د. سهيلة زين العابدين حمّاد لمجلة اليمامة: حالات هروب الفتيات من منازلهن آخذة في الزيادة لعدم معالجتنا لأسبابها
تحقيق سامي التتر
تقول الدكتورة سهيلة زين العابدين (الناشطة في مجال حقوق الإنسان): إن من المشاكل الاجتماعية المقلقة، جنوح بعض الفتيات إلى الانتحار، أو محاولة الانتحار، أو الهروب من بيوتهن.
ورغم أنّ إحصائيات وزارة الداخلية تُبيّن أنَّ هروب الفتيات لم يرق إلى مستوى الظاهرة، إلا أن حالات الهروب آخذة في الزيادة، لأننا لم نعالج أسبابها، فالأسباب مازالت قائمة وممارسة العنف الأسري ضد المرأة مستمرة، وبشكل متزايد، وهناك إحصائيات غير رسمية تقول إنَّ هروب الفتيات في مجتمعنا قد وصل إلى مرحلة الظاهرة، وأنَّ عدد الهاربات في كل من مدينتي جدة والرياض آخذة في التزايد، وهذه الإحصائيات إن صدقت فهي مخيفة ومقلقة للغاية، وأيَّا كان حجم المشكلة، فهروب الفتيات أمر شديد الخطورة، ولابد من معرفة أسبابه وعلاجه قبل أن يستفحل الأمر.
أمَّا عن حالات انتحار الإناث طبقاً لما جاء في الكتاب الإحصائي لوزارة الداخلية ، فهي أيضا آخذة في الزيادة، لأننا لم نضع حداً للعنف الممارس ضد المرأة سواءً كان عنفاً أسرياً، أم مدرسياً، أم اجتماعياً بكل صوره وأشكاله. إنَّ الفتاة لا تهرب من بيتها، ولا تنتحر إلاَّ بعدما تغلق جميع الأبواب في وجهها، ولا ترى منقذاً لها لما هي عليه سوى الهرب، أو الانتحار. وتلخص د. سهيلة أهم أسباب هروب الفتيات وانتحارهن، في النقاط التالية:
1 – ممارسة عنف بدني، أو نفسي، أو مالي، أو جنسي ضد الفتاة، أو الزوجة، وعدم وجود من يرفع عنها الأذى من قبل أحد كبار الأسرة، أو من قبل قاض في محكمة، أو مرفق شرطة، فهذان الجهازان المذكوران في الغالب يشترطان حضور ولي الأمر الذي يكون غالباً هو خصمها، مع أنَّ النظام القضائي، ونظام الشرطة لا يشترطان ذلك، وعندما سئل ممثل الشرطة في ندوة العنف الأسري التي نظمها برنامج الأمان الأسري في الرياض قبل سنوات مضت، عن اشتراط حضور ولي الأمر عند لجوء المرأة إلى الشرطة، كان رده غير مقنع للجميع؛ إذ قال لأنَّنا لا نستطيع أن نتفاهم مع المرأة، وكأن المرأة مخلوق من كوكب ثان، فيصعب التفاهم معها.
إنَّ الرسول – صلى الله عليه وسلم – عندما جاءته الفتاة تشكو إليه أباها الذي زوجها من ابن أخيه ليرفه بها خسيسته، وكان الرسول -صلى الله عليه وسلم – هو القاضي، لم يشترط عليها حضور ولي أمرها ليقبل دعواها، ولكن على الفور خيَّرها بين إجازة ما صنع أبوها، أو فسخ العقد، فكان ردها: قد أجزت ما صنع أبي، ولكن أردتُ أن أُبيِّن للنساء أن ليس للآباء من أمر بناتهم شيئا، أي ليس من حق الآباء إجبار بناتهم على الزواج ممن لا يرغبن.
وإن لجأت المرأة، أو الفتاة المعنَّفة إلى أحد دور الإيواء، فهذه الدور هي دور استضافة، تستضيف المعنفَّة بضعة أيام، أو بضعة أشهر، وتعيدها إلى بيتها بعد تعهد ولي أمرها بعدم التعرض لإيذائها، وهي تدرك أنَّه لن يلتزم بما تعهد به، فتحاول المعنفة الانتحار، أو تهرب، وقد حدث أنَّ فتاة وسيدة حاولتا الانتحار في إحدى دور الإيواء عند مطالبة إدارة الدار منهما التوقيع على موافقتهما على العودة إلى ذويهما.
