4-قضايا الأمة العربية والإسلامية

نظرة اليهود إلى غير اليهود!

By شهر واحد مضىNo Comments

د. سهيلة زين العابدين حمّاد

نُشر في صفحة الرأي بجريدة المدينة في 17 يناير 2024م

  ما أثارته جنوب أفريقيا في دعواها ضد إسرائيل بتهمة إقدامها على الإبادة الجماعية لفلسطيني غزة، بما قامت به على أرض الواقع، ومن خلال تصريحات كبار مسؤولي حكومة دولة الاحتلال الصهيوني عن إبادة فلسطيني غزة تارة بقنبلة ذرية أو تهجيرهم قسريًا إلى سيناء بعد هدم بيوتهم، ومنع عنهم الطعام والماء والدواء والعلاج والطاقة والوقود، وكل مقومات الحياة، ونعتهم بحيوانات بشرية، وغير ذلك  من الأقاويل والتصريحات التي  تنم عن عنصريتهم، وحبهم للقتل وسفك الدماء وشعورهم بالفوقية على جميع أجناس البشر فهذه نظرتهم التي تُمثل عقيدتهم التلمودية والتوراتية المُحرّفة التي تربّوا عليها.

  ولتتضح لنا هذه النظرة، علينا نعود إلى مقالة المفكر اليهودي إسرائيل شاحاك (توفي عام 2001م) في كتابه” الديانة اليهودية وتاريخ اليهود”وطأة 3000 عام الذي كتبه بعد قراءته للتلمود،:” أنّ المعتقدات اليهودية هي التي تحرك السياسات في إسرائيل، وقال أيضًا:”إنّ تجاهل اليهودية وهذه المعتقدات والأيدلوجية اليهودية تجعل هذه السياسات مبهمة أمام المراقبين الخارجيين الذين لا يعرفون عن هذه المعتقدات إلاّ التبريرات الفجّة”، وقال:” إنّ المتدينيين يؤمنون والتوسع الإقليمي ويطلقون عليها الحدود التوراتية وغير المتدينيين يطلقون عليها الحدود التاريخية، أو حدود الحق التاريخي.”

 فهذه الحقيقة تكشف لنا أنّ نظرة اليهود إلى غير اليهود الذين يطلقون عليهم” الأغيار”  أو الأمميين”، وقد استباحوا أعراضهم ودماءهم وأموالهم،  وهي  نظرة قائمة على العنصرية؛ إذ يعتبر اليهود غيرهم من شعوب العالم دونهم منزلة لا شريعة لهم، وأنَّ اليهود هم شعب الله المختار الذى اختاره، فيزعمون أنَّ الله آثرهم بمحبته، وفضلهم على من سواهم، وميزهم عن سائر عباده لأنَّهم في نظره أرقى وأولى بالإيثار، ولهذا وضع شريعة خاصة بهم لا يشاركهم فيها أحد كأنّهم وحدهم من خلقه، وبقية الناس من خلق غيره، بل من خلق أعدائه ونسبوا إلى الله تعالى قول “وقل اسمعوا حكمة الرب يا قوم يهوذا وسكان أورشليم، هكذا قال رب الجنود وإله إسرائيل”[سفر أرميا : 19/ 3.]، وزعموا أنّهم أحباب الله وأولياءه، وشعبه المختار الذى اختاره لتقديسه، وليكون أخص به من جميع الشعوب التي على الأرض.[سفر التثنية : 7 / 1 ـ 6.]

  فيما يصدر الانجلو ساكسون والانجلو أمريكان عن الموسوية تصدر الموسوية عن يهودا يكره كل من لا يعبده ويوقع به قصاصًا لرابع جيل. ويصوغ يهودا إبادة الأممين المشركين الكفرة الجنتايل Gentile وتحريم مدنهم بمعنى تدميرها تدميرًا كاملًا وإحراق مواشيهم و سبى نسائهم وأطفالهم. وقد تعين الموسويون على التحريم وليس على البناء ولم يبن اليهود مدينة أو دولة، ويحرم الموسويون مال وعقار و مدن من عداهم إشفاءً لضغينة موسوية قائمة تتطلب القصاص بلا هوادة ولا تتورع عن استخدام القوة الغاشمة وتصوغ استخدامها مثلما تفعل إسرائيل. وادعوا أنّهم الزرع المقدس الذي اختلط بشعوب الأرض.”[ سفر عزرا 1: 9/ 14.]

