4-قضايا الأمة العربية والإسلامية

حق الحياة والأمن في الديانات السماوية

By شهر واحد مضىNo Comments

د. سهيلة زين العابدين حمّاد

نُشر في صفحة الرأي بجريدة المدينة في 21 فبراير 2024م.

   حق الحياة هو الحق الأول للإنسان، وبه تبدأ سائر الحقوق، وعند وجوده تطبق بقية الحقوق، وعند انتهائه تنعدم معظم الحقوق، وحق الإنسان في الحياة منحة من الله تعالى، وليس للإنسان فضل في إيجاده، وكل اعتداء عليه يعتبر جريمة في نظر الأديان السماوية (اليهودية والمسيحية والإسلام)، وهذا الحق مكفول بالشريعة لكل إنسان، ويجب على سائر الأفراد والمجتمعات والدول حماية هذا الحق من كل اعتداء، وينبني على ذلك حرمة الاعتداء البدني والمعنوي .

الاعتداء البدني

    من حرمة الاعتداء البدني اعتداء الإنسان على غيره بالقتل، وقد عدَّ القرآن الكريم إزهاق الروح الإنسانية مسلمة أو غير مسلمة جريمة ضد الإنسانية كلها وقرنها بأكبر الكبائر، وهو الشرك بالله فجعل عقوبتها في الآخرة الخلود في النَّار، وحق الحياة ثابت لكل نفس فقتل واحدة منها اعتداء على حق الحياة ذاته، والقصاص في القتل هو صيانة لحق الحياة الذي تشترك فيه النفوس جميعًا، يقول تعالى:( مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا على بني إِسْرائيل أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَن أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا)[المائدة: 32]

   وفي السُّنة المطهرة أحاديث كثيرة تبين حرمة القتل منها:”لن يزال المؤمن في فسحة من دينه مالم يصب دمًا حرامًا” رواه البخاري، وروى عنه البخاري عنه أيضًا قوله عليه الصلاة والسلام:”أول ما يُقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء”، ولا يتعدى تحريم القتل على المسلمين، وإنَّما يشمل غير المسلمين ، فيقول عليه الصلاة والسلام في رواية للبخاري:”من قتل  معاهدًا لم يرح رائحة الجنة”

الاعتداء المعنوي

   هو أي عدوان يمس كرامة الإنسان واعتباره الذاتي والإنساني.

      وزيادة في حفظ الإسلام للحياة الإنسانية جعل الأمن حقًا أساسيًا له بالحفاظ على المصالح الضرورية التي تقصد بها الأعمال والتصرفات التي تتوقف عليها صيانة الأركان الخمسة، وهي الدين والنفس والعقل والنسل والمال ، فهذه الأمور الخمسة يتوقف عليها قيام مصالح الناس في حياتهم الدينية والدنيوية ، فإذا فقد بعضها اختلت الحياة الإنسانية.

 كما أعلن الإسلام والسيحية واليهودية في أصولها غير المُحرّفة  أنّ الناس سواسية في القيمة الإنسانية المشتركة، و تتمثل هذه المساواة في الاعتقاد بأنَّ الناس جميعًا متساوون في طبيعتهم البشرية، وأنَّ ليس هناك جماعة تفضل غيرها بحسب عنصرها الإنساني، وخلقها الأول، وانحدارها من سلالة خاصة، وما انتقل إليها من أصلها هذا بطريق الوراثة، فهذه أمور ليس بأيديهم، وإنَّما التفاضل بينهم يقوم على أمور هم يتحكمون فيها، وهي التقوى والعلم والأخلاق والأعمال إلى غير ذلك، وقد حرص الإسلام على تقرير هذه المساواة في أكمل صورها، وجعلها من العقائد الأساسية التي يجب على المسلم أن يدين بها، وفي هذا يقول تعالى :

 ( يا أيُّها النَّاس إنَّا خَلَقّناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وجعلناكم شُعُوبًا وَقَبَائِل لَتَعَارَفُوا إِنَّ أكرمكم عند الله أتقاكم إنَّ اللهَ عليمٌ خبير)[الحجرات: 13]

