه ،ثُمَّ أنَّ الإيمانَ لا يكملُ إلاَّ بالعقل والضمير معاً ،فأنت لا تؤمنُ بشيءٍ إلاَّ بعدما يقتنعُ به عقلك .ولهذا ميَّز اللهُ الإنسانَ بالعقلِ عن سائرِ المخلوقاتِ ،وخصَّه بأمانةِ التكليفِ والاستخلاف ، ولو تأملنا القرآنَ الكريم لوجدنا معظمَ آياتهِ تدعونا إلى التأملِ والتدبرِ والتفكيرِ والتعقل. فما يكتبُه الأديبُ سواءً كان شعراً أو نثراً إنَّما يمثلُ عقيدتُه ؛إذ لا يمكنُ بأيةِ حالٍ من الأحوال فصلُ عقيدتهِ عن فكرِه ،وعن عطائِه الفكري. هذا ولمَّا كان عطاءُ الأديبِ الفكري يعكسُ للمتلقي عقيدةَ هذا الأديبِ فيتأثرُ به ،وبالتالي يرددُ ما يقولُ ويؤمنُ به فتصبحُ عقيدتُه كعقيدةِ الأديبِ المتأثر به ،فإنَّه من الضروري وضعَ مقياسٍ لتقويمِ العطاءِ الفكري يوافقُ عقيدتنا كمسلمين ،ويكون هذا المقياسُ هو الضابطُ الذي نضبطُ به درجةَ ما نأخذُه من الآدابِ والثقافاتِ والفلسفاتِ الأخرى ،فما يوافقُ منها عقيدتُنا الإسلامية ونظرةُ الإسلامِ إلى الإنسانِ والكونِ والحياةِ نأخذه، وما يخالفُ ذلك نبعده ،وبذلك نحمي أنفسَنا من الوقوعِ في مزالقِ الكفرِ والإلحادِ .فنحن لو فصلنا عقيدتنَا الإسلامية عمَّا نتلقاه ،أو نفكرُ فيه ونكتبُه فلن يكونَ هناك فارقٌ بيننا وبين ماركس وانجلز ،وسارتر ،وهيجل ونيتشه وفرويد وديكارت ودوركايم ،وليفي شتراوس ،ورولان بارت، بل نجمعُ بين هؤلاء جميعاً رغماً ما في فلسفاتهم من تناقض ،ونعيشُ في فوضى فكرية وعقائدية كما هي حالنا الآن .أجل فنحن نعيشُ الآن في فوضى فكرية وعقائدية ترتب عنها انعدام الأمن واختلال النظام في شؤوننا المعاشية ،فسادَ مجتمعُنا الإسلامي الإرهابَ والاغتصابَ ،وانتهاكَ الأعراضِ وتفشي المخدرات ،وفقدَنا شخصيتَنا الإسلامية ،وأصبح أدبًنا في معظمِه ماركسياً وجوديا إباحياً وثنياً. كُلُّ هذا نتيجةَ بعدِنا عن دينِنا وفصلِه عن جميعِ شؤونِنا الحياتية بما فيها الفكر والثقافة والأدب ،واعتناقِنا لفلسفاتٍ وعقائدَ ليست هي من ديننِا في شيءٍ تحت شعار حرية الرأي، وحريةِ التعبيرِ والانفتاحِ على ثقافاتِ العالم ،والأخذ منها الأخذ المطلق دون حد ،أو ضابط وبلا مقياس أو معيار، ،فجاء أدبُنا تقليداً للآخرين ،وتعبيراً عن آرائهم ومعتقداتهم ،أي أنَّ دعاةَ حريةِ الرأي والتعبيرِ قد كبَّلوا بأنفسِهِم حرياتِهم ،وقيَّدُوا بأقلامهم آراءهم، وأصبحوا أفواهاً ترددُ ما يقولُه الآخر بلا وعي ولا إدراك، وإلاَّ كيف يشتمُ اللهَ ويصفُه بما لا يليقُ كما فعل حيدر الحيدر في قصة “وليمة لأعشاب البحر”؟،وكيف يتعدى على الذَّاتِ الإلهية ،ويتحدثُ عنه وكأنه وثنٌ من أوثانِ الإغريق، وأحد آلهتهم ، كما فعل صلاحُ عبد الصبور ،وأدونيس؟،وكيف يجعلُ للفنِ إلهاً يعبدُه ويستغفرُه ،ويجعلُ الشيطانِ شهيداً كما فعلَ توفيقُ الحكيم ؟،وكيف يدَّعي الألوهية كما فعل محمد العلي؟، ،وكيف يمجد الشيطان لأنَّه عصى الخالق جلَّ شأنه كما فعل أمل دنقل؟،وكيف يقولُ بتناسخِ الأرواح كما فعلت رجاء عالم ؟، ومع هذا يقولُ إنَّه مسلم مؤمن ،وأنَّ ما يكتبُه لا علاقة له بما يؤمنُ به ،وأنَّ هذا الذي يكتبُه إبداع ولا قيود على الإبداع ، وأنَّه حريةُ رأي، ولا قيود على حرية الرأي ،إنَّه منطق عجيب ملئ بالمتناقضات. إنَّ كلَّ ما في الكون يسيرُ وفقَ نظامٍ يضبطُه ،فالكونُ له نواميسُه وسننُه فإذا ما حدث خللٌ في هذا النظامِ حدثت الزلازلُ والبراكين والعواصف والفيضانات ،وتُدمَّر البيوتُ والمحاصيل ،ويتساقطُ الألوفُ من القتلى أو الغرقى. هذه الكوارثُ الطبيعيةُ هي بلا شك تدمرُ وتهدمُ في لحظاتِ ما بناه البشرُ في سنين . والفكرُ جزءٌ من هذا الكونِ لابدَّ أنْ يكونَ هناك ضابطٌ يضبطُه ويكبحُ جماحُه لئلا يُدمِّرُ صاحبُه ويدمرُّ معه الآخرين .والضَّابطُ الذي يضبطُ الفكرَ هو العقيدة ،لذا نجدُ الصهيونيةَ العالميةَ كانت وراءَ هذه الفوضى الفكريةِ والعقائديةِ التي تجتاحُ العالم ،وقراءةً منا لبروتوكولات صهيون توضحُ لنا هذه الحقيقة. ومما جاء في البروتوكول الرابع عشر الآتي: ( وقد نشرنا في كلِّ الدُّولِ الكبرى ذوات الزعامة أدباً مريضاً قذراً يغثي النفوس .وسنستمرُ فترةً قصيرةً بعد الاعتراف بحكمنا على تشجيعِ سيطرةِ مثل هذا الأدب ،كي يشيرُ بوضوحٍ إلى اختلافهِ عن التعاليم التي سنصدرُها من موقفنا المحمود .وسيقوم علماؤنا الذين رُبُّوا لغرضِ قيادة الأمميين بإلقاءِ خطبٍ ،ورسم خُططٍ، وتسويدِ مذكراتٍ ،متوسلين بذلك إلى أن تؤثرَّ على عقولِ الرَّجالِ وتجذبها نحو تلك المعرفة ،وتلك الأفكار التي تلائمنا .) لذا فعندما أقولُ لابدَّ من وجودِ مقياسٍ ومعيارٍ للفكرِ قوامُه العقيدة الإسلامية لا يعني أنَّني أريدُ الحجرَ عليه -كما سيظن البعض- وإنَّما أريد المحافظةَ عليه ليكون بناءً خيراً . قد يعترض دعاةُ العلمانية على قولي هذا ،وردي عليهم ألخصُّه في الآتي: أولاً :إنَّ جميعَ الآدابِ الإنسانيةِ تمثلُ عقائدَ ودياناتِ كتَّابِها من الأدباءِ والشعراءِ ،فالأدبُ الإغريقي يمثلُ عقيدةَ الإغريق القائمة على تعدد الآلهة، والصراع فيما بينها ،وصراع الإنسان معها ،والرومانسية تعبر عن العقيدة المسيحية منذ أن أعلن شاتو بريان في كتابه ” العبقرية المسيحية” رفضه للكلاسيكية القائمة على الوثنية الإغريقية ،ونادى بأن تطبعَ الكتابةُ الأدبيةُ بالطابع المسيحي ،وجاءت الواقعيةُ الماركسيةُ أو الاشتراكية لتعبرَ عن عقيدةِ الحزبِ الشيوعي الحاكم، وأصبح الأديبُ الروسيُ مُلزماً بالكتابةِ وَفقَ عقيدةِ الحزب الحاكم ، والأدبُ اليهوديُ يعبرُ عن الديانةِ اليهوديةِ وعقائدَ اليهودِ القائمةُ على العنصرية، وأنَّ اليهودَ هم شعبُ اللهِ المختار ، وكذا الحال بالنسبةِ لبقيةِ الآداب ،ومن الطبيعي أنّ يكونَ أدبُنا العربي ممثلاً لديننا وقيمنا وأخلاقياتنا. ثانياً: إنَّ ما تعانيه أمتُنا الإسلامية من تبعيةٍ وتفرقٍ وتحللٍ وانقسام ،وحروبٍ أهليةٍ وإقليميةٍ مردُّه سيرُها على المذهبِ العلماني الذي يدعو إلى إبعاد الدِّينِ عنْ جميعِ جوانبِ الحياة ،وهذا يخالفُ الفطرةُ التي فطرَ اللهُ النَّاسَ عليها ،لأنَّ الإنسانَ متدينٌ بطبعِه ،واللهُ جلَّ شأنُه قد أنعمَ علينا بنعمةِ الإسلام هذا الدِّينُ الذي يتميزُ عنْ سائرِ الأديانِ بأنَّه نظَّمَ حياةَ الإنسانِ منذُ مولدِه إلى مماته ،وساعةَ يقظتِه من نومهِ إلى ساعةِ عودته إلى النوم ثانية، نظَّم علاقتَه بأبويه وإخوته وذويه ،وأولادِه وخدمِه وجيرانِه وأقاربِه وولاةِ الأمرِ في بلاده ،بل نظَّم علاقتَه بمن لا يدينُ بدينِه ،ونظَّم تعاملاتِه ومعاملاتِه التجاريةَ على اختلافِ أنواعِها ،كما نظَّم شؤونَ عملِه فلم يتركْ كبيرةٍ ولا صغيرةٍ في حياتِنا إلاَّ ونظَّمها ،وواضعُ هذا المنهج هو الخالقُ الذي خلق العالمَ بما يصلح لنا ،فترْكنا له أحدث هذا الخلل في حياتنا ؛إذ اتبعنا نهج أعده المخلوق ،وترَكنا نهجَ الخالقِ فصرنا إلى ما صرنا إليه الآن. ثالثاً: تمر أمتُنا الإسلاميةِ اليوم بمنحنياتٍ جدُّ خطيرة ؛إذ تواجهُها تحدياتٌ جمةٌ من أخطرِها تحدياتُ العولمةِ التي تهدفُ محوَ حضارتِها وثقافتِها ولغتِها وفكرِها وأدبِها وكيانِها ،ووجودِها وسيادتِها لإذابتِها في الآخر .ولحمايةِ فكر الأمة الإسلامية وآدابها من الذوبان في الآخر ،لابد من الحفاظ على هويتنا الإسلامية في كتاباتنا الإبداعية . ومادام جمعُنا هذا جمعاً أدبياً ،وبما أنًّ الأدبَ على اختلافِ ألوانِه وأشكالِه يُعدُّ اليوم من أهم عوامل تكوينِ عقيدة وفكرِ وثقافة وسلوكيات أبناءِ هذا الجيل وبناته ،لأنَّ معظمَ هذه الأعمال الأدبية تُجسَّدُ في أعمالٍ فنيةٍ غنائيةٍ أو سينمائيةٍ أو مسرحيةٍ أو تمثيلية ،وهذه الأعمالُ تمتلئ بها الفضائياتُ العربية التي بات معظم شبابِنا وشاباتِنا مدمناً على مشاهدتها فلسوف أقصر حديثي لكُنَّ عن دور الأدب في مواجهة العولمة. موقف الأدب العربي المعاصر من العولمة إنًّ أدبنا العربي الحديث والمعاصر للأسف الشديد قد هُيئَ للعولمةِ منذُ نهايةِ القرنِ الثامن عشر عندما غزا نابليون مصر عام 1798م ،فأنا أعتبر غزو نابليون لمصر في الفترة من 1798-1801م بداية لعصر العولمةِ والذوبانِ في الآخر بقيادةِ فرنسا التي سيطرت في ما بعد على سوريا ولبنان وبلاد المغرب العربي الذي فرضت عليه سياسة الفرنسة ،وحلًّت الآن أمريكا محلَّها في قيادةِ العولمة ،ولعلَّ هذا يكونُ أحدُ أسبابِ معارضةِ فرنسا للعولمةِ الأمريكية لأنها سحبت منها مركز القيادة . عوامل التذويب والانصهار فإن كانتِ العولمةُ قائمةً على التفكيكِ وإعادةِ التركيبِ بمعنى إبعادُ التُّراثِ والمقوماتِ والأسس الروحيةِ والدينيةِ والفكريةِ والثقافية ،وإعادةُ التَّركيبِ بوضعِ ثقافةِ ومقوماتِ الآخر ،فعصرُ نابليون ومحُمَّد علي وما تلاهما كان تمهيداً لهذه العمليةِ التفكيكيةِ والتركيبية ،إذ بدأ بالتذويبِ والانصهار والذي ساعد -آنذاك -على هذا التذويب والانصهار عدةُ عوامل منها: 1-تفشي الأمية الأبجدية بين العرب ،فإن كان الآن يبلغُ عددَ الأميين العرب 150 مليون من 250 مليون ،فما بالكن قبل مائتي عام؟ 2-الجمود والركود الفكري والثقافي الذيْن كانا سائديْن في عالمِنا العربي والإسلامي نتيجة سياسة العزلة التي فرضتها الدولة العثمانية على ولاياتها. 3-الخضوع للاستعمار الأوربي الذي حرص على هذا الذوبان والانصهار عن طريق الإرساليات التنصيرية ،وفتحِ المدارسِ الأجنبية ،وقيامِ المستشرقين بالتدريس في الجامعات العربية المواد الدينية والأدب العربي ،وكذلك التاريخ ،كما حرصَ الاستعمارُ على إيجادِ هوةٍ بين المسلمِ ودينِه بجعلِه الإسلامَ رمزاً للجمودِ والتخلفِ والرجعية. 4- النهضة العلمية التي شهدتها مصر في عهد محمد علي (1805-1848) والتي انتهت في عهد إسماعيل (1863-1879) ؛إذ كان من مظاهرِ هذه النهضةِ الصبغةُ الفرنسيةُ التي طبعت بها ،فلقد اعتمد محمد علي على فرنسا في مختلفِ مشاريعِه فيما عدا استثناءات قليلة ،وذلك عندما أرادَ تحديثَ مصر لتكون دولةً كبرى قائمة على العلوم الحديثة ليتحقق له النجاح ،وليستتب له الأمر فيها ولأولاده من بعده، فاستقدم العلماءَ من الخارج ،وأرسل البعثاتِ من شبابِ مصر إلى الخارج ،ومعظمُ بعثاتِه كانت إلى فرنسا. ولم يكن أولئك الشَّبابُ مُعداً ومهيئاً لذلك فانبهروا بالغربِ وحضارتِه وفكرِه وثقافتِه وأدبِه ،فبدأ هذا الشبابُ بما يسمى بِ “حركة التنوير”، وهي في حقيقتِها حركةُ “تغريبٍ” لا تنوير؛ إذ سعى معظمُ روَّادِ هذه الحركة الأخذ بمناهجَ وطرائقَ الغربِ في كل نواحي الحياة ،وإبعادَ الدِّينِ عنها وقصرَهُ على آداء العبادات ،ودعا بعضُهُم إلى فصل الدِّينِ عن الدولة؟” “،ومنهم من دعا إلى الأخذِ بالحضارةِ الأوربيةِ خيرِها وشرِّها ،حُلْوِها ومرِّها ،وما يحمدُ منها وما يُعاب ،وأن نسيرَ سيرةَ الأوربيين ،ونسلكَ طريقَهم ،بل دعا أن نوجَّه لوناً من ألوانِ التربيةِ والتَّعليمِ عندنا نفس الوجهِ الذي يتجُه إليه الأوربيون عندما يُهيئون أبناءهم للدِّفاعِ عن أرضِ الوطن ،هذا بعضُ ما ذكرَه الدكتور طه حسين في كتابِه مستقبل الثقافة في مصر” “. ولم يكتف الدكتور طه حسين بهذا ؛إذ نجده يسعى جاهداً لإكمال حلقةِ التبعيةِ للغربِ تحت ستار “الاستقلال” فكتب يقول : (ونحن نريدُ الاستقلالَ العلمي والفني والأدبي ،هذا الذي يمكننا من أن نهيئَ شباباً قادرين على حماية الوطن ،أرضِه وثروتِه من جهة ،وعلى إشعار الأجنبي بأننا مثلُه وأندادُه من جهة أخرى ،هذا الذي يمكننا من أن نتحدث إلى الأوربي فيفهم عنا، ومن أن نسمع للأوربي فنفهم ،ومن أن نُشعرَ الأوربي بأننا نرى الأشياءَ كما يراها ،ونقوِّمَ الأشياءَ كما يقومها ،ونحكمَ على الأشياءِ كما يحكمُ عليها ،وإذاً فنحن نطلبُ منها مثل ما يطلب ،ونرفض منها مثل ما يرفض ، ونريد أن نكون شركاءَه في الحياة وأعوانَه عليها ،لا خدمةَ وسائله إلى هذه الحياة ،فإذا كنًّا نريد الاستقلالَ الفعلي والنفسي الذي لا يكون إلاًّ بالاستقلال العلمي والأدبي والفني ،فنحن نريد وسائلَه بالطبع ،ووسائلُه أن نتعلمَ كما يتعلمُ الأوربي ،لنشعرَ كما يشعر الأوربي ،ولنحكمَ كما يحكمُ الأوربي ،ثمًّ لنعملَ كما يعملُ الأوربي ،ونصرِّفَ الحياةَ كما يصرفها” “). دعوة الدكتور طه حسين إلى العولمة منذ مطلع القرن العشرين وهكذا نجد الدكتور طه حسين دعا إلى العولمة منذ مطلع القرن العشرين ،وألَّه الإنسانَ الأوربي ،ومسخَ الشخصيةَ الإسلامية ،وجعل منًّا تابعين خاضعين لهذا الأوربي -لأنه كان يمثل مركزَ القوة آنذاك- نُصَرَّفُ الحياةَ كما يصرفُها ،نشعرُ بشعورِه هو ،ونحكم كما يحكم هو ،ونطلب من الأشياء مثلما يطلب، ونرفض منها مثل ما يرفض ،لا دين لنا ،ولا عقيدة ،ولا قيم ،ولا مبادئ ،ولا كيان ،ولا وجود ،فوجودُنا وكيانُنا مستمدٌ من هذا الأوربي. لقد كان ولاء الدكتور طه حسين لفرنسا وأوربا كبيراً حتى قال المستشرق ماسينون (إننا حين نقرأ طه حسين نقول هذه بضاعتنا ردت إلينا) والسؤال هنا : ماذا كان حصادُ دعوةِ الدكتور طه حسين؟ والجواب نجده في واقع أدبِنا العربي الحديث والمعاصر الذي يعلنُ التبعيةَ الفكريةَ للغربِ ومسخِ الشخصيةِ العربية ،وفقْدِ الهويةِ الإسلامية ، متجاوزاً أخلاقيات الكتابة الأدبية، فقد تغلغلت المذاهبُ والتياراتُ الغربيةِ الفكرية والأدبية والفلسفية والنفسية ، وحتى السياسية والاقتصادية أدبنا العربي الحديث والمعاصر ،وأخذ معظم أدبائنا هذه المذاهب على عللها وعلاتها ؛إذ أخذوا بالمذاهب التالية: الكلاسيكية الإغريقية القائمةُ على تعددِّ الآلهة ،والصراعِ بينها ،وصراعِ الإنسانِ مع القوى الإلهية ،وجعْلِ هذا الصراع هو الغاية العليا من خلق الإنسان ،وهي أقدمُ المدارسِ الأدبية الغربية ،ولقد نشأت هذه المدرسةُ في فرنسا خلال المدة الواقعة بين عام 1630ـ 1660م، والسببُ في نشأتها أنَّ كبارَ الأدباءِ الفرنسيين عندما قرأوا الآثار الأدبية لقدماءِ اليونان والرومان ،ووازنوا بينها وبين فنونِ الشِّعرِ الشعبي لأدباء القرون الوسطى بهرتهم روعةُ الآثارِ القديمة لهوميروس وأرسطو وأردوا أن يسيروا على نهجِ أرسطو ،ومنهجُ أرسطو ينطلقُ من تصورهِ الوثني لله عزَّ وجل والإنسان والكون والحياة ، وبدأ الأدباءُ الغربيون في استلهام أساطير العالم القديم ،وكلُّ الدلائل تشير إلى أنًّ استخدامَ الشعراء العرب ،وتوظيفَهم للأسطورةِ جاء نتيجة تأثرِهم الواضح والمباشر بالكُتَّابِ الغربيين، وهذا التأثر جاء من رواد حركة التجديد ،ومن هؤلاء الأساتذة المازني ،وعبًّاس محمود العقًّاد ،وهما يمثلان مدرسة الديوان ،وأحمد زكي أبو شادي ،وعلي محمود طه ،وهما يمثلان تأثيرات ما يسمى بمدرسة أبولو ،وأبلو اسم إغريقي واختيار الجماعة لهذا الاسم يتناقض مع أهدافها وثورتها على القديم ودعوتها إلى الجديد ،إذ يقول أبو شادي في افتتاحية العدد الأول من مجلة أبولو ( وكما كانت الميثولوجيا الإغريقية تتغنى بأبولو للشمس والشعر والموسيقى ،فنحن نتغنى في حمى هذه الذكريات التي أصبحت عالمية ) إذاً ثورة أبولو على القديم العربي لتجدد القديم الإغريقي فحملت اسماً إغريقياً بدعوى أنَّه اسم عالمي يتلاءم مع صيغتها كما علل الدكتور أبو شادي سر اختيار اسم “أبولو” ،وهذه أولى بذور التأثر بالثقافة الغربية في شعرنا العربي” ” . ولم يتوقف هذا التأثر عند هذا الحد ؛إذ نجد أصحاب هذه المدرسة ،وكذلك مدرسة الديوان ، وأيضاً الشاعر إلياس أبو شبكة الذي يمثل المدرسة الرومانسبة العربية ومن بعده الشاعر بدر شاكر السيًاب قد استخدموا الإشارات الأسطورية الإغريقية والرومانية ،والدينية مقلدين في ذلك الشعراء الغربيين” “. هذا وإن كان المازني والعقَّاد قد أدخلا الأساطير الإغريقية والرومانية والفرعونية في شعرهما نجد إلياس أبو شبكة وبدر شاكر السيَّاب قد أدخلا في شعرهما أساطير الكتاب المقدًّس بعهديه القديم والجديد، فبالنسبة للسيًّاب فلقد شكًّل الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد أصلاً خصباً من أصول السيَّاب الأسطورية وبخاصة ما كان قائماً من قصصه الديني على فكرة الفداء والتضحية والمعجزات” “. أثر الأسطورة الإغريقية على أدب توفيق الحكيم ولم يقتصر التأثير الإغريقي على هؤلاء الرواد من الشعراء ؛إذ امتد إلى أكبر رواد المسرح في عالمنا العربي الأستاذ توفيق الحكيم ؛فإنَّنا نجد للأسطورة الإغريقية مكاناً بارزاً في مسرحه ،فلقد بلغ عدد مسرحياته الأسطورية خمس مسرحيات هي “إيزيس”، “الملك أوديب” ،”براكسا ” أو “مشكلة الحكم”، “بجماليون” التي تضمنت ثلاث أساطير في آن واحد ، ومسرحية شهرزاد . كما نجد موضوعات بعض مسرحياته مقتبسة من أساطير إغريقية كمسرحية السلطان الحائر التي اقتبسها من أسطورة “اختيار هيرقليس” ،ومسرحية” الطعام لكل فم” التي اقتبسها من الأسطورة الإغريقية القديمة التي صاغ منها ايسخلولوس في القرن الخامس قبل الميلاد ثلاثيته المشهورة “الاريسا” واقتبس من أسطورة بجماليون في المقطوعة التمثيلية “الحلم والحقيقة” . ونلاحظ عند توقفنا عند مسرحيات الأستاذ توفيق الحكيم الدينية نجده في مسرحية أهل الكهف قد أبعد النص القرآني لهذه القصة ،واعتمد في كتابتها على المصادر التالية : 1-مصنفات التاريخ المسيحي. 2- التوراة. 3-كتاب الموتى. 4- الأناجيل الأربعة . كما نجده حشر الأسطورة اليابانية “أسطورة النوام السبعة” ، ويعترف الأستاذ توفيق الحكيم أنه في قصة “أهل الكهف ” قد تأثر بالاتجاه الإغريقي، فذكر في مقدمة مسرحية “الملك أوديب ( كان الذي قصدته من وضع أهل الكهف هو إدخال عنصر التراجيديا في موضوع عربي إسلامي ،التراجيديا بمعناها الإغريقي القديم الذي احتفظتُ به : الصراع بين الإنسان وبين قوة خفية هي فوق الإنسان )” “. إنَّ صراع الإنسان مع الإرادة الإلهية يمثل العقيدة الوثنية للإغريق ؛لأنًّ للإغريق آلهة كُثر هم صنعوهم ،وهم يحاربونهم. وقد هدف الأستاذ توفيق الحكيم من مسرحياته الأسطورية الآتي: 1-إحياء التراث الإغريقي الوثني. 2-تجريد آلهة الإغريق من الشر. 3- ترسيخ العقيدة الإغريقية القائمة على صراع الإنسان مع القوى الإلهية هي الغاية العليا من خلق الإنسان. 4-الاعتراض على قضاء الله وقدره ،وعدم التسليم له ،ويتمثل هذا في إصرار أوديب على استمرار علاقته الزوجية بِ”جوكاستا” حتى بعدما علم أنَّها أمه. والأخطر من هذا أنَّنا نجدُ الأثرَ الإغريقي بدا واضحاً على فكره ،ففي كتابِه التعادلية جعل مهمةَ الإنسانِ في الحياة محاربةَ القدرةِ الإلهية فيقول في موقفِه من حريةِ الإنسان ( الإنسانُ عندي حرُّ في اتجاهِه حتى تتدخلُ في أمرِه قوى خارجيةٌ اسميها أحياناً القوى الإلهية ، حريةُ الإنسانِ عندي إذن مقيدةٌ شانها في ذلك شأنُ حرية الحركة في المادة) ،ويستطردُ قائلاً : ( وقد حاولتُ تفسيرَ موقفي من حريةِ الإنسان ووحدانيتِه ..فقلتُ في كتابي “فن الأدب”: ( هذا الموقف من قضيةِ العصرِ قد وقفتُه وتأملتُه .. فالإنسانُ عندي ليس إلهُ هذا العالم .. وهو ليس حراً ولكنَّهُ يعيشُ ويريدُ ويكافحُ داخلَ إطارِ الإرادةِ الإلهية ..هذه الإرادةُ التي تتجلى للإنسانِ أحياناً في صورٍ غيرِ منظورةٍ من عوائقَ وقيودٍ على الإنسانِ أن يكافحَ لاجتيازها والتغلبِ عليها) ، ثُمَّ يقولُ : ( إنَّ قضيةَ العصرِ اليوم وهي التي تقومُ على حريةِ الإنسانِ سواءً باعتبارِه فرداً أو باعتبارِه جماعةً إنَّما تتحدُ وتتلاقى في أمرٍ واحدٍ هو إنكارُ اللهِ ..إنكارُ القوى غير المنظورة التي تؤثرُ في مصيرِ الإنسانِ ،ثُمَّ يقول : ( …إنَّ فكرةَ الشَّعُورِ بالقوى الأخرى التي تواجهُ الإنسانُ وتؤثرُ في إرادتِه وحريتِه تدفعُ به في نهايةِ الأمرِ إلى أنْ يحشدَ غرائزَ حربِه ونشاطِه وكفاحِه لا ضدَّ هذه العوائقُ المستترة ،هذه القوى الخفيةُ …فالشَّعُورُ بعجزِ الإنسان أمامَ مصيرِه هو عندي حافزٌ إلى الكفاحِ لا إلى التخاذل.. “أهلُ الكهف” كافحوا ضد الزمن .. ولبث أحدُهُم متعلقاً بالحياة يقارعُ الزَّمنَ بسيف بتَّار ،هو القلب إلى آخر لحظة “وشهرزاد “جاهدت محاولةً أن تردَّ إلى الصَّوابِ زوجَها الذي أراد أن ينبذ أرضَه وآدميتَه ،وأن تُعيدَ إليه إيمانَه ببشريته ..و”سليمان” جاهدَ ضدَّ إغراءِ القدرةِ التي كادت تخرسُ صوتَ الحكمة .. وهكذا كان الإنسانُ عندي ، يجاهدُ دائماً ضدَّ العوائق الخفية التي شعر بتأثيرِها في حريته وإرادتِه ومصيرِه .. ) هذا بالحرفِ ما قالَه الأستاذُ توفيق الحكيم في كتابِه التعادلية ،وهو يعبرُ في هذا عن عقيدةِ الإغريق في صراعِ الإنسان مع القوى الإلهية ،وهنا ابتعدَ الأستاذُ توفيق الحكيم عن التصور الإسلامي عندما جعل مَهمَّةَ الإنسانِ في الحياة الدنيا هي محاربةُ القوى الإلهية ،فاللهُ سبحانه وتعالى خلق الإنسان ليس لمحاربتِه ،وإنَّما لعبادتِه ( وما خلقتُ الجنَّ والإنسَ إلاَّ ليعبدون)،فمهمةُ الإنسانِ العليا هي عبادةُ الله ،وما يعترضُه من عوائق وعقباتٍ هي بمثابةِ امتحانٌ وابتلاء على الصَّبرِ على طاعتِه عن معصيتِه ،وقدرتِه على آداء أمانةِ الاستخلاف التي كلَّفه الله بها. كما نجدُه اعتبر هناك قوى خارجية غير القوى الإلهية ،وذلك عند قوله ( عندي الإنسان حر في اتجاهه حتى تتدخلَ في أمرهِ قوى خارجية أسميها أحياناً القوى الإلهية ،كما نجدُ الأستاذُ توفيق الحكيم قد تأثر بالفيلسوفِ الروسي نيتشه عندما ذكرَ أنَّ القوى الخفية ” القوى الإلهية” تضعُ عوائقَ أمامَ الإنسانِ أن يجاهدَها ويكافحَها ويحاربَ ضدَّهَا ،وهذا المعنى نجدُه عند نيتشه في حملهِ على فكرةِ الألوهيةِ لكونها في نظرهِ عقبةً تحولُ دونَ تأكيدِ الإنسانِ لذاتِه. كما نجدُ التأثيرَ الوثني الإغريقي على فكرِ الأستاذ توفيق الحكيم في كتابه ” راقصة المعبد”؛ إذ يوجدُ نصٌ بين أيدينا يبين لنا هذا التأثير فلنقرأ ما كتبه الأستاذ توفيق الحكيم يقول : (صرتُ على غير هدى في حانات باريس وملاهيها حتى الهزيع الأخير من الليل.. ولم أجرؤ على العودةِ إلى السكنِ قبل الساعةِ التي قَدَّرتُ أنَّ النومَ يقْهَرُني فيها قهراً ،ودخلتُ فخلعتُ ثيابي لتواً .. وألقيتُ بجسمي على الفراش ،وأغمضتُ عيني ،واستعنتُ بعزيمةٍ ماضيةٍ على طلبِ النُّعاسِ دخيل إليَّ أنَّي نجحتُ . فلقد رُحتُ في إغفاءةٍ عميقة ..ومضى وقتٌ لستُ أدري أهو دقيقة أم ساعة ،وإذ أنا انتفضُ انتفاضةً أيقظتني ،وكأنَّما شيءٌ قد وخزني في قلبي فقمتُ أصيحُ في جوفِ الظلام : يا إله الفن .. لماذا تفعل بي ذلك ؟ لماذا تصنع بي ذلك دائماً )ثُمَّ يقول : ( يا إله الفن يروقُ لك دائماً أن تجرحَ وتُذِّلَ هذا القلبِ الذي هُئَ لخدمتك ؟ وغرقتُ في الصمت .. كلمةُ “إله الفن” مازالت تطنُّ في أُذُني ،كأنَّ لها حقيقةً واقعة .. وطفقتُ أرددُ : إله الفن ..إله الفن .. إله الفن .. نعم إنَّه وحدُه الذي أتوجُّه إليه مستجيراً من أثقالِ حياةٍ يقودُها بالسلاسلِ في موكبِه الحافل …ونظرتُ أمامي في الظَّلامِ .. وقلتُ …إنّك في المعبد ـ آه لو ألقيت إليَّ نظرةً من فوقِ عرشك ..) ثُمَّ يقول: ( ثُمَّ هنالك في بناء المهرجان الفشسبتيل هاوس حيث شاهدتُ أوبرا “ادرمينوس “،و ” ايرودريس” ،و”تريستان” ،و “ايزولت ” لمحتُ أيضاً حركات تصفيق خفية من يدي إله الفن ..وفي كنيسة “سان بيتر” حيث أصغيتُ إلى الحان موزار الدينية .. فحرتُ وتساءلت : أترى عبقرية موزار هي التي خدمت الكنيسة ..أم الكنيسة هي التي أظهرت عبقرية موزار ؟ هنالك أيضاً شعرتُ كأن إله الفن كان حاضراً ينثر على تلك الأنغام الملائكية ابتسامة الرضا …) ويقول الأستاذ توفيق الحكيم ( إنِّي موقن بأنَّ إله الفن كان مني غير بعيد أمام كل هذه المظاهر الفنية العظيمة ..آه ولكني أريد أن أراه الساعة وجهاً لوجه لأجثو عند قدميه وأشكو إليه ) هذا ونجد الأستاذ توفيق يصفُ رقصاتِ سالومي بأنَّها رقصاتٌ إلهية… ثُمَّ يقولُ الأستاذُ توفيق ( ..وصحتُ عندئذ صيحة مدوية التفت إليها إله الفن قائلاً : من هذا؟ فرفعتُ صوتاً قاصفاً : لماذا تفعل بنا هذا؟ فنظرَ إليَّ حيثُ أقفُ وقال: عبدٌ يعترض ؟ فقلت في .. وإطراق : حاشا أن أعترضْ …إنَّما أسألُ عن العلِّةِ …وأطلبُ أن أفهمَ الحكمةَ فأجابَ في هدوءٍ وجلال ،أنتمْ جميعاً في خدمتي أنتم لي ،وما ملكتْ أيديكم … أنتم رقيقٌ مشدودُ إلى عجلتي …لكم أن تنظروا إلى راقصاتِ معبدي .وأن تتأملوا جمالَهُنَّ …وأن تلتقطوا أزهارَهُنَّ ..وأن تستلهموا حسنَهُن وحبَّهُنَّ .ولكن أذكروا دائماً أنَّهُنَّ لسنَ لكم …) إلى أن يقول : ( فأطرقتُ ملياً … وقلتُ مخاطباً نفسي ..نعم..نعم، ثُمَّ التفتُ إليه وأنا أخرُّ ساجداً مستفسراً عفوك ..لقد نسيتُ أمر هذه من عملِنا وأن تفصيلَ أرديتِك في حاجةٍ إلى كل هذه الأدوات) وبعد قراءتنا لهذا النص أسألُ الحضورَ الكرام : ما الفرقُ بين هذا النصِ وبين أيةِ أسطورةِ إغريقيةِ وثنية؟ فكما تريْن فلقد صنعَ الأستاذُ توفيق الحكيم إلهاً للفن بعبدُه ويسجدُ له ،ويحاورُه ويعارضُه ثمَّ يستغفرُه ويتوبُ إليه ،وهذا الإلهُ له معبدٌ وراقصات…الخ ولعلَّ هذا النَّصَّ يفسرُ لنا أهدافَ الأستاذِ توفيق الحكيم من أحاديثِه الأربعةِ إلى اللهِ أو مع الله ،فالتأثيرُ الإغريقي الوثني باقٍ وظاهر ،يوضحُه حوارَهُ مع اللهِ ،ويؤكدهُ هذا النَّصُّ الذي بين أيدينا. ولم يتوقفْ التأثيرُ الإغريقي الوثني على فكرِ الأستاذ توفيق الحكيم عند هذا الحد ،إذ نجدُه جعلَ من الشَّيْطانِ شهيداً وذلك في قصةٍ أسماها الشهيد ،وفيها يعلنُ إبليس رغبتَه في التوبةِ ،فيذهب إلى البابا في ليلةِ ميلادِ المسيحِ مبدياً رغبتَه في التوبة ،فيرفضُ توبتَه ،فيذهب إلى حاخام اليهود ،ولكن يرفض دخولَه في اليهودية لأنَّ اليهودَ ليس من عاداتهم دعوةُ الغير إلى دينهم ،فيذهب إلى شيخ الأزهر فيستقبلُه ،ويُصغي إلي قولِه ،ثمَّ يقول له : إيمان الشَّيطانِ عملٌ طيبٌ ،ولكن إبليس ..ويقول الأستاذ توفيق ،ويرفضُ شيخ الأزهر طلب إبليس معللاً رفضه بقوله : ( وتأمل شيخ الأزهر العواقب .. لو أسلم الشَّيطانُ فكيف يُتلى القرآن ؟ هل يمضي النَّاسُ في قولهِم أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ؟ لو تقرر إلغاءُ ذلك لاستتبع الأمرُ إلغاءَ أكثر آيات القرآن .. فإنَّ لعنَ الشَّيْطانِ والتحذير من عملِه ورجسِه ووسوستِه يشغلُ من كتابِ اللهِ قدْراً عظيماً كيف يستطيع شيخُ الأزهر أن يقبلَ إسلامَ الشَّيْطان دون أن يمسَّ بذلك كيانُ الإسلام كله) ويصوَّرُ الحكيم حالَ إبليس بعد ذلك بأنَّه توَّاقٌ للخيرِ والإيمان ،وصعدَ إلى جبريل عليه السلام ،وجبريل حرَّم عليه التوبة …وختم قصتَه بقولِ إبليس “إنَّي شهيد…إنَّي شهيد ” . هذه القصة تتنافى مع ما جاء في قوله تعالى في سورة ص ( قال إبليسُ ما منعكَ أنْ تسجدَ لما خَلَقْتُ بيدي أستكبرتَ أمْ كُنْتَ مِنَ العالِين .قال َ أنا خَيْرُ مِنْه خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلقْتُهُ مِنْ طِينٍ . قالَ فاخْرُج مِنْها فَإنَّكَ رَجِيم.وإنَّ عليكَ لعنتي إلى يومِ الدِّين .قالَ ربِّ فانْظِرني إلى يومِ يُبْعَثُون .قالَ فإنَّك مِنَ المُنْظِرين إلى يومِ الوْقتِ المعلوم . قالَ فَبِعِزَّتِكَ لأَغْوِيَنَّهُم أَجمعين .إلاَّ عِبَادكَ مِنْهُم المُخْلَصِين. قال فالحقُّ والحقُّ أقُول . لأملأنَّ جَهنَّم مِنْك وَمِمنْ تَبِعكَ مِنْهُم أَجمَعِين.) كما نجد الأستاذ توفيق الحكيم جعل البابا وحاخام اليهود وشيخ الأزهر كأنهم آلهة يقبلون توبة الشيطان أو يرفضونها. كما نجدُه يسخرُ من القرآن في مبررات رفضِ شيْخِ الأزهرِ لتوبةِ الشيطان، وينفي عن الخالقِ علمه الغيب. ونجدُه يصوِّرُ الشيطانَ أنَّ لديه نزعةَ خيرٍ وتوَّاقاً لفعل الخير ،وصوَّر الشيطانُ أنَّه مظلومٌ مع أنَّ الشيطان شرٌ مطلقٌ عدو للبشرية إلى أن تقوم الساعة. أثر الأسطورة على الأدب العربي: واعتمادُ معظمِ رواد الأدب العربي للأساطير الإغريقية في أعمالهم الأدبية كان له الأثر السلبي والخطير على الأجيال التالية لهم من الأدباء والشعراء ؛إذ تجاوز هؤلاء الأدباء والشعراء أخلاقيات الكتابة الأدبية ،بل تجاوزوا كل الحدود ،عندما نالوا من الذات الإلهية ،وأساءوا إلى أنبيائه. فهاهو صلاح عبد الصبور يعود إلى الوثنية بقصيدته ” الإله الصغير” فيقول فيها : كان لي يوماً إله، وملاذي كان بيتُه قال لي “إنَّ طريقَ الوردِ وَعْرٌ فارتقيتُه وتلفَّتُ ورائي، وورائي ما وجدتُه ثُمَّ أصغيتُ لصوتِ الريحِ تبكي،فبكَيتُهْ ذاتَ يوم، كنتُ ارتادُ الصحاري ،كنتُ وحدي حين أبصرتُ إلهي، أسمرَ الجبهة، وردي ورقصنا وإلهي للضحى، خداً …لخد ثُمَّ نِمنا ،وإلهي بيْنَ أمواج ٍوورد” ” أمَّا أمل دنقل فلقد مجَّد الشيطان لنه قال” لا” لرب العباد ،وذلك في قصيدته “كلمات سبارتكوس الأخيرة “التي يقول فيها: المجد للشيطان …معبود الرياحْ من قال “لا” في وجه من قالوا “نعمْ” من عَلَّم الإنسانَ تمزيقَ العدمْ من قال “لا”… فلم يَمُتْ؛ وظلَّ رُوحاً أبدية الألمْ” ” أمَّا أدونيس فيقول في قصيدة أسماها “الإله الميت”: اليوم حرقت سراب السبت سراب الجمعةْ اليوم طرحت قناع البيتْ وبدلتُ إله الحجر الأعمى وإله الأيام السبعةْ بإله ميتْ” ” ويقول في قصيدة ” الخيانة” وأنا ذلك الإله -الإله الذي سيُبارك أرضَ الجريمة . إنَّني خائنٌ أبيع حياتي للطريق الرجيمة، إنَّني سيد الخيانة” “. ويقول في قصيدة “موت “: نموت إن لم نخلق الآلهة ، نموت إن لم نقتل الآلهة.” ” وقد أعلن كرهه لله في ” مجنون بين الموتى”؛إذ قال على لسان أحد الأصوات: أكره النَّاس كلهم أكره الله والحياة” ” ويقول في” لغة الخطيئة” أعبر فوق الله والشيطان” ويقول في قصيدة “هذا هو اسمي”: طفل يشب وللأرض إله أعمى” ” ويقول في القصيدة ذاتها: ورأيتُ الله كالشحَّاذ في أرض علي” ” ويقول في القصيدة نفسها: سقط الخالق في تابوته سقط المخلوق في تابوته” ” وجعل لله زوجة ؛إذ يقول في قصيدة “دعوة للموت” : يا أرضنا يا زوجة الإله والطغاة واستسلمي للنار” ” وفي قصيدة ” الكاهنة” قال إنَّ الله يولد “تعالى الله عما يصفون” كاهنة الأجيال قولي لنا شيئاً من الله الذي يولد” ” ويقول في قصيدة “مراكش-فاس” : زواحف من كل نوع تقتحم الأرض ،والإنسان يصطاد السماء ،إنَّه الله يتقدم في جنس حيواني يتخلف” ” وفي قصيدة “مقدمة لتاريخ ملوك الطوائف” نجده ذكر اسم الله بين الحشرة والشاعر دون فاصل بينهما فقال: كل شيء يدخل إلى الأرض من سم الكلمة والحشرة الله الشاعر” ” وهو بقوله هذا قد ساوى بين الله والحشرة ،وأنّ كلمة الله تخرج إلى الأرض من سم الكلمة ،بل نجده جعله كالحشرة بقوله” والحشرة الله الشاعر “تعالى الله عما يصفون”، ويستمر أدونيس في كفره بالله والتجرؤ عليه فيقول في القصيدة نفسها : هاتوا فؤوسكم نحمل الله كشيخ ميت” ” هذا قليل من كثير مما ورد في شعر أدونيس الذي يعتبر من أهم رواد الحداثة ،والذي تأثر به كثير من الشعراء الشباب من الجنسين الذين حذوا حذوه ،وفي مقدمتهم شعراء الحداثة . الرومانسية وهي قائمة على العقيدة المسيحية ورفض الكلاسيكية القائمة على عقيدة الإغريق الوثنية التي تقول بتعدد الآلهة والصراع فيما بينها ،وصراع الإنسان معها ؛إذ احتج “شاتو بريان” رائد الرومانسية على الكلاسيكية، وأصدر كتابه “العبقرية المسيحية”، ومنذ ذلك الحين طبع الأدب الغربي بالطابع المسيحي. وللأسف نجد أدباءنا وشعراءنا المسلمين قد تأثروا بالرومانسية ،وأخذوا بها على علاتها بكل ما تحمله من رموز مسيحية تماماً كما أخذوا بالكلاسيكية بكل ما فيها من عقائد وثنية. الواقعية تستمد الفلسفة الواقعية تصورها للإنسان من النظرة المادية الحيوانية للإنسان القائمة بدورها على الداروينية القديمة ،وقد ظهرت الحركة الواقعية في القرن التاسع عشر كرد فعل للمذهب الرومانتيكي المغرق في الخيال ،وتقوم الفلسفة الواقعية على المادي الملموس ،فلا تؤمن بوجود حقيقة إلاَّ ما تستطيع الحواس أن تدركه ،وما لا تدركه الحواس فهو غير موجود ،أو على الأقل شيء ساقط من الحساب ،وهذا ما جعل الأستاذ نزار قبَّاني يقول: ( أنا لا أؤمن بوجود النار إذا لم أحترق بها ..وأنا من المستحيل عليَّ أن أكتب عن شعر حبيبتي الطويل إذا لم يتكسر بين يدي كأعواد الزنبق) وإذا كانت الواقعية الغربية الحديثة تؤمن بأنَّ الإنسان يصل إلى الحقائق عن طريق فكره فإنَّ هذا فيه من الخطورة ما فيه ؛إذ هناك من الحقائق ما لا يمكن للعقل أن يصل إليها عن طريق أدواته المعروفة ،فالعقل البشري مهما أوتي من عبقرية وذكاء ،فهو قاصر عن إدراك بعض هذه الحقائق كوحي الله لأنبيائه ،وكحادثتي الإسراء والمعراج . أمَّا عن نظرة الفلسفة الواقعية الغربية للحياة فيعبر الدكتور محمد مندور عنها في كتابه “الأدب ومذاهبه ” فيقول 🙁 هي وجهة نظر خاصة ترى الحياة من خلال منظار أسود ،وترى أنَّ الشر هو الأصل فيها ،وأنَّ التشاؤم والحذر هما الأجدر ببني البشر لا المثالية والتفاؤل) هذا وقد كثرت تفرعات الواقعية ومصطلحاتها ،فلقد بلغت الثماني والعشرين ،والذي يعنينا منها في موضوعنا هذا هو : الواقعية الاشتراكية لقد ورد تعريف هذه النظرية رسمياً في إحدى مواد دستور اتحاد الكتاب السوفيت الذي وضعه أول مؤتمر عام لهذا الاتحاد سنة 1934م ، ونص المادة هو: ( أنَّ الواقعية الاشتراكية هي المنهج الأساسي للأدب والنقد الأدبي السوفيتيين ،وهي تتطلب من الفنان أو الأديب تمثيله الواقع في حالة نموه الثوري تمثيلاً صادقاً ،وعلى هذا فإنَّ صدق التمثيل الفني للواقع يجب أن يرتبط بنوعية العمال ويدعم إيمانهم بروح الاشتراكية)” “وتحدد على لسان “أندريه شدانوف” مدير تنظيم الحزب آنذاك في لننجراد على الوجه التالي : ( إنَّ الرفيق ستالين قد عيَّن كتاباً مهندسين للنفس البشرية فما معنى هذا؟ وأية واجبات تقع على عاتقهم بهذه التسمية ؟ معناه أولاً : معرفة الحياة لا بطريقة أروسطية ميتة ،ولا ببساطة كواقع موضوعي ،وإنَّما كواقع ينمو ويتطور ثورياً ،ولهذا لابد من أن يرتبط العرض الفني الأمين للواقع وللتاريخ بمهمة التربية الأيدولوجية للإنسان العامل وصياغته بروح الاشتراكية ،هذا هو المنهج الذي نسميه في الأدب والنقد منهج الواقعية الاشتراكية)” “. إنَّ نص هذه المادة يبين أنَّ الواقعية الاشتراكية هي المنهج الأساسي للأدب والنقد الأدبي السوفيتيين. هذا وتوجد هذه الفلسفة في أجزاء كثيرة من بلاد العالم المعاصر رغم اختلاف مسمياتها ،فتارة يطلق عليها الاشتراكية الماركسية نسبة إلى كارل ماركس ،أو الماركسية اللينينية نسبة إلى ماركس المصمم ،ولينين المنفذ، أو الشيوعية بوصفها تضم كل الأفكار الشيوعية السابقة وتبلورها أو الاشتراكية العلمية ،أو الواقعية الشيوعية ،وتعتبر كتابات ماركس وانجلز هي أوثق المصادر لفهم تطور الواقعية الاشتراكية” “. نظرة الواقعية الماركسية والاشتراكية للإنسان إنَّ نظرتها للإنسان هي ذات نظرة الماركسية أو الشيوعية ،وهي نظرة جزئية ،إذ تأخذ في حسابها الوجه المنظور للإنسان “المادي المحسوس “،وترفض أو تهمل الجانب غير المنظور ،وأعني به “الجانب الروحي”، وبالتالي تحول الإنسان إلى مادي آلي ،لذا كان موقفها من مشكلة التناقضات الداخلية في الذات الإنسانية موقف سلبي ،لأنها بدلاً من أن تقضي على هذه التناقضات بتوحيد عنصري المادة والروح كما فعل الإسلام الذي وحد بين عنصري الإنسان المادة والروح ،ووازن بينهما، فلقد بيَّن أنَّ الإنسان في أصله مادة وروح يقول تعالى ( وإذ قال ربك للملائكة إنَّي خالق بشراً من صلصال من حمأ مسنون فإذا سويته ونفختُ فيه من روحي فقعوا له ساجدين)” “،فإنَّها أنكرت القيم الروحية ،وبهذا شوهت الإنسان ،وكان لابد لهذا التشويه من ثمن هو رد الفعل الذي جابهته وتجابهه من طبقة المفكرين الذين التزموا بها حيناً من الدهر ،فلم يجدوا فيها سوى تجربة مرة لا لتخلص الإنسان من تناقضه بقدر ما تزيده تمزقاً وضياعاً ،ويرجع هذا إلى تأليه الاشتراكية أو الماركسية للمادة ،وقصرت الإدراك لديها على الحواس الخمسة القصيرة المدى ؛إذ لم تستطع تجاوز الواقع المحسوس ،فلم تكن قادرة على تصور قوة خفية غير منظورة ،لذا فلقد أنكرت الفلسفات الغربية الحديثة من وجودية وماركسية واشتراكية ،وغيرها وجود الله، أمَّا المسلم فعقله المتفوق بقوة تصور الإله غير المحدود استطاع أن يصل إلى آفاق من التصور لا يمكن أن يصل إليها ذوا الإله المحسوس أو المحدود فجاء الواقع الغربي كما هو دائماً واقعاً مادياً وصفياً تسجيلياً ،ومفهومه ساذجاً سطحياً لا يتعدى إدراك الحواس ،وهو مفهوم أقرب إلى مفهوم الطفل وإدراكه للأشياء” “. أثر الواقعية الاشتراكية على الأدب العربي هذا وتظهر الواقعية الاشتراكية بوضوح في شعر بدر شاكر السيَّاب الذي ينتمي إلى الحزب الشيوعي العراقي مثل قصيدة الأسلحة والأطفال ،كما تظهر الواقعية الاشتراكية في شعر عبد الوهاب البياتي ؛إذ عالج قضية الفقر من وجهة النظر الماركسية لا الإسلامية مع أننَّا لو عالجناها وفق تعاليم الإسلام لما وجد فقر في البلاد ،وتظهر الواقعية الاشتراكية أيضاً في شعر نجيب سرور وآخرين. هذا في مجال الشعر ، أمَّا في مجال القصة والرواية فنجد الأستاذ نجيب محفوظ من أبرز الذين آمنوا بالماركسية وطبقوا فلسفتها الواقعية على شخوص قصصه ورواياته؛ فكانت نظرته إلى الإنسان من خلال شخوصه نظرة مادية بحتة ،فقسمهم بصورة آلية وميكانيكية إلى أغلبية ساحقة تعيش حياة مادية بحتة ،وقلة نادرة منهم تحاول أن تعيش حياة روحية إنسانية ،ويرجع في اعتقاد نجيب محفوظ بالفصل بين الجانبين الروحي والمادي إلى فيلسوفه المفضل “برجسون” . هذا وقد اعتبر الأستاذ نجيب محفوظ أنَّ الحل الأمثل لمشاكل المجتمع العربي في الاشتراكية والماركسية ،وذلك في رواياته “القاهرة الجديدة” ،و”بين القصرين”، و “السكرية” ومحتوى الاشتراكية يبينه أبطال “اللص والكلاب” ، و”الشحاذ”. ونلاحظ أنَّه يرمز للشيوعية بالإيمان الجديد ،ويصف الدين بالقوانين الهمجية. الرمزية عادةً يستخدمُ الرَّمزُ كعلامةٍ تدلُّ على شيءٍ له وجودٌ قائمٌ بذاته ،فعلماءُ الكيمياءِ والهندسةِ والجبر رمزوا إلى الأسماء والأرقامِ والزوايا والخطوطِ بالحروف. أمَّا الدولُ فرمزت بالأعلام إلى ما تدين به وتقدسُه، والمتاجرُ والمصانع والمؤسسات والمنظمات كثيراً ما اتخذت لنفسِها رموزاً تشيرُ إليها وتميزها عن غيرها. أمَّا الرمزُ عند الأدباءِ والنقادِ فهو وسيلةٌ للتعبيرِ عن التجاربِ الأدبيةِ المختلفةِ بوساطةِ الرمز. وقد دُعيَ هذا الاتجاه بالمدرسة الرمزية ،وذلك لأنَّ هذه الحركةَ الأدبيةَ اتخذت من الإشارةِ واللمحِ أداةً للتعبيرِ عن الانطباعاتِ النفسية ،وأحلتها محلَّ الأسلوبِ الحقيقي المباشر الذي يستعملُه الأدباء” “. ولقد انبثقت الرمزيةُ عن نظريةِ المثلِ عند أفلاطون ،وهي نظريةٌ تقومُ على فكرتين أساسيتين : أولاهما: إنكار الحقائق المحسوسة التي لا تزيد عن كونها صوراً ترمز إلى حقائق مثالية بعيدة عن عالمنا المحسوس. وثانيتهما: أنَّ عقل الإنسان الظاهر الواعي عقلٌ محدود ،وأنَّ الإنسانَ يملك عقلاً باطناً غير واعٍ أرحبَ من ذلك العقل . وقد انبثقت عن الرمزية السريالية ،والتجريدية ،والتعبيرية. الرمزية تحت مجهر التصور الإسلامي: كما تبين لنا أنَّ الرمزيةَ انبثقت عن نظريةِ المثل عند أفلاطون ،ونادت بأنَّ عقلَ الإنسانِ الظاهرِ الواعي محدودٌ ضيق ،وأنَّه يملكُ عقلاً غيرَ واعٍ أرحبُ من عقلِه الواعي بعشراتِ المراتِ وأحفل. والإسلامُ يرفضُ هذه النظرية كلَّ الرفضِ ،ذلك لأنَّ العقلَ مناطُ التكليف ، التكليفُ بأمانة الاستخلاف ،وبإسقاطِ التكليفِ عن الإنسانِ تُلغَى كُلُّ النُّظُمِ الاجتماعية التي تحققُ للإنسانِ القيامَ بها وفي مقدمتها النظامُ الأسري الذي يعتبرُه السِّرياليون هو والنظم الاجتماعية الأخرى تعوقُ الإبداع ،وتقفُ حجرٌ عثرة في طريق المبدعين. إنَّ إسقاطَ التكليفِ عن الإنسانِ يصبحُ هو والحيوانُ سواء يعيشُ في إباحيةٍ مطلقة ،وقد حدَّدَ القرآنُ الكريم موقفَه من عالم “اللاوعي” في سورة الشعراء ؛إذ يقولُ جلَّ شأنه ( والشعراءُ يتَّبِعُهُمُ الغاوون .