مؤسسة تكوين الفكر العربيمقالات اخرى

مؤسسة تكوين الفكر العربي تصادر الفكر العربي وتعلن وصايتها عليه!(2)

By شهر واحد مضىNo Comments

د. سهيلة زين العابدين حمّاد

نُشر في صفحة الرأي بجريدة المدينة في 5 / 6/ 2024م.

دحّضتُ افي الجزء الأوّل من هذه المقالة بالأدلة والبراهين بعض مزاعم أحد أعضاء مجلس أمناء مركز تكوين الفكر العربي، وهو الأستاذ إبراهيم عيسى للتشكيك في السيرة النبوية، أمّا هذا الجزء فسيكون قراءة للمسألة المقدسية ومعضلة الإسراء والمعراج  من كتاب ” شجون تراثية” للدكتور يوسف زيدان.

 ولا أخفي عليكم عندما بدأتُ أقرأ الكتاب ظننتُ أنّني أخطأتُ فأخذتُ كتاب أحد المستشرقين عن السيرة النبوية بدلًا من كتاب شؤون تراثية للدكتور يوسف محمد أحمد زيدان، لأنّ أسلوبه ومنهجه وفكره وخلفيته الثقافية هي ذاتها للمستشرقين، من ذلك:

أولًا: لا يصلي على الرسول صلى الله عليه وسلم عند ذكر كلمتي ” الرسول، والنبي” كالمستشرقين، مثل قوله:”أثناء حياة النبي والصحابة والتابعين”ص46] وقوله :” وخبر اختيار النبي قبلة اليهود (الشمالية) [ص 47]، وقوله :” وحاصل الأمر أنّ رسول الله كان يصلي بمكة إلى بيت المقدس”[ص47]، وقوله :”خطب رسول الله المسلمين” [ص 47] وقوله:” وعقب وفاة النبي تم استعمال الدين سياسيًا” [ص48] لم يصل عليه سوى مرة في السطر الرابع من الصفحة (44)، وكذلك لا يترضى عن الصحابي عند ذكر اسمه.

ثانيًا: عدم الأمانة في النقل؛ إذ يقتطع النصوص من سياقها،  لتخدم أهدافه، ويتعمد   عدم ذكر النص كاملًا الذي يخالف ما يريد إثباته، والأمثلة على هذا كثيرة، منها:

