أدب ونقد

من سلسلة الفكر العربي تحت مجهر التصور الإسلامي

By 3 أسابيع مضىNo Comments

أدونيس بين الإباحية والإلحاد (3)

د. سهيلة زين العابدين حمّاد

  التناسخ عند النُصيرية وفي شعر أدونيس 

سبق وأن تحدثت عن الحلول في عقيدة النصيرية وفي شعر أدونيس وسأتحدث اليوم عن التناسخ عند النصيرية وفي شعر أدونيس.

                                   ما هو التناسخ ؟

  يعرف القاموس الإسلامي التناسخ فيقول:” مذهب عقائدي قديم يقول بانتقال الأرواح من حالة إلى حالة وانتقال الأجسام من نوع إلى نوع وهو من المعتقدات الشائعة بين الهنود البرهمية وبين الفرس المزدكية[1] وبين بعض فلاسفة الإغريق،  وتأثرت به بعض الفرق الإسلامية والتناسخ يشبه الحلول وهو نزول الشيء في الشيء، فحيث تكون الإشارة إلى أحدهما إشارة إلى الآخر، ومنه اشتق مذهب الحلولية.  وكما نرى أنّ عقيدة التناسخ تقوم على نفي البعث والعقاب والثواب. فالتناسخ قائم على ثلاثة أفكار مترابطة وهي: الاعتقاد بوجود روحاني سابق على البدن في هيئة نورانية مجردة مفارقة عن المادة ، ثم القول بالتناسخ, أي انتقال الروح عن البدن المخصوص بعد الموت إلى هياكل أخرى: إنسية أو حيوانية أو نباتية أو إلى الجمادات ،  وأخيرًا قيام هذا التحول الدوري أو ما تسميه النصيرية بالتجيل مقام المعاد الأخروي وما يلزم عنه من إلغاء ” الجزاء والحساب على السلوك الإنساني “[2]. ولقد أجمع علماء العقيدة على وجوب تكفير من ينكر المعاد والجزاء والحساب. الأصل الثالث من أصول الإسلام ــ والقائلين بالتناسخ على سبيل قيامه مقام المعاد. وقد جعلت النصيرية من عقيدة التناسخ محورًا ثابتًا، وقاعدة أصلية في بنية فكرها الديني ونظامها الاجتماعي معا، وقد أجمع على ذلك الأقدمون. والتناسخ عند النصيرية يطلقون عليه، التكنيس أو التجيل، يتخذ دورات سباعية فيضية وفيها هبطت الأرواح من عالم الأزل النوراني إلى الأرض في مراتب متعاقبة هي الفسخ، النسخ، المسح، الوسخ، الرسخ، القش، ثم القشاش أو صورة تحول صاعد باتجاه التطهير الروحاني والعودة من عالم ” القمصان البشرية اللحمية إلى عالم الكواكب والنجوم ” [3]. والفسخ انتقال الروح من إنسان إلى إنسان، والنسخ انتقالها إلى نبات، والمسخ إلى حيوان، والوسخ إلى أوراق وأوساخ، والرسخ إلى نبات قصير، والقش إلى نبات يابس، والقشاش إلى أرض بور، والقشاش أيضًا قد يعني، البق والذباب والنحل وما يشبه ذلك.

     التناسخ والإسراء والمعراج عند أدونيس

لقد ادعى أدونيس أنّه أسرى به وأنّ جبريل ــ عليه السلام ــ حمله بالبراق إلى السماء السابعة وأنّه التقى بعزرائيل ــ عليه السلام ــ وصلى بالملائكة ثم كان لقاءه بالذات العلية بلا حجاب. وقد ادعى أنّ روح الرسول محمد ــ صلى الله عليه وسلم ــ قد انتقلت إليه وأنّه أسرى به على أنّه الرسول محمد ــ صلى الله عليه وسلم.

وإليكم القصة كما رواها أدونيس في قصيدة السماء الثامنة ” رحيل في مدائن الغزالي” يقول أدونيس:

ويدخل الموتى ويخرجون… والشمس في ثيابهم جارية صفراء

                    مدهونة الثديين بالقلوب.. بالحجر الأحمر، بالكبريت والغيوب

                     تسقط كل ليلة.. في نشوة الإسراء

                     تلتهم السيوف والسنينا، تطرح، كل لحظة جنينا..

