4-قضايا الأمة العربية والإسلامية

لماذا الأونروا الآن؟

By شهر واحد مضىNo Comments

د. سهيلة زين العابدين حمّاد

نُشر في صفحة الرأي بجريدة المدينة في 31 يناير 2024م.

  بعد مضي يوم واحد من  طلب محكمة العدل الدولية التابعة للأمم المتحدة من إسرائيل، منع ومعاقبة التحريض على الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين، وذلك ضمن حكمها الابتدائي بشأن الدعوى القضائية التي رفعتها جنوب أفريقيا على إسرائيل وتتهمها فيها بارتكاب “إبادة جماعية” في قطاع غزة، اكتشفت إسرائيل فجأة، وبعدما مضى مائة وعشرة أيام من عملية كتائب القسّام في غلاف غزة أنّ إثنى عشر من موظفي الأونروا في غزة شاركوا في عملية طوفان الأقصى لصرف الأنظار عن ما جاء في قرار محكمة العدل الدولية من إدانة لإسرائيل بجريمة الإبادة الجماعية لفلسطيني غزة من جهة، ومن جهة أخرى لتنتقم من الأونروا لكشفها كذب الاحتلال بغلق المعابر.. وكشفها مجازره البشعة فى مراكز الإيواء التابعة لها تجاه النساء والأطفال ، ومن جهة ثالثة لتستمر  في إبادتها للغزّاويين  بتعطيل خدمات  الأونروا في مختلف أنحاء القطاع، لما مجموعه 1,4 مليون لاجئًا من فلسطين، بما في ذلك المعونة الغذائية لحوالي 1,2 مليون لاجئًا خاصة في هذه الظروف التي وضعتهم فيها إسرائيل بحربها على غزة وقصفها المستمر ليل نهار دون توقف، فقتلت حتى الآن  أكثر من 25 ألفا و700 شهيدًا، وأصابت  أكثر من 63 ألفًا و740 آخرين، وأكثر من 8 آلاف لايزالون تحت الأنقاض ، 70 % من هؤلاء الضحايا نساء وأطفال، وإسرائيل تستهدف من هذا الاتهام إلغاء الأونروا لتصفية قضية اللاجئين، فخدمات الأونروا متاحة لكافة اللاجئين الفلسطينيين الذين يعيشون في مناطق عملياتها والذين ينطبق عليهم ذلك التعريف والمسجلين لدى الوكالة وبحاجة للمساعدة من  أبناء لاجئي فلسطين الأصليين والمنحدرين من أصلابهم مؤهلون أيضا للتسجيل لدى الأونروا. وعندما بدأت الوكالة عملها في عام 1950، كانت تستجيب لاحتياجات ما يقرب من 750,000 لاجئ فلسطيني. واليوم فإنّ أكثر من خمسة ملايين لاجئ فلسطيني المنتشرين في الأردن ولبنان وسورية والأراضي الفلسطينية المحتلة وقطاع غزة يحق لهم الحصول على خدمات الأونروا،  وتشمل خدمات الوكالة التعليم والرعاية الصحية والإغاثة والبنية التحتية وتحسين المخيمات والدعم المجتمعي والقروض الصغيرة، وما تقدِّمه الأونروا من خدمات لللاجئين الفلسطينيين يفتقر إلى الحد الأدنى المطلوب للحفاظ على كرامة البشر وذلك وفق ما تحصل عليه الوكالة من الدعم المادي عبر التبرعات الطوعية للدول الأعضاء في الأمم المتحدة، وممّا يجدر ذكره أنّ الرئيس الأمريكي السابق ترامب قد قلّص المساعدات أمريكا للأونروا، وجمّد جزءًا منها.

  ولاغرابة من تعليق تسع دول غربية مساعدتها للأونروا التي  تشكل 70 % من المساعدات التي تُقدّمها للأونروا لأكثر من خمسة ملايين لاجئ بمجرّد  إتهام إسرائيل لِ12 موظفًا من بين 13 ألف موظفًا من موظفي الأونروا باشتراكهم في عملية طوفان الأقصى التي قامت بها كتائب القسّام في السابع من أكتوبر بالهجوم على غلاف غزة دون  ثبوت هذه التهمة عليهم، ورغم فصل الأونروا للمتهمين قبل التحقيق معهم، وإعلان منظمة الأمم المتحدة أنّها ستحقق في ما نسبته إسرائيل لهم، إلّا أنّها  لم تنتظر نتائج التحقيق من جهة، ومن جهة أخرى فتلك الدول  تعد  شريكة مع إسرائيل في الإبادة الجماعية للغزّاويين.