وانطلاقًا من هذه النظرة أباحوا لأنفسهم تحريف التوراة لتوافق نصوصها أهواءهم ومزاعمهم، وكذلك حرّفوا الإنجيل محولين المسيحية من دين خاص لبنى إسرائيل إلى ديانة عالمية يناهضون بها الدين الإسلامي الذي سيكون دينًا عالميًا وخاتمًا للأديان ونبيه عربي هو محمد صلى الله عليه وسلم، والذي بشر به في التوراة فحرّفوها، وأخفوا هذه البشارة وناهض اليهود الإسلام منذ ظهوره حتى الآن، ولعل مواقفهم مع الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة خير دليل على عدائهم للإسلام وحقدهم على نبيه العربي، فهم لا يقرون إلا بنبوة بنى إسرائيل ودس اليهود عبر التاريخ للإسلام والمسلمين أدلة أخرى على هذا العداء.

وما أن زال الصدوقيون بعد تشتت اليهود عام 70م على يد تيتس الروماني وورث رجال الدين تقاليد الفرسيين ورواياتهم قبل جميع اليهود المتمسكين بدينهم الشريعة الشفوية وآمنوا بأنَّها أوامر من عند الله، وأضافوها إلى أسفار موسى الخمسة فتكونت من هذه وتلك التوراة أو الشريعة الموسوية التي استمسك بها اليهود وعاشوا بمقتضاها كانت حقيقة لا مجازًا، هي كيانهم وقوام حياتهم. وإنَّ القصة التي تروي تلك العملية الطويلة التي استغرقت ألف عام، والتي تجمعت في خلالها الشريعة الشفوية، واتخذت فيها صورتها النهائية المعروفة بالمشنا، والقرون الثمانية التي تجمعت فيها ثمار الجمارتين، والأحكام والإيضاح فكانت هي الجمارتين أو شروح المشنا، وانضمام المشنا إلى أقصر هاتين الجمارتين ليتألف منهما التلمود الفلسطيني، وإلى أطولهم ليتألف منهما التلمود البابلي ـ إنَّ القصة التي روي هذه الأحداث الثلاثة لمن أكثر القصص تعقيدًا أو أعظمها إثارة للدهشة في تاريخ العقل البشري”

هذا بالنص ما قاله ول ديورانت عن منشئ التلمود في الجزء الثالث من المجلد الرابع لقصة الحضارة والذي خصص لعصر الإيمان.

هذا ويقول ول ديورانت “كان يهود ألمانيا وفرنسا في العصور الوسطى يدرسون التلمود أكثر ممَّا يدرسون الكتاب المقدس نفسه. “[ديورانت . ول. قصة الحضارة. ترجمة محمد بدران.الجزء الثالث.المجلد الرابع. عصر الإيمان. ص 17، جامعة الدول العربية.]

   وما يسعى إليه اليهود هو خراب العالم ودماره وفق تعاليم تلمودهم ليقيموا فوق أنقاضه مملكتهم الوهمية الأسطورية، وهم ينشرون في سبيل هذا الوهم أوهامًا وخرافات بلغوا معها مدًا توهموا فيه أنَّ اليهود من نطفة تختلف عن باقي النطف، فمن تعاليم تلمودهم الذي كان أساسًا لبروتوكولاتهم” إنَّ نطفة غير اليهودي كنطفة باقي الحيوانات.”[عبد الناصر . شوقي . بروتوكولات حكماء صهيون وتعاليم التلمود ص 33.ط5.]

  وهذا يفسر مقولة وزير الدفاع الإسرائيلي عند إعلان الحرب على غزة” نحن نحارب حيوانات بشرية”

ويقول التلمود “النطفة المخلوق منها باقي الشعوب هي نطفة الحصان، واليهود كما يتوهمون يعتقدون أنَّ أرواحهم متميزة عن باقي الأرواح، وأنَّها جزء من الله، كما أنَّ الابن جزء من أبيه، وهذا يبيح، بل يوجب لهم دخول الجنة التي خلقت لهم، وليس لأحد سواهم، فيقول التلمود :”النعيم مأوى أرواح اليهود، ولا يدخل الجنة إلاَّ اليهود.. أمَّا الجحيم فمأوى الكفار مهما اختلفت أسماء دياناتهم، ولا نصيب فيها إلاَّ البكاء لما فيها من الظلام والعفونة والطين”

وجاء فيه أيضًا ” تتميز أرواح اليهود عن باقي الأرواح بأنَّه جزء من الله ، كما أنَّ الابن جزء من أبيه ، وأرواح اليهود عزيزة عند الله بالنسبة لباقي الأرواح لأنَّ الأرواح غير اليهودية هي أرواح شيطانية تشبه أرواح الحيوانات”[ المرجع السابق. ص34] ، وهم يرون أنَّ الله خلق” الأجنبي” أي غير اليهودي على هيئة إنسان فقط ـ ليكون لائقًا لخدمة اليهود الذين خلقت الدنيا من أجلهم” ، ومن تعاليمه أيضًا” أنَّ الأمم الخارجة عن دين اليهود أشبه بالحمير ويعتبر اليهود بيوتهم أشبه بزرائب الحيوانات.[ المرجع السابق .ص 35.]

