أدونيس بين الإباحية والإلحاد(8)
د. سهيلة زين العابدين حمّاد
مهاجمة أدونيس للمرأة في الإسلام
ممّا سبق اتضحت لنا نظرة أدونيس للمرأة وهي نظرة تخالف التصور الإسلامي، إذ لم يكتف بامتهان المرأة وابتذالها واعتبارها محطًا للجنس والشهوة، بل ادعى أنَّ هذه نظرة الإسلام، أيضًا مستندًا في ذلك على النصوص الإسرائيلية الأولى المحرفة، فنسب ما جاء فيها إلى الإسلام، كما نجده نسب إلى الإسلام نظرة المعتزلة والصوفية للإنسان، إذ نجده يقول: ” ورغم أنَّ الإسلام حرر المرأة من قيود كثيرة، اجتماعية وإنسانية، في الجاهلية، فإنّ ثمة تقليدًا إسلاميًا يجمع على أن الله عاقب المرأة بعشر خصال: بشدة النفاس، والحيض، والنجاسة في بطنها وفرجها، وجعل ميراث امرأتين ميراث رجل واحد، وشهادة امرأتين كشهادة رجل، وجعلها ناقصة العقل والدين لا تصلي أيام حيضها، ولا يسلم على النساء، وليس عليهن جمعة ولا جماعة، ولا يكون منهن نبي، ولا تسافر إلا بولي، وهذا عدا تفضيل الإسلام الرجل على المرأة، من حيث أنَّه ” قوّام عليها “. ثم يواصل هجومه وافتراءته على الإسلام فيدعي أنَّ الحب في الإسلام جنس يقول أدونيس:
” لم يغير الإسلام طبيعة النظرة إلى المرأة كما كانت في الجاهلية، أو طبيعة العلاقة بين الرجل والمرأة ، واكتفى بأنَّ نظم هذه العلاقة فوضع لها قانونًا وجعلها تتم وفقًأ لطقوس معينة. فالحب في الإسلام بقي، كما كان في الجاهلية حسيًا ــ أيروسياً، ولذلك من الأفضل الاقتصار على استخدام لفظة الجنس، دون الحب، فالحب في الإسلام جنس في الدرجة الأولى، ويمكن أن نوجز خصائص الحب كما تظهر في القرآن، بما يلي:
1ــ ( ليس في العلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة حب، بالمعنى الذي نقصده الآن بهذه الكلمة. والآية الوحيدة التي تشير إلى شيء من الحب هي التي وردت في سورة الروم آية 21 وهي القائلة: “(ومن آياته أن خلق لكم من أنفسِكم أزواجًا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودةً ورحمةً إنَّ في ذلك لآيات لقومٍ يتفكرون)
2- ( الإنسان مجزأ في الإسلام إلى جسد وروح وعقل. ومن هنا يصعب فهم وحدته وفهم الوحدة بعامة ).
3- ( الحب في القرآن نقيض الحب الأفلاطوني، لا حنين ولا بحث، لا وعد بالمستقبل، لا تطلع، لا هاجس علو ولا هاجس اتحاد ).
4- ( الحب في القرآن قرار أو علاقة يقررها الرجل، وعلى المرأة أن تخضع فليست الغاية الحب، بل التيه الجنسي. وهذا مما فصل الحب عن العمل واللغة. ثم يستطرد أدونيس مفسرًا نظرة الإسلام إلى المرأة والنفس الإنسانية بصورة خاطئة، فيقول:” الحب هنا مجرد حب طبيعي بيولوجي، المرأة فيه لا تعرف الرجل، وهي لا تأمل بأن تصير الآخر أو تتخطاه.
والواقع ليس هنا امرأة بل نساء. النساء بالنسبة إلى العربي تجسيدات مختلفة للمرأة: عذراء – زوجة – أما. لا مجال للصديقة أو الغانية ( الزانية ). العربي المسلم لا تهمه المرأة، بل تهمه النساء ، وهو لا يهمه أن يحبهن، بل يهمه أن يمتلكهن ” ثم يستطرد قائلًا “:
” يتضح من ذلك أنّ القرآن، في هذه المسألة، يسرى النفس كتلة من الغرائز والأهواء وهو يضع لها قانونًا يسمو بها ويصعدها. وهكذا أبقى عليها كما كانت في الجاهلية، لم يحاربها ولم يقتلها. وليس فيه حب، بل جنس. وصورة المرأة فيه هي صورة الزوجة. والزواج متعة جسدية، من جهة، وإنجاب، من جهة ثانية. ومن هنا تقترن صورة الزوجة بصورة الأم “].
ويستمر أدونيس في توجيه طعناته للإسلام ، فيقول:
” ومن هذه الناحية ينسجم الحب القرآني مع الحب اليوناني الوثني الذي كان يرى في عهوده المتأخرة، خصوصًا، إنّ تعاليم القديس بولس نوع من الجنون، والأحاديث النبوية ترى في الرهبنة كذلك نوعًا من الجنون. ولهذا يمكن أن نصف الحب القرآني بأنّه امتلاك جسدي من أجل القضاء على الشهوة التي هي رمز الشيطان، فالمهم هو إشباع الشهوة، وتسهيل هذا الإشباع. هذه النظرة إلى المرأة، إلى العلاقة معها، تجعلها وسيلة وآلة. والواقع أنَّ الرجل المسلم حين كان يتزوج امرأة ثانية، لم يكن يشعر، أنّه تخلى عن زوجته الأولى، ذلك أنّه كان يراها وسيلة، وكان ينظر إليها كشيء ممّا يملكه. فصورة العلاقة بين الرجل والمرأة في القرآن هي علاقة زواج، أي علاقة ارتباط تعاقدي، ديني، وليست علاقة حب يرى أنّ الزوجين شخص واحد، وأنّ الرجل حين يتخلى عن زوجته يتخلى عن جزء من كيانه “.
وهكذا نجد أنَّ أدونيس قد افترى على الإسلام باسم الإسلام؛ إذ قرر أمورًأ وفق هواه ونسبها إلى الإسلام، ونحن لو قرأنا الصفحات التي قبل هذه الافتراءات نجده تحدث عن أراء الصوفية والمعتزلة ثم نسب آراءهم إلى الإسلام وقرر أنَّ هذه هي نظرة الإسلام. كما نجده نسب النصوص الإسرائيلية الأولى حول الخطيئة الأزلية إلى الإسلام.
هذا ولقد أوضحت في الجزء الأول من هذه السلسلة ” فكر توفيق الحكيم تحت مجهر التصور الإسلامي، نظرة الإسلام إلى الإنسان، كما أوضحت في الجزء الثاني من ذات السلسلة ” إحسان عبد القدوس بين العلمانية والفرويدية ” عن نظرة الإسلام للإنسان وللمرأة وللعواطف الإنسانية.
؛لذا سألخص نظرة الإسلام إلى المرأة في الحلقة القادمة.
للحديث صلة.
البريد الالكتروني : Suhaila_hammad@hotmail.com