4-قضايا الأمة العربية والإسلامية

مذابح إسرائيل في فلسطين من دير ياسين عام 1947 إلى الحرب على غزة 2023 -2024

By شهر واحد مضىNo Comments

د. سهيلة زين العابدين حمّاد

نُشر في صفحة الرأي بجريدة المدينة في 3 يناير 2024م.

مذابح إسرائيل في حربها الحالية على غزة ليست الوحيدة، فهناك سلسلة من المذابح التي قامت بها المنظمات اليهودية الصهيونية الإرهابية المسلحة  قبل إعلان قيام دولة إسرائيل 14 مايو 1948؛ إذ بدأت في ثلاثنيات القرن الماضي، وإن بدأنا  بمذابح عام 1947م، وما تلاها، أي قبل إعلان دولة إسرائيل، فنجدها بلغت أكثر من (30) مذبحة، وبلغ مجموع شهدائها  أكثر من (4000) شهيدًا، وألوف الجرحى، ولم تتوقف مذابح إسرائيل؛ إذ استمرت في الضفة الغربية بعد اتفاقية أوسلو، مع إعلانها خمسة حروب على غزة منذ انسحابها منها عام 2005 آخرها حربها الحالية  لتي ارتكبت  فيها حتى اليوم ال84 أكثر من ألفي مذبحة، بمعدل يتراوح من 20ـــ 30 مذبحة يوميًا، استشهد فيها حوالي 21500 شهيدًا، وأكثر من 55000ألف جريحًا و7 آلاف مفقودين، والهدف من كل هذه المذابح إبادة الفلسطينيين وإحلال محلهم مستوطنين يهود من شرق أوروبا.

ومن المذابح الإسرائيلية التي استوقفتني مذبحتان أرتكبتهما منظمتان إرهابيتان يهوديتان صهيوينيتان قبل قيام دولة إسرائيل وهما:

  1. مذبحة باب العامود بمدينة القدس التي ارتكبتها عصابات الإرجون الصهيونية الإرهابية في 29 ديسمبر عام 1947، بإلقاء برميل من المتفجرات أدى إلى استشهاد 14 فلسطينيًا وإصابة 27 آخرين، وقنبلة تسببت في استشهاد 11 آخرين.
  •  مذبحة دير ياسين التي تتفق في أهدافها وخططها مع أهداف وخطط  حربها على غزة 2023، والفرق بين المذبحتين أنّ دير ياسين حدثت قبل قيام دولة إسرائيل، بشهر وخمسة أيام في  9 إبريل عام 1948، وحرب إسرائيل على غزة 2023 قامت بعد مرور 75 عامًا على قيام دولة إسرائيل على الأراضي الفلسطينية، والذي نّفذ مذبحة دير ياسين  منظمتان عسكريتان صهيونيتان إرهابيتان هما الإرجون (التي كان يتزعمها مناحم بيجين، رئيس وزراء إسرائيل فيما بعد) وشتيرن ليحي (التي كان يترأسها إسحق شامير الذي خلف بيجين في رئاسة الوزارة). وتم الهجوم باتفاق مسبق مع الهاجاناه، بينما حرب غزة أشرف عليها مجلس حرب إسرائيلي برعاية أمريكية ونفّذها الجيش الإسرائيلي الذي يصف نفسه بالجيش الذي لا يقهر المزوّد بأحدث وأفتك الأسلحة الأمريكية من طائرات ودبّابات وصواريخ وقنابل فتّاكة وزوارق وأسلحة مُحرّمة دوليًا، وقد فُتحت له مخازن السلاح الأمريكية السرية المخزّنة في الأراضي الفلسطينية المحتلة ليغرف منها ما شاء، وفي دير ياسين كانت بريطانبا هي الداعمة للإسرائيليين من حيث تزويدهم بالسلاح وتدريبهم، ومنحهم الغطاء الشرعي باعتبارها دولة الانتداب، وفي حرب غزة أمريكا هي الداعمة الأولى لإسرائيل من حيث مدّها بالسلاح، وبالخطط الحربية والدعم السياسي والإعلامي  إلى جانب الدول الغربية الكبرى .
  • ودير ياسين تلك القرية الصغيرة التي تقع على بعد بضعة كيلومترات من القدس على تل يربط بينها وبين تل أبيب، وكانت القدس آنذاك تتعرض لضربات متلاحقة، وكان العرب، بزعامة البطل الفلسطيني عبد القادر الحسيني، يحرزون الانتصارات في مواقعهم. لذلك كان اليهود في حاجة إلى انتصار حسب قول أحد ضباطها “من أجل كسر الروح المعنوية لدى العرب، ورفع الروح المعنوية لدى اليهود”، فكانت دير ياسين فريسة سهلة لقوات الإرجون. كما أنّ المنظمات العسكرية الصهيونية كانت في حاجة إلى مطار يخدم سكان القدس  من اليهود.