فالزوجة التي تتعرض للتهديد بالقتل، ورفع السكين لقتلها من قبل زوجها المدمن، والأهل يصرون على بقائها معه، قد تلجأ إلى القاضي، وتثبت إدمان زوجها للمخدرات، وتقول للقاضي لقد رفع عليَّ السكين ليذبحني، أريد الطلاق، والقاضي يقول لها: اصبري وتحمّلي، عندئذ لا تجد مخرجاً ممَّا هي فيه إلاَّ الهروب من بيت الزوجية، فتذهب إلى الشارع، أو إلى إحدى قرينات السوء، ويكون مصيرها في النهاية الضياع والهلاك.
2 – قد تكون الهاربة، أو المنتحرة قد تورطت في إدمان المخدرات، وتكون قد خضعت لتهديدات مافيا المخدرات التي تحرضها على الهرب من بيت أهلها، لتشغلها في ترويج المخدرات، وقد تنتحر إن لم تجد مخرجاً لها فيما تورَّطت فيه، وتوجد للأسف الشديد حالات لإدمان المخدرات بين الفتيات السعوديات، ولا سيما طالبات الجامعات.
3 – وقد يكون سبب هروب الفتاة، أو انتحارها تورطها في علاقة غير شرعية مع أحد الشبان، تكون قد تعرَّفت عليه عبر (غرف الشات) أو عبر الهاتف، أو يكون أخاً لصديقة، أو زميلة لها، ويعدها هذا الشاب بالزواج منها إن هربت من بيت أهلها، ويجعلها حقاً مشاعاً له، وعندئذ لا تجد خلاصاً ممَّا تورطت فيه سوى الانتحار.
4 – غياب الحب والحنان الأسري، وغياب الرقابة والمتابعة لأحوال أولادنا وبناتنا، فالبنت قد تغيب عن البيت عدة أيام والأم لا تدري عن هذا الغياب، لأنَّها لا تتفقد وجود بنتها في البيت، وكذا بالنسبة للولد.
5 – افتقاد أسرنا إلى لغة الحوار، وعدم مصادقتنا لأولادنا، فبعض الأزواج والآباء متسلطون يفرضون أوامرهم على الجميع، وعلى الجميع الإذعان والطاعة بلا مناقشة، والويل ثم الويل لمن يخالف تلك الأوامر، و بعض الأزواج والآباء متهاونون متساهلون، ومنهم الغائبون عن البيت معظم الوقت، إمَّا لكثرة أسفارهم وأعمالهم، وإمَّا لولعهم بمجموعة من الأصدقاء الذين يقضون جُلَّ أوقاتهم معهم، فلا يجلسون مع زوجاتهم وأولادهم يناقشونهم ويحاورونهم، ويستمعون إلى مشاكلهم، ويساعدونهم على حلها، وقد تكون الأم أيضاً منشغلة مع صويحباتها، وسهراتها معهن، ولا تجلس مع أولادها وتتعرف على مشاكلهم، وتساعدهم على حلها، بل نجد من الأمهات من لا تدري أين تبيت ابنتها في بيتها، أم في بيت إحدى زميلاتها، أو صديقاتها.
6 – التفكك الأسري وكثرة الخلافات والمنازعات بين الأبوين، وقد يكونان مطلقين، وكل منهما متزوج، وقد تكون البنت في حضانة الأب، وهو متزوج من زوجة قاسية القلب لا ترحم، فتمارس أشد أنواع العنف، وقد تكون البنت في حضانة الأم، ولديها زوج يطارد الفتاة، ويتحرش بها، فتقدم الفتاة على الهرب، أو الانتحار.
7 – مصاحبة قرينات السوء اللواتي يُحرِّضن على التمرد على الأهل، والهروب لأتفه الأسباب، واختفاء دور الأم في معرفة صديقات بناتها وأخلاقهن.
8 – قد تكون الفتاة تعرَّضت للاختطاف، ويظنها أهلها أنها هربت.
المصدر مجلة اليمامة: http://www.yamamahmag.com/article.aspx?articleID=7042