أدب ونقد

  من سلسلة الفكر العربي تحت مجهر التصور الإسلامي

By 3 أسابيع مضىNo Comments

أدونيس بين الإباحية والإلحاد (6)

د. سهيلة زين العابدين حمّاد

أدونيس والتصوف

هذه العقيدة التي تقوم على الإلحاد وجدت قبولًا وتوافقًا لدى أدونيس لأنّها لا تختلف عن عقيدته؛ لذا نجده قد تحدث عن التصوف في كتابه” مقدمة للشعر العربي” بما يؤكد هذه الحقيقة،  فقال:

” نستطيع أن نرى كثيرًا من القيم الحضارية العربية مستمرة في الحركة الشعرية العربية الجديدة ، لكن هذه القيم لا تنبع من النصوص الشعرية، بالمعني التقليدي القديم، بقدر ما تنبع من النصوص التصوف، فالتصوف حدس شعري ومعظم نصوصه نصوص شعرية صافية. ولهذا فإنَّ القيم التي يضيفها الشعر العربي الجديد أو يحاول أن يضيفها، إنّما يستمدها من التراث الصوفي العربي، في الدرجة الأولى. ومن الممكن أن نوجزها فيما يلي:

  1. تجاوز الواقع أو ما يمكن أن نسميه اللاعقلانية

 اللاعقلانية في التصوف تعني الثورة على قوانين المعرفة العقلية وعلى المنطق، وعل الشريعة من حيث هي أحكام تقليدية تعني بالظاهر وعلى الفلسفة، بالمعني التقليدي أو الارسطوطالبي. هذه الثورة تعني بالمقابل التوكيد على الباطن أي على الحقيقة ( مقابل الشريعة ).وتعني الخلاص من المقدم والمحرم وإباحة كل شيء للحرية.

( الله في التصور الإسلامي التقليدي نقطة ثابتة، متعالية، منفصلة عن الإنسان، التصوف ذوّب ثبات الألوهة جعله حركة في النفس، في أغوارها. أزال الحاجز بينه وبين الإنسان وبهذا المعني قتله ( أي الله) وأعطى للإنسان طاقاته. المتصوف يحيا في سكر يسكر بدوره العالم. وهذا السكر نابع من قدرته الكامنة على أن يكون، هو والله، واحدًا صارت المعجزة تتحرك بين يديه ).

2- الحدس الصوفي ( الشعري ) طريقة حياة وطريقة معرفة في آن

بهذا الحدس نتصل بالحقائق الجوهرية، وبه نشعر أننا أحرار قادرين بلا نهاية. إنّه يرفع الإنسان إلى ما فوق الإنسان ونشعر بالارتفاع إلى ما فوق الإنسان،  إّننا نتخطى الزمن وقيوده، إنّنا حركة خالصة.)

3- الحريةصحيح أنّ شعر الجاهلي شعر حرية. لكن التصوف أعطي للحرية بعدًا جديدًا، أي معنى جديدًا، أغنى وأعمق، إنّها في الجاهلية فروسية ومغمرة وهي في التصوف تصاعد مستمر نحو لا نهاية المطلق. تعرفها ” الرسالة القشيرية “، بما يلي:” الحرية ( هي ) ألا يكون العبد ( الإنسان ) تحت رق المخلوقات ولا يجري عليه سلطان المكونات.. إنّها بهذا المعني، أكثر أهمية من التراث: تلك هي الثورة التي أدخلها التصوف إلى معنى الحرية في التراث العربي. وإذا كانت الحرية أهم من التراث فإنّ الإنسان بالتالي أهم من المذهب.)

4 – التخييل

وهو يعني شيئًا أشمل وأعمق من الخيال فالتتخييل هو رؤية الغيب. ومعني التخييل نجده عند معظم الصوفيين، ونجده كذلك عند ابن سينا في كلامه على الإشراق.

5-اللانهائية

ليس هناك في الحدس الصوفي محدودية أو حواجز. فالكون حركة لا نهائية. الغيب نفسه ليس نقطة تصل إليها، وإّنما هو عالم يتحرك بلا نهاية، ويتجلى وينكشف بلا نهاية. وكلما ظننا أنّنا عرفناه أو نعرفه، نزداد جهلًا به وشوقًا إليه في آن.)

6 – معنى الحياة والموت

وفي الحدس الصوفي تفيد معني الحياة والموت كما كان سائدًا في السلفية الإسلامية التقليدية. لم يعد الموت نهاية، وإنّما صارت أن يعرف. الحياة اكتشاف ومعرفة. والمعرفة لا تتم إلا بالموت ” أي بالاتحاد مع المطلق، بالعودة إلى الأصل “، فالموت إذن هو الحياة الحقيقية. هكذا يتراءى معنى جديد للبطولة والفروسية كما نعرفها في الشعر الجاهلي: الإنسان كائن للموت، بل أنّ جوهرة هو الموت: لذلك يغامر، ويحيا بطلًا. ويمكن أن نضيف فنقول أخذت تعني، في ضوء ذلك الثورة والتغير.)

طرح التصوف فكرة الإنسان الكامل

 ( ربما أمكن أن نقابلها بفكرة الإنسان الكلي في الماركسية – الشيوعية )، ويمكن أن يشار في هذه المقارنة أنّ تصور الحضارة والإنسان والكون في الحدس الصوفي أصلًا، لكن الذي يفعل الآن فعله الكبير، متأثرًا بالماركسية في الشعر العربي الجديد ).

