د. سهيلة زين العابدين حمّاد
نُشر في صفحة الرأي بجريدة المدينة في 24 يناير 2024م.
لقد كشفت لنا حرب ِإسرائيل الوحشية على غزة حكم الصهيونية العالمية للعالم بطريقة عملية، وهذا يُفسّر لنا صمت المجتمع الدولي أمام المجازر وجرائم الحرب التي ارتكبتها إسرائيل في حربها على غزة، واختراقها للقانون الدولي، واستخدامها لأسلحة محرّمة دوليًا، ولم تجرؤ دولة غربية من الدول الكبرى أن توقع عقوبة واحدة على إسرائيل من ألاف العقوبات تلك التي وُقِّغت على روسبا بسبب عمليتها العسكرية ضد أوكرانيا!
ومخطط اليهود للسيطرة على العالم ليس حديث النشأة، فما هو إلاَّ إحياء لتعاليم التلمود التي أكَّدت عليها بروتوكولات صهيون التي كانت من أعمال مؤتمرات زعماء الصهيونية، وكان أولها في مدينة بال بسويسرا عام 1897م برئاسة زعيمهم تيودور هرتزل (1860-1904م)، واجتمع فيه نحو ثلاثمائة من أعتى حكماء صهيون كانوا يمثلون خمسين جمعية يهودية، وقرروا فيه خطتهم السرية لاستعباد العالم كله تحت تاج ملك من نسل داود.
وتتلخص خطتهم في محاولتهم السيطرة على السياسة العالمية بالقبض على زمام الصيرفة، ونشر وسائل الفتنة التي تمهد لقلب النظام العالمي وتهدده في كيانه بإشاعة الفوضى والإباحية بين الشعوب ،وتسليط المذاهب الفاسدة والدعوات المنكرة على عقول أبنائه، وتقويض كل دعامة من دعائم الدين أو الوطنية أو الخلق القويم.
والمخطط الصهيوني هذا مستوحى من التلمود؛ إذ جاء فيه :
“يجب على كل يهودي أن يبذل جهده لمنع استملاك باقي الأمم في الأرض لتبقى السلطة لليهود وحدهم.. وإذا تسلَّط غير اليهود حق لهؤلاء أن يندبوا ويقولوا يا للعار ويا للخراب”
وجاء فيه أيضًا:
” وقبل أن يحكم اليهود نهائيًا على باقي الأمم يلزم أن تقوم الحرب على قدم وساق، وبعد النصر تنبت أسنان أعداء بني إسرائيل بمقدار اثنين وعشرين ذراعًا خارج أفواههم”
ومن تعاليم تلمودهم أيضًا:
“لا يأتي المسيح إلاَّ بعد انتهاء حكم الأشرار الخارجين على دين بني إسرائيل، وحينما يأتي المسيح تطرح الأرض فطيرًا وملابس من صوف وقمحًا كل حبة منه بقدر كلية الثور الكبير، وفي ذلك الزمن تعود السلطة لليهود، كل الأمم تخدم ذلك المسيح ،وتخضع له..وفي ذلك الوقت يكون لكل يهودي ألفان وثمانمائة عبد يخدمونه”
والتلمود أنشأه الكهنة ورجال الدين اليهودي وضمُّوه إلى التوراة، وأصبح يشكل جزءًا لا يتجزأ من عقيدة اليهود، فهؤلاء الكهنة ورجال الدين المقيمون في المعابد والمدارس الفلسطينية والبابلية الذين ألَّفوا أسفار الشريعة الضخمة المعروفة بالتلمود الفلسطيني والتلمود البابلي، وكانوا يقولون إنَّ موسى لم يترك فقط لشعبه شريعة مكتوبة تحتويها الأسفار الخمسة، بل ترك له أيضًا شريعة شفوية تلقاها التلاميذ عن المعلمين ووسَّعوا فيها جيلًا بعد جيل، وقد ثار جدل حول هذه الشريعة الشفوية هل هي معند الله فتكون واجبة الطاعة؟
وما أن زال الصدوقيون بعد تشتت اليهود عام 70م على يد تيتس الروماني وورث رجال الدين تقاليد الفرسيين ورواياتهم قبل جميع اليهود المتمسكين بدينهم الشريعة الشفوية وآمنوا بأنَّها أوامر من عند الله، وأضافوها إلى أسفار موسى الخمسة فتكونت من هذه وتلك التوراة أو الشريعة الموسوية التي استمسك بها اليهود وعاشوا بمقتضاها كانت حقيقة لا مجازًا، هي كيانهم وقوام حياتهم. وإنَّ القصة التي تروي تلك العملية الطويلة التي استغرقت ألف عام، والتي تجمعت في خلالها الشريعة الشفوية ، واتخذت فيها صورتها النهائية المعروفة بالمشنا، والقرون الثمانية التي تجمعت فيها ثمار الجدل، والأحكام والإيضاح فكانت هي الجمارتين أو شروح المشنا، وانضمام المشنا إلى أقصر هاتين الجمارتين ليتألف منهما التلمود الفلسطيني، وإلى أطولهم ليتألف منهما التلمود البابلي ـ إنَّ القصة التي روي هذه الأحداث الثلاثة لمن أكثر القصص تعقيدًا، أو أعظمها إثارة للدهشة في تاريخ العقل البشري”
هذا بالنص ما قاله ول ديورانت عن منشئ التلمود في الجزء الثالث من المجلد الرابع لقصة الحضارة والذي خصص لعصر الإيمان.