ألم ترَ أنَّهُمْ في كُلِ وادٍ يَهِيمُون. وأنَّهُم يَقُولُونَ ما لاَ يَفْعَلُون. إلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وعمِلُوا الصَّالحاتِ وذكرُوا اللهَ كثيراً وانتصرُوا مِنْ بعدِ ما ظُلِمُوا وسيعلمُ الذِّينَ ظَلمُوا أيَّ مُنقلبٍ ينْقَلِبُون.) الغاوون هم الهائمون مع الهوى لا منهج لهم ولا هدف ،وكلٌ من الشعراء وأتباعهم يهيمون في كل واد من وديان الشعور والتصور والقول دون أن يلتزموا بتصورٍ ثابتٍ يخضعونَ لضوابطِه ،وبما أنهم يعيشون في عوالمَ موهومة ،وهم بهذا خرجوا عن منهجِ الإسلام ،لأنَّ الإسلامَ يحبُّ للناس أن يواجهوا حقائق الواقع ،ولا يهربوا منها إلى الخيال الموهوم ،وقد وصف اللهُ عزَّ وجل هذا الصنف من الشعراء بالظالمين. وقد دعا الله عزَّ وجل في كتابه العزيز إلى الاعتماد على العقل ،والاستنارة به للوصول إلى الحقائق يقول تعالى : (أفلم يسيِروا في الأرضِ فتكُونَ لَهُمْ قُلٌوبٌ يعْقِلونَ بِها أوْ أذَانٌ يَسْمَعُونَ بِها فإنَّها لا تَعْمَى الأبْصَارُ ولكن تَعْمى الْقُلُوبُ الَّتي في الصُّدُور “) ” والآيات القرآنية التي تحث على استخدام العقل وردت في حوالي خمسين موقعاً كقوله تعالى( كذلك يُبَيِّنُ اللهُ لكم آياتِه لعلكُم تعْقِلون)” ” والرمز إلى الله عزَّ وجل بالأب يخالف التصور الإسلامي للخالق جلَّ شأنه فهو (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) ،(فلا تَضْرِبوا لله الأمثال) أثر الرمزية على الأدب العربي لقد تأثر بالرمزية عدد كبير من الأدباء العرب ، ولاسيما أدباء الحداثة الذين أغرقوا في الرمزية حتى أصبح أدبهم طلاسم لا تفهم، ومن الأدباء الرواد الذين أسرفوا في الرمزية الأستاذ نجيب محفوظ الذي تجاوز أخلاقيات الكتابة الأدبية في رمزيته التي نال فيها من الذات الإلهية ،ومن أنبياء الله عليهم السلام فلقد رمز إلى الله بِ” الأب” في قصصه ” أولاد حارتنا”، و”زعبلاوي” ، و”الطريق” ، و”الشحاذ” ، و”ثرثرة فوق النيل”، و” حارة العشاق” ، ” حكاية بلا بداية ونهاية”. ولنتوقف قليلاً عند الرمزية في” أولاد حارتنا ” ،وما كتبه الأستاذ جورج طرابيشي عنها في كتابه “الله في رحلة نجيب محفوظ الرمزية” ، لأنَّ الأستاذ نجيب محفوظ قد أقّر ما كتبه جورج طرابيشي في هذا لكتاب ما يرمز إليه الأستاذ نجيب محفوظ في شخصيات هذه الرواية وغيرها من الروايات . لقد بيَّن الأستاذ جورج طرابيشي ما يرمز إليه نجيب محفوظ في شخصيات رواية ” أولاد حارتنا” فذكر أنَّه رمز إلى الخالق جل شأنه بِ” جبلاوي” من زوجه “الأمة” ،أمَّا أمنا حواء فرمز إليها بِ “أميمة”، وهو تصغير “لأم” ،وأميمة هذه أَمة أيضاً ،ورمز إلى الجنة بحديقة بيت جبلاوي ،ولم يتوقف الأستاذ نجيب محفوظ عن رموزه هذه فقط ؛ إذ نجده رمز إلى أنبياء الديانات السماوية الثلاثة اليهودية والمسيحية والإسلام. فرمز إلى سيدنا موسى عليه السلام بِ” جبل” ،وأسماه “جبل” لأنَّ الله كلَّمه عند جبل سيناء ،ورمز إلى سيدنا عيسى عليه السلام بِ”رفاعة” وأسماه “رفاعة” لأنَّ الله رفعه إلى السماء ، أمَّا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فرمز إليه بِ” قاسم” وأسماه قاسماً لأنَّه يكنَّى عليه الصلاة والسلام بأبي القاسم. هذه أهم الرموز في رواية “أولاد حارتنا” للأستاذ نجيب محفوظ ،والتي أوردها الأستاذ جورج طرابيشي في كتابه “الله في رحلة نجيب محفوظ الرمزية ” ،والتي أقرَّه عليها الأستاذ نجيب محفوظ في رسالته التي بعثها للأستاذ نجيب طرابيشي بعد إطلاعه على الكتاب ،ونشرها المؤلف في الغلاف الخلفي للكتاب بخط يد الأستاذ نجيب محفوظ كوثيقة تؤيد كلامه ،وإليكن نص هذه الرسالة : ( بصراحة أعترف لك بصدق بصيرتك ،وقوة استدلالك ،ولك أن تنشر عنِّي بأنَّ تفسيرك للأعمال التي عرضتها هو أصدق التفاسير بالنسبة لمؤلفها ) وهذا يعني أنَّ جميع تفسيرات المؤلف يوافقه عليها الأستاذ نجيب محفوظ . الوجودية الوجودية تيار فلسفي يعلي من قيمة الإنسان ويؤكد على تفرده ،وانَّه صاحب تفكير وحرية إرادة واختيار ،ولا يحتاج إلى موجه ،وهو جملة من الاتجاهات والأفكار المتباينة، وليس بنظرية فلسفية واضحة المعالم ،ونظراً لهذا الاضطراب والتذبذب لم تستطع إلى الآن أن تأخذ مكانها بين العقائد والأفكار. وقد جاءت الوجودية ردة فعل على تسلط الكنيسة وتحكمها في الإنسان بشكل متعسف باسم الدين . وتأثرت بالعلمانية وغيرها من الحركات التي صاحبت النهضة الأوربية ورفضت الدين والكنيسة . وتأثرت أيضاً بسقراط الذي وضع قاعدة “اعرف نفسك بنفسك”، كما تأثرت بالرواقيين الذين فرضوا سيادة النفس ،وفي الوقت ذاته تأثرت بمختلف الحركات الداعية إلى الإلحاد والإباحية” “. جان بول سارتر والوجودية: وهو من أشهر زعماء الوجودية البارزين ،وهو فيلسوف فرنسي ولد سنة 1905م؛إذ يرى أنَّ الله لاوجود له ،وأنَّ الوجود الحر للإنسان ،ويرى سارتر أنَّ قوله : “إنَّ الإنسان حر “مرادف قوله :” إنَّ الله غير موجود ” لأنَّ وجود الإنسان لا يخضع لماهية أو طبيعة محدودة. وزعم سارتر أنَّ الإنسان هو الذي يضع مقاييس الحق والخير والجمال ،فأعطى للإنسان ما هو لله وحده” “. ولمَّا جعل سارتر الإنسان هو الذي يضع مقاييس الحق والخير والجمال لزمه أن يُسقط المسؤولية ،وذلك لأنَّ المسؤولية إمَّا أن تكون أمام الله ،أو أمام المجتمع ،أو أمام ضمير ذاتي مثالي يحكم على أعمال الذات لكن سارتر أنكر الخالق فلا مسؤولية تجاهه، وأنكر أيضاً الضمير الذاتي المثالي، لأنَّ وجوديته تقرر أن يكون الدافع أولاً ثمَّ تكون الفكرة عنه، أمَّا المجتمع فلا دخل له ،مادام الإنسان بمفرده هو الذي يضع مقاييس الحق والخير والجمال ،إذن لم شيء يعتبر الإنسان مسؤولاً عنه” “. من هنا نجد الوجودية السارترية تقوم على الآتي: 1-الكفر بالله ورسله وكتبه ،وبكل الغيبيات ،وكل ما جاءت به الأديان ؛فلقد اعتبرتها عوائق أمام الإنسان نحو المستقبل ،وقد اتخذت من الإلحاد مبدأ. 2-أنَّ الإنسان أقدم شيء في الوجود ،وما قبله كان عدماً ،وأنَّ وجود الإنسان سابق لماهيته. 3-أنَّ على الإنسان أن يطرح الماضي وينكر كل القيود الدينية والاجتماعية والفلسفية والمنطقية ،وأنَّ له حريته المطلقة ،وأنَّ له أن يُثبت وجوده كما يشاء ،وبأي وجه يريد لا يقيده شيء ،وأنَّ الوجودي الحق هو الذي لا يقبل توجيهاً من الخارج ،إنَّما يسير نفسه بنفسه ويلبي نداء شهواته وغرائزه دون قيود ولا حدود ؛إذ لاوجود لقيم ثابتة توجه سلوك الناس وتضبطه ،إنَّما يفعل كل إنسان ما يريد ،وليس لأحد أن يفرض قيماً أو أخلاقاً معينة على الآخرين ،فالدين محله الضمير والحياة بما فيها خاضعة لإرادة الشخص المطلقة . وقد أدت هذه إلى شيوع الإلحاد والفوضى الخلقية والإباحية الجنسية ،والتحلل والفساد ،وتمثل الوجودية واجهة من واجهات الصهيونية الكثيرة التي تعمل من خلالها ،وذلك بما تبثه من هدم للقيم والعقائد والأديان” ” 4-العبثية أي عبثية خلق الإنسان ،وعبثية الحرية فيقول سارتر ( إنَّ الله غير موجود ،أمَّا عن الخلق فيقول في كتابه الغثيان (موجود يولد بدون سبب ويستمر بالضعف ،ويموت بالصدفة ) ، ويقول في كتابه “الكينونة والعدم” الكينونة هي بدون سبب ولا علة ولا ضرورة ” “. وهكذا نجد وجودية سارتر الملحدة قد حكمت على الإنسان بوجود عبثي ،مما أدى بالوجوديين إلى طرح هذا السؤال :هل تقضي الحكمة بالتخلص من الوجود عن طريق الانتحار؟” ” الوجودية تحت مجهر التصور الإسلامي عند وضعنا الوجودية تحت مجهر التصور الإسلامي نجد الآتي : 1-لقد أنكرت الوجودية الملحدة لوجود الله ،وهنا خالفت التصور الإسلامي تمام المخالفة ،فالله خالق الكون ،وما فيه من مخلوقات وكائنات وأدلة وجوده لا تعد ولا تحصى ،وحسب المرء أن ينظر إلى نفسه ( وفي أنفسكم أفلا تبصرون.) فالوجودية قد قامت على أسس باطلة لأنَّها أنكرت وجود الله ،وما قام على باطل فهو باطل ،لذا نجدها تسعى إلى هدم الإنسان بإشاعة الإباحية والإلحاد واليأس من الحياة ،والهروب منها بالانتحار ،بينما تسعى التربية الإسلامية إلى بناء الإنسان بناءً متوازناً متكاملاً ،يشمل الروح والعقل والفكر والجسد بناءً قوامه الإيمان بالله والخوف منه ،ومراقبته طمعاً في ثوابه ،وخوفاً من عقابه ،وحباً له ورغبة في رضاه. 2-لقد خالفت الوجودية الإسلام في قولها بعبثية الخلق ؛إذ حدَّد الإسلام الغاية العليا من خلق الإنسان ،وهي عبادة الله ( وما خلقتُ الجن والإنس إلاَّ ليعبدون)، وقد حمَّله الله أمانة ( إنَّا عرَضْنا الأمانةَ على السَّماواتِ والأرضِ والجبالِ فأبَيْنَ أنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْن مِنْها وَحمَلهَا الإنْسَانُ إنَّه كانَ ظَلُوماً جَهُولا)” ” ولقد بيَّن جلَّ شأنه هذه الأمانة ،وهي أمانة الاستخلاف في سورة البقرة ( وإذْ قالَ رَبَّكَ للملائِكةِ إنَّي جَاعِلٌ في الأرضِ خَلِيفة ،قالوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدَّماءَ ونحنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قال إِنَّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُون.) 3- لقد اهتمت الوجودية الملحدة بالفرد ،وأهملت المجتمع في حين نجد أنَّ الإسلام قد وازن بين الفرد والمجتمع ،فلم يطغ المجتمع على الفرد ،وفي الوقت ذاته لم ينزو الفرد تحت طغيان المجتمع. 4- اهتمامها بقضية الموت ،وقضية التناقض الداخلي ،ولكنها لم تصل إلى علاج ناجع للمشكلتين ؛إذ تقوم هذه الفلسفة على الاهتمام بالإنسان ،وتطوير واقعيته وفرديته على أساس أنَّ الإنسان سوف يموت ،ولابد من إعداده للموت ،ولكنها لم تضع ملامح هذا الإعداد ،بل اكتفت بإظهار خيبة أملها فيما فعل الإنسان بنفسه. أمَّا الإسلام فقد جاء كعنصر ساحق لآلام الإنسان ،وكثورة نفسية عظمى حققت له توحد ذاتي ،وشيدت أمامه أروع أمل في الخلود المطلق في النعيم ،لذا فإنَّ الموت في حياة الإنسان المسلم له هدفه وغايته ووظيفته ،وعليه فإنَّ موقف القرآن يتسم دائماً بالمعالجة المتوازنة فكرياً ونفسياً ،دونما طغيان قيمة على قيمة ،فالإنسان المسلم يملك أن يصنع أشياء كثيرة ،وأن ينشئ أحداثاً ضخمة ،وأن يؤثر في كل شيء ،ويتأثر بما يملك أن يحس الوجود في الماضي ،والاستقرار في الحاضر ،والامتداد في الآتي ، وأنَّه لقادر إذن على مواجهة الحياة والأحداث والأشياء ،وهو لا يستعين بنفسه فقط ،بل بقوة أعلى هي قوة الله التي تعينه أبداً، وعلى هذا فإنَّ التربية الإسلامية القرآنية تسعى إلى ما يريد الإسلام تحقيقه للإنسان المسلم ؛ إذ تهتم بالفرد المسلم الذي يؤمن بالعلم ويشجعه إلاَّ أنَّه قبل كل شيء إنسان عابد صالح مهمته العليا عبادة الله ،ومكلف بأمانة الاستخلاف ،ولم يخلق عبثاً . 5- إطلاقها حرية الإنسان دونما ضوابط تضبطها ، مما جعلها لا تعترف بالأخلاقيات الدينية ،ولا بالقيم ؛إذ اعتبرت الحرية المطلقة هي أساس القيم ،ولا شيء يدفع الإنسان إلى اعتناق أية قيمة أخرى. أمَّا التربية القرآنية فقد منحت الإنسان حرية كاملة ،ووضعت لها ضوابط حرصاً على كيان المجتمع ،وتنحصر هذه الضوابط في ثلاثة أمور هي : حفظ الأعراض والأموال ،والأنفس، هذه الأمور أساس القيم في التربية القرآنية ،فعندما تتمكن هذه التعاليم من نفس الفرد ومشاعره تصبح بمثابة ضابط خلقي بحكم المرء نفسه إذا ما أقدم عليه عندما يقف أمام أمور مشتبهات.” ” أثر الوجودية على الأدب العربي: لقد ظهرت الوجودية الملحدة في كتابات الكثير من الأدباء العرب مثل : 1-أنيس منصور :إذ صرَّح في حديث تلفازي له : ( أنَّ الوجودية قد تمكنت منه ،وأضحت تسري في عروقه كما الدم.) 2-الدكتور يوسف إدريس: ويتضح هذا في قصصه ورواياته التي تعج بالإباحية والعبارات الجنسية مثل: (الحرام ،في حالة تلبس ، أكبر الكبائر ،العملية الكبرى ،أكان لابد يا ليلى أن تضيئي النور ،بيت من لحم ،والمحطة) . 3-نجيب محفوظ: تغرق معظم قصص الأستاذ نجيب محفوظ في العبارات والمشاهد الجنسية ،ونلحظ هذا في ثلاثيته (السكرية ،بين القصرين ،قصر الشوق)،وفي “زقاق المدق” ،”القاهرة الجديدة” ،”وبداية ونهاية” ،و”حكايات حارتنا”، و” عبث الأقدار”. إنَّ نظرة الأستاذ نجيب محفوظ إلى الإنسان تتفق مع نظرة الوجودية الملحدة ،ونلمس هذا بوضوح في رواية “اللص والكلاب” التي ركَّزت على مفهوم تفرد الإنسان في الكون وحده مع الحرية بلا معين ولا نصير ،وقد أعاد فيها نجيب محفوظ رأي الوجودية الفرنسية من أنَّ الله ألقى بالإنسان في هذا الكون ،ثمَّ أهمله ،ولذلك لم يعد في حاجة إليه وعليه أن يحقق وجوده بمجهوده الخاص، فرواية “اللص والكلاب ” من روايات العبث” ” ،وكذلك رواية “الطريق “،و”الشحاذ” فنجد العبثية تسيطر على أبطال هذه الروايات فتتحول حياتهم إلى ظلام ممتد فهم جميعاً غرباء متخذين من الانتحار وسيلة من وسائل الخلاص لوضع نهاية العبث” “. 