د. سهيلة زين العابدين حمّاد
نُشر في صفحة الرأي بجريدة المدينة في 20/12/2023م.
يُرشدنا إلى الإجابة عن هذا السؤال المفكر اليهودي إسرائيل شاحاك(توفي عام 2001م) في كتابه” الديانة اليهودية وتاريخ اليهود”وطأة 3000 عام الذي كتبه بعد قراءته للتلمود، فيقول:” إنّ المعتقدات اليهودية هي التي تحرك السياسات في إسرائيل، وقال أيضًا:” إنّ تجاهل اليهودية وهذه المعتقدات والأيدلوجية اليهودية تجعل هذه السياسات مبهمة أمام المراقبين الخارجيين الذين لا يعرفون عن هذه المعتقدات إلاّ التبريرات الفجّة[إسرائيل شاحاك (1997) الديانة اليهودية وتاريخ اليهود وطأة 3000عام. تفديم إدوارد سعيد، ترجمة رضا سلمان، ص 30، ط 4. شركة المطبوعات للتوزيع والنشر. بيروت . لبنان. وقال:” إنّ المتدينيين يؤمنون والتوسع الإقليمي ويطلقون عليها الحدود التوراتية وغير المتدينيين يطلقون عليها الحدود التاريخية، أو حدود الحق التاريخي.”
وكشف “شاحاك” المخطط الصهيوني ببيانه أنّ دور إسرائيل وظيفي في المنطقة، وبشمل توسعها الإقليمي في المنطقة، الآتي:المنطقة الاقتصادية لقناة السويس والساحل الشمال(منطقة الغاز) حتى ضواحي القاهرة في الجنوب، وسيناء كلها، والأردن ولبنان وسوريا وقبرص والكويت كلها وجزء كبير من السعودية والعراق وتركيا[ص31]
وقال: “لا يوجد يهودي لا يؤمن بالتوسع الإقليمي لأنّ الدولة اليهودية التي تأسست في المنطقة قائمة على قاعدتيْن أساسيتيْن القوة والخداع الذي لا نستطيع أخذه بالحرب نأخذه بالحل السلمي بأن نقنع الحكام العرب بأخذ منهم ما نريده مقابل مزايا تعطيهم إياها الدولة اليهودية، أما المتدينيون يرون أنّ التوسع ضروري والحرب المقدسة ضرورية، وعدم قيام إسرائيل بحرب مقدسة يعد خطيئة قومية، وأنّ رد سيناء إلى مصر إثم قومي، وقال قلة قليلة التي تعارض الدولة اليهودية هي التي تعارض التوسع الإقليمي.”
وهذا بفسر لنا ما جاء في كلمة نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بحثًا عن حجج تسند روايته لمواصلة حربه الإبادية على الفلسطينيين في قطاع غزة باستدعائه أساطير من العهد القديم لمساندته لتأجيج المشاعر الدينية عند الجمهور الإسرائيلي، وذلك في خطاب متلفز يوم الأربعاء 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي؛ إذ استدعى نتنياهو ”نبوءة إشعياء”في إطار سعيه لمواصلة حرب الإبادة على قطاع غزة، وقال: “نحن أبناء النور بينما هم أبناء الظلام، وسينتصر النور على الظلام”.
وأضاف نتنياهو “سنحقق نبوءة إشعياء، لن تسمعوا بعد الآن عن الخراب في أرضكم، سنكون سببا في تكريم شعبكم، سنقاتل معا وسنحقق النصر”.
كما استدعى نصًا دينيًا آخر، حين قال “يجب أن تتذكروا ما فعله عماليق بكم، كما يقول لنا كتابنا المقدس. ونحن نتذكر ذلك بالفعل، ونحن نقاتل بجنودنا الشجعان وفرقنا الذين يقاتلون الآن في غزّة وحولها وفي جميع المناطق الأخرى في إسرائيل”.