ثم يقول:            ” شددت فوق جسدي ثيابي

                      وجئت للصحراء

                      كان البراق واقفًا يقوده جبريل، وجهه كآدم، عيناه كوكبان

                      والجسم جسم فرس. وحينما رآني

                      زلزل مثل السمكة

                        في شبكة…”

               أيقنت، هذا الزمن التناسخ – الإضاءة:

                           الشمس عين قطة

                           النفط رأس جمل

                           تقلد الخنجر والعباءة

                           وكلما سايرت في طريقي

                           يمامة أو زهرة

ثم يقول:

                          ” لا تخشي، في شفاعتي أنت، فمال نحوي ركبته وطار بي…

– هذا الذي يصبح عن يميني ينصح لي، لم ألتفت إليه..

– لو أنّك التفت واستمعت لاستلان

– شعبك، من بعدك للشيطان

– وهذه المرأة كالفيروز عن شمالي

– تنصح لي، لم التفت إليها..

– لو أنّك التفت واستمعت لاستهان شعبك بالجنة والقيامة

واختار أن يموت فوق سره ورفض الجهاد والكرامة “

ثم يقول

” ها هو بيت المقدس – المعرج يمد لي، يجيئني جبريل

بكؤوس ثلاث: خذ أيها تشاء، كان لبنا، شربت.

إنّ هذا خمر، وذاك ماء، فلو اخذت الخمر، لغويت بعدك،

مثل وثن، أمتك الحنيفة،

ولو أخذت الماء لغرقت..

ولفني جبريل وابتدأنا نصعد في أدراج من ذهب وفضة، من

لؤلؤ أحمر كالقطيفة

ويستمر أدونيس في هذيانه إلى أن يقول:

                            ” ثم رأيت ملكًا لم يبتسم.. من هو يا جبريل ؟

                             عزرائيل، اقترب وسلم.. سلمت هب واقفا هنأني، سألت:

                             كيف تقبض الأرواح ؟ قال: سهل، حين يتم أجل الإنسان

                             أرسل أربعين من ملائكي ينتزعون روحة من العروق حينما

                             تصير في حلقومه اسلها كشعرة من عجين فإن تكن طيبة

                             قبضتها بحربة من نور، وإن تكن خبيثة قبضتها بحربة من

                             سخط وبدت الدنيا في يده كدرهم…”

ثم يزعم أدونيس أنَّه بكليم الله موسي وسلم عليه  ، فيقول:

                            يا جبريل من هو ؟

                            هذا صفوك المفضل الكليم موسي بن عمران – اقترب وسلم.

                            سلمت قال موسي: يزعم إسرائيل أنّي أنا المفضل الكريم ثم

                            دعا لأمتي بالخير، ثم اصطفت الملائكة أممتهم، صليت

                            ركعتين بهم، على ملة إبراهيم…”

ويستمر أدونيس في وصف راحلته المزعومة إلى أن يصل إلى المشهد الذي يصف فيه زين العابدين ( وهو من آل البيت ) وصفًا أوصله إلى الذات الإلهية، بل قال عنه الإله وهذه هي عقيدة النصيرية التي ألهت آل البيت وزعمت أنّ الله حل فيهم ( تعالى الله عما يصفون )، يقول أدونيس:

                            “…وانطلق الرفوف، صار يعلو وحطني في حضرة الإله –

                           نوديت:ه لم تره عين، وما سمعته لم تستمعه أذن.. نوديت : لا

                           تخف.. خطوات خطوة كأنني خطوت ألف عام أحسست حول

                          كتفي يدا، ولم تكن محسوسة فأورثت قلبي كل علم…”

– مولاي زين العابدين

– أنا لست مولى

 لست كهفًا للأنين

أنا جحر ثورتك… انفجر

غير نداءك، وانفجر..

ويصف مشهد لقائه بالله عزوجل ،  فيقول:

” وكان سيف النقمة المجبول بالدماء معلقًا بالعرش، قلت:

فقال:رفعة عن بلادي.. فقال : تم الحكم والقضاء وسوف

يفني شعبك الحنيف مثل زبد بالطعن والطاعون لكنك المفضل

الحبيب – آدم خلقته من طين، وكان إبراهيم لي خليلًا، وأنت

لي حبيب وموسي، كلمته وبيننا حجاب وأنت تلقاني بلا

حجاب، وإن كنت خلقت من كلامي عيسى فقد شققت من أسمائي

اسمًا لك، اقترنت بي، أعطيتك الكوثر والحوض والشفاعة

الكبرى…”

