4-قضايا الأمة العربية والإسلامية

فلندرك أنّ العربية الفصحى  لغة القرآن الكريم!(1)

By شهر واحد مضىNo Comments

د. سهيلة زين العابدين حمّاد

نُشر في صفحة الرأي بجريدة المدينة في 27 مارس 2024م

 لقد أثار مسلسل” الحشّاشين” جدلًا واسعًا لاستخدامه اللهجة العامية المصرية بدلًا من الفصحى رغم أنّ مؤسس فرقة الحشاشين حسن الصباح الحسن بن علي بن محمد بن جعفر بن الحسين بن محمد الصباح الحميري(430 ه‍/ 1037م – 518 ه‍/ 1124م)، ليس بمصري، فقد وُلد وتوفي في فارس (إيران)، وذكر بعض المؤرخين أنّه ولد في قم معقل الشيعة الإثنى عشرية ؛ حيث نشأ في بيئة شيعية اثني عشرية ثم انتقلت عائلته إلى الري مركز لنشاطات الطائفة الإسماعيلية فاتخذ الطريقة الإسماعيلية الفاطمية وعمره 17 سنة، ثم أسس طائفة باطنية شيعية إسماعيلية نزارية، وكان يلقب بالسيد أو شيخ الجبل، وهو مؤسس ما يعرف بـ الدعوة الجديدة أو الطائفة الإسماعيلية النزارية المشرقية أو الباطنية أو الحشاشون حسب التسمية الأوروبية، التي  اشتهرت ما بين القرنين 5 ، و7 هجري، الموافق لـ القرنين 11، و 13 ميلادي، وبشكل خاص في إيران والشام، قامت على الاغتيالات والإرهاب، وتُعد مصدر إلهام في أساليبها للحركات الإرهابية حتى الآن، ولم تكن مصر ميدانًا لعملياتهم الإرهابية، وكان حسن الصباح يتحدث الفارسية والعربية، ولم يكن مقبولًا أنّ السلاجقة (أتراك) يتحدثون العامية المصرية، وحكمهم لم يمتد إلى مصر رغم انساع رقعته الذي شمل في أوج ازدهاره كافَّة إيران وأفغانستان ووسط آسيا وُصولاً إلى كاشغر في الشرق، فضلًا عن العراق والشام والأناضول غربًا وُصولًا إلى مشارف القسطنطينية، فلا مبرر على الإطلاق جعل شخوص المسلسل سواءً كانوا سلاجقة(أتراك)أوفرس يتحدثون اللهجة المصرية العامية، ولا يتحدثون العربية الفصحى لغة العلوم والعلماء والفقهاء آنذاك، وكثير من علماء التفسير والحديث من طبرستان وبخارى وسمرقند وبلاد ما وراء  النهر، وفارس ، وحسن الصباح ذاته كانوا يتحدثون العربية الفصحى، ولكن صنّاع مسلسل الحشّاشين جعلوا الإمام أبو حامد الغزالي يتحدث بالعامية المصرية في مجلس علمه!!

 يجب أن تدرك  جيدًا إنّ اللغة العربية لغة القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وقد أختارها الخالق جل شأنه دون لغات ولهجات العالم لتكون لغة كتابه المبين الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وجعل كتابه الكريم قرآنًا عربيًا واضح المعنى، يعقله كل من يقرأ كلماته، أو يتدبر معانيه، فقال سبحانه مقسمًا بكتابه  حم*  وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ *فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ([الزخرف: 1-4] فآياته المفصّلة الواضحة التي اختار الله لها اللغة العربية الخالدة قد ميزت الحق من الباطل، والخير من الشر، والحلال من الحرام قال تعالى: (كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ)[فصلت:3]

 فالقرآن الكريم بلغته العربية المبينة البليغة وأسلوبه الإلهي المشرق ودعوته إلى الحق والرشد أخذ بيد الإنسان إلى الفهم والتعقل والاعتبار والتذكر، ثم أخذ بيده إلى معرفة ربه وعبادته وإلى الإيمان به وتقواه.

واللغة العربية كما هي لغة القرآن الكريم، هي لغة الحديث النبوي الشريف الذي يمثل المصدر الثاني للتشريع الإسلامي بعد القرآن الكريم، والرسول صلى الله عليه وسلم أوتي جوامع الكلم وما ينطق عن الهوى إن هو إلّا وحي يوحى .

  واللغة العربية كذلك هي لغة الأدب العربي الرفيع والحكم الفاضلة، إنّها الوعاء النقي الذي نقل إلينا أشرف وأعظم تراث عرفته البشرية منذ وجودها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ومن أجل هذه المكانة العالية فإنّ سلفنا أولوها كل عناية ورعاية بحثًا وتأليفًا وتدوينًا وتعريفًا بأصولها وقواعدها وما يتصل بها من دراسات دقيقة وعميقة .

واللغة العربية بمكانتها الرفيعة العالية ليست موضع مقارنة مع أي لهجة عربية عامية.