   والسؤال الذي يطرح نفسه : لماذا هذا العقاب الجماعي، رغم أنّ إسرائيل قتلت حوالي (114) من موظفي الأونروا، ولم نجد دولة واحدة من تلك الدول تُعلِّق  مساعداتها لإسرائيل؟

   ويجيبنا عن هذا السؤال المؤرخ البريطاني أرنولد توينبي في كتابه “مشكلة اليهودية العالمية”  الذي بيّن فيه كيف سيطّر اليهود على العقلية المسيحية ووجهوها  وفق ما يريدون؟ وكيف تقبلت الكنيسة المسيحية دون مناقشة تفسير اليهود لتاريخهم كما ورد في التوراة مما تضمه بين طياتها من المطاعن ضد الشعوب التي احتكوا بها كالفينيقيين والفلسطينيين والأوروبيين والموابيين والعموريين والدمشقيين؟

 وقد انفرد اليهود في هذا الميدان بإقدامهم على رفع سجل تاريخهم إلى منزلة التقديس، ونجحوا نجاحًا لا يبارى في إيهام مئات الملايين من البشر على مدى الأحقاب، وتعتبر المذاهب المسيحية على اختلافها التاريخ اليهودي تاريخًا مقدسًا، ومهما يكن نصيب الفرد المسيحي من الاستنارة الفكرية ومقدار تحرره الذهني فيصعب عليه بمكان أن يتخلص من التراث اليهودي في المسيحية، لأنّه كامن في شعوره الباطن ويوجه مسار تفكيره وبالتالي، فإذا كانت الكشوف الأثرية تهدم ادعاءات اليهود، وتلقى أضواء صادقة على المجتمعات الأخرى، فما برحت جمهرة المسيحيين تأخذ التاريخ اليهودي، كما ورد في التوراة قضية مسلمًا بها.[فؤاد محمد شبل: مشكلة اليهودية العالمية، دراسة تحليلية لآراء توينبي، ص 9-12 (بتصرّف)،القاهرة:الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر ،1970م.]

   وما قاله توينبي حقيقة واقعة، فالعقلية المسيحية الغربية تقبل الروايات الإسرائيلية كأنّها حقائق مسلمًا بها، وأرواح اليهود في نظرهم مقدسة، أمّا الفلسطينيون فهم حيوانات بشرية،  ورغم ثبوت عدم صحة روايتها عن قتل  كتائب الأقصى في هجومها قي 7 أكتوبر  للأطفال وحرقهم واغتصابها النساء، فقد سلّموا باتهامها لبعض موظفي الأنوروا بمشاركتهم في عملية طوفان قبل التحقيق معهم، وثبوت إدانتهم!  

 وإسرائيل لم تكتف بتوجيه اتهامها بدون أدلة نجدها تطالب المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني بالاستقالة، وتصفية الأونروا، وكأنّها صاحبة القرار في ذلك، ولم نجد ردًا من مسؤول في الأمم المتحدة، ولا من أية دولة عليها بأنّه ليس من حقها ذلك، ولكن مادامت محكمة العدل الدولية لم تجرؤ أن تحكم على إسرائيل بوقف إطلاق النار في غزة بصيغة مباشرة، ولم توقع عليها ولا منظمة دولية ولا دولة في العالم أية عقوبة رغم ما ترتكبه من جرائم حرب ومذابح ومخالفات للقانون الدولي في فلسطين، وتسلم كبريات الدول برواياتها دون التحقق منها، وكأنّها حقائق مسلم بها، وتتخذ قرارات بموجبها تتعلق بمصير أكثر من خمسة مليون لاجئ فلسطيني، يجعلها تفعل ما تشاء، وهي واثقة أنّها ستفلت من أي عقاب بدليل استمرارها بعد قرار محكمة العدل الدولية في الإبادة الجماعية للغزّاويين بقتلها للمدنيين،  وإيقاف وصول المساعدات إليهم بتوقيف 70 من المساعدات للأونروا بما وجهته إليها من إتهام، لتخلي مسؤوليتها من ذلك بعدما فشلت في إقناع محكمة العدل الدولية بأنّ مصر هي المعرقلة لإيصال المعونات لغزة، وهذا يؤكد أنّ اللوبي اليهودي الصهيوني هو الذي يحكم العالم الذي لم يوضع حد له، وأناشد الدول العربية والإسلامية خاصة، والدول التي لا تسير في فلك الدول الغربية المنحازة لإسرائيل أن تضاعف من مساعداتها للأونروا ما يضاهي مساعدات تلك الدول التي جمّدت معوناتها للأونروا حفاظًا على حياة أهالينا الغزّاويين.

البريد الالكتروني : Suhaila_hammad@hotmail.com

رابط المقال : https://nz.sa/vXwfu

Leave a Reply