حرصه على نفي قدسية المسجد الأقصى لدى المسلمين، وإثبات عكس ذلك، فنزع ما كتبه الإمام ابن تيمية عن المسجد الأقصى في فصل المسجد الأقصى في كتابه ” اقتضاء الصراط المستقيم، التي تثبت قدسية المسجد الأقصى لدى المسلمين،  وتقديس اليهود لقبة الصخرة، وجعلها قبلتهم، ونقل منه الذي يوحي بعدم قدسية المسجد الأقصى، فقد بدأ الإمام بن تيمية الفصل ببيان مكانة المسجد الأقصى لدى المسلمين، فقال:”وأمّا المسجد الأقصى فهو أحد المساجد الثلاثة التي تشد إليها الرحال، وكان المسلمون لما فتحوا بيت المقدس على عهد عمر بن الخطاب -حين جاء عمر إليهم فسلم النصارى إليه البلد- دخل إليه فوجد على الصخرة زبالة عظيمة جدًا، كانت النصارى قد ألقتها عليها معاندة لليهود الذين يعظمون الصخرة ويصلون إليها، فأخذ عمر في ثوبه منها واتبعه المسلمون في ذلك…” ثمّ أورد قوله تعالى عن التابوت:(أن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلآئِكَةُ)[البقرة:248]، فقيل: إنه كان فيه الصحف التي أنزلت على موسى فألقاها، يقال: فتحطمت، جاء هذا في بعض الروايات، وعلى كل حال فهذا التابوت قيل: إنهم كانوا يحملونه معهم فإذا أرادوا الصلاة وضعوه واستقبلوه، فإذا كانوا في بيت المقدس كانوا يضعونه على الصخرة فكانوا يستقبلونها، ثم بعد ذلك صارت قبلة لهم، صاروا يستقبلون الصخرة، وأصل ذلك أنّهم كانوا يضعون عليها التابوت، هكذا قيل والله تعالى أعلم، فكان اليهود يعظمونها، ومن ذلك أنّ النصارى كانوا يلقون القمامة على هذه الصخرة التي يقدسها اليهود، واليهود ضعفاء مستذلون مستضعفون لا يستطيعون أن يدفعوا عن دينهم وقبلتهم، فلما جاء عمر رضي الله عنه  أماط ذلك عنها، سواء بدأ بنفسه وبالمسلمين، أو أنّه سخر لها …، فالشاهد أنّ هذه الصخرة المسلمون لا يعظمونها، وليس لها معنى عند المسلمين، وما ينسج حولها من خرافات وأنّها مرتفعة عن الأرض أو نحو ذلك فهذا كله كذب، وليس لهذه الصخرة عند المسلمين قداسة أو تعظيم أو نحو ذلك، وهي التي بنيت عليها القبة التي تعرف بقبة الصخرة، حتى إنّه تنوسي المسجد الأقصى وإن كانت تلك البراح والأماكن كلها تابعة للمسجد، لكن تنوسي المسجد وصار الناس يظنون أنّ المسجد الأقصى هو مسجد قبة الصخرة، فترك د. يوسف هذا كله، ونقل هذا النص: ” وكانت الصخرة مكشوفة ولم يكن أحد من الصحابة لا ولاتهم ولا علماؤهم يخصها بعبادة “وكانت الصخرة مكشوفة ولم يكن أحد من الصحابة لا ولاتهم ولا علماؤهم يخصها بعبادة، وكانت مكشوفة في خلافة عمر وعثمان رضي الله عنهما مع حكمهما على الشام، وكذلك في خلافة علي رضي الله عنه وإن كان لم يحكم عليها.” وكذلك في إمارة معاوية وابنه وابن ابنه، فلما كان في زمن عبد الملك وجرى بينه وبين ابن الزبير من الفتنة ما جرى، كان هو الذي بنى القبة على الصخرة، وقد قيل: إنّ الناس كانوا يقصدون الحج فيجتمعون بابن الزبير، أو يقصدونه بحجة الحج، فعظّم عبد الملك شأن الصخرة بما بناه عليها من القبة، وجعل عليها من الكسوة في الشتاء والصيف، ليكثر قصد الناس للبيت المقدس، فيشتغلوا بذلك عن قصد ابن الزبير، والناس على دين الملك، وظهر في ذلك الوقت من تعظيم الصخرة وبيت المقدس ما لم يكن المسلمون يعرفونه بمثل هذا، وجاء بعض الناس ينقل الإسرائيليات في تعظيمها حتى روى بعضهم عن كعب الأحبار عند عبد الملك بن مروان وعروة بن الزبير حاضر: إنّ الله قال للصخرة: أنت عرشي الأدنى، فقال عروة: يقول الله تعالى: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ}[سورة البقرة:255]،وأنت تقول: إن الصخرة عرشه؟ وأمثال هذا.”[ص 53] [ ص 52- 53]

ولم يورد د. زيدان قول الإمام بن تيمية في هذا الفصل :” وقد ثبت في الصحيح: “أنّ النبي ﷺ لما أتى بيت المقدس ليلة الإسراء صلى فيه ركعتين ولم يصل بمكان غيره ولا زاره”([6])، وحديث المعراج فيه ما هو في الصحيح، وفيه ما هو في السنن والمسانيد، وفيه ما هو ضعيف، وفيه ما هو من الموضوعات المختلقات.” لأنّ هذا النص يؤكد أنّ الإسراء كان إلى بيت المقدس، وليس إلى جعرانة الطائف كما يزعم د. زيدان.

وإن كان د. زيدان يستشهد بأقوال الإمام ابن تيمية ، فما رأيه في أقوله التالية:

ـــــ :” فالمسجد الأقصى كان من عهد إبراهيم عليه السلام؛ لكن سليمان عليه السلام بناه بناء عظيمًا. فكل من المساجد الثلاثة بناه نبي كريم ليصلي فيه هو والناس” . مجموع الفتاوى (٢٧/ ٣٥١) .؟ وأقول هنا لأنّ هذا القول يدحض مزاعم د. زيدان أنّ المسجد الأقصى لم يكن موجودًا عند نزول القرآن الكريم.

ــ   “المسجد الحرام أفضل المساجد، ويليه مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، ويليه المسجد الأقصى”وقد روى أحمد والنسائي وغيرهما عن النبي صلى الله عليه وسلم: “أنّ الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة” أمّا في المسجد الأقصى فقد روي “أنها بخمسين صلاة”وقيل “بخمسمائة صلاة” وهو أشبه مجموع الفتاوى (٢٧/ ٧) .

