حال اللغة العربية الآن
لها أون لاين
20/02/1423 هجري الموافق 02/05/2002 ميلادي
د.سهيلة زين العابدين حمَّاد
إنَّ اللغة العربية تشكو جهل أبنائها بها، وعدم وقوفهم على مواطن الجمال فيها، فتجد في قراءتهم لها لحناً، وفي صياغتهم لها ركاكة وضعفاً، ويرجع هذا في رأيي إلى الانصراف عن قراءة القرآن الكريم وحسن تجويده وحفظه وتلاوته
، فمعظم الطلبة والطالبات بالمدارس لا يحسنون قراءة القرآن الكريم ضبطاً وتجويداً وتلاوة، بل نجد التجويد إن دُرِّس، فهو يُدرَّس وكأنَّه مادة منفصلة عن القرآن، وليس جزءاً منه، وعلماً من علومه، فإذا كان الطالب لا يحسن قراءة القرآن الكريم وتلاوته، فكيف يفهمه ويتدبَّر معانيه؟ وكيف يستطيع إدراك قوة أسلوبه البياني، وعذوبة ألفاظه، وغزارة معانيه وجزالتها ؟ وإذا شرح له معنى الآيات فلا يوضح له بيانها البديع، كما لا يُوضِّح له أسباب إتيان اللفظ في ذاك المقام، عدا ما يُعطى له من آيات في مواد الأدب.
وكذا الحال في دروس الحديث النبوي، علماً بأنَّ كثيراً من الدول العربية لا تولي القرآن الكريم وعلومه والسنة وبلاغتها اهتماماً لائقاً؛ إذ نجد اهتمامها بالمواد الأخرى أكثر بكثير من اهتمامها بعلوم الدين، ممَّا أدَّى إلى جهل الكثير من أبناء العالم العربي بكتاب الله وسنَّة رسوله صلَّى الله عليه وسلَّم وبأحكامهما. أمَّا قواعد اللغة العربية فنجدها أيضاً لا تطبق على بقية العلوم التي تُدرَّس في مدارسنا، بمعنى أنَّ الطالب لا يُحاسب على ما يرتكبه من أخطاء نحوية إلاَّ في مادة النحو فقط، أمَّا باقي المواد فلا يُحاسب على تلك الأخطاء، حتى فيما يكتبه من موضوعات إنشائية، وإجابات تحريرية لدروس الأدب والنصوص والمطالعة، وإن كنتُ لا أؤيِّد فكرة جعل هذه الامتحانات تحريرية؛ لأنَّ هذا يفقدها الكثير من عناصرها، وهو الأداء وحسن الإلقاء، وسلامة الضبط، وصحَّة مخارج اللفظ والحرف.
إنَّ حسن الأداء من مقوِّمات قوة اللغة وجمالها، فكلَّما كان أداء تلك اللغة صحيحاً وسليماً أضفى عليها جمالاً ورونقاً يشدُّ انتباه الحاضرين، ويأخذ بألباب السامعين، ويسهم إسهاماً كبيراً في توضيح المعنى والمقصود، وممَّا يؤسف له حقَّاً أنَّ دروس الأدب والنصوص والمطالعة تفتقر إلى العنصر الجمالي المهم، إذ لا يعيره أساتذة اللغة والأدب أيّ اهتمام، والكارثة الكبرى هي ما يواجه لغتنا العربية من تحدِّيات ومحاولات لهدم اللغة العربية؛ لصرفنا عن القرآن الكريم، ومن المؤسف أن نجد من أبناء اللغة العربية من يسعى إلى هدمها تحت عباءة حمايتها والحفاظ عليها، مثال ذلك الباحث الذي قدَّم بحثاً في المؤتمر السادس لـ “جمعية لسان العرب لرعاية اللغة العربية” (الذي عُقد في القاهرة في نوفمبر عام 1999م) غيَّر فيه شكل الحروف العربية، وجعلها ثلاثاً وثلاثين حرفاً بدلاً من ثمانية وعشرين حرفاً، أو تلك الباحثة التي تعمل في الجامعة الأمريكية التي ألغت حركات الضبط واستبدلت بها الأحرف، فالواو بدل الضمة، والألف بدل الفتحة، والياء بدل الكسرة، والنون بدل التنوين، فإذا ما كتبنا كلمة “قيراط” مثلاً، تُكتب “قييرااطن”، أستحلفك بالله ـ أيُّها القارئ الكريم ـ هل تستطيع قراءة هذه الكلمة؟ فكما نرى أنَّ هذه المحاولات تحول بيننا وبين قراءة قرآننا، وهذا ما يهدف إليه أعداء الإسلام، وهناك آخرون ينادون بإيجاد خطاب لغوي أنثوي، وآخر يريد التسامح في إدخال المصطلحات والألفاظ الأجنبية، وهناك من دعا إلى جعل العامية لغة الكتابة بدل الفصحى، وسمعتُ قبل أكثر من عامين في إحدى القنوات العربية نشرات الأخبار بالعامية، ولكنها تراجعت فيما بعد وقدَّمتها بالفصحى، وكما يبدو أنَّها وجدت احتجاجاً شديداً من الغيورين على لغة القرآن الكريم.
لقد فات هؤلاء جميعاً أنَّ اللغة العربية لغة توقيفية من عند الله، وأنَّها لغة القرآن الكريم، وأنَّه للحفاظ على قوة لغة أبناء العربية وسلامتها عليهم بحفظ القرآن الكريم مع تجويده، لتستقيم ألسنتهم، وتصحح مخارج الحروف لديهم، وفيهذا تنمية للقدرات اللغوية والفكرية، فمن خلال الدراسات التي قمتُ بها على الدارسات بهذه المدارس أثناء رئاستي للمدارس النسوية للجماعة الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم في المدينة المنورة التي أسهمتُ في تأسيسها، توصلتُ إلى أنَّ حفظ القرآن الكريم له أثره في تنمية القدرات اللغوية والفكرية، كما أنَّه يعالج العيوب الخِلقية في نطق بعض الحروف، فالقرآن الكريم خير مقوِّم لألسنتنا، كما هو خير مقوِّم لسلوكياتنا.