مؤسسة تكوين الفكر العربي

تكوين الفكر العربي من خلال فكر السوّاح … إلى ماذا يرمي! (1)

By شهر واحد مضىNo Comments

د. سهيلة زين العابدين حمّاد

نُشر في صفحة الرأي بجريدة المدينة في 10 / 7/ 2024م

الباحث السوري في علوم الأديان الأستاذ فراس حوّاس أحد أعضاء مجلس أمناء مؤسسة تكوين الفكر العربي، وهو ليس من دعاة الإصلاح، وإنّما من دعاة الهدم لإنكاره ثوابت الإسلام؛ إذ ينفي وجود حياة آخرة بعد الموت، وينفي وجود جنة ونار، ووجود سيدنا آدم عليه السلام كما ينفي وجود السُّنة النبوية، ويزعم بأن جميع الأحاديث موضوعة، وأنّ ما يدعى بالحديث النبوي يجب نسفه من أساسه كله  … كما ينفي واقعية القصص القرآني، وأنّه يخلو من الجغرافيا والتاريخ، والأكثر من هذا يزعم أنّ الرسول محمد صلى الله عليه وسلم مؤسس الإسلام أتي به وممّا نقل إليه من شرائع سابقة، كما نفى وجوب  حجاب المرأة الذي يعتبره تخلفًا، هذا بعض  ما صرّح به في هذا الفيديو https://www.youtube.com/watch?v=M7qiR3LzmzI لبرنامج السؤال الصعب بقناة سكاي نيوز العربية، ـولنستمع إليه ونفندِّه معًا، ومن ثمَ الرد عليه:

 وسأبدأ من حيث انتهى، وبالتحديد من الدقيقة 23  وخمس ثوان:

أولًا : جوابه عن سؤال مقدمة البرنامج:”هل هناك حياة بعد الموت د. فراس ؟ فأجابها:”لا يوجد حياة بعد الموت”

  وأقول له هنا: كما يبدو أنّ الأستاذ فراس  يؤمن بالداروينة والعبثية الوجودية السارترية، وكلاهما لا يقول بوجود حياة بعد الموت، وقد قال في بداية الحوار أنّ “آدم مجرد رمز”، فإذا كان سيدنا آدم عليه السلام مجرد رمز، فالبشرية التي تعمر الأرض من أين أتت؟ من أبوها إن كان آدم أبو البشر مجرد رمز وليس حقيقة لكونه خلق من تراب؟  فهل سيدنا عيسى عليه السلام مجرد رمز أيضًا؛ لأنّه خلق أيضًا من تراب (إنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)[آل عمران:59]؟

  فإن كنتَ لم تُسلِّم بالحقيفة التي ذكرها الخالق جل شأنه، فهل سلّمت بنظرية المخلوق تشارلز داروين التي تقول بأنّ جميع الكائنات الحية منذ بدء الخليقة حتى الآن تتشارك أسلافًا مشتركة، وأنّ القرد هو السلف للبشر؟ تترك كلام الخالق جل شأنه، وتتبع كلام المخلوق؟ 

ثانيًا: إجابته عن سؤال: “ماذا عن الجنة والنار؟”

الجنة والنار مسائل رمزية فقط، وهذا ما قاله أخوان الصفا في رسائلهم منذ ألف سنة، وعندما قالت له مقدمة البرنامج” أنت بهذا تحدث صدمة أخرى في المجتمعات حين يسمعونك تقول هذا الكلام، هناك من يعمل جاهدًا لدخول الجنة، هناك يتوعّد بدخوله النّار لأخلاقه السيئة أو أعماله السيئة يا دكتور”، أجابها:” لا علاقة لي بهؤلاء، هؤلاء جزء من التركيبة المتخلفة في العالم العربي.” وللأسف الأستاذة فضيلة السويفي مقدمة البرنامج قالت “طيب”، وانتقلّت إلى سؤالها الآخر، وعدم معارضتها لقوله هذا يُعطي انطباعًا أنّ ما قاله حقيقة مسلّم بها، ولهذا أبعاد ودلالات أخيرة. 

 وأقول هنا: متى كانت رسائل أخوان الصفا مرجعية موثوقة لدى المسلمين حتى تتباهى بأخذ رأيها في الجنة والنار؟ 

   إنّ حقيقتهم وغاياتهم الفكرية الباطنية  أرادت تقويض عقائد الإسلام بالتوفيق بينها وبين الفلسفات الوثنية القديمة والأديان المحرّفة، كانت سببł لبيان بعض من مظاهر الإلحاد في رسائلهم المزعومة، فكانت من نتائجها: اعتقادهم بالعقال الفعّال مُبدِع الكائنات وخالقها، وإيمانهم بتدنيس الشريعة الدينية بالجهالات والضلالات، وتطهيرها بالفلسفات الوثنية، واعتقادهم بالنبوة المكتسبة وإنكار ختم النبوة المحمدية، وإيمانهم ببشرية الكتب الدينية الإلهية وتأليفها من قبل الأنبياء، وحتمية اعتقادهم بالظاهر والباطن في الشريعة الدينية  وحتمية الإيمان بوحدة الأديان السماوية؛ لصهر الإسلام وتذويبه.[د. خالد عباس القط. مظاهر الإلحاد في فكر إخوان الصفا وخلان الوفا عرض ونقد, مجلة جامعة طیبة: للآداب والعلوم الإنسانیة، السنة السابعة، العدد 22 , 1441ه، ص 86]

