أدب ونقد

من سلسلة الفكر العربي تحت مجهر التصور الإسلامي

By 3 أسابيع مضىNo Comments

أدونيس بين الإباحية والإلحاد(5)

د. سهيلة زين العابدين حمّاد

أدونيس والقرامطة

عند قراءتنا لشعر أدونيس نجده شعرًا جنسيًا إباحيًا يمجد فيه الخطيئة ويستحسنها، لغته الشعرية لغة الجنس؛ إذ جعل من أعضاء جسد المرأة مفردات للغته الشعرية ويرجع هذا إلى عقيدته النصيرية التي تقوم على إسقاط التكاليف الدينية وإباحة المحرمات، لذا نجده ممجدًا أقطاب الإباحية ” القرامطة ” وبودلير ولينين وأبي نواس.

فمن هم القرامطة وما هي صلتهم بالنصيرية ؟ وماذا قال عنهم أدونيس؟

القرامطة

القرامطة، فرع من فروع الإسماعيلية، ينتسبون إلى شخص يقال له ( حمدان بن الأشعث ) لقب بقرمط، لقصر كان فيه؛ إذ كان قصير القامة، ورجلاه قصيرتان بشكل يلفت الانتباه، فكان خطوه قصيرًا. وترجع أصول هذا الدعوة إلى ظهور عبد الله بن ميمون القداح سنة 76 هــ وكلن يعتنق اليهودية ويظهر الإسلام وهو من اليهود من ولد الشلعلع من مدينة بالشام يقال لها ” سلمية ” وكان من أحبار اليهود،  وأهل الفلسفة الذين عرفوا جميع المذاهب وكان صائنا يخدم إسماعيل بن جعفر الصادق بن محمد بن باقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وكان حريصًا على هدم الإسلام لعداوة اليهود للإسلام وبني الإسلام، وكان قد خرج في أيام ” قرمط البقار ” وكان اسمه أو لقبه لأنّه كان يقر مط في سيره إذا مشى، ولذلك أصل ومذهب ابن ميمون إلى قرمط لأنّهما اجتمعا وعملا ناموسًا يدعوان إليه، فالقرامطة لا ينتسبون إلى إسماعيل بن جعفر الصادق كما يدعون وإنّما ينتسبون إلى اليهودي ابن ميمون القداح والدليل على إنّهم من اليهود استعمالهم اليهود في الوزارة والرئاسة وتفويضهم إليهم.

عقيدتهم في الالوهية والتوحيد:

     الحركة القرمطية في حقيقتها تعبير حي وفعلي للعقائد الإسماعيلية، ولهذا فقد أخذت هذه الحركة على عاتقها تنفيذ كل الأحلام التي كانت تحلم بها الإسماعيلية، وهي إيجاد مجتمع يعتبر الدين خرافة والثواب والعقاب والمعاد أمورًا لا تصدق، ويرى في اللذة والإباحية الملجأ الوحيد له. فالخالق عند الإسماعيلية ومنهم القرامطة يجب أن يتجسد في صورة بشرية حتى يمكن للبشر أن يؤدوا عبادتهم إلى تلك الصورة ، أمّا الحجاب فيعبدون بذلك إلها يعرفونه، فهم يعتقدون أنّ العقل قد فاض وظهر عند النفس الكلية أو التالي، وبواسطة العقل والنفس وجدت جميع المخلوقات والمبدعات، ولكن بما أنّ العقل هو أول فيض ظهر عن الله فهو إذن اصل الإيجاد وإليه المبدأ والمعاد ولذلك سمي بالسابق. وعلى هذا فالإله الخالق عند القرامطة، قد يطلق على العقل، وقد يطلق على النفس، لأنّهما – حسب مزاعمهم – سبب إيجاد العالم، لذا يمكننا القول بأنّهم يعتقدون بأمرين يخرجهما من الإسلام، وهما اعتقادهما باحتجاب الله في صورة البشر، والثاني قولهم بوجود إلهين اثنين، وهذا يعني إنكارهم وحدانية الله واعتقادهم بأنّ الله شريك في الخلق ( تعالى الله عما يوصفون ).

