مؤسسة تكوين الفكر العربي

قراءة متأنية لكتاب القصص القرآني ومتوازياته التوراتية للحوّاس(1)

By شهر واحد مضىNo Comments

د. سهيلة زين العابدين حمّاد

نُشر في صفحة الرأي بجريدة المدينة في 1/ 8/ 2024

  من مؤلفات الباحث السوري أحد أعضاء مجلس أمناء مركز تكوين الفكر العربي  فراس أحمد الحوّاس كتاب”القصص القرآني ومتوازياته التوراتية ـــ أساطير الأولين ـــ وقد صدرت طبعته الأولى عام 2013م، وطبعته الأخيرة عن مؤسسة هنداوي عام 2023م، وقد نحدّث فيه عن تاريخ التوراة العبرانية وتاريخ المصحف الشريف، ثم يعقد مقارنات بين ما ورد في القرآن الكريم والتوراة  لقصص الأنبياء: إبراهيم الخليل، ولوط، وإسماعيل، ويوسف الصديق، وموسى، وداود وسليمان، وأيوب، وإلياس، واليسع، يونس(يونان) عليهم السلام، كما عقد مقارنات بين ما ورد في  التوراة والقرآن الكريم عن قصص أصحاب الكهف وحرق أورشليم ويأجوج ومأجوج، وقصة الخليقة، وإبليس الملاك ـــ كما أسماه الحوّاس في كتابه ـــ الساقط، وسقوط الإنسان الساقط، والطوفان الكبير، والقيامة والتصورات الأخروية، واكتفى في مقارنته بإيراد نص من التوارة والهاجادا أحيانًا، وما يقابلهاــ وفق رؤيته ـــ من القرآن الكريم

 هذا وقد ذكر الأستاذ الحوّاس في مقدمته” أنّ المادة التوراتية التي اعتمدتها للمقارنة لا تقتصر على ما ورد في الأسفار الرسمية التي بقيت على هامش التوراة، ولكنها أدّت مع ذلك دورًا هامًا في تشكيل الصيغة الأخيرة لليهودية بدءًا من القرن الثاني الميلادي، وهي اليهودية التلمودية.”[ص14]

  وهنا أتوقف لأقول : إنّ الأستاذ الحوّاس أعتمد التلمود ولاسيما الهاجادا Haggadah المكوّن الثالث للتلمود

وهي قصص وأساطير الأولين، منسوبة للأنبياء، حيث تم صبغ سيرتهم وتاريخهم وحياتهم الحقيقيقة بصبغة خيالية فى أمور ومواقف لم تحدث لزعم اليهود أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ من الهاجادا معظم أساطيره عن قصص الأنبياء في القرآن والأحاديث، وذلك ليثبت عدم واقعية القصص القرآني، كما زعم في برنامج السؤال الصعب من جهة، ومن جهة أخرى ليثبت أنّ الرسول محمد صلى الله عليه وسلم مؤسس الإسلام أتي به وممّا نقل إليه من شرائع سابقة، كما قال في البرنامج السابق ذكره، في حين تجاهل الأحاديث النبوية الذي زعم أنّ جميعها موضوع!!

هذا وممّا استوقفني في هذا الكتاب:

أولًا: حرص المؤلف على التشكيك في صحة القرآن الكريم عند عرضه تاريخ المصحف  الذي خصص له حوالي (11) صفحة ممتلئة بروايات تشكيكية دون تفنيدها، وبيان عدم صحتها، فقد تجرأ على إعلان زعمه الباطل عن عدم صحة جميع الأحاديث النبوية، وأنّ جميعها موضوع داعيًا إلى نسفها برمتها، ولكنه لم يجرؤ على إعلان أنّ القرآن الكريم الذي بين أيدينا ليس كما نزل على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فجمع كم من الإسرائيليات والروايات الموضوعة للطعن في صحته ليتساوى مع التوراة التي طالها التحريف والحذف والإضافة بأيدي كتبها وُضّاع التوراة؛ إذ جُمعت على مدى 1100سنة كان آخرها القرن الخامس الميلادي، وتضم أسفار موسى الخمسة، ونتيجة لامتداد زمن التأليف إلى أكثر من ألف عام، وطوال عصور الجمع فقد خضعت الأسفار لمؤثرات كثيرة عللت فيها الزيادة أو النقصان أو الحذف، أو الإضافة، بل هناك من علماء اللاهوت من يشك حول بعض الأسفار، وهل هي حقاً من أسفار العهد القديم أم دخيلة عليه؟

فممّا حرص عليه الأستاذ الحوّاس:

