أدب ونقدمقالات اخرى

من سلسلة الفكر العربي تحت مجهر التصور الإسلامي

By 3 أسابيع مضىNo Comments

                               أدونيس بين الإلحاد والإباحية (7)

د. سهيلة زين العابدين حمّاد

المرأة والخمر في شعر أدونيس

  لا تختلف نظرة أدونيس إلى المرأة عن نظرة النصيرية إليها فهي منبثقة منها، والمرأة في النصيرية، نوع من أنواع المسخ الذي يصيب غير المؤمن فهي كالحيوان لأنّها مجردة عن وجود النفس الناطقة لذلك فهم يعتقدون أنّ نفوس النساء تموت بموت أجسادهن لعدم وجود أرواح خاصة بهن ، لهذا السبب فهم يستبيحون الزنا بنساء بعضهم بعضًا لأنّ المرأة في عقيدتهم لا يكمل إيمانها إلا بإباحة نفسها لمن يدين بالنصيرية، وهذا يفسر لنا ظاهرة كون المرأة جزءًا من الضيافة المقدمة عند الدخول في أسرار العقيدة النصيرية، وكذلك الاباحية المطلقة التي تظهر خلال أعيادهم الكثيرة كالنوروز والميلاد وغيرهما حيث تدار كؤوس الخمرة ويختلط الحابل بالنابل من نساء ورجال كما عند القرامطة ( الود والإلف ) وهذه العقائد لم تأت من فراغ وقد دعا إليها ( محمد بن نصير مؤسس النصيرية ) إذ دعا إلى أباحه المحارم والنساء واللواط.

   هذا وعند قراءتنا لشعر أدونيس نجد أنَّ نظرته للمرأة لا تخرج عن كونها خلقت للذة والمتعة ؛ لذا جاء شعره يقطر جنسًا وإباحية، وهذا سبب تمجيده لدعاة الإباحية أمثال الشلمغاني، وحمدان القرمطي وبودلير ولينين وغيرهم.

   أمَّا الخمر فقد مجده أدونيس وعظمه لأنّه في نظر النصيريين مقدسة أيمّا تقديس؛  لأنَّها تقدم بسر النقباء والنخباء خلال دخول الجاهل في أسرار عقيدتهم ، لذلك يطلقون عليها اسم عبد النور باعتبار أنّ الخمر خلق من شجرة النور هي ( العنب ) وتسمية بعض صلواتهم بالقداس إنّما يعود إلى تقديسهم للخمر لأنّ القداس في اعتقادهم هو تقديس الشراب وشربة بسر النقباء والنخباء،  ولأدونيس قصيدة اسمها ” قداس بلا قصد “، وهذا يؤكد أنّ  أدونيس سخر شعره هما جزءا من الضيافة للدخول في أسرار العقيدة النصيرية ،وهذا يفسر لنا سبب تركيز أدونيس على أبي نواس وتمجيده لخمرياته التي عرف بها ولنبدأ بــ:

المرأة في شعر أدونيس

   لقد امتهن أدونيس المرأة أيما امتهان وجعلها محطًا للجنس والشهوة ،  وجعل من أعضاء جسدها مفردات للغته الشعرية فشعر أدونيس جميعه لا يخلو من هذه العبارات: ” النهود والأثداء والأفخاذ ” وهذه أمثال لبعض شعره:

ما جاء في قصيدة ” قبر من أجل نيويورك “، قوله:

               ” نيويورك، أيتها المرأة الجالسة في قوس الريح، شكلّا أبعد من الذرة، نقطة

                 تهرول في فضاء الأرقام فخذًا في السماء فخذًا في الماء “

وقوله في ” هذا هو اسمي “

                            ” عندي لثدييك هالات ولوع “

وقوله في القصيدة ذاتها :

                            ” سنقول الحقيقة: هدي بلاد رفعت فخذها راية “

وقوله في ” وطني في لاجي “

                           ” أيامي نار أنني دم تحت نهديها صليل والإبط آبار دمع “

ثم يقول في القصيدة ذاتها:

                            ” ونهداك سوادي وكل ليل بياضي “

ويقول في القصيدة نفسها:

   ” هذيت كي أحسن الموت اصطفيت النهدين بين تقاليدي هل جلدك السقوط هل

                              الفخذان جرح ملأته “

ويقول أيضًا في القصيدة السابقة:

                            ” هذه قبة وسكناي في فوهة النهد “

ويقول:

                            ” ذبت في جنسي جنسي بلا حدود “

ويقول في ” قبر من اجل نيويورك “:

                            ” حتى الآن ترسم الأرض اجاصة اعني ثديا “

ويقول في قصيدة ” البهلول “

                            يتقرى جسد الشهوة

                            شفة الأرض التي تجذبه

                            وعلى سرتها قفطان ليل

ويقول في ديوان ” مغرد بصيغة الجمع “:

                            ” هكذا يستقبلك أيتها الأرض امرأة ويفجج بين فخذيك “

وقوله:

                            ” تنام بين نهدين وردة ذبلت، ووردة تكاد أن تذبل “

ثم قوله في القصيدة نفسها:

                            ” تقدمي أيتها الأفخاذ النحيلة وأنت أيتها السواعد المتفتتة “

ويقول في قصيدته عن القرمطي ” نمحو تاريخنا “

                            ” ندخل في بخور الأثداء نضطجع في ظلال أهدابهن “

ثم يقول:

                            ” امزجن الغزلة بالأسد العرين بالنهد “

ثم نجد في هذه القصيدة إشارات واضحة للإباحية التي ينادي بها القرامطة فيقول أدونيس:

                 ” اعصرن يا نساء السواد شفاءكن ولنهمر أعنبا وحنطة وتمرا، املأن القرى

بمزق التيجان والعروش “

انكسرن مرايا مرايا وادخلن في النثار وليكن ذلك احتفاء بزواج آخر

نقبن الآفاق باطا فركن ولتكن صدوركن حلبات

ولتكن حناجركن مزامير للمعسكرات ودنانا للعطشى وفي الليل

حين يطرح التعب مهاميزه

قلن لأجسادكن أن تنتج على أجسادنا دراريع ديباج وغلائل حرير

ليزدهر أيضًا وأيضًا خشخاش الشهوة

لتتوهج أيضًا وأيضًا قوس الموت

نعقد حلقًا مع الصعاليك

ننشىء سلطة الرغبات

 ولهذا كانت لغة الجنس هي لغة أدونيس وشعره يدور في فلكين الإلحاد والجنس فنجده يقول :

في ” قداس بلا قصد ” وهي قصيدة تطفح سكرًا وجنسًا

بعضنا ذبيحة بعضنا، وكلانا قداس الآخر..

أهلني للاتصال بك

أعضائي طافحة سكرًا

وظني أنّك آخر أفق يحوشني

ظني أنّك آخر جسد أحوشه

لذلك يحضرني خوف منك

لكن,

خذيني إليك

يا بيت الفتنة، وبيت الرغبة، وبيت النشوة

ثم يقول:

                        أنّ طريق حياته واحد هو الجسد ولغته هي الحرية أي الإباحية فاجتماع الاثنين يؤدي إلى الإباحية:                                                                                

                        يقول أدونيس: ” حيث أعلم حياتي أن تكون طريقا واحداً: الجسد وأقول للفتى أن تكون كلمة واحدة:    

                       الحرية “

ولهذا كان كل شيء عند أدونيس هو جنس فيقول:

                       سلامًا أيها التاريخ الجنسي… وكان الليل ينسحب كشخشاش صوفي، ويدخل غاية الجوارح

ثم يقول:           لحظة شهوة، لحظة انخطاف

                      والزمن الشروب يسكر باسمك، أيتها المرأة المدنية،

ثم يقول:

                      ” وأنا الأفق الذين يتزين بشهواتك “

ويقول في موضع آخر من قداسه:

                      ” وأنت خابية الملذات،

ثم يقول:

                       ” زغب بنبيذي وأضيف كحولي إلى خمرك، واتجه معك نحو لجة تتشرب انحائي “

وفي نهاية القصيدة يدعو إلى الإباحية، فيقول:

من أين لكي أن تحتفي علي ؟

يقول الشاعر

أنت الشعاع وهو انعكاسك، أنت الجهات والسفر كله إليك

جسدك بستان أميري مثقل بالضرائب

ولقبة نعمة الجباية

وأنت خميرة الطرق إلى الوله وأطراف الأبهة وأنت الفتنة

من أين لك أن تحتفي علي، يقول الشاعر

من أين لنا أن نتفاخر ؟

هيهات، هيهات..