عقيدتهم في الوحي والنبوة والرسالة

    النبي في عقيدة القرامطة هو: شخص فاضت عليه من السابق بقوة التالي قوة قدسية صافية، وأنّ جبريل عبارة عن عقل، الفائض عليه. لا إنّه ملك، وأنّ القرآن هو تعبير محمد – صلى الله عليه وسلم – عن المعارف التي فاضت عليه من العقل فسمي كلام الله مجازًا لأنّه مركب من جهته وعلى هذا فهم ينكرون أن يكون الوحي من الله إلى الأنبياء عن طريق جبريل. وإنّما يرون جبريل تعني عملية الفيض التي تفيض من العقل على النبي باعتبار أنّ النبي أو الإمام هو مثل العقل في العالم السفلي “.

” والقرامطة مثلهم مثل الإسماعيلية يعتقدون بالتناسخ لإنكارهم القيامة ويزعمون: أنّ هذا النظام وتعاقب الليل والنهار وتولد الحيوانات لا ينقضي أبدًا، أولوا القيامة بأنّها رمز إلى خروج الإمام، ومعنى المعاد عندهم عود كل شيء إلى أصله. ومما لا شك فيه أنّ غرضهم من هذه المعتقدات والتأويلات انتزاع الإيمان بهذه الأمور من نفوس الناس، حتى تبطل الرغبة بها والرهبة منها فيسهل حينئذ لأمثال هؤلاء الدخول إلى أفكار الناس وعقولهم فقرامطة البحرين تركوا جميع الفرائض واحلوا جميع المحرمات، وهدموا المساجد، ولم يبق للدين أو الفضيلة أي أثر في مجتمعهم.

شيوعية المال والنساء عندهم

” من المبادئ الهامة التي انطلق منها دعاة القرامطة، إنشاء شيوعية الأموال والنساء بينهم لعلهم بذلك يستميلون إلى مذهبهم دعاة الشهوة واللذة البهيمية من عوام الناس ويؤثرون بها أيضًا على المراهقين من الشباب والشابات. وكان أول من فعل ذلك حمدان القرمطي، عندما فرض على إتباعه ( الألفة )، وهي أن يجمعوا أموالهم في موضع واحد، وأن يكون فيه كلهم أسرة واحدة لا يفضل أحد من أصحابه على صاحبة ولا أخيه في ملك يملكه بشيء البتة ، ولمّا استقام الأمر لحمدان، أمر أتباعه بأن يجمعوا النساء في ليلة عينها ويخالطهن بالرجال حتى يتراكبن، وزعم هذا من صحة الود والألف ،  وهدفهم من هذا الإباحية المطلقة وهدم كل القيم والأخلاق الفاضلة، وبالتالي التخلي عن كل الروابط الأسرية ،  ويؤيد هذا ما أمر به الجنابي أتباعه في دولة البحرين، بإقامة ليلة سماها ( ليله الإفاضة ) يجتمع خلالها الرجال والنساء، وتطفأ الأنوار ويمارسون الجنس دون تميز بين المحللات والمحرمات.

أدونيس وحمدان القرمطي

هذا وقد ابرز أدونيس في شعره الشيوعية المال والنساء عند القرامطة ( الألفة ) والود والإلف وكذلك الفطرة، والهجرة والبلغة والخمس وهي من التنظيمات المالية التي وضعها حمدان القرمطي فلقد سن حمدان القرمطي قبل ذلك نظامًا ماليًا على أتباعة ففرض على كل من الرجال والنساء درهمًا سماه ( الفطرة )، ثم فرض ( الهجرة ) وهي دينار على كل شخص بالغ، ثم فرض عليهم ( البلغة ) وهي سبعة دنانير، ثم فرض عليهم ( الخمس ) من كل ما يملكونه وما يكتسبونه، ثم فرض عليهم ( الألفة ) وهي أنَّهم يجمعون أموالهم في موضع واحد وأن يكونوا فيه كلهم أسرة واحدة لا يفضل أحد من أصحابه على صاحبة ولا أخيه في ملك يملكه بشيء البتة. وقال لهم: لا حاجة بكم إلى الأموال، فإنَّ الأرض بأسرها ستكون لكم دون غيركم.

