د. سهيلة زين العابدين حمّاد
نُشر في صفحة الرأي بجريدة المدينة في 2 مايو 2024
ممّا لا شكّ فيه أنّ الحفاظ على اللغة الأصلية لأي بلد هو قوام الحفاظ على هُويته وتاريخه وتراثه وثقافته وآدابه وأخلاقه وقيمه، وإن فرّط في لغته القومية تبعه التفريط في هُويته وتراثه وتاريخه وثقافته وآدابه وأخلاقه وقيمه، وإن كانت هذه اللغة مرتبطة بدينه وعقيدته، فيكون قد فرّط في هذا الدين، وعند تتبعنا لظاهرة ضعف اللغة العربية الفصحى قراءة وكتابة وتحدثًا لدى الغالبية العظمى من أبناء وبنات هذا الجيل في البلاد العربية، وتعالي بعض الدعوات إلى استبدال اللهجات العامية بالفصحى نجد تبعه ذوبان الهُوية العربية المسلمة في الهُوية الغربية لغة وسلوكًا وثقافة وتعليمًا، فانتشرت المدارس والجامعات الأجنبية في البلاد العربية، وأصبح معظم أبنائنا وبناتنا يتحدثون الإنجليزية أكثر من تحدثهم بلهجاتهم العامية التي ملؤها بمفردات إنجليزية، وامتد هذا حتى للفئات التي لم تتعلم في مدراس أجنبية، بل بعضها لم يتعلم اللغة الإنجليزية، ولم يتوقف الأمر عتد حد اللغة، بل تبعه جهل تاريخ أمتهم، و أمور دينهم، بل بعضهم أصبح ملحدًا، واعتنق البعض نمط الحياة الغربية. والمتتبع للدراما العربية سينمائيًا وتلفازيًا يلمس هذا التحوّل الخطير الذي تشهده مجتمعاتنا العربية اليوم؛ إذ تعكس الدراما واقع ما تمثله من مجتمعات، وهو واقع جد ومُقلق ومُنذر بمخاطر مالم نتدارك الأمر، وننقذ ما يمكن إنقاذه.
فمن الملاحظ على البعض من هذا الجيل عدم احترام الكبار، وفي مقدمتهم الأباء والأمهات والأعمام والعمات والخيلان والأخوات، كما يلاحظ على فئة أخرى أنّها قد أزالت الفوارق بين الأولاد والبنات في التعامل فيما بينهم، وقد تزور الفتاة الشاب في بيته الذي يعيش فيه بمفرده، والشيطان ثالثهما ، وأصبح البعض يمارس المساكنة، ومنهم من يمتلك الجرأة ويُعلن ذلك!
وقد انزلق عدد ليس بقليل من أولادنا وبناتنا في مجتمعاتنا العربية في مستنقع إدمان المخدرات الذي قد يدفع الفتاة التفريط في أعز ما تملك ثمنًا لِشمّة ، وقد تدفع الشاب إلى السرقة والقتل أو التورط في عمليات إرهابية في سبيل الحصول على ما يشبع إدمانه.
وممّا لا شك فيه كان لمواقع التواصل الاجتماعي آثارًا على اهتزاز منظومة القيم لمجتمعاتنا، وقد اهتمت مراكز بحثية في بعض الجامعات في البلاد العربية بدراسات عن آثار التواصل الاجتماعي على سلوكيات واخلاقيات شبابنا؛ منها”
- دراسة قامت بها كلية التربية بجامعة الأزهر عام 2016 عن أثر وسائل التواصل الاجتماعي على سلوكيات وقيم الشباب من منظور التربية الإسلامية، وكان من توصيات هذه الدراسة :
توعية الشباب بمدى خطورة ممّا يقدم من برامج إباحية، وتعريفهم بأخطار تكنولوجيا الاتصال والإعلام من خلال عقد دورات تدريبية في هذا المجال، سواء في المدارس أو الجمعيات أو الجامعات وغيرها من المؤسسات مع العمل على تنمية الوازع الديني لدى الشباب العربي من خلال عقد نـدوات علميـة تشرح الدور الإيجابي الذي يمكن أن يقدمه الشباب من خلال اسـتخدام تكنولوجيـا الاتصال والإعلام في التوعية، والمراقبة الذاتية لأنفسنا أثناء استخدام تكنولوجيا الاتصال والإعلام؛ لأن هذه الوسائل مجرد تقنيات، وتوظيفها الإيجابي يتوقف على طبيعة مستخدمها مع دعم التوعية الأسرية والإعلامية بالمخاطر الاجتماعية والأخلاقية الناجمـة عـن استخدام شبكات التواصل الاجتماعي، ومشاركة الأسرة للأبناء فـي بيـان أهميـة استخدام الانترنت وتحديد إيجابياته وسلبياته، ووضع برامج إعلامية توعويه للشباب لترشيد استخدام تلك الـشبكات، وإصـدار نشرة إعلامية إرشادية جامعية، توزع داخل الجامعة انشر الـوعي لـدى الـشباب بضرورة الاستفادة من الانترنت بشكل إيجابي.[ https://2u.pw/mBLvI]
- دراسة بحثية ــ نُشرت في 3 جمادى الآخرة 1439 ه /19 فبراير 2018م ـــــ صدرت عن كرسي الأمير نايف بن عبدالعزيز للقيم الأخلاقية بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة، كشفت عن الآثار السلبية لمواقع التواصل الاجتماعي على السُّلَّم القيمي للشباب .