                      مسكون إليك،

                      واليك فوضتني الريح

هذه المقتطفات قداس بلا قصد توضح لنا بل تؤكد لنا أنّ أدونيس نصيري العقيدة وما هذا القداس إلّا توكيد لهذه الحقيقة فكما رأينا أنّه يقطر جنسًا وإباحية وسكرًا وهناك قصائد أخري تمثل الأدب المكشوف كقصيدة تعازيم. وإرواء أميرة الوحم وغيرهما كثير. وهكذا نجد أدونيس قد ابتذل المرأة ثم قال عنها أنّها قمامة فهو يقول في قصيدة ” قبر م أجل نيويورك “:

        ” المرأة قمامة، وقمامة زمن يتجه إلى الرماد “

وهنا يعبر عن المسخ في العقيدة النصيرية نوع من أنواع المسخ فهي كالحيوان عندهم.

هذا، وفي الوقت الذي امتهن المرأة وابتذلها نجده يمجد الخطيئة ويقدسها فيقول في القصيدة ” الثائر “:

            ” في بلادي تشرق الشمس المضيئة كالخطيئة “

ويقول في قصيدة ” فصل الدمع “:

                      عفوك يا دمشق

                              أيتها الخاطئة القديسة الخطايا…

ويقول في قصيدة ذاتها:

                     ” أيتها الغواية المضيئة يا بلدا كان اسمه دمشق…”

ويقول في قصيدة ” أوراق في الريح “:

                      حتى الخطيئة تتلبس الصور المضيئة

ويقول:

                     ” حدسي مطلق بكر، وتجربتي بريئة”

ويقول:

                    ” ونسيت قلوبنا اللذائذ الخطايا آملة بوعدك الكريم “

            وكما مجد الخطيئة نجده مجد دعاتها أمثال: أبي نواس وبودلير ولينين.

                                      أدونيس وأبو نواس

يقول أدونيس عن أبي نواس في كتابه ” مقدمة للشعر العربي “

             ” أبو نواس شاعر الخطيئة لأنّه شاعر الحرية، فحيث تنغلق أبواب الحرية تصبح الخطيئة مقدسة بل أنّ النواسي يأنف أن يقنع إلا بالحرام ولذيذة ، وإذ تمنحه الخطيئة الراحة يغالي في تمجيدها، فلا يعود يرضي بالخطيئات العادية، وإنّما يطلب الخطيئات الرائعة التي يستطيع أن يتباهى بها ويتيه على الخطيئات الأخرى. فالخطيئة بالنسبة إليه في أطار الحياة التي كان يحياها، ضرورة كيانيه، لأنَّها رمز الحرية؛ رمز التمرد والخلاص “

ثم يقول:

        ” هكذا يؤكد أبي نواس فصل الشعر عن الأخلاق والدين رافضا حلول عصره، معلنا أخلاقًا جديدة هي أخلاق الفعل الحر والنظر الحر: أخلاق الخطيئة. فالنواسية استقلال يثير ويحرك، وقوف على حده، يغري ويشجع، مقابل المجتمع وأخلاقه، ضمن المجتمع وخارجه في آن. والإنسان النواسي هو الإنسان العائش مع ذاته، المتخذ من العالم كله مجالا لتوكيد ذاته، الساخر من القيم العامة النهائية، ومن القائلين بها والقيمين عليها أنّه الإنسان الذي لا يواجه الله بدين الجماعة، وإنّما يواجهه بدينه هو، ببراءته هو، وخطيئته هو، ولعله من هذه الناحية أكمل نموذج للحداثة في موروثنا الشعري “.

ويصف أدونيس الشعر الماجن لأبي نواس بأنّه:

      ” مصابيح تضئ الزمن، الزمن حاضرا، الحاضر هو، وحدة، الغني، الملئ، اليقيني، فيه يمتلك الإنسان نفسه ويسيطر، لأّنه يريد ويختار ما يريده ويختاره يعوض عن السقوط في المستقبل لذلك لا يخاف العقاب، بل يقبل ما يؤدي فعله إلى العقاب “.

                     من هنا كان أبي نواس في نظر أدونيس بودلير العرب. 

للحديث صلة .

البريد الالكتروني : Suhaila_hammad@hotmail.com

Leave a Reply