ثالثًأ: قوله”رددتُ ما يدعى بالحديث النبوي يجب نسفه من أساسه كله ” عندما سألته مقدمة البرنامج:”هناك من يردد النساء ناقصات عقل ودين، ـــ وأنّك مطلع على هذه الآراء ـــ، ويقول إنّ المرأة خلقت من ضلع أعوج، كيف ترد على هؤلاء حتى  يكفوا ربما  عن حديقهم بهذه الطريقة ” ثمّ “سألته عن رواه   أبو هريرة رضي الله عنه  عن الرسول صلى الله عليه وسلم ” استوصوا بالنساء خبرُا، المرأة خلقت من ضلع، أيضًا لا تؤمن به ؟” فأجابها:” كله موضوع ، كل الحديث عن الرسول موضوع “، فسألته مقدمة اليرنامج: “لماذا في رأيك وُضعت هذه الأحاديث  على لسان الرسول؟ نريد أنّ تعرف رأيك، لماذا نسب إلى الرسول هذا النوع من  الأقوال في هذه الحالة؟”

فأجاب:” لأنّ الإنسان دائمًا عندما تأتي رسالة من رسول عظيم من نوع محمد، أو من توع المسيح، أو من نوع زرادشت، أو نوع ماني، من يأتي بعده يعمل على تطوير بين معترضين  ليس تطوير قد يكون الرجوع إلى الخلف، لا يوجد دين بقي على حاله التي أتي بها مؤسس الدين، هل المسيحية بقبت كما  هي في الأناجيل ؟ أبدًا “

في هذه الجزئية استوقفني الآتي:

  • زعمه الباطل بأنّ جميع الأحاديث النبوية موضوعة، والمطالبة بنسفها جميعًا بكلام مرسل دون سند علمي، ولستُ أدري  كيف الأستاذة فضيلة السويفي مررت هذا الزعم الباطل، على المصدر الثاني من مصادر التشريع في الإسلام، وكأنّه حقيقة!

  هناك أحاديث موضوعة، ولكن ليس كلها، وقد بدأ الوضع في الظهور بعد مقتل سيدنا عثمان بن عفّان رضي الله عنه، والذي نتج عنه الفتنة التي مزّقت الأمة الإسلامية إلى شيع وأحزاب اكتوينا ولازلنا نكتوي بنيرانها.

    هذا وقد وضع علماء الحديث أصول وقواعد تميز بين الصحيح والضعيف والموضوع متنًا وسندًا.

  فهناك علامات في المتن تُبيِّن الضعف، مثل:

  1. اللحن والركاكة، ومخالفة العقل والحس، والمجازفة بالوعد والوعيد، ومزج الكلام البليغ الفطري بعبارات معقدة من عبارات الأصوليين والمتكلمين، وإدخال أشياء لا تليق بالنبي صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك إدراج بعض العبارات التي يستحيل صدورها عن الرسول صلى الله عليه وسلم [د. صبحي الصالح: علوم الحديث ومصطلحاته، ص 286. ط 14، 1991م، دار العلم للملايين ،بيروت ـ لبنان.]
  2. مخالفة الحديث لصريح القرآن، فالسنة لا تخالف القرآن، وأي حديث يخالف القرآن لا يؤخذ به.
  3.  مخالفته للسنة المتواترة، أو الصحيحة المسلمة كقول” لو أردت أن آمر أحدًا أن يسجد لأحد لأمرتُ المرأة أن تسجد لزوجها”، أو كقول:” من حق الزوج على الزوجة، أن لو سألت منخراه دمًا، وقيحًا، وصديدًا، فلحسته بلسانها ما أدت حقه، لو كان ينبغي لبشر أن يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها، إذا دخل عليها لما فضله الله عليها” أو كقول:”لو أمرت أحدًا أن يسجد لأحد، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها   ولو أنّ رجلًا أمر امرأة أن تنقل من جبل أحمر إلى جبل أسود، ومن جبل أسود إلى جبل أحمر، لكان نولها أن تفعل”
  4.  أمَّا علامات ضعف الحديث من حيث الإسناد فهو ضعف في الراوي، فيخضع لعلم الجرح والتعديل، أو سقوط اسم أحد الرواة.
  5. مقارنته لنبي الله عيسى عليه السلام ومحمد صلى الله عليه وسلم مبلغيْ ديانتيْن سماويتيْن  بزرادت وماني مؤسسي ديانتيْن وثنيتين ليسا بنبييْن، فزرادشت رجل دين فارسي أسس الزرادشتية، وهي  وتعرف أحياناً ب”المجوسية” نسبة لمؤسسها زرادشت ديانة قديمة، تعتبر أقدم الديانات التوحيدية المعروفة في العالم، تأسست منذ أكثر من 3000 سنة في ما يعرف اليوم بدولة إيران على تعاليم زرادشت يعتقد معتنقوها بوجود إله واحد أزلي هو أهورامزدا بمعنى “الإله الحكيم” وهو خالق الكون ويمثل الخير ولا يأتي منه الشر أبدا، يعتقد الزرادشتيين أن زرادشت نبي الله إضافة إلى ذلك هناك عدة مساعدين للإله أهورامزدا وعددهم ستة مساعدين، ويعرفون بأميشا سبنتاس بمعنى “الخالدين المقدسين”، النار والشمس هما رمزها، ولذلك فإنّ النّار مقدسة لكونها تمثيل عن نور أو حكمة أهورامزدا ويحرص الزرادشتيون على ألا تنطفئ في معابدهم.[ https://n9.cl/ih72q]]

