مؤسسة تكوين الفكر العربي

قراءة لمقارنات السوّاح بين القصص القرآني ومتوازياته التوراتية(2)

By شهر واحد مضىNo Comments

د. سهيلة زين العابدين حمّاد

نُشر في صفحة الرأي بجريدة المدينة بتاريخ 29 أغسطس 2024م.

   هذا وقد أورد الأستاذ الحواس الآيات 1-22 من الإصحاح 22 من سفر النكوين التي جاء في الآيتين 1، 2 تنصّان على أنّ الذبيح هو إسحاق عليه السلام وليس إسماعيل، ولم يُبيِّن الأستاذ الحوّاس أنّ وضاع التوراة وضعوا اسم إسحاق مكان إسماعيل، ويكشف هذا” خذ ابنك وحيدك إسحاق” فكيف يكون إسحاق ابنه الوحيد، وقد رزق بإسماعيل قبله بأربعة عشر عامًا؟؟؟؟

ولم يُبيِّن أنّ فداء الذبيح قبل مولد إسحاق عليه السلام، وهذا ما تبيّته هذه الآيات:(فَبَشَّرۡنَٰهُ بِغُلَٰامٍ حَلِيمٖ* فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ ٱلسَّعۡيَ قَالَ يَٰبُنَيَّ إِنِّيٓ أَرَىٰ فِي ٱلۡمَنَامِ أَنِّيٓ أَذۡبَحُكَ فَٱنظُرۡ مَاذَا تَرَىٰۚ قَالَ يَٰٓأَبَتِ ٱفۡعَلۡ مَا تُؤۡمَرُۖ سَتَجِدُنِيٓ إِن شَآءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّٰبِرِينَ  فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَن يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا ۚ إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ *وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ * وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ * سَلَامٌ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ *كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ *وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ)[ الصافات: 101- 112] أي جاءت البشرى بإسحاق بعد حادثتي الذبح والفداء، فكيف يسلم الأستاذ الحوّاس بالرواية التوراتية الموضوعة التي بها مخالفات صريحة للحقائق التاريخية، ولكن نجده يورد هذا النص بلا تعليق: ” وَحَدَثَ بَعْدَ هَذِهِ ٱلْأُمُورِ أَنَّ ٱللهَ ٱمْتَحَنَ إِبْرَاهِيمَ، فَقَالَ لَهُ:«يَا إِبْرَاهِيمُ!». فَقَالَ«هَأَنَذَا». فقال: «خُذِ ٱبْنَكَ وَحِيدَكَ، ٱلَّذِي تُحِبُّهُ، إِسْحَاقَ، وَٱذْهَبْ إِلَى أَرْضِ ٱلْمُرِيَّا، وَأَصْعِدْهُ هُنَاكَ مُحْرَقَةً عَلَى أَحَدِ ٱلْجِبَالِ ٱلَّذِي أَقُولُ لَكَ»[سفر التكوين:22:2]

  وقد اكتفى الأستاذ الحواس بالقول” لقد جغلت الرواية التوراتية من برية فاران موطنًا لإسماعيل، وهي تلك المناطق الصحراوية الواقعة إلى الجنوب من فلسطين، أمّا الرواية القرآنية فتجعل موطنه في الحجاز، وتنسب إليه وإلى أبيه بناء الكعبة المشرّفة(وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ۖ وَعَهِدْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ * وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَىٰ عَذَابِ النَّارِ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ)[البقرة: 25-26]

   والآن ننتقل إلى خلق العالم ومراحله في الرواية التوراتية: 

 إذ لم يبيّن الأستاذ الحواس ما في الرواية التوراتية من أخطاء وتناقضات علمية في  قصة خلق العالم ومراحله، بينما نجد الباحث موريس بوكاي في دراسته القيمة للكتب المقدسة في ضوء المعارف العلمية، قوله:” بأنّ سفر التكوين يتضمن أكثر التناقضات وضوحًا مع العلم الحديث وحصرها في ثلاث نقاط جوهرية:

  1. خلق العالم ومراحله .
  2. تاريخ خلق العالم وتاريخ ظهور الإنسان على الأرض.
  3. رواية الطوفان.