وهكذا يتضح لنا أنّ القيم في نظر أدونيس هي:

  1. الثورة على الشريعة والخلاص من المقدس والمسموم وإباحة كل شيء للحرية.
  2. الحلولية وتذويب الذات الإلهية في الإنسان فجعل الله والإنسان واحدا أي وحدة الوجود.
  3. الحرية في التمرد على الذات الإلهية والتحرر من سلطان المكونات.
  4. رؤية الغيب المتمثلة في التخييل.
  5. تأثر الشعر العربي الحديث بالماركسية ومن حيث تبنيه فكرة الإنسان الكلي والتي تقابلها في التصوف فكرة الإنسان الكامل.
  6. معنى  الحياة والموت المغاير للمنظور الإسلامي لهما واعتبار أنّ الحياة هي الحياة الدنيا والقول بعبثية الخلق.
  7. البطولة في النظرة – ونظر المتصوفين – في الثورة على الشريعة والتمرد على الذات الإلهية وتغيير المفاهيم في القيم وجعل القيم في الإلحاد والإباحية.

وهذا هو قوام العقيدة النصيرية ولهذا كانت المذاهب الصوفية، المتمثلة في الحلاج وابن عربي والسهرودي وغيرهم تمثل العقيدة النصيرية، ومن هنا كان اهتمام أدونيس بالصوفية وتسليط الأضواء عليها وجعل دعوته للشعر الجديد ( الحداثة ) تقوم على الصوفية.

الحلاج والشاعر صلاح عبد الصبور

ومن الشعراء المحدثين الذين أثاروا قضية الحلاج الشاعر صلاح عبد الصبور، إذ نظر إلى قصة الحلاج أنّها مأساة وأزمة مثقف في عصره فاسمي مسرحيته ” مأساة الحلاج ” ولم ينكر عليه قوله بالحلولية وادعاؤه أنَّ الله حل فيه ( تعالى الله عما يصفون )، وعبر عن الحلولية على لسان الحلاج بقوله: تأمل إن عشقت الست تبغي أن تكون شبية محبوبك ؟ فهذا حبنا، أليس الله فوق الكون. فكان نورًا كمثل الله ليستجلي على مرآتنا حسنه. ثم يرد على أحد مريديه عندما قال له: أخشى أن يدركك كيد الظالم قائلًا: ما يرضاه الرحمن لمخلوق في صورته ذي روح متصف بصفاته.

وقد اعتبر يوسف الخال ( مسيحي الديانة) أنّ صلاح عبد الصبور بمسرحيته ” مأساة الحلاج ” قد أدخل جماعة

 الشعراء التموزيين ، ولو لم يكن قد تكلم عن تموز مباشرة  ، فقال: ” لقد أراد – يقصد عبد الصبور – أن يخلق مسيحًا في التراث الإسلامي على الطريقة التي لدينا نحن المسيحيين، كان الحلاج عنده مسيح الإسلام في الأمير، إذ لم تأت وجهًا لوجه مع المسيح في الصلب والقيامة بمختلف وجوهها، فماذا لديك لتقول ؟  إنّ الله لا نعرفه نحن عندما قال الحلاج: ما في الجبة إلا الله فعلى الطريقة نفسها التي قال بها المسيح – وفق ما جاء في أناجيلهم المحرفة – أنا في الأب والأب في، فالمسيح والحلاج قال: أنّ الله يمشي على الأرض، إنّه إنسان، أنسنة الله، ثم يقول: ( من هنا أدخل عبد الصبور في الجماعة الشعراء التموزيين، ولو لم يكن قد تكلم عن تموز مباشرة ).

ولم يكتف صلاح عبد الصبور بالتركيز على الحلاج فقد تجرأ على الذات الإلهية ،  وزعم أنّ الله خلق الخلق ونام وذلك في قصيده القديس؛ إذ قال ” وأنّ الله قد خلق الأنام، ونام ، وأنّ الله في مفتاح باب البيت “، وهذا يطابق ما جاء في إصحاح زكريا في التوراة الوارد فيه هذا النص ( اسكتوا يا كل البشر قدام الرب لأنّه قد استيقظ من مسكن قدسه ).

وصلاح عبد الصبور لم يجعل الله في مفتاح باب البيت (تعالى الله عما يصفون) فقط ، بل جعل له إلهًا صغيرًا يلهو معه فقال في قصيده الإله الصغير:

ورقصنا وإلهي للضحى، خدا..لخد

ثم نمنا وإلهي بين أمواج وورد

وإلهي كان طفلًا وأنا طفلً عبدته

هذا بعض ما قاله صلاح عبد الصبور، وهو لا يختلف عما جاء في شعر أدونيس ، وهذا يؤكد أنّ عقيدة النصيرية تسربت إلى الشعر العربي الحديث بوساطة أودنيس، وأصبح لدينا شعراء نصيري العقيدة – دون أن يشعروا – بفعل تأثرهم بالتيار الحداثي ، وتبني الصوفية الممثلة لعقيدة الفرق الباطنية التي منها النصيرية كرافد من روافد الشعر العربي الحديث الذي دعا إليه أدونيس وعد من رواده وأطلق عليه اسم ” الشاعر الكبير والشاعر العظيم “هذا الشاعر الذي جعل من الإلحاد والإباحية عقيدته ومجد دعاتهما أمثال القرامطة وأبي نواس. 

للحديث صلة.

البريد الالكتروني : Suhaila_hammad@hotmail.com  

Leave a Reply