فماذا كتب أدونيس عن القرامطة وحمدان القرمطي ؟

يقول أدونيس في قصيدة سماها ” نمحو تاريخنا – نكتشف تاريخنا:

نهض القرمطي ( يقصد حمدان القرمطي ) افترش الصحراء جسدًا والجسد حلبة قال:

ليست الأرض في التائهة، بل ضبابة سموها السماء

قال: ليس الزمن الرجل، بل شيء سموه السلطان

وجلس في ضوء نجمة يقرأ العاهات والقروح يطلق الإشارات [… الفطرة، الهجرة، البلغة، الخمس، الألفة،

” كلكم أسرة واحدة لا فضل لأحد على صاحبة في ملك أو شيء “

” الأرض بأسرها ستكون لكم، لا حاجة بكم إلى المال “]

وقال القرمطي:

أنا النور لا شكل لي

وقال:

أنا الأشكال كلها

سمع أدونيس ورفع ساعديه تمجيدًا

تلاطمي يا تجاعيد بيروت

نمضي بخطوات الجموع تنفش

يا قاسيون هواء تباريحهم

ثم يقول

وقال القرمطي:

الجسد صورة الغيب

ومحل الأرض في كتفي ناقة وأعلن

أنا الداعية والحجة

استفونا أيها السيد استدرجنا

قل لنا من كذب ومخرق

من البلية

من خدع الجسد بنواميسه ؟

استفونا استدرجنا

نتوافق نتناصر

ننصب الدعوة

وندخل في تميمة الإباحة

وهكذا يعلنها أدونيس صراحة مناصرة دعوة القرامطة والدخول معهم في تميمة الإباحة، ما هي تميمة الإباحة ؟

هي الود والإلف كما جاء في ” رقعة من شمس البهلول ” لأدونيس التي يقول فيها:

[….. يبيح الأموال والفروج

يجمع النساء ويخلطهن بالرجال

حتى يتراكبوا    هذا من الصحة

الود والإلف      أطفئوا المصابيح

تناهبوا النساء    أطفئن المصابيح

تناهبن الرجال…….”

   فهنا نجد أدونيس يرمز إلى حمدان القرمطي بــ” البهلول ” وقد كتب كثيرً من رقاع البهلول ،كما أنّه يشير إلى ” الود والإلف ” الذي نادى به حمدان القرمطي ” البهلول “، ويمدح أدونيس نظام القرامطة الذي يوافق عقيدة النصيرية في الإباحية والتناسخ والحلولية، فيقول في القصيدة ذاتها تحت عنوان ” رقعة من دفتر أخبار “.

[ “….. واخذ يشفي القرى ويغني أهلها يكسو عاريهم وينفق على الجميع ما يكفيهم حتى لم يبق بينهم فقير ولا محتاج ]

وما قاله أدونيس يخالف الحقيقة والواقع فحمدان القرمطي: افشى في أتباعه إباحة الأموال والنساء والاستغناء عن الصوم والصلاة وجميع الفرائض، وقال:” هذا كله موضوع عنكم، ودماء المخالفين أموالهم حلال لكم ومعرفة صاحب الحق تغنيكم عن كل شيء ولا تخافون معه إثمًا ولا عذابًا، وعنى بصاحب الحق ( محمد بن إسماعيل ) وقال: بهذا الإمام اتسقت هذه الأمور، ولولاه لهلك الخلق وعدم الهدي والعلم، فبسط أيديهم يسفك الدماء وقتلوا جماعة ممن خالفهم، فخافهم الناس ووافقهم كثير من مجاوريهم، وفي تلك الآونة أنس القرامطة في أنفسهم القوة، فاتفقوا على بناء دار هجرة ، فأقاموا سورًا في قرية يقال لها ( مهتماباذ ) من سواد الكوفة، وجعلوا عرضه ثمانية أذرع ومن ورائه خندق عظيم، وبنوا من داخل السور المباني، وتحول إليها الرجال والنساء وذلك في سنة 277هـــ فلم يبق أحد إلّا خافهم لقوتهم وتمكنهم من البلاد.

لم يتحدث أدونيس عن أسباب مقتل صاحب الشامة ( الحسين أخو ابن زكرويه الذي تولى أمر القرامطة بعده وسمى نفسه أحمد بن عبد الله بن محمد بن إسماعيل علي ، فقال:

[ ” القرمطي وأصحابه في زهو التشنيع تقطع أيديهم وأرجلهم وتطرح في قوارير النفط عظامهم خشب يحرق رؤوسهم تنصب على الجسور……]