لقد آلمتني كثيرًا مبررات البعض لاستخدام اللهجة العامية المصرية في المسلسل التاريخي” الحشّاشين” بدل العربية الفصحى، ومن تلك المبررات:

  1. أنّ “اللهجة العامية المصرية” أسهل على المتلقي المصري والعربي، وأنّه في الآونة الأخيرة  بات مشاهدون يجدون صعوبة في تلقي العربية الفصحى، وأنّ الجيل الحالي من الفنانين غير قادر على تأدية أدوار بالعربية الفصحى كما كانت تفعل الأجيال السابقة، فمعاهد الدراما تهمل هذا الجانب حاليًا، بجانب أنّ الكثير من الممثلين قادمون من دراسة بعيدة كل البعد عن اللغة العربية، ناهيك عن مشاهير السوشيال ميديا ممن لا يجيدون التحدث بالعربية ولا كتابتها”.
  2. إنّ استخدام اللهجة المصرية التي هي أكثر انتشارًا بأنّه كان حلًا دراميًا، واستخدام اللغة العربية الفصحى ربما يجد فيه المتابعون صعوبة في فهم الحوار”

فهذه المبررات تدل على مدى تقصيرنا تجاه ديننا ولغتنا العربية الفصحى، ونجاح أعدائنا في إبعادنا عن ديننا وطمس هويتنا العربية بإبعادنا عن لغة القرآن الكريم، حتى أصبح أولادنا لا يفهموها، بغزو بلادنا بالمدارس الأجنبية التي نحّت اللغة العربية جانبًا، وتدرس موادها بلغات الدول التي تنتمي إليها، إنجليزية أو فرنسية أو ألمانية، وتهافت الآباء والأمهات على إلحاق أولادهم وبناتهم بتلك المدارس، وقد يستدينون لدفع أقساطها المرتفعة غير مبالين بأنّهم بهذه الخطوة قد سلبوا أولادهم هويتهم العربية الإسلامية، وأبعدوهم عن لغتهم العربية ودينهم الإسلامي، وباتوا لا يفهمون العربية الفصحى ولا يحسنون قراءتها وكتابتها، ولا يفهمون القرآن الكريم، ولا يحسنون قراءته، ومن أجلهم تم استبدال اللغة العربية الفصحى في مسلسل” الحشاشين”، ومن قبله مسلسل” الإمام الشافعي” بالعامية المصرية باعتبارها أقرب لفهمهم، وبدأت دعوات لاعتماد العامية المصرية في الأعمال الدرامية التاريخية، دن البحث في الأسباب التي أوصلتنا إلى هذا، فمن أجل طلاب وطالبات المدارس الأجنبية الذين فقدوا هويتهم العربية، ولغتهم العربية الفصحى لغة القرآن الكريم، نفقدها معهم، ونهدم لغتنا العربية الفصحى بأيدينا ، ونحقق لأعدائنا ما سعوا إليه!

 مع أنّه بالأمس القريب كان برنامج الأطفال” افتح يا سمسم باللغة الفصحى، وجميع أفلام الكرتون كانت تدبلج بالفصحى، وكانوا يفهمونها حتى الذين لم يبلغوا سن المدرسة، وجميع الأعمال التاريخية السينمائية المسرحية والتلفازية كانت تقدم بالفصحى ـ بل حتى الدراما العالمية كانت تقدم بالفصحى، وكان الممثلون والممثلات يتعلمون الفصحى ويدرسونها، ولا يزال يوجد حاليًا على الساحة  من الممثلين العرب في سوريا ولبنان ومصر يتقنون التحدث بالعربية الفصحى.

  وممّا يثير الدهشة والاستغراب أنّ معظم أغاني الأستاذ كاظم الساهر فصائد باللغة العربية الفصحى يفهمها معجبيه ويرددونها معه في حفلاته التي يحييها في البلاد العربية ، وفي تركيا وأوروبا وأمريكا، في حين لا يفهموها في الأعمال الدرامية التاريخية؟

 فالمبررات على استبدال العامية بالفصحى غير مقبولة، وهناك أيد خفية وراء انتشار المدارس الأجنبية في البلاد العربية؛ إذ يأتي هذا ضمن منظومة واسعة لتغريب الأجيال العربية  وإبعادهم عن دينهم تتضمن التعليم والإعلام والثقافة، ويتستر خلفها التنصير والاستشراق والصهيونية والماسونية والاستعمار، وتساندها بقية الأدوات، وكان لهذا  أثره البالغ على أمن المنطقة العربية واستقلالهـا مــن خــــلال تربيــة أجيــال لا تــؤمــن إلا بالفكـر الغــربي، ولا تعرف غير الحضارة الأوروبية، وتتنكر لدينها وحضارتها وقيمها الأصيلة، وأصبحنا من أجلها نطالب بترك اللغة العربية الفصحى في الأعمال الدرامية التاريخية واستبدالها بالعامية المصرية!

للحديث صلة.

البريد الالكتروني: Suhaila_hammad@hotmail.com

رابط المقال : https://nz.sa/nVbGp

Leave a Reply