وقبل توضيح ماذا يقصد نتنياهو بتصريحه هذا لابد من توضيح حقيقة هامة غابت عن الكثيرين، وهي أنّ نتنياهو من أب يهودي بولندي الأصل من اليهود الأشكناز الذين موطنهم بولندا وبيلاروسيا وروسيا وأوكرانيا، اعتنقوا الديانة اليهودية بالتبعية عندما اعتنقها حاكم الخزر وعلية قومه عام 740م، ويعتقد العديد من الأكاديمين أنّ الخزر الترك اليهود هم أجداد اليهود الروس وكذلك الذين في أوروبا الشرقية، ويشكل السكان المنحدرون من أصل أشكنازي حوالي 47.5 ٪ من اليهود الإسرائيليين، ووفقًا للملخص الإحصائي الإسرائيلي لعام 2009، فإنّ 50.2٪ من اليهود الإسرائيليين من أصل مزراحي وسفارديم( يهود الشرق الأوسط وشمال أفريقيا)، واسم سفارديم وسفارد (بالعبرية: ספרד)لمدينة في آسيا الصغرى، وقد السفارديم أصلاً في إسبانيا والبرتغال، مقابل الإشكناز الذين كانوا يعيشون في ألمانيا وفرنسا ومعظم أوروبا، ومعظمهم من شرق أوروبا الشرقية) ويهود الفلاشا (يهود أثيوبيا)، ويهود إسرائيل بمن فيهم يهود العالم لا ينتمون إلى يهود بني إسرائيل في معظمهم؛ إذ لم يبق من يهود بني إسرائيل سوى 5% وفقًا للدراسات الأنثوبولوجية لعلماء يهود وبريطانيين، ووفقًا لتاريخهم، فمعروف أنّ بني يعقوب عليه السلام إثنى عشر سبطَا، وفي القرن السابع قبل الميلاد تعرض عشرة أسباط من أولاد يعقوب عليه السلام للسبي الآشوري ونقلوا إلى نينوى شمال العراق، وانصهروا مع أهلها وذابوا فييها، ولم يعودوا.
وفي القرن الخامس قبل الميلاد نبوخذنصر البابلي سبى سبيط يهوذا وبنيامين في بابل، ويعد العهد القديم السبي البابلي نعمة، بدليل أنّه عندما قال لهم قورش الفارسي يعودوا رفضوا، وبناءً على ذلك لم يبق أحد من بني إسرائيل؛ إذ ذابو في شعوب وأمم أخرى، فلا علاقة لنتنياهو واليهود الإسرائيليين الذين يعيشون في فلسطين المحتلة بنبوة أشعيا التي تخص بني إسرائيل فقط حتى لو سلّمنا جدلًا بصحتها، وإن كانت مجرّد أسطورة صاغها تلامذة أشعيا بما تمتلئ دواخلهم بكراهية العرب والفلسطينيين والعرب، وبحب القتل والدمار الذي يمثلهم اليهود الشكناز ذوو الموقف الكاره للفلسطينيين وقضيتهم، وعادة ما يدعوا حاخاماتهم الى نقل الفلسطينيين الى دول بعيدة ونائية معتبرةً إياهم أنّهم بحاجة إلى أنّ ينتقلوا إلى مدن حضارية لانّهم يعيشون على خط الفقر .وكان كبير حاخامات اليهود الشكناز يونا متزغر قد دعا كلّا من بريطانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة إلى المساعدة في إنشاء دولة فلسطينية في صحراء سيناء المصرية ونقل سكان غزة إليه، وهذا ما يصر عليه نتنياهو في حربه الآن على غزة، وتساعده على تحقيقه أمريكا باستخدامها حق الفيتو في مجلس الأمن للحيلولة دون إصداره قرارًا بوقف. إطلاق النار.
وممّا يجدر ذكره، فقد ذكر إسرائيل شاحاك في كتابة الديانة اليهودية وتاريخ اليهود أنّه أُقْتُرِح في عام 1914 إبادة الفلسطينيين كما جاء في سفر يشوع وآخر قال يُهجّروا إلى العراق، وفي عام 1944م وافق حزب العمال البريطاني على ترحيل الفلسطينيين من فلسطين، ولا غرابة من موقفي أمريكا وبريطانيا، فكلاهما دولتان استطانيتان، أبادتا سكان أمريكا وبريطانيا الأصليين، واحتلتا بلادهما!
والآن لنتوقف لتفسير مقولة نتنباهو، هذا ما سأبحثه في الجزء الثاني من هذه المقالة.
البريد الالكتروني: Suhaila_hammad@hotmail.com
رابط المقال: https://nz.sa/dNYPC