د. سهيلة زين العابدين حمّاد
نُشر قي صفحة الرأي بجريدة المدينة في 3 / 4/ 2024م
أواصل الحديث معكم عن الجدل الذي أثاره المسلسل التاريخي”الحشاشين”لاستخدامه اللهجة العامية المصرية بديلة للعربية الفصحى ، وقد بيّنتُ خطورة ودلالات استعمال اللهجة العامية بدل اللغة العربية الفصحى في الأعمال الدرامية التاريخية تحت ذريعة صعوبة فهم أبناء وبنات هذا الجيل اللغة العربية الفصحى من جهة، وعدم إتقان كثير من الممثلين والممثلات لها، وفات هؤلاء المبرِّرون أنّ اللغة العربية الفصحى ليست ككل لغات العالم، لأنّها اللغة التي اختارها الخالق جل شأنه لتكون لغة كتابه” القرآن الكريم ” ، وعدم فهمنا لها أي عدم فهمنا للقرآن الكريم، ومن محاسن الصدف أنّه أثناء كتابتي هذا المقال كان بطل مسلسل الحشاشين ضيفًا في برنامج تحدث غيه عن فيلم (ابن العم) والمخرج طلب منه أن يتعلّم العبرية، لأنّه سيتحدث بالعبرية في الفيلم وأمضى شهرًا ونصف يتعلم اللغة العربية على يد أستاذ للغة العبرية في جامعة القاهرة، فمن باب أولى تعليم الممثلين المشاركين في الدراما التاريخية العربية الفصحى للذين لا يتقنونها.
أذكركم بما قاله رئيس وزراء بريطانيا “وليم جلادستون (29 ديسمبر 1809 – 19 مايو 1898) في مجلس العموم البريطاني بعدما حمل القرآن بيده :”إنّنا لا نستطيع القضاء على الإسلام والمسلمين إلا بعد القضاء على ثلاثة أشياء: صلاة الجمعة، والحج، وهذا الكتاب، فقام أحد الحاضرين ليمزق القرآن فقال: ما هكذا أريد يا أحمق، إنِّي أريد تمزيقه في قلوبهم وتصرفاتهم. وقال أيضًا:”ما دام هذا القرآن موجودًا في أيدي المسلمين فلن تستطيع أوربا السيطرة على الشرق، وقال الحاكم الفرنسي في الجزائر في ذِكْرى مرور مائة سنة على استعمار الجزائر:” إنّنا لن ننتصر على الجزائريين ما داموا يقرؤون القرآن، ويتكلمون العربية، فيجب أن نُزيل القرآن العربي من وجودهم، ونقتلع اللسان العربي من ألسنتهم. ويقول المُنصِّر” وليم جيفورد بالكراف”: “متى توارى القرآن ومدينة مكة عن بلاد العرب، يمكننا حينئذ أن نرى العربي يتدرج في طريق الحضارة الغربية بعيدًا عن محمد وكتابه.”
ويقول المُنصِّر تاكلي:”يجب أن نستخدم القرآن، وهو أمضى سلاح في الإسلام، ضد الإسلام نفسه، حتى نقضى عليه تمامًا.”
فاستمرار المؤامرات لمحاربة القرآن الكريم ولغته ظهر من خلال فرقة البهائية وهي من الفرق الشيعية التي خرجت عن الملة أسسها المدعو” حسين بن علي” الذي لقبوه “ببهاء الله “، وهذا البهاء قد طرد في عصر الدولة العثمانية من إيران فلجأ إلى اليهود فاصطحبوه إلى قبرص حيث أسس لدعوته ثم ذهب إلي عكا 1868م، وبدأ هنا يقول إنّ حركته ليست فرقة من الإسلام بل هي دين جديد، وأنّ محمدًا خاتم الأنبياء وليس خاتم الرسل، ثم نأتي للأهم وهي دعواه أنّه أنزل الله عليه كتابا وأسماه ” الأقدس”، ولننظر جيدًا لمعني الاسم فهو ليس مقصودًا به الاسم ولكنه على وزن” الأفعل” وهي ما تعرف في العربية” أفعل التفضيل” أي أنّ الكتاب السابق” القرآن “مقدس ولكن هذا الكتاب هو الأقدس منه.ويؤولون(إذا الشمس كورت)بانتهاء الشريعة المحمدية، ومجيء الشريعة البهائية!(إذا العشار عطلت): يؤولونها بحمع الوحوش في حدائق الحيوانات في المدن! (إذا النفوس زوجت): يؤولونها باجتماع اليهود والنصارى على دين البهاء !
وقد هلك المدعو بهاء الله 1892م بعد أن ظل حبيسًا يعاني من الجنون عدة سنوات ولم يفلح معه علاج .
ومحاولات هدم القرآن لم تنته بهلاك بهاء، فظهر الهندي” سلمان رشدي” الذي وصف القرآن الكريم بالآيات الشيطانية، وفتحت له بلاد الغرب واستقبلوه استقبال الفاتحين، ثم ظهر لنا في نهاية الثمانينيات المدعو رشاد خليفة الذي قال في البداية:” إنّ القرآن مبني علي نظم حسابي تعلمه محمد يعتمد علي رقم تسعة عشر”. ثم كبرت معه القصة فادعي النبوة وراسل كل الملوك والرؤساء بإمضاء رشاد خليفة رسول الله !!.