استفونا أيها السيد استدرجنا

لماذا كانت أبواب الجنة ثمانية

وأبواب النار سبعة كأبواب السماوات ؟

استفونا

ندخل في ” أهل السواد “

” سفهاء الأحداث “

” أتباع الفتن “

وكما نلاحظ أنّ أدونيس لم يبين سبب مقتل صاحب الشامة وأصحابه،  ويروي لنا الطبري في تاريخه أنَّ صاحب الشامة وأصحابه قد واصلوا ما بدأه زكرويه الذي خرج على الدولة، وقصد دمشق وهاجم هو وأصحابه في طريقهم إليها كثيرًا من القرى والمدن وقتلوا الكثير من أبنائها وسبوا نساءها وصبيانها واحرقوا المساجد، وحاصروا دمشق فأرسل  المصريون إليهم  ( بدر الكبير غلام ابن طولون ) فقاتلهم قريبًا من دمشق حتى انهزموا بمقتل ابن زكرويه.

وبعد مقتل ابن زكرويه خلفه أخوه الحسين ( صاحب الشامة ) الذي سار إلى دمشق فصالحة أهلها على خراج يدفعونه، فانصرف عنهم، ثم سار إلى أطراف حمص فتغلب عليها ثم حضر إلى عنده ابن عمه عيسى فكناه ( المدثر ) وعهد لإليه بالقيام بالأمر من بعده، وزعم أنه المدثر المذكور في القرآن، فقتل اسري المسلمين، ولما أطاعه أهل حمص وفتحوا له بابها خوفا منه، سار إلى حماة ومعرة النعماى وغيرهما، فقتل أهلها وقتل النساء والأطفال ثم توجه إلى بعلبك فقتل أهلها ولم يبق منهم إلا قليل، ثم سار إلى سلمية، فمنعه أهلها، فصالحهم وآمنهم ففتحوا له بابها، فبدأ بمن فيها من ( آل القداح )، وخرج منها وليس بها عين تطوف، ودخل في القرى المجاورة لها يسبي ويقتل وينهب ويقطع السبيل ويأتي من المنكرات ما لا عين رأت ولا إذن سمعت. وبعد إمعان ابن زكرويه في القتل، وانتهاك المحرمات، سارع بدر مولي ابن طولون سنة 290هــ لمقاتل صاحب الشامة بجيش كبير، فانهزم القرمطي صاحب الشامة، وهرب مع بعض اتباعه إلى البادية، ومنهم ابن عمه المدثر، ولكن سرعان ما قبض عليهم، فجلبوا إلى بغداد حيث أمر الخليفة بقتلهم؛ إذ عاثوا في البلاد فسادًا كما جاء في الآيتين الكريمتين 33 و34 من سورة المائدة: ( إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ *إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ .)

والقرامطة لم يتوبوا إلى الله فاستمروا في فسادهم وطغيانهم حتى كان سنة 217هــ زحف أبو طاهر القرمطي على مكة يريد قتل الحجاج من رجال والنساء وهم متعلقون بأستار الكعبة وردم بهم بئر زمزم وقتل ثلاثين ألفا وسبي من النساء والصبيان مثل هذا العدد، ودكوا أركان الكعبة واقتلعوا الحجر الأسود وأخذوه إلى الإحساء واستمر القرامطة في قتلهم ونهبهم للأمصار حتى كانت نهايتهم في موقعة الخندق سنة 470 هــ. وتعد هذه الموقعة من المواقع الحاسمة في التاريخ لأنّها قضت على دولة القرامطة نهائيًا، بعد أن ظلوا زهاء قرنين مصدر الرعب والفزع للناس.

وهكذا نجد أنّ أدونيس قد أغفل ذكر الأسباب التي أدت إلى قتل القرمطي ( صاحب الشامة ) وأصحابه بالكيفية التي قتل بها، بينما فصل في كيفية مقتلهم وذلك الفرض على نفسه وهو إظهار أنّ القرامطة كانوا ضحية بطش الدولة العباسية، وأنَّها تقيد الحريات؛ إذ يعتبر أدونيس الإباحية حرية يجب أن يتمتع بها الإنسان؛  لذا كان شعره جنسيًا وإباحيًا، هذه الشيوعية الجنسية التي تنادي بها اليوم الماركسية ولا غرابة في أن يلتقي القرامطة والشيوعية في الإلحاد والإباحية ،لأنَّ اليد اليهودية كانت وراء ظهورها.

للحديث صلة.

البريد الالكتروني: Suhaila_hammad@hotmail.com

Leave a Reply