أدونيس بين الإباحية والإلحاد (1)
د. سهيلة زين العابدين حمّاد
الشاعر أدونيس
من هو أدونيس ؟[1]
هو علي أحمد سعيد ولد سنة 1930م لبناني الجنسية سوري المولد والنشأة والثقافة كان نصيريًا ثم اعتنق الشيوعية، ينتمي إلى الحزب السوري القومي الذي أسسه أنطون سعادة في الثلاثينات وقد أعتنق أدونيس عقيدة ومبادئ الحزب القومي السوري التي تنكر وجود الله فهي تعلن كما جاء في الكتاب ” نشوء الأمم” لانطون سعادة، بأن فكرة الألوهية إنما اخترعها الإنسان يوم كان رازحا تحت سلطان الخوف والوهم والخرافة. وهي بذلك تلتقي مع الفلسفات المادية في إنكارها لوجود الله وفي نظرتها للإنسان والكون والحياة وهي نظرة مادية بحتة، وعند عرضنا لفكر أدونيس سنجد أنه يمثل عقيدة الحزب القومي السوري والذي يمثل اسم أدونيس أحد رموز هذه العقيدة ، وقد أسماه انطون سعادة بهذا الاسم، فأدونيس كما تعلم هو أحد آلهة الفينيقيين الذين يعتبرهم الحزب هم اصل الأمة السورية؛ إذ تقوم القومية السورية على عزل سوريا عن الأمة العربية وتعتبر الفتح الإسلامي فتحًا أجنبيًا؛ إذ تعتبر الوطن السوري هو البيئة التي نشأت فيها الأمة السورية ، وأنَّ النهضة السورية القومية تستمد روحها من مواهب الأمة السورية وتاريخها السياسي والقومي ، وأنَّ ازهي العصور في تاريخ سوريا هو العصر الفينيقي. وهذه الدراسة السريعة لفكر أدونيس ستثبت لنا أنَّ فكر الإنسان ينبثق من عقيدته لأنَّ فكره يمثل بالفعل عقيدة الحزب القومي السوري.
نظرة أدونيس إلى الله
لقد نظر أدونيس إلى الله نظرة تخالف التصور الإسلامي كل المخالفة، فتجرأ على الذات الإلهية وجعل الله ميتًا ومقتولًا وأعمى وشحاذًا وله زوجة ويولد وشبهه بالإنسان وجعل للحب إلها وإليكم بعض ما قاله في هذا الصدد:
- يقول في كتابه مقدمة للشعر العربي ص 131″ الله في التصور الإسلامي التقليدي نقطة ثابتة متعالية منفصلة عن الإنسان. التصوف ذوب ثبات الألوهية، جعلة حركه في النفس في أغوارها أزال الحاجز بينه وبين الإنسان وبهذا المعنى قتله ” أي الله ” وأعطى للإنسان طاقته. المتصوف يحيا في سكر يسكر بدورة العالم. وهذا السكر نابع من قدرته الكامنة على أن يكون هو الله واحدًا سارت المعجزة تتحرك بيد يدية “.
هذا القول يفسر لنا تمجيد أدونيس للحلاج الذي قال بالحلولية وادعى أنّ الله يتمثل فيه فقال في قصيدته مدينة الحلاج
يا كوكبًا يطلع من بغداد
محملًا بالشعر والميلاد
ويقول في قصيدة ” الإله الميت “:
اليوم حرقت سراب السبت سراب الجمعة
اليوم إله الحجر الأعمى وإله الأيام السبعة بإله ميت[2]
ويقول في قصيدة ” موت “:
نموت إن لم نخلق الآلهة نموت إن لم نفتل الآلهة يا ملكوت الصخرة التائهة[3]
ويقول في قصيدة ” الصخرة العاشقة “:
وغدا نغسل الإله الهزيل بدم الصاعقة [4]
ويقول في قصيدة ” الطوفان “:
ربما تتشقق فيه إله العصور الدفينة[5]
ويقول في ” هذا هو اسمي “:
طفل يشب وللأرض إله أعمى يموت [6]
ويقول في القصيدة ذاتها:
ورأيت الله كالشحاذ في أرض علي [7]
ويقول في القصيدة نفسها:
سقط الخالق في تابوته سقط المخلوق في تابوته [8]
وجعل لله زوجة إذ يقول قصيدة ” دعوة للموت “:
يا أرضنا يا زوجة الإله والطغاة
واستسلمي للنار[9]
ويقول في قصيدة “براءة “
ويا زوجة السلطان والإله [10]
أما في قصيدتة ” سمعته وفمة حجارة “
وهذه سلاسلي أموت في رنينها سلاسلي حديدها إله
ويقول فيها أيضا:
ولله فوق طبق من العقول مترف
ويقول أيضا:
ينعى الهواء يبقى الله في حلقومة معلقا [11]
ويقول في ” لغة الخطيئة “:
أعبر فوق الله والشيطان ( دربي أن أبعد من دروب الإله والشيطان )[12]
ويقول في حوار مخاطبًا مهيار الدمشقي:
لا الله اختار ولا الشيطان كلاهما جدار [13]
فهنا نجد ساوى بين الله وبين الشيطان وجعل الله جداًرا.( تعالى الله عما يصفون )
ويقول في قصيدة ” مراكش –فاس “:
زواحف من كل نوع تقتحم الأرض، والإنسان يصطاد السماء، إنّه الله يتقدم في جنس حيواني يتخلف.[14]
وفي قصيدة ” الكاهنة ” قال إنّ الله يولد:
كاهنة الأجيال قولي لنا شيئًا من الله يولد [15]
وفي قصيدة ” مقدمة لتاريخ ملوك الطوائف ” نجده ذكر اسم الله بين الحشرة والشاعر دون فاصل بينهما، فقال:
كل شيء يدخل إلى الأرض من سم الكلمة والحشرة الله الشاعر[16]
وهو بقوله هذا قد ساوى بين الله والحشرة، وأنّ كلمة الله تخرج إلى الأرض من سم الكلمة. بل نجد كأنّه الحشرة بقوله ” والحشرة الله الشاعر ” ( تعالى الله عما يصفون )، ويستمر أدونيس في كفرة بالله والتجرؤ عليه فيقول في قصيدة نفسها:
هاتوا فؤوسكم نحمل الله كشيخ يموت [17]
ويقول في قصيدة ” جامع الفنا “:
ينقسم ترابا ينقسم الله [18]
وهذه جرأة ما بعدها جرأة على الله، فيقرن الله بالتراب ( أستغفر الله العظيم ) ! ويستمر أدونيس في تطاوله على الذات الإلهية فيصف الله بالضياع في قصيدة ” مزامير الإله الضائع ” إذ يقول:
يا مجهولي، نامي آن مسيري نحو الله الضائع، آن وصولي [19]
وهذه قصيدة تقطر جنسًا وإباحية.