  أمّا المانوية فهي خليط بين المسيحية والبوزية والزرادشتية، وعقيدة تناسخ الأرواح اقتبسها ماني من البوذية، حوّرها تمامًا بما يتلاءم مع عقيدته  الخاصة. ليس أي إنسان يموت تنتقل روحه تلقائياً إلى إنسان آخر، إنما يعتمد ذلك على كونه خاطئاً أم لا. لأن تكرار الحياة يعتبر نوعاً من العقاب. فالإنسان النقي المؤمن تذهب روحه مباشرة إلى حدائق النور جنان الله، أما الإنسان الخاطئ فيعاقبه الله بانتقال روحه إلى إنسان آخر ليعيش حياة أخرى وأخرى حتى يصبح نقيًا ومؤمنًا، فيتوقف التناسخ وتذهب روحه إلى جنة الخلود.[ https://linksshortcut.com/mpRJI]

   وأودُّ تذكير الأستاذ الحواس بالحقيقة التي تكون قد عابت عنه: أنّ الله  خلق الإنسان لحكمة، ولم يخلقه عبثًا، فلا حياة بعد الموت ولا جنة ولا نار، ولا ثواب وعقاب  تسيره غرائزه ونزواته، ويصبح عبدًا لها،  وإنّما خلقه لاستخلافه في الأرض وعمارتها ابتلاءً وامتحانًا لغاية عليا، وهي عبادته (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)[ الذاريات:56]،وقد أرسل الرسل والأنبياء لهداية البشر، وأنّ نتاج عمل الإنسان، وإخلاص عبادته لله وحده لا شريك له(‏وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا)‏‏[‏الإسراء:‏ 15‏]‏ وبعث لكل أمة رسول ليقيم الحجة عليهم (وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ)[ قاطر:34]،(وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ ۖ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)[يونس: 47]وخلق الإنسان متعلق بالدنيا والآخرة، وجعل الجنة والنار جزاء لما يعمله بنو البشر( ‏وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)‏[‏يس:‏‏ 54‏]‏( ‏مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ)‏[‏فصلت :‏ 46‏] (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ * هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ * لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ)[ق: 31- 35].(وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ * قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ)[الزمر: 71- 72].

 إنّ نفي الأستاذ فراس وجود حياة بعد الموت، ووجود الجنة والنا، تقربه من  الذين يرجعون خلق الإنسان إلى الطبيعة، تتحكم فيه العبيثة فلا نظام للكون يسيره، يقول الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر” إنَّ الله غير موجود”، أمَّا عن الخلق فيقول في كتابه الغثيان” موجود يولد بدون سبب ويستمر بالضعف ،ويموت بالصدفة”، ويقول في كتابه “الكينونة والعدم” الكينونة هي بدون سبب ولا علة ولا ضرورة.”

  وهكذا نجد وجودية سارتر الملحدة قد حكمت على الإنسان بوجود عبثي، مما أدى بالوجوديين إلى طرح هذا السؤال:”هل تقضي الحكمة بالتخلص من الوجود عن طريق الانتحار؟””

 وكما يبدو أنّ الأستاذ فراس قد تأثر وبالوجودية العبثية السارترية، إلى جانب تأثره بالداروينية، فهل من يحمل هذا الفكر يؤتمن على تكوين فكر شباب أمة بأسرها؟ .

   وقد فات الأستاذ فراس أنّ كل ما في الكون يسير وفق نظام يضبطه، فالكون له نواميسه وسُنَنه، فقد قالها الخالق جل شأنه (إِنَّا كُلَّ شَيۡءٍ خَلَقۡنَٰهُ بِقَدَرٖ)[القمر:49]

للحديث صلة.

البريد الالكتروني: Suhaila_hammad@hotmail.com

اختصار الروابط : https://nz.sa/LWnkT

Leave a Reply