وقد رأت الدراسة أنّ الاهتزاز القيمي بدأ بالظهور بعد طفرة الجيل الثاني من الويب، وولادة شبكات التواصل الاجتماعي مثل الفيس بوك وتويتر وغيرهما، من مواقع التواصل التي تتسم بعناصر مثيرة وجاذبة، كالفورية، والتفاعلية، وتعدد الوسائط، والتحديث، ما أدى لزيادة ساعات الاستخدام والتعرض، والاعتماد عليها كمصدر وحيد للأخبار والمعلومات.
وأبانت الدراسة، أنّه ونظرًا للتنوع الواسع لفئات المستخدمين، وتعدد مستوياتهم الثقافية والأخلاقية وتبعًا لقانون التأثير والتأثر، برزت ظواهر سلبية في سلوك الشباب السعودي، غريبة عن القيم والتقاليد، كما ظهرت جماعات تدافع عن تلك القيم وتدعوا لتبنيها، وهذا يؤكد نجاح عملية الفيروس الأخلاقي في اختراقنا.
وتأتي من خطورة الآثار الناجمة عن المشكلة، والمتعلقة بعنصرين مهمين في البناء الاجتماعي، هما: الشباب، والنسق القيمي للمجتمع. واعتمدت الدراسة منهجًا علميًا يقوم على رصد وقياس العلاقة بين متغيرات ثلاث، هي: شبكات التواصل الاجتماعي كمتغير مستقل، والنسق القيمي الأخلاقي كمتغير تابع، ودوافع التعرض ونوعه والفروق الديموغرافية ومعدل الثقة كمتغيرات وسيطة.
وقد حدّدت الدراسة الهدف الرئيس للبحث وهو التعرف على تأثير وسائل الإعلام الجديد وعلى وجه الخصوص، شبكات التواصل الاجتماعي على النسق القيمي والأخلاقي لدى الشباب، بهدف الوصول لوضع آلية لتعزيز القيم الأخلاقية.
ولتحقيق هذا الهدف، رصدت الدراسة توصيف وتقنين علاقة الشباب بوسائل الإعلام الحديثة، من خلال تحديد كثافة الاستخدام لوسائط الإعلام الجديد، ونوع المشاركة، ودوافع الاستخدام، ونوع المضامين التي تحظى باهتمامهم، ودرجة التبني للمضمون المقدم، وأسباب انتشار بعض السلوكيات اللاأخلاقية، لدى نسبة من الشباب السعودي خاصة، وفي الدول العربية والإسلامية عامة.
وجاء في الدراسة «لتحديد حجم المشكلة من المناسب قراءة نتائج دراسة أجرتها شركة «جلوبال ويب إنديكس “حول استخدام الإنترنت في السعودية، بعمق وتأن.”
إذ تقول الدراسة إنّ السعوديين سجلوا أعلى نسبة نمو عالميًا من حيث عدد مستخدمي موقع تويتر. فقد تجاوز عددهم ثلاثة ملايين مستخدم، أي نحو 12% من السكان، وأنّ نسبة 51% منهم يترددون بانتظام على الموقع، وأنّ مستخدمي شبكة الإنترنت السعوديين, خاصة الشباب, يعتمدون على شبكات التواصل الاجتماعي كأداة للاتصال والتعبير عن الرأي، والحصول على المعلومة. أمّا مستخدمو فيسبوك من السعوديين، فقد تجاوزوا الـ 6 ملايين، وينشرون أكثر من مليون وخمسمائة ألف رسالة يوميًا.
كما أنّ شبكة Lenkd In تضم مليون مستخدم سعودي، بالإضافة لتسجيل السعوديين أكبر نسبة مشاهدة لموقع يوتيوب في العالم.