4-إحسان عبد القدوس: قد تأثر الأستاذ إحسان عبد القدوس تأثراً كبيراً بآراء سارتر ووجوديته ،ونلمس هذا بوضوح في قصصه ،ومن هذه القصص : “أنا حرة” ،”أيام في الحلال”، أنف وثلاث عيون” ،”يا حبيبي لا تراني بعيون الناس” ،”زبيدة هانم”،” فضيحة”،” خطاب إلى ابنتي” -قصة أنا حرة و”الأنانية الفردية”: هذه القصة تعبر عن الوجودية ،وتتمثل فيها الوجودية أصدق تمثيل ،فبطلة القصة “أمينة” لم تؤمن بالدين ،فلم تحاول يوماً تصلي ،أو تصوم أو تتبع أوامره ونواهيه ،وكانت تذكر اسم “الله” كلما أصابها ضيق بحكم العادة ،وبحكم التقليد الوراثي لا بحكم الإيمان” ” وتقول أمينة : ( أنا اتحررت من كل حاجة ،اتحررت من العباسية ،واتحررت من التقاليد ،واتحررت من الزواج ،واتحررت من حاجتي لواحد يصرف عليَّ. )” ” وتمثل الحرية الوجودية في علاقة أمينة بعبَّاس ،علاقة غير شرعية ؛إذ عاشرته معاشرة الأزواج بدون زواج ،وقد جعل الأستاذ إحسان المجتمع المصري المسلم يقر ويعترف بالعلاقة غير الشرعية التي بين أمينة وعبَّاس ( وقد آمن الناس كلهم بهذا الحب ..لم يشك أحد فيه بعد أن عاش واستقر هذه السنين الطويلة ..لم يجرؤ أحد على اتهام عبَّاس في حبه لأمينة ،ولم يجرؤ أحد على اتهام أمينة في حبها ،حتى أنَّ المجتمعات كلها اعترفت بهذا الحب ، وأصبحا يدعيان إليهم كأنهما زوجان ،والمجتمعات المحافظة القليلة التي لم تعترف بحبهما لم يأبها بها ،ولم يعيراها اهتماما..)” ” وقصة أمينة مع عباس كقصة جان بول سارتر بسيمون دي بيفوار ،وعلاقة جورج صاند وشوبان التي أقرها الأستاذ إحسان فالمهم عنه الحب ،أمَّا الحلال والحرام فهما لا شيء أمام الحب ،فالحب عنده فوق الحلال والحرام. هذا وقد عبَّر الأستاذ إحسان عبد القدوس في قصة ” أنا حرة” عن الفردية الأنانية لدى سارتر انسجاماً مع وجوديته الملحدة حتى جعل الحب نوعاً من أنواع سلب الناس بعضهم لبعض ،وذلك في علاقة أمينة بعباس؛ إذ يقول الأستاذ إحسان : (وفقدت أمينة في سبيل ذلك حريتها ،لم تعد حرة .. فهي دائماً ملك له ،وملك لنزواته ،وملك لأوقاته ،وملك لما يريد، ولكنها لا تحس أنَّها فقدت شيئاً ،ولم تنتبه إلى أنَّ الحب والحرية لا يجتمعان ،ولم تنتبه إلى أنَّ لحب هو التنازل عن الحرية ،فالإنسان الحر ..حر في أن يحب ما يشاء أو من يشاء ،ولكنه عندما يحب أو عندما يؤمن فإنَّما يتنازل عن حريته في سبيل حبه وإيمانه ..وهي قد أحبت عبَّاس وآمنت به)” ” الوجودية وأنف وثلاث عيون “القلق الناجم عن الحرية المطلقة” في هذه القصة “قصة أمينة مع هاشم ” عبَّر الأستاذ إحسان عن القلق عند سارتر الناجم عن لقد أطلقت الحرية المطلقة .أمينة العنان لحريتها ،وأصبحت تعاشر رجلين في آن واحد ،وبلا زواج من أي منهما فكانت قلقة تقول أمينة : ( إنَّي أتعذب .. أتعذب بقلق يمتص دمائي ،وجهي يزداد اصفراراً ..كأنَّي أُصِبت بسرطان الدم ..وأفقد إحساسي بجسدي يوماً بعد يوم ..أحس به يموت بين ذراعي هاشم .. ويموت بين ذراعي محمد ..وأفتعل النشوة ..وأفتعل أنفاس ،وأمثل حتى لا يحس أحدهما بأنَّه يأخذ جسداً يموت.)” ” وهذا ما عبَّر عنه سارتر ،فالشعور بالقلق هو شعور مقترن بإدراك الوعي لحريته ؛إذ يقول : ( القلق هو كيفية وجود الحرية كواعية بوجودها )،وأمينة هنا مارست حريتها فجمعت بين رجلين في آن واحد ،وهذه الحرية ولَّدت لديها هذا الشعور بالقلق.” ” أيام في الحلال والإرادة الحرة : يتعرض الأستاذ إحسان إلى موضوع الإرادة الحرة في قصة “أيام في الحلال” ،وذلك في حوار كريم مع أخته عدلية بعد طلاقها من مجدي بناءً على طلبها ؛إذ كانت على علاقة غير شرعية به ،وعندما علم أخوها حسام بذلك أجبرها على الزواج به ،ولكن عدلية تريد أن تكون عشيقة ،ولا تكون زوجة ثانية ،لأنَّ مجدي كان متزوجاً ،يقول كريم متسائلاً : ( ما هو الحب ..إنَّ أساس الحب هو الإرادة الحرة للمحبين ،والإرادة الحرة هي التي ترسم للحب صورته ..قد تقرر الإرادة الحرة أن تكون صورة الحب هي الزواج ،.. ,قد تقرر أن يعيش الحب بلا زواج حتى مع استكمال كل مطالب الحب بين الرجل والمرأة ..وقد تقرر الإرادة الحرة للحب الفراق..أ و رفض هذا الحب ..لأنَّ هناك مطالب أخرى أقوى من الحب تسيطر على الإرادة الحرة..) والحقيقة الأمثلة كثيرة من قصص الأستاذ إحسان عبد القدوس التي تعبر عن ما جاءت به وجودية سارتر من معتقدات وآراء ،قد حواها كتاب ،إحسان عبد القدوس بين العلمانية والفرويدية ،يمكنكن الرجوع إليه ،ولكن سأتوقف هنا عند العبثية السارترية في قصص الأستاذ إحسان عبد القدوس . لقد تغلغلت الوجودية السارترية في فكر الأستاذ إحسان ،فلم يكتف بالحرية المطلقة ،وما ينجم عنها من قلق وجبرية حرية الإرادة ،وإنَّما امتدت إلى العبثية فتسرب اليأس والوهم والشك والسأم والضجر والهروب والضياع إلى نفوس أبطال وبطلات قصصه ،فها هو الحائر بين الحلال والحرام يقع مريضاً فريسة للشك ،وآخرون يعجزون عن مواجهة مشاكل الحياة فيلجأون إلى الخمر والحشيش ،وإذا تمكن اليأس منهم لجأوا إلى الانتحار ،كما في قصة “الله محبة” ،وقصة ” انتحار صاحب شقة” ،وانتحار الصبي الصغير في ” الطريق المسدود” ،ومحاولة عدلية الانتحار في ” أيام في الحلال” ،والأمثلة كثيرة لا حصر لها ” “. كما أنَّه ألغى الغاية العليا من خلق الله للإنسان وهي عبادته عز وجل ؛إذ استبدل عبادة الله بعبادة الجسد ،فجعل الرجل وكأنه خلق للمتعة الجسدية ،وقال بعبثية الخلق ،فالإنسان لا عمل له ولا نشاط ،فما دام سيموت فلماذا يعمل ويجاهد ويكافح ؟إذن فليغرق في الخمر والجنس ،وإذا حاصرته المشاكل أو اعترضت طريقه العقبات لتحقيق ملذاته فلينتحر. أمَّا الدين وعبادة الله واللجوء إليه في كل وقت وحين ،وخلافة الإنسان لله في الأرض هذه لا وجود لها في قصص الأستاذ لإحسان عبد القدوس ” “. الفرويدية الفرويدية مدرسة في التحليل النفسي أسسها الطبيب النمساوي اليهودي سيجموند فرويد” “،وهي تفسر السلوك الإنساني تفسيراً جنسياً ،وتجعل الجنس هو الدافع وراء كل شيء ،كما أنَّها تعتبر القيم والعقائد حواجز وعوائق تقف أمام الإشباع الجنسي مما يورث الإنسان عقداً وأمراضاً نفسية” “. ولقد أخذ فرويد عن دارون حيوانية الإنسان ،واعتبر أنَّ الحياة النفسية للإنسانية ليست حيوانية فحسب ،ولكنها كلها تنبع من جانب واحد من جوانب الحيوان ،هو الجنس المسيطر على كل أفعال الإنسان” “. نقد نظرية فرويد من المنظور النفسي: إنَّ نظرية فرويد تختلف مع نظريات علم النفس ،ويتضح هذا من الآتي : أولاً : عدم توافقها مع قوة الدوافع الأولية للسلوك الإنساني ، ويقصد بالدوافع الأولية تلك الدوافع التي لم يكتسبها الفرد من بيئة عن طريق الخبرة والمران والتعليم ،وإنَّما هي عبارة عن استعداد يولد الفرد مزوداً بها ،ولهذا فهي تسمى أحياناً بالدوافع الفطرية ،وهذا النوع من الدوافع يعتمد في إثارته على الحالات الجسمانية الداخلية (الفسيولوجية) ” ” فالأغراض التي تتطلب الدوافع الأولية تحقيقها تتفاوت من حيث ضرورتها لحفظ حياة الفرد ،ومن حيث قدرته على الاصطبار عنها ، فالجوع والعطش اللذان يعتبران من الظواهر العضوية الفطرية ،واللذان يعدان من ابرز العوامل في الدفاع عن حياة الإنسان ، نجد أنَّهما يتطلبان غرضاً لا يستطيع شخص ما أن يعيش بدونه ،ولا أن يصطبر عنه مدة طويلة. ولو قارنا ذلك بالميل الجنسي لوجدنا أنَّ الخير أقل أهمية بالنسبة للفرد ،فحياته لا تتوقف على تحقيق هذا الدافع ،كما أنَّه يستطيع أن يصبر عنه مدة طويلة ،فالإنسان يستطيع أن يعيش طوال حياته بلا زواج ،ولكنه لا يستطيع أن يعيش بلا ماء ولا طعام ،ولا لعدة أيام” “. ومن هنا يتبين لنا أنَّ الدوافع الأولية تختلف من حيث القوة التي تؤثر على سلوك الفرد وتدفعه لتحقيق الغرض ،وأنَّ الدافع الجنسي لا يأتي في المقام الأول” “. ثانياً: لقد انحط فرويد بالإنسان وجعله في مرتبة دون الحيوان ،ففي الوقت الذي جعل الدافع الجنسي هو الذي يحرك سلوك الإنسان ،وأنَّه يأتي في مقدمة الدوافع الفطرية أثبتت التجارب أنَّ الدافع الجنسي يأتي في المرتبة الرابعة بالنسبة للحيوان ،وسبب اختيار الحيوان في هذه التجارب يرجع إلى أنَّ الحيوان يختلف عن الإنسان في أنَّه بعيد عن العوامل الثنائية التي يكون لها أبعد الأثر مع أمثال تلك التجارب” “. ثالثاً: لقد خالف فرويد قواعد أصول البحث العلمي عندما استند على أسطورة في نظريته ،وهي أسطورة أوديب، ونجده قد حوَّر في مضمون الأسطورة لتوافق هواه في ما يريد إثباته ،فأوديب عندما قتل أباه لم يكن يعلم أنَّه أباه ، وعندما تزوج أمه لم يكن يعلم أنَّها أمه ،وعندما علم بأنَّه تزوج أمه فقأ عينيه عقاباً وندماً على ما فعله. هكذا تقول الأسطورة ،وليس كما يقول فرويد” “. رابعاً: من الأخطاء الكبيرة التي وقع فيها فرويد أنَّه لم يراع أنَّ نظريته تتحدد بحدود الثقافة التي عاش فيها ،فلقد استخلص فرويد نظريته من معالجته لأفراد الطبقة المتوسطة في مدينة فينا ،وكانت هذه الطبقة تتعرض لعوامل الكبت الجنسي ،وأنواع المحرمات الاجتماعية بالنسبة للعلاقة بين الجنسين” “. الفرويدية تحت مجهر التصور الإسلامي: إنَّ الإسلامَ لا يغفلُ عمَّا يحدثُه التجاذبُ الفطري بين الجنسين منْ مشاعرَ وخواطرَ وأفكارَ وسلوك .إنَّه لا يُنكرُ الجنسَ ،وما يرفُّ حولُه من مشاعرَ وأفكار ،لأنَّ منهجَه الذي يسيرُ عليه في معالجة النَّفسِ هو الاعتراف بالطاقة البشرية كلها نظيفة وفي النور لا مستقذرة ولا مختلسة في الظلام .ومشاعرُ الجنسِ ككلِّ شيءٍ في حياةِ الإنسان تحكمُها الأخلاقُ الإسلامية ،فالإسلامُ لا يسيرُ على نهجٍ خاصٍ في المسائلَ الجنسية ،وعلى نهجٍ آخرٍ في بقيةِ الأمور ،وإنَّما هو نهجٌ واحدٌ هو الجمال ، جمالُ الآداء ،وجمالُ الإحساس ،وجمالُ الفكر ،يعني الإحسان ،يعني النظافة ، فلقد كتب اللهُ الإحسانَ في كلِّ شيءٍ : ( فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة ، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة ،وليحدْ أحدكم شفرته ،وليرحْ ذبيحته) فإذا كان الإحسانُ مطلوباً في القتلِ والذبيحةِ فمن بابِ أولى أن يكون الإحسانُ مطلوباً في الجنس ،وإحسانُ الجنسِ أن يكون حلالاً ،ونظافةُ الجنس لا تكون إلاَّ بالحلال( قدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُون . الَّذِينَ هُمْ في صَلاَتِهِمْ خَاشِعُون. والَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُون. والَّذِينَ هُمْ للِزَّكَاةِ فَاعِلُون. والَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُون. إلاَّ على أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِين.” “) ولقد نظَّم الإسلامُ العلاقةَ الزوجيةَ وهذَّبها ،وسما بها إلى مراتبَ المودةِ والرحمةِ والسكن ؛إذ جعلَ أسسَ الحياةِ الزوجيةِ السكنَ والمودةَ والرحمةَ يقول تعالى : (وَمِنْ آيَاتِهِ أنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجَاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَّوَدَّةً وّرَحْمَةً ) النَّفسُ في اللغةِ تُستعملُ في عدةِ معانٍ منها الروحُ ،ومن هذا يتبين لنا أنَّ اللهَ جعلَ سكنَ الزوجِ لزوجتِه سكناً روحياً ،وليس جسمانياً ،ويؤكدُ هذا المعنى قولُه تعالى “لتسكنوا إليها” ،فلم يقل لتسكنوا عندها ،يقال سكن إليه للسكون القلبي ،وسكن عنده للسكون الجسماني لأنَّ كلمةَ “عند” جاءت لظروفِ المكان ،وذلك للأجسامِ ،وكلمةُ “إلى” جاءت للغايةِ وهي القلوب ،هذا ولمَّا كان الزَّواجُ في الإسلام زواجاً إنسانياً كانت ثمارُه ثماراً إنسانيةً أيضاً هي المودة والرحمة. ” ” ولم يكتف بهذا المعنى لوصف العلاقة الزوجية السامية المتحابة فعبَّر عنها بتعبير عن توضيحه الأقلام يقول جلَّ شأنه ( أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ)” ” ففي هذه الكلمات القليلة تصويرٌ بارعٌ لعلاقةِ الجسد ،وعلاقةِ الرُّوحِ في آن ،فاللباسُ ألصقُ شيءٍ ببدنِ الإنسان، وإذا كانت العلاقةُ بين الرَّجلِ والمرأةِ وثيقةً إلى هذا الحد ،فقد وجبَ أن يلتقيا ليكون كلُّ منها لباساً لصاحبه ،يزينُه ويكملُه ،ويلتصقُ به للوقايةِ والستر” “. وكما رأينا كيف احترم الإسلامُ الغريزةَ الجنسيةَ للإنسان ،وكيف هذَّبها ووجهَها الوجهةَ الصحيحة ،وهي وجهةُ الحلال ،وراعى أنَّ يكون لدى بعضِ الرِّجالِ قوةٌ جنسيةٌ قد لا تكفيه زوجةً واحدة ، فأباحَ للرجلِ تعددَّ الزوجاتِ إلى أربع ،وذلك لئلاَّ يمارسُ الجنسَ عن طريقٍ غيرِ طريقِ الحلالِ حمايةً للأعراض ،ولكنَّه لم يجعلْ الجنسَ هو المحركُ الأساسيُ للسلوكِ الإنساني كما جعله فرويد ،وليس هو الغايةُ التي وُجِدَ من أجلِها الإنسان ،فاللهُ خلقَ الإنسانَ لغايةٍ عليا هي عبادتِه ،يقول تعالى : ( وما خلقتُ الجنَّ والإنس إلاَّ ليعبدون) أثر الفرويدية على الأدب العربي: لقد تأثر بالفرويدية بعض الشعراء والأدباء العرب ،فكتبوا أدباً جنسياً إباحياً ،من الشعراء