وقال:”ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه قال:” لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي هذا “وفي الصحيحين من حديث أبي سعيد وأبي هريرة، وقد روي من طرق أخرى، وهو حديث مستفيض متلقى بالقبول، أجمع أهل العلم على صحته وتلقيه بالقبول والتصديق.”

واتفق علماء المسلمين على استحباب السفر إلى بيت المقدس للعبادة المشروعة فيه: كالصلاة والدعاء، والذكر، وقراءة القرآن والاعتكاف. وقد روي من حديث رواه الحاكم في صحيحه: “أن سليمان عليه السلام سأل ربه ثلاثًا: ملكًا لا ينبغي لأحد من بعده، وسأله حكمًا يوافق حكمه، وسأله أنه لا يؤم أحد هذا البيت لا يريد إلا الصلاة فيه إلا غفر له” . ولهذا كان ابن عمر رضي الله عنه يأتي إليه فيصلي فيه ولا يشرب فيه ماء؛ لتصيبه دعوة سليمان لقوله: “لا يريد إلا الصلاة فيه” فإنّ هذا يقتضي إخلاص النية في السفر إليه، ولا يأتيه لغرض دنيوي ولا بدعة.

 وهكذا يتضح لنا بالأدلة والبراهين أنّ الدكتور يوسف زيدان ينهج نهج المستشرقين الذين ينزعون النصوص من سياقها، لجعلها توافق ما يريدونه، ويتركون منها ما يخالفه، كما يتركون من أقوال ما يستدلون به ما يخالف ما يقولونه.

ثالثًا : اتباع المستشرقين في أسلوبهم، كقوله: :” وخبر اختيار النبي قبلة اليهود (الشمالية)، خبر التحوّل عنها من الشمال إلى الجنوب حيث كعبة مكة [ص 47]، فمثل هذا القول يأتي من مستشرق لا يعترف بنبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ولا بنزول الوحي الإلهي عليه ، ويعتبره مؤسس الديانة الإسلامية، وعباراته هذه أرجعتني إلى  قول المستشرق الفرنسي  دومينيك سورديل((1921 – 2014م)، في كتابه الإسلام في القرون الوسطى:” وإمّا من الظروف السياسية التي رافقت تطورها إنّ محمدًا يبدو عندها كمؤسس حقيقي للدين..”[ص 33، ترجمة علي مقلد، الطبعة العربية الأولى 1983م، دار التنوير للطباعة والنشر. بيروت – لبنان]

وكذلك قول المستشرق اليهودي الصهيوني البريطاني الأمريكي برنارد لويس في كتابه ” العرب في التاريخ:”… ومن أجل استرضائهم– أي استرضاء اليهود – أدخل – أي النبي صلى الله عليه وسلم – في المدينة عددًا من شعائرهم وبينها صوم التكفير واستقبال بيت المقدس في الصلاة ..”[ برنارد لويس، العرب في التاريخ . تعريب نبيه فارس ومحمود زايد / 54،طبعة 1954، دار العلم للملايين – بيروت.]

رابعًا:اتباعه أسلوب ومنهج المستشرقين في التشكيك،  من ذلك قوله:”,وحاصل الأمر أنّ رسول الله كان يصلي بمكة إلى بيت المقدس (لاحظ هنا استعمال الوصف اليهودي/ العبري لأورشليم المندثرة منذ خمسة قرون معربًا)، والكعبة بين يديه، فلمّا هاجر إلى المدينة (لاحظ هنا أنّه استعمل الوصف الإسلامي” المدينة المنورة”، وأسقط اسمها الذي كانت به قبل الهجرة يثرب لم يمكنه أن يجمع بينهما ، فصلى إلى بيت المقدس أول مقدمه المدينة، واستدبر الكعبة بستة عشر شهرًا أو سبعة عشر ، وهذا يقتضي أن يكون ذلك إلى رجب السنة الثانية والله أعلم” [ ص 47]

وهنا أتوقف عند قوله :” لاحظ أنّه استعمل الوصف اليهودي العبري لأورشليم…”  ، وقوله :” لاحظ وهنا أسأل أولًا : من هو الذي استعمل  الوصف اليهودي العبري لأورشليم ،والوصف الإسلامي” المدينة المنورة”، وإسقاطه لاسمها قبل الهجرة “يثرب”؟ ومن قال أنّ أورشليم اسم يهودي عبري؟

البريد الالكتروني :  Suhaila_hammad@hotmail .com

رابط المقال : https://nz.sa/lugqX

:”

Leave a Reply