أدونيس بين الإباحية والإلحاد(9)
د. سهيلة زين العابدين حمّاد
التصور الإسلامي للمرأة في الميزان
يتهم الإسلام بأنَّه يلغي دور المرأة في المشاركة الحياتية ويحرمها من حقوق كثيرة ،ويفرض عليها قيودًا أكبر.
هذا اتهام باطل يدحضه نظرة الإسلام إلى المرأة ، وما منحها من حقوق، والمكانة التي بلغتها في الإسلام، وقراءة منا إلى تاريخ المرأة قبل الإسلام ، وفي القوانين الوضعية نجد أنَّ المرأة :
1-قد ألحقت بها تهمة الخطيئة الأزلية .
2-نفيت إنسانيتها، واعتبرتها مخلوقًا نجسًا .
3-حرمت من الأهلية الحقوقية والمالية .
4-اعتبرت أنَّها أَمَةٌ للرجل خلقت لخدمته.
5-دفنت عند العرب رضيعة ، وعند الآشوريين والمصريين والهنود بعد وفاة الزوج ، أو حرقها مع الزوج المتوفى عند الطوائف المجوسية،ودفنها حية بمجرد الشبهة والشك في طهارتها.
6-أنَّ الرجل هو الذي يمن على بما يهبها من حقوق ، وما يسلبه منها ، فهو المشرع وواضع القوانين. ويفاضل بين النساء فوضع النساء في طبقات الحكام والأغنياء أفضل لدى المصريين القدماء وعرب الجاهلية من النساء الفقيرات.
ومن منطلق هذه النظرة صيغت الفلسفات والنظريات الحديثة ، والقوانين الوضعية ؛ إذ دعت إلى الإباحية والشيوعية الجنسية ، فما دامت المرأة ابنة الخطيئة ، فلتلوث بالخطيئة ، وما دامت المرأة الزوجة لا أهلية لها ، وتعامل أمام القانون كالطفل والمجنون ، إذًا فلتتحرر من هذا الزواج ، ولتشبع غريزتها بدونه ، وهذه النظرة استغلها فردريك انجلز في دعوته إلى إبطال الزواج ؛ إذ ضمن أنَّ المرأة سوف ستنساق وراء هذه الدعوة لتتحرر من عبودية الزوج الذي سيسلبها جنسيتها ، واسم عائلتها وأهليتها المالية .
هذا باختصار شديد وضع المرأة قبل الإسلام ، وجاء الإسلام وساوى بين النساء جميعًا ، مقرًا إنسانية المرأة مثلها مثل الرجل فهي خليفته في الأرض مثل الرجل ، وبالتالي فلها ماله ، وعليها ما عليه، وإن اختلفا في المهام فيرجع هذا لخضوعهما لقانون الزوجية الذي يسير عليه الكون الذي به تتم عمارته ، والإسلام هو الدين الوحيد الذي أقر بإنسانية المرأة ، وأزال عنها تهمة الخطيئة الأزلية ، ومنحها أهلية حقوقية مالية كاملة مثلها مثل الرجل تمامًا وساوى بينها وبين الرجل في الثواب والعقاب ، وفي القصاص والحدود والعقوبات التي أسقطها عن القاصر والمجنون والمعتوه ، وقد فرض عليها العلم كما فرضه على الرجل ، ومنحها حق إبداء الرأي ،وحق اختيار الزوج، ومنحها حقوقًا سياسة لم تنلها امرأة في العالم كحق البيعة ، وحق الهجرة ،وحق إعطاء اللجوء السياسي”إجارة المحارب”،وحق الشورى فالخطاب القرآني (وشاورهم في الأمر ) جاء بصيغة العموم ،فالشورى ليست وقفًا على الرجل ،بدليل أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم أخذ برأي أم المؤمنين أم سلمى رضي الله عنها في أمر الصحابة رضوان الله عليهم الذين عزَّ عليهم أن يحلوا الإحرام دون أن يؤدوا مناسك العمرة التي خرجوا من أجلها ، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم قد طلب منهم حل الإحرام ، فحزن الرسول عليه الصلاة والسلام لعدم استجابته لطلبه ،وعرض الأمر على أم المؤمنين أم سلمى رضي الله عنها فأشارت عليه أن يبدأ هو بنفسه فيحل إحرامه ، وأنّ الصحابة عندما يرونه يفعل ذلك سيفعلون مثله ، وكان ما قالته، كما نجد سيدنا عمر بن الخطاب أخذ برأي المرأة القرشية التي حاجته في أمر تحديد المهور، وقال قولته الشهيرة “أصابت امرأة وأخطأ عمر”،(والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ) هذا ما قاله جل شأنه وقرره ، كما منح الإسلام المرأة حق رواية الحديث ، وهو المصدر الثاني من مصادر التشريع ، كما منحها حق الفتوى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويرى الإمامان الطبري وابن حزم أنّه مادام للمرأة حق الفتوى فلها حق القضاء ، واستدل ابن حزم بتولي الشفاء من بني عدي الحسبة في عهد عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه، والحسبة اعتبرها الفقهاء من أنواع القضاء ، كما منح الإسلام المرأة حق الذهاب إلى ميادين القتال ، والمشاركة في تمريض الجرحى ، وإعداد طعام الجند ، والمشاركة في القتال إن استدعت الضرورة إلى ذلك ، ولها حق في الغنائم.
هذه بعض حقوق المرأة في الإسلام ، التي بموجبها كان للمرأة دور كبير وفعَّال في المشاركة في الحياة العامة ، وبناء الحضارة الإسلامية ، فكانت السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها أول من آمن بالإسلام ، كما تحملت المرأة العذاب في سبيل الحفاظ على عقيدتها والتمسك بها حتى الموت ، فكانت السيدة سمية رضي الله عنها أول شهيدة في الإسلام ،وتحّملت الحصار الذي فرضه كفار قريش على الرسول صلى الله عليه وسلم ، وعلى بني هاشم في شعب أبي طالب مدة ثلاث سنوات، وهاجرت إلى الحبشة ، وإلى المدينة ، وعرَّضت أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما حياتها للخطر عندما كانت تحمل الطعام إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبي بكر رضي الله عنه ، وهما في غار حراء في طريقهما إلى المدينة، وبايعت المرأة الرسول صلى الله عليه في العقبة الثانية ، وفي المدينة ،وجعل الله بيعتها مستقلة عن بيعة الرجل ،كما شاركت في القتال ،فقد روى مسلم عن أم عطية الأنصارية قالت: (غزوتُ مع رسول الله صلى الله ليه وسلم سبع غزوات ، أخلفَهم في رحالهم ،فأصنع لهم الطعام ، وأداوي الجرحى ، وأقوم على المرضى)وبعض الصحابيات كن يشاركن في القتال عندما تضطرهن ظروف المعركة ، ومنهن نسيبة بنت كعب رضي الله عنها “أم عمَّارة” أول ممرضة في الإسلام التي دافعت عن النبي صلى الله عليه وسلم في موقعة أحد عندما انصرف أكثر الرجال إلى الغنائم بعد هزيمة المشركين ، ولم يتنبهوا إلى الخدعة ، وقد فقدت إحدى يديها في حروب الردة فقال عنها سيدنا أبو بكر رضي الله عنه قد سبقتها يدها إلى الجنة ، والأمثلة كثيرة لا حصر لها عن شجاعة ومشاركات الصحابيات الجليلات رضوان الله عليهن في القتال ،كما بلغت المرأة المسلمة مكانة علمية عالية ، لم تبلغها إلى الآن المرأة المسلمة ، وحسبنا علم السيدة عائشة رضي الله عنها التي كانت تفتي في زمني أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ، وكانت لها استدراكات على بعض الصحابة، كما كانت الشفاء من بني عدي تعلم النساء الكتابة ،وقد تولت الحسبة في عهد سيدنا عمر رضي الله عنهما ، كما كان للمرأة المسلمة دور في إثراء الحركة الأدبية فنظّمت الشعر ، ومارست النقد الأدبي ،ولعل الخنساء أبرز الشاعرات المسلمات ،والسيدة سكينة بنت الحسين أول ناقدة في الإسلام ، والمطلع على الجزء الذي خصّصه ابن حجر العسقلاني للصحابيات في كتابه “الإصابة في تمييز الصحابة “نجده ذكر أكثر من 1200صحابية كان لهن دور في الحياة العامة ، ولو قرأنا كتب أعلام النساء لوجدنا الألوف من النساء اللواتي شاركن بإيجابية في الحياة العامة ، ممّا يؤكد أنَّ الإسلام لم يحل دون مشاركة المرأة في الحياة العامة ، بل بالعكس قد منحها حقوقًا من أجل المشاركة الإيجابية والفعالة في مجتمعها في مختلف المجالات ، وإن كانت المرأة الآن تحرم من المشاركة في جوانب كثيرة باسم الإسلام ، فهذا يرجع إلى تفسير البعض النصوص القرآنية والحديثية وفق اجتهادات خاطئة لا تمثل نظرة الإسلام وتشريعاته على حقيقتها.