أدونيس ،ونزار قبَّاني ،وفي مجال القصة الأساتذة نجيب محفوظ ،يوسف إدريس ،إحسان عبد القدوس ،والدكتورة نوال السعداوي ، وسوف أتوقف هنا عند الأستاذ إحسان عبد القدوس ،والدكتورة نوال السعداوي. أثر الفرويدية على أدب إحسان عبد القدوس : تمثلُ نظرةُ الأستاذ إحسان عبد القدوس للإنسان رجلاً كان أو امرأة نظرةً ماديةً محضة ،وقد جمعَ في نظرتِه للإنسانِ بين فرويدية سيجموند ووجودية سارتر ،ففي هذين الفلكين تسير شخوصُ قصصِه ،لقد أعطى الأستاذُ إحسان للغريزة الجنسية الأولويةَ في دوافعَ السُّلوكِ الإنساني. ومن خلالِ دراسةِ قصص الأستاذ إحسان نلمسُ بوضوحٍ مدى تركيزِه على الغريزةِ الجنسيةِ لدرجةٍ أنَّهُ جعلَ سلوكَ شخوصِ قصصه نساءً أو رجالاً ،فتياناً وفتياتٍ يدور في فلكِ الغريزةِ الجنسيةِ لا أسرة ،لا زواج ولا احترام لرباطِ الزَّوجية ،ولا أمومة ولا أبوة ،ولا بنوة ولا أخوة ،ولا عمل وسعي على طلب الرزق ،ولا دين ولا عبادة ، ولا صوم ولا صلاة ،ولا قيم ،ولا أخلاق ،ولا مبادئ ،شيوعيةٌ إباحيةٌ حريةٌ مطلقة ،تحللٌ وانحلال ،هذا ما نجدُه في قصص الأستاذ إحسان عبد القدوس فالغريزةُ الجنسيةُ هيَ كُلَّ ما في حياةِ الإنسانِ والمجتمعاتِ لا فرق بين مجتمعٍ ومجتمع ،وامرأةٍ مسلمة محجبةٍ تعيشُ في كنفِ الحجاب ،وبين امرأةٍ أوربيةٍ متحللةٍ مومس ،كلُّ النَّساءِ سواء، وكلُّ المجتمعاتِ سواء ، بل إنَّ المجتمعاتِ التي تسيرُ على نهجِ اللهِ وتوجبُ الحجابَ وتحرِّمُ شربَ الخمر ،وتمنعُ الاختلاط هي في نظرهِ من أكثر المجتمعاتِ تحللاً وفساداً ذلك لأنَّها تعاني من الكبتِ والحرمان ، ومن خلال دراستي لخمسين قصة ورواية للأستاذ إحسان نجد الفرويدية تتمثل في عدد كبير من قصصه ورواياته التي كانت موضع الدراسة ،إذ بلغت 41 قصة ورواية من خمسين ومن هذه الروايات ” أنف وثلاث عيون” ،”شيء في صدري” ،و”الطريق المسدود “، “ونسيتُ أنَّي امرأة “،”لا تتركوني هنا وحدي” ، و”أنا حرة” ، و”لن أعيش في جلباب أبي ” و “لا أنام” ، و ” ومضت أيام اللؤلؤ” ومن قصصه ” النظارة السوداء ” ،”بئر الحرمان” ،و سقوط العقل” ، و “حالة الدكتور حسن ” ،”آسف لم أعد أستطيع ” ،أرجوك أعطني هذا الدواء “، “أيام في الحلال” ،و” الوسادة الخالية” ،و”دمي ودموعي وابتسامتي”، و”أبي فوق الشجرة”،و “مجموعة البنات والصيف”،و “الهزيمة كان اسمها فاطمة” ،و”تائه في شوارع الحرمان” ،و”سقط قبل أن يصل إلى الجنة” ،و”أرجوك خذني من هذا البرميل ” ، و”خلف العباءة” ،و”بلا كلام ” ،و خواطر فتاة متحررة” ،و”العذراء والشعر الأبيض ” ،و”السكرتيرة والزوجة” ،”بلا زواج” ، “فضيحة ” ،”عذراء”، و”المجنونة” . الرجل في نظر الأستاذ إحسان عبد القدوس من خلال قصصه: ولقد جرَّد الأستاذُ إحسان الرجلَ من كلِّ شيءٍ إلاَّ من غريزتِه الجنسية ،بل جعلَها محورَ حياتِه ،ودوافع سلوكه ،لقد جرَّدُه من إنسانيته ،من أبوته ، من زوجيته ،من شهامته ،الرجلُ في قصصِه وحشٌ كاسرٌ يفترسُ النساءَ والفتياتِ والصغيرات والأراملَ والمطلقاتِ والحواملَ والعذارى” “. الرجلُ في قصصه لا يُقدَّسُ الحياةَ الزوجية ،ولا يحترمُها فالخيانةُ تجري في عروقِه مجرى الدم ،ولا يوجدُ رجلٌ في قصصِه إلاَّ وله وَكرٌ يمارسُ فيه شهواتِه ونزواتِه باستثناء شريف الهنداوي اليهودي الديانة فلم يحدثنا الأستاذ إحسان عن أيةِ خيانة] له ،بل لم يجعل له وكراً يصطاد فيه النساء ” “. المرأة في نظر الأستاذ إحسان عبد القدوس من خلال قصصه: المرأةُ في نظرِ الأستاذُ إحسان عبد القدوس عبدةً لغريزتها الجنسيةِ التي تُسَيِّرُها وَفْقَ ما تشاء لا كابح يكبَحُها ،ولا ضابطَ يضبُطُها ،فَتُسلِّمُ نفسَها لكلِّ الرِّجالِ، وَتجمعُ بين أكثرِ من رجلٍ في آنٍ واحد، عرَّى جسَدها ،وجعلَه حقاً مباحاً لكلِّ الرِّجال ،لا قيمةَ البتة في نظره لعذريتها وشرفها ،لقد جرَّدها من زوجيتها وأمومتها وبنوتها وأخوتها ،كما جرَّدها من شرفِها وملابسِها ،دعاها إلى الحريةِ الوجوديةِ المطلقة ،وجعلها تتحررُ من كل القيم والتعاليم السماوية ،بل سد أمامها كلَّ أبوابِ الفضائل ،وفتح لها كلَّ أبوابِ الخطايا والرذائل ،وجعل المجتمعَ مسؤولاً عن خطاياها دعاها إلى التمردِ على كلِّ القيمِ والفضائل باسم الحريةِ والمساواة ،ومتعةِ الحياة ولذتها” “. حلَّل المحرمات الخمرَ والمخدراتِ والسفورَ والتبرجَ والاختلاطَ ،ومراقصةَ المرأةِ للرجل وتعريها أمامه ،وحلَّل القبلاتِ والخلواتِ “خلو المرأة بالرجل ” ،ودعا إلى زواجِ المتعة ،وهاجم وعارض بشدة تعاليم الإسلام التي تدعو المرأة إلى الفضيلة والاحتشام ،وهاجم المجتمعات التي تلتزم بحجاب المرأة وتمنع الاختلاط” “. والنساءُ في نظره كلهن سواء لا فرق بين متدينةٍ متحجبة وبين سافرةٍ متبرجة ،أستاذةٍ جامعية وخادمة ،وامرأةٍ مومس ساقطة راقصة أو معلمة، فتاةٍ عذراء أو زوجة ،أرملةٍ أو مطلقة ،أُمَّاً أو ابنة ،بل نجده أساء كثيراً إلى الأرامل والمطلقات ،واتهمهن أنَّهن أكثر النساء يرتكبن الفواحش. فالنِّساءُ عنده جميعاً يسيطر عليهن ” حيوان الجنس” ،بل المتحجباتُ المتديناتُ في قصصِه أكثر نهماً ويُسلِّمنَّ أنفُسَهنَّ لأيٍ كان لأنهن -كما يدعي- يعانين من الكبت والحرمان” “. نلمس هذا من خلال قصصه ،فنجده في قصة “كل النساء” وهي قصة رمزية جريئة ،وهذه القصة تبين بوضوح نظرة الأستاذ إحسان إلى المرأة ،ودعوتها إلى التمرد على كل الفضائل والتقاليد ، محللاً القبلة قائلاً إنَّها ليست حراماً،و ،وذلك وفق ما جاء في هذا الحوار : “وابتسمت في مرح ،وقالت كأنَّها تهنئ نفسها : -هذه هي القبلة !.. قال :وابتسامته تملأ وجهه : -أول قبلة.. قالت كأنَّ إنساناً يحاسبها: ..ولكنها حرام .. قال: ما هو الحرام ؟ قالت: القبلة .. قال: لماذا؟ ورفعت عينيها كأنَّها تتذكر ،ثمَّ عادت تقول : لا أدري. قال : إنَّ الحرام هو ما يحرمه كل واحد على غيره !.. قالت: هذا صحيح.. قال: إنَّها الأنانية إذن .أنانية الناس الذين لا يحبون لغيرهم ما يحبون لأنفسهم! قالت: هذا صحيح.. قال: القبلة إذن ليست حراماً!.. قالت كأنَّها اكتشفت اقتناعها.. هذا صحيح..” ” وهكذا قرَّر الأستاذ إحسان أنَّ القبلة ليست حراماً ،وجعل المرأة ضعيفة تستسلم لما يقول لها الرجل ،فيحلل الحرام ،وتقول له :هذا صحيح ،وجعلته يقبلها!!!بل جعلها تسلم له نفسها ،وأقنعها أنه لا يوجد شيء اسمه الشرف ،وأنَّ المحافظة على الشرف تقليد من التقاليد، ويدعوها إلى التفريط في شرفها في سبيل اللذة والمتعة، ولنقرأ هذا الحوار في القصة ذاتها: قال : ولكن لا تؤمنين بالتقاليد .. قالت : كأنَّها تحاول أن تنكر : أنا؟ قال :نعم ..ألا تذكرين أول مرة خرجت فيها إلى ..لقد قطعت يومها أول خيوط التقاليد.. قالت : هذا صحيح .. لقد مزَّقت التقاليد.. قال : ورضيت أن تتبعيني.. قالت : هذا صحيح ..لقد تبعتك.. قال : ليس هناك شيء اسمه الشرف ،لأنَّك لا تؤمنين بأنَّ هناك شيئاً اسمه التقاليد! قالت :ولكني أحس أنَّي وهبتك شيئاً ..شيئاً عزيزاً ! قال :إنَّك لم تهبيني شيئاً ،ولكنك وهبت نفسك للحياة قالت : تقصد هذه اللحظات الجميلة ؟ قال: نعم قالت ولكنها مرَّت سريعاً . قال :هكذا شأن الحياة ..مهما طالت فهي دائماً تمر سريعاً . قالت : ولكني ضحيت بالكثير في سبيل هذه اللحظات .. قال: إنَّما تشعرين به ليس الإحساس بالتضحية ،ولكنه الإحساس بالندم . قالت: الندم على الشرف الذي فقدته.. قال: لقد اتفقنا على أنَّ ليس هناك ما يسمى الشرف! قالت :إذن لماذا أحس بالندم ! قال : إنَّك تندمين على هذه اللحظات الجميلة التي مرَّت سريعاً ..لأنَّها مرَّت سريعاً.. قالت : أريد أن أسترد ال.. وقاطعها- لا تقولي إنك تريدين استرداد شرفك ، لأنَّك لا تندمين عليه ..ولكنك تريدين استرداد هذه اللحظات التي تندمين لأنَّها مرَّت سريعاً. قالت في ضعف وذل : كيف استردها .. قال في حزم : لقد مرَّت ولن تعود..” ” وهكذا نجد الأستاذ إحسان جعل الفتاة تفرط في شرفها ،ولا تندم على ذلك وإنَّما تندم على مرور لحظات الفاحشة سريعاً … هذا الكاتب لم يتجاوز فقط أخلاقياتِ الكتابةِ الأدبية ،وإنَّما قد تجاوز كل القيم والفضائل ،ودعا إلى ارتكاب الفواحش، ماذا يكون وقع هذه القصة على المراهقات عندما يقرأنها؟ خاصة وأنَّه يقال في أجهزة الإعلام إنَّ الأستاذ إحسان عبد القدوس خيرُ من كتبَ عن المرأة ، وعبَّر عنها!! وهنا أسأل الذين ينادون بحرية الرأي والتعبير: هل من حق المبدعِ باسم هذه الحرية الدعوة إلى ارتكاب الفواحش ، وإشاعة الفوضى الجنسية، والتعدي على كل القيم والأخلاق ،وتحليل ما حرمته جميع الديانات السماوية ؟؟؟ إنَّ الأمثلةَ كثيرةٌ لا حصرَ لها من قصصِ الأستاذ إحسان عبد القدوس التي تدعو إلى التحلل والانحلال بإباحتهما ،فكما رأيتن ،أنَّه صوَّر الفتاةُ تعرفُ أنَّ القبلةَ حرامٌ ،ولكنَّها لا تعرفُ لماذا ،ليوهم القارئ أنَّ تحريمَ القبلةِ نوعٌ من التقاليد ،كما صوَّر المحافظةَ على الشَّرفِ نوعٌ من التقاليد ،لا علاقة لتحريمِ الأديانِ السماوية لهما ،حفاظاً على الأعراضِ التي شرَّعَ القتالُ في سبيل الحفاظِ عليها ،بل هو يلغي هنا الأديان السماوية، وهنا تكمن خطورة قصص الأستاذ إحسان ،فهو يتطرق إلى طرح هذه القضايا ومناقشتها ليقنع بعدم حرمتها ،فهو في قصة “فوق الحلال والحرام”،أباح مراقصة المرأة للرجال ،وشبّه الرقص بالصلاة ،وأباح لبس المرأة للمايوه أمام الرجال ، وجعله أساس مبيحاً للعرى مدعياً أنَّ أمَّنا حواء خُلقت عارية ،فيقول على لسان هانيء : ( إنَّ أي شيء مخبأ أو مغطى هو أكثر إثارة للإغراء من أي شيء مكشوف .. أحست كأنَّ سيدنا آدم يعتبرها مألوفاً سهلاً رخيصاً لا تحمل في كيانها أي ما تضن به على عينيه.. فبدأت بوحي من الله تغطي نواحي من جسدها حتى تثير في آدم غريزة اكتشاف كل ما لاتصل إليه عيناه ..أي غريزة ضعفه أمام المجهول .. الضعف الذي يدفعه إلى التعلق بهذا المجهول واحترامه ،بل وعبادته إلى أن يصل إلى اكتشافه ليتخلص من ضعفه أمامه..) ،وهذا القول يدل على جهل الأستاذ إحسان بما جاء في القرآن الكريم بهذا الصدد الذي يتحدث باسمه، فالقرآن الكريم بيَّن عكس ما ذكره الأستاذ إحسان بأنَّه جعل العرى عقوبة لكل من سيدنا آدم عليه السلام وأمنا حواء لما عصيا أمر ربهما ،وأنَّهما قبل حدوث المعصية منها لم يكونا عاريين وأنهما لما عصيا أمر ربهما عاقبهما بالعرى ،وأخذا يقصفان على نفسيهما من ورق الشجر ليداريا ما بدا من سوأتهما، أي أنَّ العرى كان عقوبة لهما ،يوضح هذا قوله تعالى: (فقُلْنا يا آدمُ إنَّ هذا عَدُوُّ لكَ وَلِزَوْجِكَ فلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الجَنَّةِ فَتَشْقَى .إنَّ لكَ ألاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلاَ تَعْرَى. و أَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيهَا وَلاَ تَضْحى. فوَسْوَس إلَيْهِ الشَّيْطَانُ قالَ يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى .فَأَكَلاَ مِنْها فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَان عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعصَى آدَمَ رَبَّهُ فَغَوَى. ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبَّهُ فَتَابَ عليْهِ وَهَدَى.” “) ولنتأمل قوله تعالى( إنَّ لك ألاَّ تجوع فيها ولا تعرى)، ( فأكلا منها فبدت لهما سَوْءَاتُهمَا وَطَفِقا يَخْصِفان عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الجَنَّةِ…) ،فهاتان الآيتان توضحان خطأ الأستاذ إحسان ومدى جهله بما جاء في القرآن ،وهو كما يبدو لم يقرأ الآيات القرآنية ذات العلاقة بهذا الموضوع، وإن كان قد قرأها فقد أول القرآن وفق هواه. هنا أتساءل أيضاً هل حرية الإبداع ،وحرية الرأي تدعو إلى تأويل القرآن وفق الأهواء للدعوة إلى العرى وعدم الاحتشام لجعل المرأة ترتدي المايوه أمام الرجال ،وجعل ذلك حلالاً؟ أثر الفرويدية على أدب الدكتورة نوال السعداوي الدكتورة نوال السعداوي تلميذة نجيبة لفرويد فكتابها “المرأة والصراع النفسي ” لا يختلف كثيراً عن كتاب فرويد “التحليل النفسي للهستريا” ،فتحليلها لأسباب مرض العصاب لا يختلف عن تحليل فرويد للهستريا ،ففي كتابها ” المرأة والصراع النفسي “أرجعت أسباب مرض العصاب (وهو مرض نفسي يؤدي أحياناً إلى صداع نفسي ،أو اكتئاب ،أو فقدان الشهية للطعام ،أو الإقبال المتزايد عليه ،أو قلق ،أو أحلام مزعجة…الخ) إلى أسباب جنسية في المقام الأول، وجعلت نسباً كبيرة من سيدات مجتمعها تمارس الجنس قبل الزواج ،ومع رجال آخرين بعد الزواج ،كما جعلت نسباً كبيرة من الآباء والإخوة في مجتمعها يمارسون الجنس مع بناتهم وإخوتهم ،واعتبرت العلاج من هذا المرض في إزالة التفرقة بين الجنسين ،وإزالة الكبت في حياة البنات والنساء ،وإزالة القيود التي تمنع المرأة والنساء ، وإزالة الخوف الذي يجعل البنت تكذب على نفسها والآخرين ،وتصبح عاجزة عن ممارسة الحب الصادق ،وتهيئة الظروف والإمكانات التي تساعد المرأة على العمل المنتج الخلاَّق ،وتحقيق ذاتها كإنسانة لها عقل أو ليست مجرد جهاز تناسلي لولادة الأطفال وإشباع الزوج، ومن هنا نرى أنَّ علاج النساء يرتبط ارتباطاً وثيقاً بقضية تحرير المرأة”. ” ) فهي تريد المرأة أن تتحرر من الدين والقيم والأخلاق ،وأن تمارس الجنس بحرية ،فالمرأة “العقل” في نظرها هي التي تتمتع بالحرية الجنسية ،ولذا ركزَّت في كتابيها ” الأنثى هي الأصل “،و”المرأة والصراع النفسي” على هذه الناحية ،وتحدثت باستفاضة عن ممارسة المرأة للجنس قبل الزواج وبعد الزواج مع عدة رجال في سبيل إشباع رغبتها الجنسية ،لذا طالبت بتعدد الأزواج ،ومجَّدت المومس “فردوس” بطلة قصتها “امرأة عند نقطة الصفر” ؛إذ اعتبرتها بطلة شجاعة ،فهي تنادي بالإباحية والشيوعية الجنسية ،بل سخرت في كتابها “المرأة والصراع النفسي” من الشرف والعرض والعذرية ،وقالت : (إنَّ مفهوم الشرف مرتبط في المجتمع المصري بما يسمى ” العرض” أو عذرية الفتاة قبل أن تتزوج ،وإخلاصها لزوجها وطاعته بعد الزواج )ثُمَّ تقول : ( لكن الزواج من فتاة غير عذراء يعتبر حتى اليوم في مجتمعنا المصري أمر مكروه لا يقبله أي رجل .)” ” واعتبرت المرأة في المجتمعات البدائية تتمتع بمكانة اجتماعية عالية لأنَّها تتمتع بالحرية الجنسية ،فتقول : ( إنَّ البغاء لم يظهر في المجتمعات البدائية لأنَّ الحرية الجنسية كانت ممنوحة للشباب من الجنسين ،ولم تعرف المجتمعات الأموية “تقصد نسبة الأولاد إلى الأم” البغاء لأنَّ مكانة المرأة الاجتماعية كانت عالية ،وكانت لها الحرية الكاملة كالرجل ،وهذا شيء منطقي ،كما أنَّ البغاء لا يمكن أن يحدث في مجتمع يساوي بين الجنسين في القيود الجنسية ” “.)،بل نجدها تستنكر عدم السماح للمرأة بممارسة الجنس إلاَّ مع زوجها.” ” وهي ترفض الحجاب لأنَّه وفق مفهومها الضيق ينظر إلى المرأة أنَّها جسد ،والوقع أنَّ نظرتها هي للمرأة قائمة على أنَّها جسد ،ومحط متعة وشهوة ،وأنَّ لديها غريزة تفوق الرجل ،وعليها أن تمارس الجنس بحرية لتشبع غريزتها ،وترفض عقد الزواج ،وتنادي بإبطاله لأنَّه يحترم المرأة ويصونها ويحافظ على عفتها وطهرها . وبعد فهذه نماذج لبعض الأدباء والشعراء الذين يعد معظمهم من الرواد ،وتوضح لنا مدى خروجهم عن أخلاقيات الكتابة الأدبية ،وتجاوزهم كل الحدود ،فتجرأوا على الذات الإلهية ،وعلى أنبياء الله ورسله ،ودعوا إلى التحلل والانحلال ،وانحطاط النفس الإنسانية إلى أحط مراتب الحيوانية والإباحية الجنسية ،وتجاوزوا الخطوط الحمراء تحت شعار حرية الرأي ،وحرية الإبداع ! ومن قال إنَّ حرية الرأي والإبداع لا تكون إلاَّ بالتعدي على الذات الإلهية ،وعلى أنبياء الله ورسله ،وبالدعوة إلى الإباحية الجنسية ؟ وهؤلاء دعاة حرية الرأي والإبداع نجدهم لا يقصرون هذه الحرية إلاَّ على التمرد على الدين والقيم والأخلاق ، والتجرؤ والتعدي على الخالق جلَّ شأنه ،وعلى أنبيائه ، لِمَ لم تُوجه هذه الحرية على حكامهم مثلاً ؟ لأنَّهم يعرفون أنَّهم لو نالوا من حكامهم كنيلهم من خالقهم وأنبيائه لاعتقلوا في السجون ،ولمنعوا من الكتابة ! ولكن للأسف جرأتهم على الله عز وجل ،وعلى أنبيائه ، وتمجيدهم لآلهة الإغريق ،ودعوتهم للتحلل والانحلال جعلتهم في مصاف الرواد ،وكرموا في المهرجانات ،ونالوا الجوائز والأوسمة! وهكذا كما تلاحظن كيف ذُبنا في الآخر ،وأصبح أدبنا مزيجاً من المذاهب الأدبية والفلسفية والنفسية والسياسية والاقتصادية الغربية رغم مخالفتها لديننا ولقيمنا ،فخرج أدبنا في معظمه عن حدود أخلاقيات الكتابة الأدبية، لم يعد يمثل هويتنا الإسلامية ،إذ أخذ معظم الأدباء بنظرية” الفن للفن “التي ترجع في أصولها البعيدة إلى ما دعا إليه أرسطو من وجوب استبعاد الأخلاق عن الشعر . ولكي نواجه هذه العولمة الفكرية والثقافية والأدبية ،لابد من الالتزام بأخلاقيات الكتابة الأدبية المتمثلة بالتزامنا بالتصور الإسلامي للخالق جلَّ شأنه والإنسان والكون والحياة . قد يقول قائل : لقد ذبنا في الآخر لأنَّنا عاجزون عن إيجاد منهج أدبي يعبِّر عن هويتنا واستقلاليتنا . وأقول هنا علينا أن نثق في العقلية الإسلامية ،وقدرتها على التنظير والابتكار ،ولقد حاول الآخر إفقادنا الثقة في نفوسنا ،وفي قدرتنا على الإبداع والابتكار ، وما قالوه عن العقلية العربية بالذات ،إنَّها عقلية ذرية مفككة ،أي غير قادرة على التجميع ، وأنَّها غير قادرة على القيادة ، واتخاذ القرار ،وذلك ليبرروا استعمارهم لعالمنا العربي ،وللأسف نجد من يصر على التأكيد على هذه الادعاءات بالسخرية من كل ما هو إسلامي ومحاربته ،وهذا ما يريدونه الآن ليفرضوا علينا العولمة ،ولكن كما قلت في مقدمة هذه الدراسة إنَّ الله قد حبا الأمة الإسلامية منهجاً ربانياً نستقي منه أدبها ،و الأدب الإسلامي هو هذا المنهج الذي يمثل الالتزام بأخلاقيات الكتابة الأدبية . الأدب الإسلامي والأدب الإسلامي هو التعبير الفني الصادق بالكلمة عما يحس به الأديب وفق التصور الإسلامي للخالق جلَّ شأنه والإنسان والكون والحياة . والأدب الإسلامي أدب عالمي ،هذا يعني أنَّ هذا الأدب قد أستمد عالميته من عالمية الإسلام ،فكلنا يعرف أنَّ الإسلام هو الديانة السماوية الوحيدة التي بعثت للناس كافة ،والآيات القرآنية واضحة منها قوله تعالى في الآية 107 من سورة الأنبياء: 0( وما أرسلناك إلاَّ رحمة للعالمين) خصائص الأدب الإسلامي لذا فإنّنا نجد هذا الأدب يستمد خصائصه من الإسلام ،والتي ألخصها في الآتي : أولاً: الشمولية : وهي مستمدة من شمولية الإسلام .إنَّ نظرة الإسلام إلى الخالق جلَّ شأنه ،وإلى الإنسان والكون والحياة نظرة شاملة وليست قاصرة كنظرة مختلف المذاهب الفكرية والفلسفات المنبثقة من الفكر الإغريقي الوثني ،والفكر الغربي المادي الملحد المنبثق من الماسونية والصهيونية كما مرّ بنا .وعند استعراضنا للشيوعية والعلمانية والعقلانية والوجودية والبرناسية “مذهب الفن للفن” والسريالية والواقعية بكل أنواعها ومسمياتها والبنيوية وغيرها من المذاهب والفلسفات والمعتقدات التي غزت أدبنا العربي نجد قصور نظرتها إلى الخالق جلَّ شأنه، ومنها من قال بتعدد الآلهة ،وجعل للفن إلهاً، مثل توفيق الحكيم الذي جعل للفن إلهاً في ” راقصة المعبد” ، وهناك من جعل الإله صغيراً يلهو معه كما فعل صلاح عبد الصبور في قصيدة “الإله الصغير”، وثالث جعل الإله يموت كأدونيس في قصيدة ” الإله الميت”، وغيرهم كثير ممن تأثر بالفكر الإغريقي الوثني ،ومنهم من أنكر وجود الله. أمّا عن نظرتها للإنسان ،فمنها من نظر إليه أنَّه مادة ،ومنها من نظر إليه أنَّه روح أي قامت على تجزئة الإنسان إمَّا مادة أو روح ،فالوجودية والشيوعية والعلمانية والواقعية الاشتراكية وغيرها نظرت إلى الإنسان أنَّه مادة فقط أي نظرة مادية بحتة ،بينما نجد الواقعية السحرية في بعض مواقفها نظرت إلى الإنسان أنَّه روح فقط ،في حين نجد البنيوية تلغي مصير الإنسان وتعتبره كالآلة ، والوجودية الملحدة تقول بعبثية الخلق ،وتلغي دور الإنسان في عمارة الأرض والاستخلاف ، أمَّا نظرتهم للحياة فهي نظرة قاصرة قائمة على أنَّها حياة دنيوية فقط، وهي نظرة منبثقة من نظرتهم المادية للإنسان، أمَّا نظرتهم للكون ،فهي نظرة قاصرة أيضاً لم تقم على مواءمة العلاقة بين الإنسان والكون ،وأنَّ الله هو خالق هذا الكون والمدبر له. بينما ينظر الإسلام إلى الخالق جلَّ شأنه نظرة تقر بوحدانيته وألوهيته وقدرته ( قل هو الله أحد .الله الصمد .لم يلد ولم يولد .ولم يكن له كفواً أحد.) ،( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير)، ( فعَّال لما يريد) ، ( لا تأخذه سنة ولا نوم)،( وتوكل على الحي الذي لا يموت) ،( فلا تضربوا لله أمثال) وينظر الإسلام إلى الإنسان نظرةً شاملةً لم تقمْ على التجزئة ،فالإنسانُ في الإسلام مادةٌ وروح ، فهو مزيجٌ من قبضةٍ من طينِ الأرضِ ونفحةٍ من روحِ الله امتزج الاثنانُ في كيانٍ واحدٍ مترابطٍ رغم اختلافهما، ويوضح هذا قوله تعالى الآية 30 في سورة البقرة : ( إذ قال ربُّكَ للملائكة إنَّي خالقٌ بشراً من طين فإذا سويتُه ونفختُ فيه من روحي فقعُوا له ساجدين ) وقد تعامل الإسلام وفقَ هذه النظرة ،ووضع تعاليمه له موازناً فيها بين المادة والروح فلم يبخس للجسد حقاً ليوفي حقوق الروح فيحرم المباح ، ولم يبخس للروح حقاً ليوفي حقوق الجسد فيبيح المحرمات ،وهنا تتجلى لنا معجزة الإسلام في موازنته بين رغبات الإنسان المادية وحاجاته الروحية ،فالإنسان في التصور الإسلامي من حيث طبيعته موحد بين النواحي المادية والروحية والحاجات النفسية ،فهو لا يؤمن فقط بمادية الإنسان كالداروينية التي نشأت عنها المذاهب المادية كالماركسية والفرويدية والوجودية ،ولا يؤمن برهبانية الإنسان كالبوذية والهندوكية ،يقول تعالى : (ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم)،إنَّما الإنسان مادة وروح معاً يوضح هذا قوله تعالى : ( وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا) ولا تقتصر نظرة الإسلام إلى الإنسان من حيث طبيعته ومكوناته ، وإنَّما تمتد إلى تكريمه : ( ولقد كرَّمنا بني آدم )كما تمتد إلى كينونته ودوره في الحياة ،فالإنسان في القرآن مخلوق مكلف ذو رسالة هي الاستخلاف ( وإذْ قاَلَ رَبُّك للملائكةِ إنَّي جَاعِلٌ في الأرضِ خَلِيفةً قَالُوا أَتجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسِفِكُ الدِّمَاءَ ونحنُ نُسَبِّحُ بحمدِكَ ونُقَدِّسُ لَكَ قاَلَ إنَّي أَعلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ) فالإنسان لم يخلق عبثاً كما تقول الوجودية ،وإنَّما خلق لمهمة كبرى هي “عمارة الأرض”، وذلك لتحقيق الغاية العليا من خلقه ،وهي عبادة الله ( وما خلقتً الجنَّ والإنس إلاَّ ليعبدون) أمَّا عن نظرة الإسلام إلى الكون فهي تتلخص في أنه آية من آيات الله الكبرى ،وصورة فذة من صور قدرته العظمى ،وشاهد على وجوده وكماله جلَّ شأنه، وأنَّه ميدان للنشاط الإنساني ،إذ يستخدم فيه الإنسان طاقاته وإمكاناته ،ويسخره لمنفعته ،وإنَّ كثيراً مما في هذا الكون مسخر للإنسان ( هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً ثُمَّ استوى للسماء)وأنَّ إرادة الله وراء ما يحدث في الكون ،وأنَّ الكون مسير ومدبر دائماً بقدرة الله ( ومن آياتهِ أن تقومَ السَّماءُ والأرضُ بأمره) ، وأنَّ الكون كله قانت لله ( تسبح له السَّماواتُ السَّبعُ والأرضُ ومَنْ فيهنَّ وإنْ من شيءٍ إلاَّ يُسَبِّحُ بحمدِه ) هذا عن نظرة الإسلام إلى الكون ،أمَّا نظرتُه للحياة ،فهي تتلخص في التالي: 1-أنَّ الحياةَ الدنيا دارُ امتحانٍ وابتلاء يمرُّ بها الإنسانُ ليصلَ إلى الآخرة ،وأنَّ الحياةَ الآخرةَ هي الحياةُ الدائمة ،ولا موت فيها ،وقد وصف اللهُ جلَّ شأنه الحياةَ الدنيا بأنَّها مملوءةٌ بالزِّينةِ والزُّخرف والشهوات ( اعلموا أنَّما الحياةُ الدنيا لعبٌ ولهوٌ وزينةٌ وتفاخرُ بينَكُم وتكاثرٌ في الأموالِ والأولاد ) 2- وهي متاع مؤقت ومكان عبور لا يجوز اتخاذها غاية ( يومَ يُنفخُ في الصُّورِ وَنَحْشُرُ المجْرِمينَ يومئذٍ زُرْقاً. يَتخَافتُونَ بَيْنَهُم إنْ لَبِثْتُم إلاَّ عَشْراً نحنُ أعلمُ بما يقُولُونَ إذْ يقولُ أَمْثَلُهُم طَرِيقَةً إنْ لَّبِثْتُمْ إلاَّ يوماً ) 3-أنَّها دار تعب وكدح وجد ( يا أيُّها الإنسانُ إنَّكَ كادحٌ إلى ربِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيه ) هذا باختصارٍ شديدٍ التصورُ الإسلاميُ للخالق جلَّ شانه والإنسان والكون والحياة الذي يتميز بالشمولية التي تفتقر إليها سائرُ المذاهبِ الغربيةِ الأدبيةِ منها والفكرية وعلى هذا التصورِ تقومُ نظريةُ الأدب الإسلامي ونقده ،ومن هنا جاء تعريفُ الأدب الإسلامي بأنه التعبيرُ الفنيُّ الصَّادقُ بالكلمة عمَّا يحسه الأديب بما يوافق التصور الإسلامي للخالق عزَّ وجل والإنسان والكون والحياة ،فكيف يكون الأدبُ الإسلاميُ أدباً قاصراً محدوداً معوقاً للإبداع ،كما يصفه المعارضون لهذا الأدب ،وهو يتسمُ بكلِّ هذه الشمولية التي يتميزُ بها التصور الإسلامي في حينٍ لم توصف الآداب الأخرى بتلك الصفات رغم قصر نظرتها للخالق جلَّ شأنه والإنسان والكون والحياة؟ ثانيا: التوازن: ويتمثل هذا في نظرة الإسلام المتوازنة للإنسان ،إذ وازن بين ماديته وبين روحه فلم يجعل أحدهما يطغى على الآخر ،ولعل الآية الكريمة ( وابتغ فيما أتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا ) توضح هذا، بينما نجد سائر الآداب تُسيِّرُ الإنسانَ إلى الحياة الدنيا بكل ملاذها ومتاعها الحلال والحرام منها ،ولا تجعله يعمل حساباً لآخرته ،بل نجد في قصص وروايات كبار الأدباء يوجهون أبطال قصصهم وبطلاتها إلى ارتكاب المعاصي وشرب الخمر عندما يصاب البطل أو البطلة بمرض ميؤوس من شفائه ،أو عندما تواجهه أو تواجهها محنة من المحن، أو يلجأ إلى الانتحار. إنَّ نظرةَ الإسلامِ المتوازنةُ للإنسان لم تكبتْ عواطفَه ورغباتِ جسدِه كما في الرهبانية وفي نفس الوقت لم تطلق العنانَ لها كما في الوجودية ،والفرويدية ،فاللهُ سبحانه وتعالى هو خالقُ النَّفسِ البشرية ،وهو أعلمُ باحتياجاتها ،فلم يكبتها ،وإنَّما وجهها الوجهةَ الصحيحةَ لها ،فسما بها سمواً يليق بها ،وبالتكريم الإلهي لها، حفاظاً على الأعراض والقيم والأخلاق ،ولنا أسوةٌ في القَصَص القرآني ،فقد تناول أكثر القضايا تعقيداً في سورةِ سيدنا يوسف ،عند مراودةِ امرأةِ العزيزِ لسيدنا يوسف عن نفسها ،ولنتأمل كيف عالجَ القرآنُ الكريم هذه القضية ،بأسلوبٍ مهذبٍ لا يخدش الحياء، وبلقطاتٍ سريعةٍ مركزاً على لحظات الإفاقة ،ولكن العكسَ نجدهُ في الآدابِ الغربيةِ التي يسيرُ على نهجِها معظمُ أدبائنا وشعرائنا الذين يُفصِّلُون تفصيلاتٍ دقيقة في مشاهدَ غارقةٍ في الجنسِ والإثارة ،وإن كانت هناك لحظاتُ إفاقة فنصيبها مشهدٌ أو مشهدان. ثالثاً: السمو: فهذه خاصيةٌ من خصائص الأدب الإسلامي استمدها من سمو الإسلام بالنفس الإنسانية ،وعواطفِها إلى مراتبَ عليا من الطهر والعفاف دون أن يجردها من ماديتها أو روحانيتها ،وذلك عن طريق وضعِه ضوابطَ تكبحُ جماحَ الغرائزِ دون أن تعطلها أو توقفها عن آداءِ وظائفِها ،وهذَّب العواطفَ الإنسانيةَ ووجهها الوجهةَ الصحيحةَ دون أن تنحرفَ وتفقدَ صفتَها الإنسانية ،وتضبطَ الحريةَ الفرديةَ دون أن تطلقَها كالوجوديةِ أو تلغيها. رابعاً: الجمالية: وهي مستمدةٌ من نظرةِ الإسلامِ إلى الجمال ،والجمالُ في الإسلام يشملُ الإنسانَ والحياة وكل ما في الكون ،فهوَ يمتدُّ إلى جميع نواحي حياة الإنسان ـ كما يقولُ الدكتور عدنان النحوي ـ امتداداً متصلاً بالحياة والكون ،ومتصلاً بإيمان وعقيدة ،منسجماً مع قواعدَ وسنن ،واتصالُ الإنسانِ بالجمالِ اتصالٌ واعٍ يقظ ،وارتباطٌ ومسؤوليةٌ وأمانةٌ وحسابٌ وعقابٌ وجزاءٌ وثواب ،وبهذا فالجمالُ في الإسلام ليس كما هو عند “شوبنهور” جمالاً وفناً يلغي إرادةَ الإنسانِ ،ولا تنفصل العاطفةُ عن الفكر ،ولا الفكرُ عن العاطفة ،ولا الإنسانُ عن الكون ولا الكونُ عن الإنسان ،إنَّه عالمٌ خلقه الله تعالى ،لقد أعطى كل شيء خلقه وحدَّد له مهمته في هذا الكون كله ،وجعل لهذا الكون سنناً ثابتة على حكمة بالغة ،وإدراكُ الجمالِ والإحساسُ به يتولدُ في الإنسانِ عن طريق السمع والبصر والفؤاد. فكيف أدبٌ يتمتعُ بهذه الخصائص نطلق عليه أنَّه أدبٌ معوقٌ للإبداع ،وقاصرٌ عن طرق جميع الموضوعات التي تتطرق إليها سائرُ الآداب الإنسانية؟ فللأديب الإسلامي أن يتناولَ جميعَ الموضوعات طالما ملتزماً بالتصور الإسلامي ،ولا يخرج عن هذا التصور. بمعنى أنَّ الأديب الذي يؤمن بالخالق وفق التصور الإسلامي لن يسخر من الذات الإلهية وينالَ منها كنيل أدونيس ،وصلاح عبد الصبور ،وحيدر الحيدر ،وغيرهم كثير، ولن يرمز إلى الله بالأب كما فعل الأستاذ نجيب محفوظ في “أولاد حارتنا”،” والشحاذ” ،و “الطريق”، “ثرثرة فوق النيل ” وغيرها. والأديب الذي يلتزم بالتصور الإسلامي للإنسان والكون والحياة لن يكتب أدباً فاحشاً ماجناً ساقطاً كالذي كتبه الأستاذ إحسان عبد القدوس ،والدكتور يوسف إدريس ، والدكتورة نوال السعداوي ،والدكتور رشاد رشدي ،وأدونيس ،ونزار قبَّاني ، وغادة السمَّان ،وغيرهم كثير. والأديب الملتزم بالتصور الإسلامي لن ينال من الأنبياء وينكر عصمتهم كما فعل الأستاذ توفيق الحكيم . والأديب الذي يلتزم بالتصور الإسلامي لن ينكر ما جاء في القرآن الكريم عن إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام ،ولن يشكك في القرآن الكريم ،وينتقده ويشكك في نسب الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ،وفي نسب العرب ،وفي سيرة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما كما فعل الدكتور طه حسين في كتابيه “الشعر الجاهلي”، و “الشيخان” والأديب الملتزم بالتصور الإسلامي لن يقول بعبثية الخلق كما يقول صلاح عبد الصبور ،ونجيب محفوظ ، وإحسان عبد القدوس ،وغيرهم مرددين آراء الوجوديين. والأديب الملتزم بالتصور الإسلامي سينظر إلى المرأة نظرة الإسلام لها فلن يمتهنها ويجعل أعضاء جسدها أداة تعبيرية لشعره كما فعل أدونيس ونزار قبَّاني ،أو يجعل جسدها حقاً مشاعاً للرجل ،ويشجعها على ارتكاب الفواحش ويسخر من الشرف ويعتبره تقليداً من التقاليد البالية ،ويجردها من حيائها وأنوثتها وأمومتها وزوجيتها كما فعل الأستاذ إحسان عبد القدوس. فهل النيل من الذات الإلهية ،والرمز إلى الخالق جلَّ شأنه بالأب ،والدعوة إلى الإباحية ، و إلغاء الزواج ،والحرية المطلقة ،واعتبار الشرف تقليد من التقاليد هو الإبداع الذي ما بعده إبداع ، وهو الشمولية؟ والأدب الذي يؤمن بالخالق عزَّ وجل ، ويحترم آدمية الإنسان ،وإنسانية المرأة ،وجسدها وفكرها، فلا يمتهنها ولا يبتذلها، ويحرص على القيم والأخلاق ،ويرتقي بالنفس الإنسانية إلى مراتب عليا من الطهر والعفاف يعد أدباً قاصراً ومعوقاً للإبداع! وهناك من يقول إنَّ الأدب الملتزم بالتصور الإسلامي هو فقط أدب الحكم والمواعظ والخطاب الإسلامي المباشر، كما يدعي البعض! هذا مفهوم قاصر ،يحد من شمولية الأدب الإسلامي واتساع آفاقه ،إنَّ أدب الحكم والمواعظ هو جزء من هذا الأدب ،ولكن ليس كله، فبإمكان الأديب أن يلتزم بالتصور الإسلامي دون أن يكون ملزما بإطلاق الحكم والمواعظ ،أو استخدام الخطاب الإسلامي المباشر. خامساً: أنَّه أدب هادف وأصيل ،فالأدب الإسلامي أدب هادف ذو أهداف ومبادئ ومضامين سامية ،وهو أدب أصيل يستمد أصالته من التراث الفكري والثقافي الإسلامي ،والثقافة الإسلامية ثقافة حية وثرية ومرنة ومتجددة تتلاءم مع كل عصر مستمدة مرونتها من الإسلام الصالح لكل زمان ومكان. وإنني لأعجب أن يصفها بعض بني الإسلام بالجمود ،وهناك من يطلق عليها أنَّها ثقافة محنطة، وقد صرَّح أحد رؤساء تحرير جريدة محلية كبرى أنَّه لا ينشر في جريدته مقالات محنطة تستشهد بآيات قرآنية وأحاديث نبوية ،كما أنَّني لأعجب أن يقارن الأدب الإسلامي المنبثق من الإسلام ـ هذا الدين السماوي الوحيد الذي لم ينله تحريف ـ بالماركسية التي جاءت بها الصهيونية والأدب المنبثق منها!!! وإنَّني لأعجب أيضاً أن يجد الأدب الإسلامي المنبثق من التصور الإسلامي من قبل بني الإسلام هجوماً واعتراضاً ،ويتعرض إلى محاكمات وكأنَّه مذنب يجلس في قفص الاتهام ،بينما الأدب القائم على الوثنية الإغريقية ،والقائم على البوذية والمجوسية القائلة بتناسخ الأرواح ،والتي تنكر وجود الله ،وتنادي بالحرية المطلقة للإنسان ،وإطلاق غريزته الجنسية دونما ضابط يضبطها ،والذي يلغي العقل ،منادياً باستخدام العقل الباطن ،وعالم اللاوعي ،هذا الأدب هو أدب الحداثة الذي ما هو إلاَّ تقليد الشواذ من الغربيين يجد من أجهزة الإعلام في وطننا العربي كل تقدير ،ويُكرَّم الملتزمون به في المهرجانات الأدبية والفكرية وينالون الجوائز والأوسمة على نيلهم من الذات الإلهية وسخريتهم من دينهم ونبيه محمد صلى الله علية وسلم ،ومن سائر الأنبياء ،وإحيائهم للفرق الباطنية ،وتمجيدهم لملحديها أمثال الحلاَّج والسهروردي ،وابن العربى ،وحمدان القرمطي والشلمغاني ،وسخريتهم من التراث الإسلامي ،ودعوتهم إلى نبذه وإلغائه، هذا التراث الذي يعتز به كل مسلم ،لأنَّه يمثل وجوده وشخصيته وتاريخه!!! إنَّ هذا الذي أوصل بأمتنا إلى هذه الحال هو الذي جعلنا الآن عاجزين عن الدفاع عن المسجد الأقصى ،ودعم إخواننا الفلسطينيين الذين يواجهون حرب إبادة وهم عزل ،سلاحهم الإيمان بالله ،وحجارة صغيرة ،ويتساقط منهم يومياً العشرات من الشهداء والجرحى من الأطفال والشبان والنساء والشيوخ ،ونحن لازلنا ،نقف منهم موقف المتفرج ،وهاهم اليهود الصهاينة قد استولوا على بيت الشرق ،وفي طريقهم إلى المسجد الأقصى ،ونحن لا حراك ،ومنا لا يزال يهاجم الأدب الإسلامي بل ويحاكمُه لأنه منبثق من الإسلام!!! إنًّ الأدب الإسلامي هو الذي يُعمِّق الإيمان بالله عزَّ وجل، ويحرر الإنسان من عبودية الغرائز والشهوات ،ويرتقي به إلى مراتب عليا من الطهر والعفاف ،وهو الذي يعيدُ لأدبنا هويتَه ،وشخصيتَه الإسلامية المستقلة، وتحَرُّرِه من التبعية الفكرية للآخر ،ويفتح له أبواباً كثيرة في الإبداع لا يجدها في تلك المذاهب التي سار على نهجها معظم أدبائنا وشعرائنا ،والتي تدعوا إلى الفوضى الفكرية والعقائدية والجنسية. والأدب الإسلامي يشكل جبهةً قويةً للتصدي للعولمة الثقافية والفكرية والأدبية ،وعلينا نحن المسلمين أن نتحد في مساندة هذه الجبهة للحفاظ على شخصيتنا وهويتنا الإسلامية ،وإلاَّ سنكون “مؤمركين” إن جاز لي استخدام هذا التعبير ،فنحن أمام خياريْن :إمَّا أن نكون “مؤمركين” ،أو ” إسلاميين”، فأي الهويتيْن تريدون يا بني وبنات الإسلام ؟ في الختام أقدم خالص شكري لأندية الفتيات بالشارقة على هذه الدعوة والمشاركة .وتهاني الخالصة للفائزات ،وكم أتمنى من أخواتي الفضليات أن يحافظن على هويتهن الإسلامية في كتابتهن الإبداعية ،وأن يسرن على نهج القصص القرآني في كتاباتهن القصصية. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ثبت المصادر والمراجع 1-إحسان عبد القدوس: قصة ” أنا حرة”، مكتبة مصر، قصة طويلة. 2-إحسان عبد القدوس: الوسادة الخالية، مكتبة مصر ،مجموعة قصصية، قصة”كل النساء”. 3-إحسان عبد القدوس: مجموعة زوجات ضائعات، قصة” أيام في الحلال”، مكتبة مصر. 4-إحسان عبد القدوس: أنف وثلاث عيون، رواية طويلة من جزءين، مكتبة مصر. 5-أدونيس : العمال الشعرية الكاملة ،المجلدان الأول والثاني ،ط4،سنة 1985م،دار العودة ،بيروت. 6-أمل دنقل :الأعمال الشعرية الكاملة ،ط3،سنة 1407هـ ـ 1987م،مكتبة مدبولي ،القاهرة ،مصر. 7ـأنور الجندي :من سقوط الخلافة إلى مولد الصحوة ،بيت الحكمة للنشر والتوزيع. 8-توفيق الحكيم: التعادلية مع الإسلام والتعادلية، مكتبة الآداب، مصر. 9-توفيق الحكيم ،راقصة المعبد، مكتبة الآداب، مصر. 10-توفيق الحكيم : مجموعة أرني الله ،قصة ” الشهيد”، مكتبة الآداب ،مصر. 11-توفيق الحكيم ،الملك أوديب”مسرحية”، مكتبة الآداب ،مصر. 12-توفيق الحكيم :أهل الكهف”مسرحية”، مكتبة الآداب ،مصر. 13-توفيق الحكيم :سليمان الحكيم “مسرحية”، مكتبة الآداب، مصر. 14-توفيق الحكيم : بجماليون :مسرحية” ،مكتبة الآداب ،مصر. 15-جورج طرابيشي: الله في رحلة نجيب محفوظ الرمزية 16- رجاء عالم ،قصة الأصلة ، ضمن مجموعة قصصية صدرت عن مكتبة الأسرة ،مصر. 17-سهيلة زين العابدين حمَّاد :إحسان عبد القدوس بين العلمانية والفرويدية ، ط1، 4111هـ ـ 1990م، دار الفجر الإسلامية ،المدينة المنورة . 18-سهيلة زين العابدين حمَّاد : المرأة بين الإفراط والتفريط،ط2،الدار السعودية للنشر والتوزيع، جدة ـالمملكة العربية السعودية. 19-سهيلة زين العابدين حمَّاد : فكر توفيق الحكيم تحت مجهر التصور الإسلامي، من “ثلاثة أجزاء”، معد للطبع. 20-المذاهب الأدبية الغربية الحديثة وأثرها على الفكر العربي، معد للطبع . 21-سهيلة زين العابدين حمَّاد ك مناقشة هادئة مع الأستاذ نجيب الكيلاني عن أدب نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم ،معد للطبع . 22- سهيلة زين العابدين حمَّاد : أدونيس بين الإباحية والإلحاد ،معد للطبع. 23- سهيلة زين العابدين حمَّاد: نوال السعداوي بين الماركسية والفرويدية، معد للطبع . 24-صلاح عبد الصبور: النَّاس في بلادي، “ديوان شعر ،ط4،سنة1983م ،دار العودة ،بيروت ـلبنان. 25-د. طه حسين :مستقبل الثقافة في مصر . 26-د. طه حسين : الشيخان . 27-د. طه حسين : في الشعر الجاهلي. 28-د. عبد الرحمن رأفت الباشا: نحو مذهب إسلامي في الأدب والنقد، دار البردي للنشر والتوزيع. 29-عبده الخال : حوار على بداية الأرض . 30-د.عبد الرضا علي: الأسطورة في شعر السيَّاب ،دار الرائد العربي ،ط2،سنة 1984م ،بيروت ـلبنان. 31- علي عبد الرازق: الإسلام وأصول الحكم . 32-الشيخ عوض القرني:ا لحداثة في ميزان الإسلام. 33-مجدي وهبة ،وكامل المهندس : معجم المصطلحات في اللغة والأدب، طبعة سنة 1979م، مكتبة لبنان. 34-محمد خليفة التونسي: الخطر اليهودي ،ط4،دار الكتاب العربي ،بيروت ـ لبنان. 35- محمد قطب: الإنسان بين المادية والإسلام. 36-د. مصطفى غالب : برجسون ،طبعة سنة 1983م ،مكتبة الهلال ،بيروت. 37-د.مصطفى فهمي : الدوافع النفسية. 38-محمد مندور:ا لأدب ومذاهبه. 39-الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة ،الندوة العالمية للشباب الإسلامي ،الرياض. 40-نجيب محفوظ: أولاد حارتنا،ط5،1986م،دار الآداب ،بيروت. 41-نجيب محفوظ: عبث الأقدار، مكتبة مصر، القاهرة ـ مصر. 42-نجيب محفوظ: السكرية، مكتبة مصر، القاهرةـ مصر. 43-نجيب محفوظ: بين القصرين. 44- نجيب محفوظ :قصر الشوق. 45 -نجيب محفوظ :حكاية بلا بداية ونهاية، مكتبة مصر، القاهرة ـ مصر. 46_نجيب محفوظ : الشحَّاذ. 47-نجيب محفوظ: اللص والكلاب. 48-نجيب محفوظ : الطريق. 49- نجيب محفوظ :ثرثرة فوق النيل . 50-نجيب محفوظ : القاهرة الجديدة. 51–د. نوال السعداوي: المرأة والصراع النفسي، طبعة سنة 1983م،مكتبة مدبولي، القاهرة، مصر. 52-د. نوال السعداوي: الأنثى هي الأصل ،ط4،سنة 1983،مكتبة مدبولي ،القاهرة ،مصر. 53-د.نوال السعداوي: المرأة عند نقطة الصفر. 54-جريدة عكاظ،العدد7384،تاريخ 11/1/1407هـ .