وفي نهاية الرحلة ،  يقول:

“… ولم نزل ننزل.. ها وصلنا.. ودعني جبريل، قال:

حدث بما رأيت واختفى البراق…”

والسؤال بماذا حدث أدونيس ؟ يجيب قائلًا :

” حدثت تم الحكم والفراق. حدثت كانت هامة الغزالي جالسة كالسيف، صوت حجرًا مبرأ

كطفل يطارد الغزالي. وبعد أن يرسم حول وجهه إشارة الضوء والطهارة، بعد أن يكرر

الصلاة حتى تصبح العبارة تكية ومسجدا ” وبعد أن يغالي في مدحه – يجله كالله ذي الجلال،

[ يرج كل ذرة في كوكب الغزالي.. بالرفض بالسؤال بالفرق الحاضن كل رأس بشاطئ الغيبة

والرجعة بالإمامة نأتي، وكل نجمة عمامة ]”.

عند تأملنا لهذا النص نجد أنّه يمثل عقيدة النصيرية في الحلول والتناسخ وغيبة الإمام والرجعة ؛ إذ بين أدونيس أنّ الغاية من الإسراء والمعراج الذي ادعاه هو أن يحدث بالرفض والغيبة والرجعة بالإمامة ؛ إذ يقول:” يرجع كل ذرة في كوكب الغزالي.. بالرفض بالسؤال بالفرق الحاضن كل رأس بشاطئ الغيبة والرجعة بالإمامة تأتي، وكل نجمة عمامة…”

  فيقصد هنا بالغبية غيبة الإمام الطفل محمد بن الحسن؛ إذ يعتقدون أنّه ما زال حيًا حتى اليوم، وأنّه لم يمت، بل غاب غيبتين، غيبة صغرى وغيبة كبرى، وهم بانتظار عودته.

الرجعة: في كتابة الحكومة الإسلامية ص 46 ” وقد مر على الغيبة الكبرى للإمام  المهدي أكثر من ألف عام،  وقد تمر ألوف السنين قبل أن تقضي المصلحة قدوم إمامنا المنتظر “.

الرجعة :

            أما الرجعة فهم يعتقدون أنّ الإمام محمد بن الحسن العسكري هو إمام الزمان وانه ما زال حيا وسيعود في أخر الزمان فيملأ الأرض نورًا وعدلًا. وسيحمي الله له جميع حكام المسلمين ويحكمهم ويقتص منهم لاغتصابهم الحكم.

وفكره الغبية والرجعة وضعها لهم ابن سبأ كما يقول الإمام الطبري ليمهد الطريق لبدعة الإمام. أمّا الهدف الماكر من ورائها فلكي يجمد نشاط المسلمين في كل شيء ويحسر دعوتهم ويوقف جهادهم ويجعلهم في موقف الانتظار ريثما يحضر الأمام المنتظر فيملأ الأرض عدلًا. والذي ينكر الغيبة في عقيدتهم كافر .

هذا، ولم يكتف أدونيس بالقول برجعة الأمام العسكري، وإنَّما قال برجعة فينيق ولاء للدعوة التي ينادي بها الحزب القومي السوري الذين يدين له أدونيس بالولاء.

فماذا قال أدونيس عن رجعة فينيق ؟

هذا ما سنعرفه في الحلقة القادمة إن شاء الله

للحديث صلة.

البريد الالكتروني : Suhaila_hammad@hotmail.com


[1] .  إنّ دراسة مستفيضة لـ العقيدة النصيرية وأفكارها ومذاهبها تكشف لنا عن وجود مكوّنات فارسية ملحوظة وواضحة، تشكّل عناصر هامّة داخل المنظومة التوفيقية لتي تّتسم بها العقيدة يبدو أنّ هذه المكوّنات قد لعبت دورها بشكلٍ أكثر فعاليةً خلال المرحلة المبكّرة من تأسيس العقيدة النصيرية، أكثر من المراحل اللاحقة، وهذا يُفسِّر لنا تحالف آل أسد النصيريون مع إيران، وحماية إيران لهذا النظام عندما شارف إلى السقوط في عام 2011 أبّان ثورة الشعب السوري.

[2] . تقي شرف الدين  ( 1983). النصيرية دراسة تحليلية.  ص 144. بيروت ـــ لبنان

[3] . المرجع السابق . ص 151.

Leave a Reply