والهجوم وعمليات الذبح والإعلان عن المذبحة هي جزء من نمط صهيوني عام يهدف إلى تفريغ فلسطين من سكانها عن طريق الإبادة والطرد، وكان يقطن القرية العربية الصغيرة 400 شخصًا، لا يملكون إلّا أسلحة قديمة يرجع تاريخها إلى الحرب العالمية الأولى، وفي فجر 9 أبريل عام 1948 دخلت قوات الإرجون من شرق القرية وجنوبها، ودخلت قوات شتيرن من الشمال ليحاصروا القرية من كل جانب ما عدا الطريق الغربي، وفاجأوا السكان وهم نيام. وقد قوبل الهجوم بالمقاومة في بادئ الأمر، وهو ما أدَّى إلى مصرع 4 وجرح 40 من المهاجمين الصهاينة. ولمواجهة صمود أهل القرية، استعان المهاجمون بدعم من قوات البالماخ في أحد المعسكرات بالقرب من القدس حيث قامت من جانبها بقصف القرية بمدافع الهاون لتسهيل مهمة المهاجمين. واستولوا على القرية عن طريق تفجيرها بيتًا بيتًا. وبعد أن انتهت المتفجرات لديهم قاموا بإخلاء المكان من آخر عناصر المقاومة عن طريق القنابل والمدافع الرشاشة، حيث كانوا يطلقون النيران على كل من يتحرك داخل المنزل من رجال، ونساء، وأطفال، وشيوخ. وأوقفوا العشرات من أهل القرية إلى الحوائط وأطلقوا النار عليهم. واستمرت أعمال القتل على مدى يومين. وقامت القوات الصهيونية بعمليات تشويه سادية(تعذيب ـ اعتداء ـ بتر أعضاء ـ ذبح الحوامل والمراهنة على نوع الأجنة) وأُلقي بـ 53 من الأطفال الأحياء وراء سور المدينة القديمة، واقتيد 25 من الرجال الأحياء في حافلات ليطوفوا بهم داخل القدس طواف النصر على غرار الجيوش الرومانية القديمة، ثم تم إعدامهم رميًا بالرصاص. وألقيت الجثث في بئر القرية وأُغلق بابه بإحكام لإخفاء معالم الجريمة. وكما يقول الكاتب الفرنسي ميرسييون: “وخلال دقائق، وفي مواجهة مقاومة غير مسبوقة، تحوَّل رجال وفتيات الإرجون وشتيرن … إلى “جزارين”، يقتلون بقسوة وبرودة ونظام مثلما كان جنود قوات النازية يفعلون”. ومنعت المنظمات العسكرية الصهيونية مبعوث الصليب الأحمر جاك دي رينييه من دخول القرية لأكثر من يوم. بينما قام أفراد الهاجاناه الذين احتلوا القرية بجمع جثث أخرى في عناية وفجروها لتضليل مندوبي الهيئات الدولية وللإيحاء بأنّ الضحايا لقوا حتفهم خلال صدامات مسلحة (عثر مبعوث الصليب الأحمر على الجثث التي أُلقيت في البئر فيما بعد) وقال بيجن في كتابه المعنون الثورة: “إنّ مذبحة دير ياسين أسهمت مع غيرها من المجازر الأخرى في تفريغ البلاد من 650 ألف عربي”. وأضاف قائلًا: “لولا دير ياسين لما قامت إسرائيل”..