أولًا:التشكيك في صحة مصحف أم المؤمنين حفصة رضي الله عنها لأنّه هو المصحف الذي تم جمعه في عهد أبي بكر الصديق رضي الله، وأتمنها  رضي الله عنه عليه بحفظه عندها، ونُسخت منه عدة نسخ في عهد عثمان بن عفّان رضي الله عنه، ووزعت على الأمصار، وهو المتداول بين أيدينا، فيقول: “ولكن شكوكًا تحوم حول أصل مصحف حفصة؛ لأنّ البعض يقول: إنّه كان نسخة عن مصحف سابق، وإنّها تدخلّت أثناء نسخه في ترجيح بعض القراءات الخلافية فعن سالم بن عبد الله أنّ حفصة أمرت أحد الكتاب أن ينسخ لها مصحفًا، وقالت له إذا بلغت هذه الآية(السورة 2 الآية 238)فاكتب(حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين)[ الحوّاس، ص 28  نقلًا عن السجستاني: كتاب المصاحف]

 وصلاة العصر في الآية 238 من سورة البقرة غير موجودة في المصحف العثماني الموحد، حيث ورد( حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ)

 وقبل أيضًا إنّ أم المؤمنين عائشة كانت تحتفظ بمصحف وردت فيه الآية إيّاها مثلما وردت في مصحف حفصة.[الحواس: القصص القرآني ومتوازياته التواراتية(أساطبر الأولين، ص 28، 29 نفلًا عن السجستاني من كتابه كُتّاب المصاحف طبعة بيروت ص 94]

  يلاحظ هنا أنّ مصدر الأستاذ الحواس في نقل هذه الشكوك هو كتاب” كُتّاب المصاحف لعبد الله  ابن أبي داود  السجستاني الذي قال عنه والده أبو داود صاحب كتاب”سنن أبي داود”:(ابني عَبد الله هذا كذاب) فقد أورد ابن عدي في كتابه الكامل في الجرح والتعديل: «سمعت علي بن عَبد الله الداهري يقول: سَمعتُ أحمد بن مُحَمد بن عَمْرو بن عيسى كركر يقول: سَمعتُ علي بن الحسين بن الجنيد يقول: سَمعتُ أبا داود السجستاني يقول: ابني عَبد الله هذا كذاب.»، وذكر ابن عدي نفس الكلام بسند آخر.

 فهذه شهادة من أبي داود صاحب كناب سنن أبي داود أنّ ولده عبد الله (مؤلف كتاب كتّاب المصاحف  كذّاب) فكيف يعتمد الأستاذ الحوّاس روايته عن مصحف أم المؤمنين حفصة رضي الله عنها المتداول بين أيدي المسلمين إلى يوم الدين، ولم يكلف نفسه تطبيق علمي الجرح والتعديل على رواة الروايات التي أوردها في كتابه عن تاريخ المصحف الشريف. 

ثانيًا: ويروى أنّ عمر أنّ عمر أتى بآية الرجم إلى زيد بن ثابت فلم يكتبها: لأنّ عمر كان وحده، ولكن عمر بقي مصرًا على موقفه، ويروى عنه أنّه قال غاضبًا:” لولا بقول الناس زاد عمر في كتاب الله لكتبتُ آية الرجم بيدي، وآية الرجم تقول وفق رواية أُبي بن كعب:”إذا زني الشيخ والشيخة فارجموهما البتة نكالًا من الله والله عزيز حكيم”

  هذا من الإسرائيليات السؤال الذي يطرح نفسه هنا:لماذا لم يحقق الأستاذ الحوّاس في هذه الرواية التي لا أشك أنّه يعلم أنّها من الإسرائيليات، ولم يُبيِّن كيف استطاع  اليهود إدخال حد الرجم إلى الشريعة الإسلامية، والتي هي من شريعتهم، وقد نسخها القرآن الكريم بآية الجلد؛ إذ لا يوجد رجم في القرآن الكريم ؟ والغريب أنّ الحواس يزعم أنّ كل الأحاديث النبوية موضوعة، ويستدل برواية إسرائيلية موضوعة ليشكك في صحة القرآن الكريم!!!

   فاليهود عندما لم يستطيعوا الدخول إلى الشريعة الإسلامية عن طريق كتاب الله سبحانه وتعالى لأنّه  تعهد بحفظه من التبديل والتحريف والنقص والزيادة، لجأوا إلى ما يسمى بالناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم، وادعوا أنّ آية الرجم نُسخت تلاوة، وبقي حكمها، ونسبوا إلى عمر بن الخطّاب رضي الله عنه رواية لا يصدقها عقل، ووضعوا أحاديث الرجم، والتي تتناقض مع آية الجلد، فأقدم الأحاديث عن الرجم في موطأ الإمام مالك رواية محمد بن الحسن الشيباني تحت عنوان باب الرجم ورقم(693) وجاء فيه: الحديث التالي:

أخبرنا مالك، حدثنا يحيى بن سعيد أنّه سمع سعيد بن المسيب يقول: لما صدر عمر بن الخطاب من منى أناخ بالأبطح … فخطب الناس، فقال: يا أيها الناس: قد سننت لكم السنن وفرضت لكم الفرائض …لولا أن يقول الناس زاد عمر بن الخطاب في كتاب الله لكتبتها: “الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة، فإنَّا قد قرأناها، قال سعيد: فما انسلخ ذو الحجة حتى قتل عمر.”