ونجده في قصيدة ” مرآة الطريق وتاريخ الغصون “:
ونادر الأسود يقرأ باسم الله والشقاء أسطورة الخبز وشعر الماء [20]
هذا وقد أعلن أدونيس كرهه لله في ” مجنون بين الموتى ” ؛ إذ قال “:
على لسان أحد الأصوات ” أكره الناس كلهم، أكره الله والحياة “[21]
وبعد أيها القارئ الكريم لعلك بعد هذه الجولة في بعض شعر أدونيس قد تعرضت إلى نظرته إلى الله، والتي تمثل عقيدته فهو يريد قتل الله ، وقد شبهه بالإنسان والحيوان والجماد ووصفه بصفات الإنسان ، وهي نظرة تخالف النظرة الإسلامية كل المخالفة وستتضح لنا هذه الحقيقة عندما نتعرف على حقيقة الألوهية في التصور الإسلامي.
حقيقة الألوهية في التصور الإسلامي
ويمكن تلخيصها في قوله تعالى:
(لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)[22]
(قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ)،
(وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ ۖ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ ۚ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يَصِفُونَ*بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ ۖ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ ۖ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ ۚ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ*لَّا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ ۖ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرٌ)[23]
)وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ ۖ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ([24]
(وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ ۖ وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ ۚ قَوْلُهُ الْحَقُّ ۚ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ ۚ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ۚ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ)[25]
(وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ ۚ وَكَفَىٰ بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا)[26]
(قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ ۖ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)[27]
(اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ)[28]
(إِنَّمَا إِلَٰهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا)[29]
(لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا ۚ فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ)[30]
هذه باختصار شديد نظرة الإسلام إلى الخالق جل شأنه فهو ليس كمثله شيء وهو السميع البصير وهو الحي الذي لا يموت وبيده ملكوت كل شيء يحيي ويميت عالم الغيب والشهادة لم يلد ولم يولد وليس له صاحبة أي زوجة ولا ولد لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى هو الأول والآخر والظاهر والباطن، الخالق البارئ المصور، السميع البصير، القاهر فوق عبادة المحيي المميت، فعال لما يريد، يقول كن فيكون. فهل هذه النظرة توافق نظرة أدونيس إلى الله ؟ أو تشبه بما لا يليق وقرن اسمه بالشيطان والشقاء، ووصفه بالإله الضائع، والميت، وشبه بالشحاذ والشيخ والتراب ثم قال أنه يعبر فوق الله (تعالى الله عما يصفون ). هذه نظرة أدونيس إلى الله فما هي نظرته إلى الإنسان والكون والحياة ؟
هذا ما سنعرفه في الحلقة القادمة إن شاء الله.
البريد الالكتروني : Suhaila_hammad@hotmail.com
[1] – هذه الدراسة نُشرت على خمس حلقات في جريدة المسلمون في ا لعدد 238 إلى العدد 242 الفترة من 23- 29محرم إلى 22- 28 صفر عام 1410 هـ ،الموافق 25 – 31 أغسطس إلى 22-28 سبتمبر عام 1989م
[2] – المجلد الأول : ص 346 .
[3] – المصدر السابق: ص 389 .
[4] – المصدر السابق :ص 389 .
[5] – المصدر السابق : ص 400.
[6] المجلد الثاني : ص 280.
[7] – المصدر السابق : ص282.
[8] – المصدر السابق : ص 283
[9] – المصدر السابق : ص 259.
[10] – المصدر السابق : ص 361.
[11] – المصدر السابق.
[12] – المصدر السابق : ص 289.
[13] – المصدر السابق : ص 288.
[14] – المصدر السابق : 418.
[15] – المجلد الأول : ص 101.
[16] – المجلد الثاني : ص 264.
[17] – المصدر السابق : ص 264،266.
[18] – المجلد الثاني : ص 401.
[19] – المجلد الأول : ص 217.
[20] – المجلد الثاني : ص 203.
[21] – المجلد الأول : ص 184.
[22] – الشورى : 11.
[23] – الأنعام : 100-103.
[24] – الأنعام : 61.
[25] – الأنعام : 73.
[26] – الفرقان : 58.
[27] – الأعراف : 158.:
[28] – طه : 8.
[29] – طه : 98.
[30] – الأنبياء : 22.