وبعد هذه القراءة السريعة لفكر أدونيس من خلال شعره وكتاباته يتضح لنا مدى خطورة هذا الفكر على العقيدة والأخلاق والقيم، فهو إلى جانب عمله على نشر عقيدة الحلول والتناسخ نجده مجد الإباحية والإباحيين لفرق القرامطة والحلاجية والشلمغانية، وكذلك مجد أبي نواس وبودلير، بل نجده تمادى في تمجيد الخطيئة وتحقيره للمرأة وامتهانها ، ولم يكتف بهذا بل افترى على الإسلام ونسب إلى الإسلام ما ليس فيه.
والخلاصة التي نستخلصها من فكر أدونيس أن شعره ّيمثل عقيدة النصيرية العلوية ويدعو إلى معتقداتها ويروج لها.
هذا عن مضامين شعره أما عن أسلوبه الشعري فهو يفتقد إلى الجمال بل شعره مقزز ومفرداته تبعث اإلى لغثيان إلى النفس، والذي يدعو إلى الدهشة والاستغراب، اعتبار الحداثيين أدونيس رمزًا من رموز الفكر وتقليده والحذو حذوه واعتباره شاعر عظيم ، وهذا ما دعاني لعمل هذه الدراسة عن فكر أدونيس من خلال شعره.
مصادر ومراجع الدراسة
- المجموعة الكاملة لأدونيس، المجلدان الأول والثاني، دار العودة بيروت ط4 سنة 1985م.
- مقدمة الشعر العربي، أدونيس، دار العودة – بيروت.
- القاموس الإسلامي، أحمد عطية الله جــ 4ط1، مكتبة النهضة المصرية – القاهرة.
- النصيرية دراسة تحليلية، تقي شرف الدين، بيروت – لبنان، طبعة سنة 1983 م.
- تاريخ الطبري، أبو جعفر الطبري تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم ، دار المعارف – مصر.
- الحركات الباطنية في العالم الإسلامي تأليف الدكتور محمد أحمد الخطيب، مكتبة الأقصى، عمان – الأردن ط سنة 1406هــ – 1989م.
- كشف أسرار الباطنية وإخبار القرامطة لمحمد بن مالك بن أبي الفضائل الحمادي اليماني، تحقيق محمد زينهم محمد عزب، ط 1 سنة 1406 هــ – 1989م – دار الصحوة.
- تاريخ التصوف الإسلامي، د. عبد الرحمن بدوي، ط 2 سنة 1978م، وكالة المطبوعات الكويت.
- جذور الفتنة في فرق الإسلامية – اللواء حسن صادق، طبعة بدون رقم وتاريخ – مكتبة مدبولي – القاهرة.
10- كتاب التعريفات، علي بن محمد شريف الجرجاني – طبعة بدون رقم، سنة 1985م- مكتبة لبنان.
البريد الالكتروني: suhaila_hammad@hotmail.com