وامتدت مؤامرات الهدم إلى تحريف إسرائيل للقرآن الكريم، ففي الفترة من 28 فبراير 1970م حتى 25 مارس من تفس العام انعقد في القاهرة فعاليات مؤتمر علماء المسلمين الخامس بحضور 100 عالم من 36 دولة في آسيا وأفريقيا وأوروبا لمناقشة الجرائم الصهيونية، وقدمت 10 أبحاث عن إسرائيل وجرائمها وواجب المسلمين في المقاومة، وقد طبعت هذه الأبحاث في كتاب من مائة صفحة. وكان من ضمن هذه الأبحاث المنشورة في الكتاب التذكاري بحث شديد الخطورة قدمه الدكتور أحمد إبراهيم مهنا عضو مجمع البحوث الإسلامية بعنوان جرائم الصهيونية ضد القرآن الكريم، وقد ذكرت حينها جريدة الأهرام حينها في خبر مقتضب أنّ الدكتور أحمد مهنّا طالب بأن بصدر المؤتمر قرارًا بمصادرة المصاحف المحرّفة أو مكتوبة بخط إملائي أو المطبوعة في الخارج على صفحة واحدة، ولم يعرف المصريون حينها تفاصيل ذلك البحث الخطير الذي قدمه الدكتور مهنا عام 1970 م إلى أن جاءت عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023 وأعطى شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب توجيهات بنشر أهم الموضوعات في تاريخ المؤسسة الأزهرية التي تعمل على إحياء القضية.
وكانت بداية تحريف اليهود للقرآن في أواخر الستينيات في القرن الماضي عندما وصلت إلى إدارة البحوث والنشر بجمع البحوث الإسلامية نسخة المصحف الشريق طبعت على ورق مصقول وبألوان مختلفة ومتناسقة تريح النظر وتغري بالقراءة وعند الفحص تبين أنّها مليئة بالأخطاء في شكل الآيات ممّا يغير المعنى في كثير من المواضع، ومنها تحريف قوله تعالى(وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ ۚ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا)[المائدة : 64]؛ إذ حذفوا كلمة ( ولعنوا) واستبدلوها بِ” وَأُمِنُوا”
لم يكن هذا الخطأ يندرج تحت الخطأ المطبعي إلى أن كشفت جريدة الجمهورية في 6 يناير 1970 م أنّ إسرائيل طبعت القرآن الكريم بخط إملائي في مصاحف أغرقت بها أسواق ماليزيا والهند وباكستان وأندونيسيا وغينيا وساحل العاج وإيران، وجميعها بأيمان زهيدة ومُحرّفة مثل حذف كلمة (غير) في قوله تعالى:(وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[آل عمران: 58)
وهذا أمر جد خطير، فإنّ أولادنا الذي بعدوا عن القرآن الكريم ولغته، لن يفطنوا إلى هذا التحريف، ويرددونه دون وعي وإدراك، فحذف كلمة (غير) من الآية جعلت الإسلام دينًا غير مقبول، ومن يعتنقه في الآخرة من الخاسرين، فهم يهدفون إلى ترك المسلمين دينهم.
إضافة إلى أنّ لدعوة إلى استخدام العامية بدل الفصحى خطر يمسخ هويتنا ويباعد بيننا وبين ديننا وقراءاتنا للقرآن الكريم، وفهمنا له، وللحديث النبوي الشريف، وأدبنا العربي، كما يعمل على فك أهم روابط التضامن الإسلامي والوحدة بين البلاد الإسلامية، ذلك لأنّ اللغة الفصحى إذا أهملت وحلت محلها اللغة العامية فسيتعذر التفاهم والتواصل وتنضب روافد العلم والفكر والأدب بين البلاد، وفي هذا تذويب الشخصية العربية المسلمة وتخريبها وتغريبها؛ لذا أقترح الآتي :
- أن تلزم وزارات التعليم والتعليم العالي المدارس والمعاهد المصرح لها في أي بلد عربي أن تتضمن مناهجها الدراسية مواد اللغة العربية والقرآن الكريم والحديث النبوي الشريف وباقي المواد الدينية، ويدرسها عرب مسلمون من أبناء وبنات البلد التي بها المدرسة، وأن تكون تحت إشراف وزارات التعليم، أمّا الجامعات والكليات الأجنبية فتلزم بتدريس المواد المتعلقة باللغة العربية والدين والتاريخ الإسلامي باللغة العربية على أن تكون جميع مناهجها الدراسية تحت إشراف وزارات التعليم والتعليم العالي في البلاد العربية.
- أن تعمل وزارات التعليم والتعليم العالي في البلاد العربية على تقوية وتطوير المناهج الدراسية لجميع المواد بما فيها مواد اللغة العربية واللغات الأجنبية؛ بحيث تكون أقوى من مناهج المدارس الأجنبية ، وأن تجعل اللغة العربية الفصحى هي لغة التحدث بها في الفصول الدراسية ومدرجات الجامعات باستثناء دروس اللغات الأجنبية، وأن تنظم دورات تعلم اللغة العربية الفصحى لخريجي وخريجات كليات الإعلام ومعاهد التمثيل، وأن تكون العربية الفصحى اللغة الأساسية لمناهج كليات الإعلام ومعاهد التمثيل على اختلافها.
البريد الالكتروني: Suhaila_hammad@hotmail.com
رابط المقال : https://nz.sa/kYdCJ