 بهذه النظرة العنصرية المتعالية يريد اليهود أن يحكموا العالم، وهذا التعالي لا يقتصر على التلمود، فالتوراة المحرفة أيضًا قائمة على ذات النظرة، فاليهود يزعمون أنَّهم شعب الله المختار، والحقيقة إنَّ دعوة اليهود لحكم العالم لم تكن من وضع منشئ التلمود، وإنَّما كانت من وضع فيعون عام 30أو 20 قبل الميلاد مستمدًا الفكرة من التوراة المحرفة؛ إذ وضع المبدأ الديني الفلسفي الذي قال:”إنَّ العنصر اليهودي يجب أن يستوطن الأرض المقدسة: أرض الميعاد والزحف منها إلى العالم والسيطرة عليه.”[المرجع السابق. ص 35.]

وفي ضوء هذه الغاية صيغت العناصر الجوهرية للكتب المقدسة عند اليهود، ثمَّ وضع التلمود محققًا للخطوات التي تلت تصور هذه المطامع إعادة كتابة التوراة، وكان ما صوره فيلون هو حجر الأساس للفكرة الصهيونية التي تزعمها تيودور هرتزل.

  وممّا يثير الدهشة والاستغراب أنّ قادة الدول الكبرى(وهم مسيحيون) المؤيدين لحرب إبادة إسرائيل للشعب الفلسطيني في غزة، وما تقوم به من قتل للأطفال والنساء والشيوخ  وتدمير وتهجير قسري وتجويع وتعطيش وتدمير المستشفيات وقتل الأطباء والممرضين والمسعفين عمدًا للحيولة دون علاج الجرحى والمرضى لا تخفى عنهم نظرة اليهود العنصرية لغير اليهود الذين منهم المسيحيين، وأنّهم يهدفون إلى السيطرة على العالم بأكمله، وهو هدف معلن، ولكن المجتمع الدولي المؤيد لجرائم ومذابح إسرائيل في فلسطين يغض الطرف عن سعي إسرائيل لتحقيق هذا الهدف، بل يؤيد جرائم إسرائيل، ويساعدها على تحقيق هدفها المنشود، وهو السيطرة على العالم!

  وهكذا يتأكد لنا أنّ ما قامت به إسرائيل من مذابح في فلسطين على مدى ما يقارب القرن، وما قامت به حاليًا من مذابح وإبادة جماعية للغزّاويين من صميم معتقدات اليهود التي صنعوها بأيديهم وقدّسوها، وأقاموا دولتهم عليها، فعلى أي أساس ستنفي إسرائيل الحقائق والوقائع التي قدّمتها جنوب أفريقيا في دعواها لمحكمة العدل الدولية عن قيامها بالإبادة الجماعية في حربها على غزة ، وقد شهدها العالم أجمع على الهواء مباشرة وقت حدوثها؟

  هذا وممّا يحدر ذكره فإنّ رد إسرائيل على دعوى جنوب أفريقيا ردًا ضعيفًا هزيلًا لا يستند إلى أدلة؛ حيث حرص ممثل الفريق القانوني لإسرائيل على بناء دعواه على الآتي:

1.إثارة عاطفة المحكمة بذكره ” لمحرقة الهولكست لربطها بأحداث 7 أكتوبر، وكرر دعوى إسرائيل الباطلة على قيام كتائب القسّام  باغتصاب بعض الفتيات دون أدلة، واكتفى بأنّ أحدهم قال ذلك، وتُدحضه إفادات الأسيرات الإسرائيليات اللاتي أطلق سراحهنّ.

2. نفي كون غزة محتلة  لتعطي لنفسها حق الدفاع عن نفسها، مع أنّ إسرائيل  محاصرتها منذ عام 2007 ، وهو الذي يتحكم في وصول الغذاء والماء والطاقة والكهرباء إليها، وقد منعها  عنها في حربها على غزة في أكتوبر 2023م، ومنعت عنها وصول المساعدات الإنسانية إليها عبر معبر رفح على الجانب الفلسطيني الذي قصفته أربع مرات، إضافة إلى شنها أربع حروب على غزة منذ انسحابها منها عام 2005 وفق اتفاق أوسلو. مع منحها السيطرة الكاملة على المجال الجوي لغزة.

3. التشكيك في مصداقية ونزاهة جنوب أفريقيا باتهامها أنّ لها علاقة بحماس، دون أن تقدم أدلة على ذلك.

البريد الالكتروني: Suhaila_ammad@hotmail.com

رابط المقال : https://nz.sa/sfAmz

Leave a Reply