   فهنا مقياس الأفضلية هو التقوى، فأنتم جميعًا منحدرون من أب واحد وأم واحدة، فلا فضل لأحدكم على الآخر بحسب عنصره وطبيعته وسلالته وجنسه ولونه، وإذا كان الله تعالى قد جعلكم شعوبًا وقبائل، فإنّه لم يجعلكم كذلك لتفضيل شعب على شعب، أو قبيلة على قبيلة، وإنَّما قسَّمكم هذا التقسيم لكون ذلك وسيلة للتعارف والتمييز والتسمية، كشأن الأفراد يحمل كل منهم اسمًا ليعرف به، ويتميز به عمن سواه، والتفاضل بينكم عند الله إنَّما يجري على أساس أعمالكم، ومبلغ محافظتكم على حدود دينكم، فأكرمكم عند الله أتقاكم. ويقول تعالى في آية أخرى:(ولقد كرَّمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيِّبات وفضَّلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلًا)[الإسراء: 70] ، فالله تعالى قد كرَّم بني آدم على العموم، وفضَّلهم على كثير من خلقه، ولم يخص جماعة أو قبيلة دون أخرى، وتفسر السنة النبوية المطهرة هذه الجزئية وتفصل فيها لتوضيحها أكثر، فيقول عليه الصلاة والسلام في خطبة الوداع التي جعلها دستورًا للمسلمين من بعده :”أيها الناس إنَّ ربكم واحد، وآباكم واحد، كلكم لآدم، وآدم من تراب، وليس لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أبيض  ولا لأبيض على أحمر فضل إلاَّ بالتقوى، ألا هل بلغت؟ ! اللهم فاشهد .ألا فيبلغ الشاهد منكم الغائب”.

  ويظهر سمو هذه المبادئ الإسلامية بالموازنة بينها وبين العقائد والشرائع التي كانت سائدة عند كثير من شعوب العالم المتحضر قبل الإسلام، وخاصة عند الهنود البراهمة واليونان والرومان واليهود الذين بعدوا عن أصول دينهم واعتبروا أنفسهم شعب الله المختار، والعرب في الجاهلية، والأوربيون الذين يعتقدون أنَّ الجنس الآري هو أفضل الأجناس، ولا يزال الغربيون بصورة عامة ينظرون إلى الأجناس الأخرى، ولا سيما العرب والمسلمين والأفارقة  نظرة عنصرية دونية، ويستكثرون عليهم ما أنعم الله عليهم من ثروات فيحتلون بلادهم ليستحوذوا على خيراتها. 

 وهذا العوار لدى اليهود والغربيين  كشفه بوضوح  موقف الدول الغربية من حرب الإبادة الجماعية التي ارتكبها ولا يزال  جيش الاحتلال الإسرائيلي الصهيوني في غزة، بغض البصر عنها ، واستخدام الفيتو الأمريكي  في مجلس الأمن لمنع إيقافها، رغم فاق عدد ضحايا هذه الحرب أكثر من مائة ألف فلسطيني بين شهيد وجريح ومفقود ثُلثيهم من النساء والأطفال، في حين قامت الدنيا ولم تقعد على فقدان إسرائيل (1300) إسرائيلي في عملية الطوفان الأقصى التي قامت بها كتائب القسّام في 7 أكتوبر، رغم ثبوت أنّ معظم هذا العدد قتله الجيش الإسرائيلي أثناء قتله المهاجمين من كتائب القسّام، وهذا ما أثبتته التحقيقات الإسرائيلية وشهادة الشهود الإسرائيليين، فمقابل ما قتل من الإسرائيليين قتل أكثر من ثلاثين الضعف من الفلسطينيين ، وعملية القتل والإبادة مستمرة، ونتنياهو مصر على قتل عشرات الألوف في اجتياح رفح الفلسطينية ومعبر فيلادلفيا لمنع وصول المساعدات للفلسطينيين ليموتوا جوعًا ليدفع من يبقى منهم على قيد الحياة قسرًا على اجتياح الحدود المصرية لدخول سيناء لتكون وطنهم البديل ، وبالتالي يتخلص من سكان غزة، ولم يسلم فلسطينيو الضفة الغربية من حرب الإبادة هذه لإجبارهم قسرًا  على الهجرة إلى الأردن لتكون وطنهم البديل، وبذلك تخلو فلسطين من الفلسطينيين، وتتم تصفية القضية الفلسطينية، وتكون فلسطين  دولة يهودية خالصة بعد إبادة شعبها سكّانها الأصليين، وتهجيرهم قسرًا،  كما تم إبادة السكان الأصليين لأمريكا وبريطانيا وأستراليا، وتتصدر الدولتان الإستيطانيتان أمريكا وبريطانيا دعم حرب الإبادة الجماعية التي يقوم بها جيش الاحتلال الصهيوني الإسرائيلي في غزة والضفة الغربية والقدس، ومنع المصلين من الصلاة في المسجد الأقصى في شهر رمضان المبارك؛ إذ طالب وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير، بحظر كامل لدخول الفلسطينيين من الضفة الغربية إلى الحرم القدسي تمامًا خلال شهر رمضان بينما يُسمح للمواطنين العرب بالدخول ابتداءً من سن 70 عامًا.

   وهكذا نجد أنعدم حق الحياة والأمن  في فلسطين، والذي سيتبعه في البلاد العربية التي تدخل ضمن دولة إسرائيل الكبرى التي تخطط إسرائيل لتحقيقها،( لبنان وسوريا والأردن والكويت  وجزء كبير من مصر والعراق والمملكة العربية السعودية)، وذلك بمساندة ودعم الدول الغربية الكبرى.

البريد الالكتروني:Suhaila_hammad@hotmail.com

رابط المقال : https://nz.sa/MaLKV

Leave a Reply