د. سهيلة زين العابدين حمّاد
نُشر في صفحة الرأي بجريدة المدينة بتاريخ 22 أغسطس 2024م.
قراءتي لكتاب” القصص القرآني ومتوازياته التوراتية(أساطير الأولين) تأليف الأستاذ فراس الحوّاس أحد أعضاء مجلس أمناء مركز تكوين للفكر العربي ستكون عن توقفي عند ما تحاشى الحديث عنه عن التوراة وما فيها من أخطاء وتناقضات ومغالطات أثناء حديثه عن تاريخها، في حين بث الشكوك حول صحة القرآن الكريم، وعند مقارنته قصص التوراة بالقرآن الكريم.
فعند حديث الأستاذ فراس الحوّاس عن أسفار موسى الخمسة تحاشى التطرق إلى تشكيك العلماء الغربيين فيه؛ حيث أشار أحدهم في القرن 16 استحالة أن يكون موسى ـــ عليه السلام ـــ قد كتب بنفسه كيف مات؟( سفر التثنية الإصحاح 34 الآيات(5-12) منها: الآيات: 5 “فَمَاتَ هُنَاكَ مُوسَى عَبْدُ الرَّبِّ فِي أَرْضِ مُوآبَ حَسَبَ قَوْلِ الرَّبِّ.6 وَدَفَنَهُ فِي الْجِوَاءِ فِي أَرْضِ مُوآبَ، مُقَابِلَ بَيْتِ فَغُورَ. وَلَمْ يَعْرِفْ إِنْسَانٌ قَبْرَهُ إِلَى هذَا الْيَوْم”” وَكَانَ مُوسَى ابْنَ مِئَةٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً حِينَ مَاتَ، وَلَمْ تَكِلَّ عَيْنُهُ وَلاَ ذَهَبَتْ نَضَارَتُهُ.”[ موريس بوكاي .(1977) القرآن الكريم والتوراة والإنجيل والعلم (دراسة الكتب المقدسة في ضوء المعارف الحديثة) . ط4. دار المعارف. القاهر، ص 27] وقد قام ريشاد سيمون بدراسة هذه القضية في كتابه( التاريخ النقدي للعهد القديم نشره عام 1678م، وفيه يؤكد على الصعوبات الخاصة بتسلسل الأحداث والتكرارات وفوضى الروايات، وفوارق الأسلوب في أسفار موسى الخمسة، ثمّ قام جان استروك (1753م) بدراسة أخرى نشرها على الملأ بناءً على ملاحظة أساسية، هي: وجود نصيْن جنبًا إلى جنب في سفر التكوين يحتوي كل منهما على خاصية مختلفة: إذ يسميه أحدهما بيهوه ويسميه الثاني ألوهيم، وهناك أخطاء أخرى ذات طابع تاريخي اكتشفها عدة مفسرين يهود ونصارى؛ حيث وقفوا على عدة تعديلات مختلفة، وإضافات لاحقة للنصوص الأصلية.[المرجع السابق :ص 27، 28]
هذا وعند سرد الأستاذ الحوّاس لقصة سيدنا إبراهيم، أورد هذا النص من سفر التكوين: في أرض كنعان ظهر الرب لإبراهيم، وقال له : ” لنسلك إعطي هذه الأرض، فبنى إبراهيم مذبحًا للرب في شكيم ، حيث ظهر له، ثم ارتحل جنوبًا إلى قرب مدينة بيت إيل فإلى أقصى الجنوب الفلسطيني (التكوين 12: 6- 9) [الحواس . ص 40]
ولا أشك أنّ الأستاذ الحوّس لا يعلم أنّ التوراة هذه ليست التوراة التي نزلت على موسى عليه السلام، وإنّما كتاب عزرا الوراق، فهذا النص يتعارض مع العدالة الإلهية؛ إذ كيف يُعطي لإبراهيم أرض كنعان، فإن أراد أن يعطيه أرضًا فلا يعطيه أرضًا يملكها الغير.