هذا ويقول ول ديورانت “كان يهود ألمانيا وفرنسا في العصور الوسطى يدرسون التلمود أكثر ممَّا يدرسون الكتاب المقدس نفسه.”[ ديورانت .ول .قصة الحضارة . ترجمة محمد بدران. ج3، المجلد الرابع،عصر الإيمان، ص 17. جامعة الدول العربية.]
وما يسعى إليه اليهود هو خراب العالم ودماره وفق تعاليم تلمودهم ليقيموا فوق أنقاضه مملكتهم الوهمية الأسطورية، وهم ينشرون في سبيل هذا الوهم أوهامًا وخرافات بلغوا معها مدًا توهموا فيه أنَّ اليهود من نطفة تختلف عن باقي النطف، فمن تعاليم تلمودهم الذي كان أساسًا لبروتوكولاتهم” إنَّ نطفة غير اليهودي كنطفة باقي الحيوانات.[عبد الناصر. شوقي . بروتوكولات حكماء صهيون وتعاليم التلمود . ط 5. ص 33.]
ويقول التلمود “النطفة المخلوق منها باقي الشعوب هي نطفة الحصان، واليهود كما يتوهمون يعتقدون أنَّ أرواحهم متميزة عن باقي الأرواح، وأنَّها جزء من الله، كما أنَّ الابن جزء من أبيه، وهذا يبيح، بل يوجب لهم دخول الجنة التي خلقت لهم، وليس لأحد سواهم، فيقول التلمود :”النعيم مأوى أرواح اليهود، ولا يدخل الجنة إلاَّ اليهود.. أمَّا الجحيم فمأوى الكفار مهما اختلفت أسماء دياناتهم ، ولا نصيب فيها إلاَّ البكاء لما فيها من الظلام والعفونة والطين”
وجاء فيه أيضًا” تتميز أرواح اليهود عن باقي الأرواح بأنَّه جزء من الله، كما أنَّ الابن جزء من أبيه ، وأرواح اليهود عزيزة عند الله بالنسبة لباقي الأرواح لأنَّ الأرواح غير اليهودية هي أرواح شيطانية تشبه أرواح الحيوانات “[المرجع السابق. ص34.]
، وهم يرون أنَّ الله خلق” الأجنبي” أي غير اليهودي على هيئة إنسان ـ فقط ـ ليكون لائقًا لخدمة اليهود الذين خلقت الدنيا من أجلهم ” ، ومن تعاليمه أيضًا ” أنَّ الأمم الخارجة عن دين اليهود أشبه بالحمير ويعتبر اليهود بيوتهم أشبه بزرائب الحيوانات.”[المرجع السابق . ص 35.]
بهذه النظرة العنصرية المتعالية يريد اليهود أن يحكموا العالم، وهذا التعالي لا يقتصر على التلمود، فالتوراة المحرفة أيضًا قائمة على ذات النظرة، فاليهود يزعمون أنَّهم شعب الله المختار، والحقيقة إنَّ دعوة اليهود لحكم العالم لم تكن من وضع منشئ التلمود، وإنَّما كانت من وضع فيعون عام 30أو 20 قبل الميلاد مستمدًا الفكرة من التوراة المحرفة، إذ وضع المبدأ الديني الفلسفي الذي قال ” إنَّ العنصر اليهودي يجب أن يستوطن الأرض المقدسة: أرض الميعاد والزحف منها إلى العالم والسيطرة عليه.”[الجندي. أنور. المخططات التلمودية الصهيونية اليهودية في غزو الفكر الإسلامي .ص23 .دار الاعتصام]
وفي ضوء هذه الغاية صيغت العناصر الجوهرية للكتب المقدسة عند اليهود، ثمَّ وضع التلمود محققًا للخطوات التي تلت تصور هذه المطامع إعادة كتابة التوراة، وكان ما صوره فيلون هو حجر الأساس للفكرة الصهيونية التي تزعمها تيودور هرتزل.
البريد الالكتروني: suhaila_hammad@hotmail.com
رابط المقال : https://nz.sa/EWxAO