 نحن نعرف أنّ سعيد بن المسيب ولد في السنة الثانية من خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهذا يعني أنّه كان في الثامنة من  عمره عند استشهاد عمر رضي الله عنه، فهل تُقبل رواية طفل في أقل من الثامنة؟

 فهذه الرواية من الإسرائيليات، وأدلة ذلك:

  1.  تناقضها مع الآيات التالية:(إنّا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)[ الحجر:9](بل هو قرآنٌ مجيد. في لوحٍ محفوظ)[ البروج :21- 22] (لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ۖ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ)[ فصلت : 42.]أي لا يكذبه شيء مما أنزل الله من قبل ولا ينزل من بعده يبطله وينسخه.
  2. تجاهل كتابة ما نزل من القرآن فور نزوله من قبل كتبة الوحي، فلا توجد هذه الآية بين ما كُتِب من القرآن الكريم  .
  3. تجاهل العرضات السنوية للقرآن التي كان يعرضها الرسول صلى الله عليه وسلّم  على جبريل عليه السلام، وفي سنة وفاته عليه الصلاة والسلام كانت عرضتان.
  4. اتهامه عليه الصلاة والسلام بعدم الأمانة في تبليغه ما يوحى إليه، والحفاظ عليه، عن السيدة عائشة رضي اللهُ عنها قالت:” من زعم أن رسول الله كتم شيئا من كتاب الله فقد أعظم على الله الفرية”.
  5. تجاهل حفظ القرآن الكريم في الصدور في الصدور، فأين حفظة القرآن الكريم من إثبات نزول هذه الآية.
  6.  عدم وجود حديث نبوي عن آية الرجم، وكل الروايات عنها لم يقلها الرسول الكريم.
  7. آية الرجم المزعومة لا تتفق مع الأسلوب القرآني، فكلمة البتة ليست من أسلوب القرآن، وكلمة الشيخ في القرآن  لا تدل على الرجل الثيب، وإنّما تدل على الرجل الكبير الطاعن بالسن، وفي العربية  يقال للمرأة المسنة”عجوز” وليس “شيخة”(قَالَت يَاوَيلَتَى ءَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعلِى شَيخًا)
  8. واضعوا الأحاديث  لم يجدوا مفرًا من الاعتراف بأنّ كلمة الشيخ تدل على الرجل الطاعن في السن، ولا تدل على الرجل الشاب الثيب، فنجدهمتارة ينسبون إلى زيد بن ثابت رضي الله عنه أنّه قال:” ألا ترى الشابيْن الثيبيْن يرجمان”، كم جاء في  سنن البيهقي [كتاب الحدود؛ باب: ما يستدل به على أنّ السبيل هو جلد الزانيين ورجم الثيب].وتارة ينسبون إلى عمرو بن العاص رضي الله عنه أنّه قال:” ألا ترى أنّ الشيخ إذا زنى وقد أحصن جلد ورجم، وإذا لم يحصن جلد وأنّ الثيب إذا زنى وقد أحصن رجم” كما جاء في مسند أحمد[مسند الأنصار رضي الله عنهم؛ حديث زيد بن ثابت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، وفي كتاب الحدود مستدرك الحاكم]. ومرة ينسبون هذا القول إلى عمر بن الخطّاب رضي الله عنه، كما جاء في صحيح مسلم وسنن الدارقطني وابن ماجه، وابن حنبل، وفي سنن البيهقي[كتاب الحدود؛ باب: ما يستدل به على أن جلد المائة ثابت على البكريْن الحُريْن ومنسوخ عن الثيبين، وأنّ الرجم ثابت على الثيبيْن الحُريْن]والذي من رواته يحي بن سعيدالذي جاء عنه في “تهذيب التهذيب” للعسقلاني أنّه مدلس.

  وهكذا نجد عدم صحة ما نسب لسيدنا عمر رضي الله عنه عن ما تٌسمى بِ آية الرجم، كما تأكد لدينا أنّها ليست من القرآن الكريم، بل هي  من الإسرائيليات حاول اليهود دسّها في القرآن الكريم، ولكنّ الله حافظٌ لكتابه العزيز(إنّا نحن نزّلنا الذِّكْرَ وإنّا له لحَافِظٌون)

للحديث صلة.

البريد الاليكتروني: Suhaila_hammad@hotmail.com

رابط المقال: https://2u.pw/wANqU8OY

Leave a Reply