وترى الدراسة أنّ القيم تقوم بدور مهم في تشكيل شخصية الفرد وتحديد أهدافه، في إطار معياري صحيح؛ فهي تمكن من التنبؤ بسلوك حاملها في المواقف المختلفة، وتمنح حاملها القدرة على التكيف والتوافق الإيجابي، وأداء ما هو مطلوب منه؛ ليحقق الرضا عن نفسه، من خلال تجاوبه مع الجماعة في عقائدها ومبادئها الصحيحة، وتساعد الإنسان في التحرر من «الأنا» والذاتية، وتجعله يسلك سلوكًا أكثر إيجابية، وتمنحه الإحساس بالأمان، كما تعطيه فرصة التعبير عن نفسه، وتساعده على فهم العالم المحيط به، وتعمل على إصلاحه نفسيًا وخلقيًا، وتوجهه نحو الخير والإحسان والواجب، فهي أداة لتغيير السلوك، وأداة لتحقيق التنمية الاجتماعية التي تعتبر الفرد هو الوسيلة والغاية. ولا شك بأنّ المهزومين أخلاقيًا، عاجزون عن المشاركة في بناء التنمية، وأكثر قابلية للانهيار الثقافي والأخلاقي والوجودي، وقد اتبعت الدراسة منهج المسح الميداني بطريقة جمع المعلومات عن سلوكيات الأفراد وعلاقتهم بوسائل الإعلام، ويتمثل مجتمع الدراسة في فئة الشباب السعودي، في المرحلة العمرية من 18- 35 سنة، وهي عينة عشوائية متعددة المراحل قوامها 600 مفردة، من مدينة جدة، مناصفة بين الذكور والإناث، ولاحظت الدراسة تناميًا سريعًا لأعداد مدمني الإنترنت بين أوساط الشباب السعودي، واعتمادهم على شبكات التواصل الاجتماعي مصدرا أساسيا للمعلومات، وخلصت إلى نتيجة مفادها أنّ الاهتزاز القيمي الذي أصاب الشباب السعودي، ناجم عن تعرضهم المكثف للإعلام الإلكتروني، والاستخدام الخاطئ، وعدم وجود الوصاية الوالدية وضعف المناعة الأخلاقية، ما ترك آثارًا سلبية على نفسياتهم وسلوكهم الاجتماعي والأخلاقي.
وكان من توصيات الدراسة الآتي:
- ضرورة الانتباه إلى خطورة وتأثير وسائل الإعلام الإلكترونية، وإجراء المزيد من الأبحاث، خاصة وأنّ التوقعات المستقبلية تؤكد ازدياد الاعتماد عليها.
- تصارع القيم وعدم الوعي بها قد يؤدي إلى الاضطرابات النفسية، مثل القلق والإحباط والعنف، والمفهوم السلبي للذات. ولذا توصي الدراسة بتكثيف الدراسات النظرية والعملية والميدانية لرصد ظاهرة إدمان الإنترنت، ومعرفة مدى انتشارها في المجتمع، وآثارها على الشباب بشكل خاص، في أدائهم العلمي وحياتهم الأسرية.
- دعم التوعية الأسرية والإعلامية بالمخاطر الاجتماعية والأخلاقية الناجمة عن استخدام شبكات التواصل الاجتماعي، ومشاركة الأسرة للأبناء في بيان أهمية استخدام الإنترنت وتحديد إيجابياته وسلبياته.
- وضع برامج إعلامية توعوية للشباب لترشيد استخدام تلك الشبكات، وإصدار نشرة إعلامية إرشادية جامعية توزع داخل الجامعة؛ لنشر الوعي لدى الشباب بضرورة الاستفادة من الإنترنت بشكل إيجابي.
- تنمية الإحساس بالدين والوطن والانتماء، وتوعية الأسرة بأهمية التربية الدينية، وتربية الأبناء على الحياء من الله ومراقبته، وغرس الوازع الديني لحماية الشباب من أي انحراف، أو زيغ عقائدي.
- توجيه الشباب إلى ضرورة الالتزام والتقيد بقوانين الاتصالات في المملكة، فيما يختص باستخدام الإنترنت للدخول للمواقع المحظورة، والتوعية بالعواقب التي قد تعرضهم للمساءلة القانونية.
- تصميم مقرر دراسي عن التربية الإعلامية، يساعد على تعليم وترشيد الشباب بكيفية التعامل مع ما تبثه وسائل الإعلام الإلكتروني الجديدة.
- عمل دورات تدريبية، وورش عمل مكثفة للتعريف بشبكة الإنترنت، وتدريب الطلاب ( والطالبات) الجامعيين على الاستخدام المفيد لها، وكيفية انتقاء المعلومات واختيار المناسب منها في البحوث والدراسات العلمية، وربطها بخطط البحوث ومواد التدريب الميداني. [https://2u.pw/m7vJbIvb]
البريد الالكتروني: Suhaila_hammad@hotmail.com
رابط المقال: https://nz.sa/WMrys