فالتوراة التي بنى اليهود حقوقهم في فلسطين على أسفارها، وخاصة أسفار موسى الخمسة قد ثبت لديهم زيفها، وأنَّها ليست التي نزلت على سيدنا موسى عليه السلام، وذلك بعد عرض التوراة على النقد التاريخي، وما أثبتته الحفائر الأثرية من تناقض مع ما ورد في التوراة،
ثم من هم نسل إبراهيم عليه السلام، هل بنو إسرائبل من إسحاق عليه وسلام فقط، أليس نسل إسماعيل عليه السلام من نسل إبراهيم عليه السلام أيضًا ؟ إذًا كلمة”لنسلك” الواردة في النص إن سلّمنا بصحتها فهي تشمل بني إسماعيل وبني إسحاق معًا، ولكن اليهود أقصوا بني إسماعيل، وقصروا كلمة” لنسلك” على بني إسحاق، ثمّ أنّ سيدنا إبراهيم عليه السلام(مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يهوديًّا وَلاَ نصرانيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِين)[آل عمران:67]
ثم انتقل إلى بشرى الله لإبراهيم بأنّه سيمنحه إسحاق من زوجته سارة، فقال الله له :” بل سارة امرأتك تلد لك ابنًا وتدعوه إسحاق وأقيم عهدي معه عهدًا أبديًا لنسله من بعده وأمّا إسماعيل فقد سمعت لك فيه، ها أنا أباركه وأًثمره وأثمره وأكثره تكثيرًا جدًا(التكوين 17 : 1- 20)
وَرَأَتْ سَارَةُ ابْنَ هَاجَرَ الْمِصْرِيَّةِ الَّذِي وَلَدَتْهُ لإِبْرَاهِيمَ يَمْزَحُ، فَقَالَتْ لإِبْرَاهِيمَ: «اطْرُدْ هذِهِ الْجَارِيَةَ وَابْنَهَا، لأَنَّ ابْنَ هذِهِ الْجَارِيَةِ لاَ يَرِثُ مَعَ ابْنِي إِسْحَاقَ».فَقَبُحَ الْكَلاَمُ جِدًّا فِي عَيْنَيْ إِبْرَاهِيمَ لِسَبَبِ ابْنِهِ.فَقَالَ اللهُ لإِبْرَاهِيمَ: «لاَ يَقْبُحُ فِي عَيْنَيْكَ مِنْ أَجْلِ الْغُلاَمِ وَمِنْ أَجْلِ جَارِيَتِكَ. فِي كُلِّ مَا تَقُولُ لَكَ سَارَةُ اسْمَعْ لِقَوْلِهَا، لأَنَّهُ بِإِسْحَاقَ يُدْعَى لَكَ نَسْلٌ.وَابْنُ الْجَارِيَةِ أَيْضًا سَأَجْعَلُهُ أُمَّةً لأَنَّهُ نَسْلُكَ».فَبَكَّرَ إِبْرَاهِيمُ صَبَاحًا وَأَخَذَ خُبْزًا وَقِرْبَةَ مَاءٍ وَأَعْطَاهُمَا لِهَاجَرَ، وَاضِعًا إِيَّاهُمَا عَلَى كَتِفِهَا، وَالْوَلَدَ، وَصَرَفَهَا. فَمَضَتْ وَتَاهَتْ فِي بَرِّيَّةِ بِئْرِ سَبْعٍ.وَلَمَّا فَرَغَ الْمَاءُ مِنَ الْقِرْبَةِ طَرَحَتِ الْوَلَدَ تَحْتَ إِحْدَى الأَشْجَارِ، وَمَضَتْ وَجَلَسَتْ مُقَابِلَهُ بَعِيدًا نَحْوَ رَمْيَةِ قَوْسٍ، لأَنَّهَا قَالَتْ: «لاَ أَنْظُرُ مَوْتَ الْوَلَدِ». فَجَلَسَتْ مُقَابِلَهُ وَرَفَعَتْ صَوْتَهَا وَبَكَتْ.فَسَمِعَ اللهُ صَوْتَ الْغُلاَمِ، وَنَادَى مَلاَكُ اللهِ هَاجَرَ مِنَ السَّمَاءِ وَقَالَ لَهَا: «مَا لَكِ يَا هَاجَرُ! لاَ تَخَافِي، لأَنَّ اللهَ قَدْ سَمِعَ لِصَوْتِ الْغُلاَمِ حَيْثُ هُوَ.قُومِي احْمِلِي الْغُلاَمَ وَشُدِّي يَدَكِ بِهِ، لأَنِّي سَأَجْعَلُهُ أُمَّةً عَظِيمَةً».وَفَتَحَ اللهُ عَيْنَيْهَا فَأَبْصَرَتْ بِئْرَ مَاءٍ، فَذَهَبَتْ وَمَلأَتِ الْقِرْبَةَ مَاءً وَسَقَتِ الْغُلاَمَ.وَكَانَ اللهُ مَعَ الْغُلاَمِ فَكَبِرَ، وَسَكَنَ فِي الْبَرِّيَّةِ، وَكَانَ يَنْمُو رَامِيَ قَوْسٍ.وَسَكَنَ فِي بَرِّيَّةِ فَارَانَ، وَأَخَذَتْ لَهُ أُمُّهُ زَوْجَةً مِنْ أَرْضِ مِصْرَ.[سفر التكوين، الإصحاح 21 الآيات:9- 21]
هذا النص الذي أورده الأستاذ الحواس من سفر التكوين يُبيّن أنّ وُضاع التوراة أسقطوا رحلة سيدنا إبراهيم إلى مكة، والآن اليهود الصهاينة يزعمون أنّ لهم حقًا في مكة لأنّ سيدنا إبراهيم بنى الكعبة، ولكن الأستاذ الحوّاس تجاهل هذا الإسقاط، ولم يوضح هذه الحقيقة التاريخية التي أسقطها وًصّاع التوراة، كما أنّه تجاهل ما جاء في هذا النص ممّا يخالف الحقائق التاريخية التي تؤكد أنّ سيدنا إبراهيم عليه السلام صحب زوجه هاجر وابنهما إسماعيل إلى مكة، وأنّ البئر الذي انفجرت منه الماء هي بئر زمزم، وليس بئرًا ببئر سبع، وأنّ السيدة هاجر وابنها إسماعيل استقرا في مكة وليس في فاران، وتزوّج سيدنا إسماعيل من جرهم، وليس من مصر.
وجعلوا سيدنا إبراهيم ترك هاجر وابنها يذهبان لوحدهما في الصحراء إلى وصلت إلى بئر سبع، واستقر في فاران، وقطعوا أي علاقة بينه وبين أبيه، وكأنّ سيدنا إبراهيم غير مهتم بابنه إسماعيل عليهما السلام! والآن يزعم اليهود الصهاينة أنّ لهم حقًا في مكة لأن سيدنا إبراهيم بنى الكعبة.
الذبيح إسماعيل عليه السلام كما يقول القرآن وليس إسحاق عليه السلام كما تقول التوراة ، هذا محور بحثنا في الحلقة القادمة مع قضايا أخرى.
البريد الاليكتروني: Suhaila_hammad@hotmail.com
رابط المقال : https://2u.pw/eTRABNxN