   وقال أيضًا :”إنّ الاستيلاء على دير ياسين كان جزءًا من خطة أكبر،  ويُعَد التمسك بها إحدى مراحل المخطط العام، وجاء في إحدى النشرات الإعلامية التي أصدرتها وزارة الخارجية الإسرائيلية أنّ ما وصف بأنّه “المعركة من أجل دير ياسين” كان جزءًا لا يتجزأ من “المعركة من أجل القدس”. وأقر الصهيوني العمالي مائير بعيل في السبعينيات بأنّ مذبحة دير ياسين كانت جزءًا من مخطط عام، اتفقت عليه جميع التنظيمات الصهيونية في مارس 1948، وعُرف باسم «خطة د»، وكان يهدف إلى طَرْد الفلسطينيين من المدن والقرى العربية قبيل انسحاب القوات البريطانية، عن طريق التدمير والقتل وإشاعة جو من الرعب والهلع بين السكان الفلسطينين، وهو ما يدفعهم إلى الفرار من ديارهم، وبعد ثلاثة أيام من المذبحة، تم تسليم قرية دير ياسين للهاجاناه لاستخدامها مطارًا، وخلال شهور استقبلت دير ياسين المهاجرين من يهود شرق أوربا.وخلال عام من المذبحة بعث الرئيس الصهيوني حاييم وايزمان برقية تهنئة لافتتاح مستوطنة جيفات شاؤول في قرية دير ياسين. ومع مرور الزمن توسعت القدس إلى أن ضمت أرض دير ياسين إليها لتصبح ضاحية من ضواحي القدس، وأيًا ما كان الأمر، فالثابت أنّ مذبحة دير ياسين والمذابح الأخرى المماثلة لم تكن مجرد حوادث فردية أو استثنائية طائشة، بل كانت جزءًا أصيلًا من نمط ثابت ومتواتر ومتصل، كان أداة تفريغ فلسطين من سكانها وإحلال المستوطنين الصهاينة محلهم، وتثبيت دعائم الدولة الصهيونية وفَرْض واقع جديد في فلسطين يستبعد العناصر الأخرى غير اليهودية المكوِّنة لهويتها وتاريخها، وقد عبَّرت الدولة الصهيونية عن فخرها بمذبحة دير ياسين، بعد 32 عامًا من وقوعها، حيث قررت إطلاق أسماء المنظمات الصهيونية: الإرجون، وإتسل، والبالماخ، والهاجاناه على شوارع المستوطنة التي أُقيمت على أطلال القرية الفلسطينية.

    فمجزرة دير ياسين نجدها تتكرر بأسلوبها وأهدافها في حرب إسرائيل على غزة 2023، وإن كانت الأخيرة أكثر ضراوة وبشاعة وفتكًا، وإن كان الهدف من مذبحة دير ياسين إبادة سكانها عن بكرة أبيهم الذين كان عددهم 400 شخصًا، لإحلال مكانهم مستوطنين  من يهود شرق أوروبا، فالهدف من الإبادة الجماعية للغزاوين البالغ عددهم مليونين ومائتي ألف نسمة، بقتلهم وهدم بيوتهم على ساكنيها، واستخدام أسلحة محرّمة دوليًا، وتجويعهم وتعطيشهم، ومنع علاج الجرحى والمرضى منهم بهدم المستشفيات وقتل الأطباء والممرضين والمسعفين ومنع الوقود ووصول الدواء إليهم لتهجير من يبقى منهم حيًا قسريًا إلى سيناء لتصفية القضية الفلسطينية، بارتكاب مجازر لا حصرلها في غزة  تفوق الألفي مذبحة خلال 84 يومًا من الحرب موثق بالفيديو عدد محدود منها ، بمعدل من 20 إلى 30 مجزرة يوميًا في أحياء مختلفة من القطاع المحاصر الذي تتنوع فيه أشكال القتل والدمار وسفك الدماء، فقد ضرب الطيران الحربي والمدفعية والزوارق الحربية المنازل والأبراج السكنية والمدارس والمستشفيات والمساجد والكنائس والشوارع  والأسواق وحتى مقرات الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية، وسويت أحياء بالأرض، وخرج بعض سكانها من تحت الأنقاض محمولين على الأكتاف، أو تركوا تحت الأنقاض لنقص طواقم الإنقاذ والإجلاء، وكأن كل ذلك لم يكن كافيًا، فحُرم المصابون من العلاج، والمرضى من الدواء، والجوعى من  الغذاء، والعطشى من الماء الصالح للشرب، بلا مأوى ولا أمان.

 ومن هنا نجد أنّ مبررات إسرائيل في استمرار هذه الحرب الوحشية التي تستهدف المدنيين أكثر من ثثيهم نساءً وأطفالًا هو القضاء على حماس مبررات واهية، فمذبحة دير ياسين عام 1947 م وما تلاها لاها  لم تكن حماس في الوجود.

      إنّ إسرائيل دولة استيطانية تقوم على إبادة شعب الأرض التي احتلتها لتكون خالصة لها، ولم تكتف إسرائيل بفلسطين وحدها، فلديها مشروع توسعي أسمته دولة إسرائيل الكبرى يشمل سوريان ولبنان والكويت بأكملها وأجزاء كبيرة من  مصر والعراق والمملكة العربية السعودية  المدينتيْن يشمل مكة والمدينة، كما فعلت الدول الاستيطانية قبلها مثل أمريكا وبريطانيا؛ لذا هما أكبر دولتيْن داعمتيْن لها، ولا ننسى أنّ بريطانيا هي التي أعطتها وعدًا بإقامة وطن قومي لها في فلسطين . 

البريد الالكتروني: Suhaila_hammad@hotmail.com

رابط المقال : https://nz.sa/PEnTr

Leave a Reply