 فبالنسبة لخلق العالم ومراحله تتحدّث بعض, الآيات في الإصحاح الأول عن (النور) الذي يضيء نهارًا في صباح اليوم الأول من أيام الخلق كما تروي التوراة، بينما لا تذكر التوراة أنوار السموات والأرض في سفر التكوين إلّا فيما يتعلّق بخلق اليوم الرابع. ويبدو من غير المنطقي هنا أن يوجد النور أولًا، ولأنّ الليل والنهار لا يتعاقبان فلّا بعد وجود الأرض ودورانها تحت نجمها الخاص بها أي الشمس فكيف يظهر ضوء الشمس أولًا – أي النور – بينما لم تُخلق إلّا في اليوم الرابع حسب رواية التوراة، وهذا ضمن الدراسات النقدية لأسفار موسى الخمسة التي قام بها العلماء أمثال جان ستروك عام 1753م والأب ديفو؛ حيث توالى العلماء والباحثون في نقد التوراة، هذا وتنتهي رواية الخلق بالنص على أنّ الله تعالى فرغ في اليوم السابع من عمله الذي عمل، فاستراح في اليوم السابع(تعالى الله عما يصفون)فهذا القول لا يتفق مع قوله تعالى:(وَلَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَيۡنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٖ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٖ)[ ق: 38]، وقوله تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)[الشورى:11]

  إنّ النقد الموجه إلى النص التوراتي يتلخص في أنّه يقسم روايته إلى أيام بالمعنى الدقيق، أيام الأسبوع الذي نعرفه ونقدره في حياتنا الدنيوية ن بينما من المعروف تمامًا من وجهة النظر العلمية في أيامنا أن تشكل الأرض والكون قد تم على فترات زمنية شديدة الطول لا تسمح المعطيات الحديثة بتحديد مدتها حتى تقريبًا، لذلك فإنّ تعاقب الأحداث قي النص الكهنوني يناقض المعلومات العلمية الأصيلة، وقد تنبّه الأستاذ موريس بوكاي – عندما قارن بين الأيام في التوراة والقرآن إلى أنّها تعني (مراحل)، أو (فترة زمنية) وليس الأيام المتداولة بيننا في الدنيا ودليله على ذلك في آيات منها:( فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ)[المعارج: 4]

 ويقرر بوكاي في النهاية:” فمن حقنا إذن أن نقبل فيما يتعلق بخلق العالم، يقول القرآن ضمنًا بفترات زمنية طويلة رقمها بالعدد 6، ولا شك أنّ العلم لم يسمح للناس بتقرير أنّ عدد المراحل المختلفة للعمليات هو ستة مراحل، ولكنه قد أثبت بشكل قاطع أنّها فترات زمنية طويلة جدًا حتى تتضاءل إلى جانبها الأيام كما نفهمها، وتصبح شيئًا تافهًا.[موريس بوكاي: دراسة الكتب المقدسة في ضوء المعارف الحديثة، ص 159-160]

  أمّا فيما يتعلق بخلق الإنسان فإن!التوراة في سفر التكوين عندما حدّدت الفترة الزمنية التي تفصل بين إبراهيم وآدم عليهما السلام،  فأدّت إلى الزعم بأنّ آدم عليه السلام كان قبل المسيح بثمانية وثلاثين قرنًا. وقد ثبت أنّ هذه التقديرات الوهمية من عمل الكهنة اليهود في القرن السادس قبل الميلاد، وتتعارض مع المكتشفات العلمية التي حدّدت تاريخ الخلق بعصر سابق بكثير،.[المرجع السابق: ص 50]

للحديث صلة.

البريد الاليكتروني: Suhaila_hammad@hotmail.com

رابط المقال : https://2u.pw/JYODIjqf

Leave a Reply