4-قضايا الأمة العربية والإسلاميةمقالات اخرى

الصهيونية المسيحية وصهيونية بعض قادة الغرب!

By شهر واحد مضىNo Comments

د. سهيلة زين العابدين حمّاد

نُشر في صفحة الرأي بجريدة المدينة في 13/ 12/ 2023م

  منذ اندلاع عملية طوفان الأقصى، أظهرت الولايات المتحدة دعما غير مسبوق لإسرائيل تخطى كل الدعم التاريخي الذي التزم به كل الرؤساء الأميركيين السابقين، الجمهوري منهم أو الديمقراطي. وخلال زيارته لإسرائيل، قال وزير الخارجية  بلينكن أنّه قدم إلى إسرائيل بصفته يهوديًا قبل أن يكون وزيرًا لخارجية الولايات المتحدة الأمريكية”، وقال:” “الرسالة التي أحملها إلى إسرائيل هي: قد تكون قويًا بما يكفي للدفاع عن نفسك، ولكن ما دامت أميركا موجودة، فلن تضطر أبدا إلى ذلك، سنكون دائما بجانبك”.

  والسؤال الذي يطرح نفسه: ما أبعاد ودلالات هذه المقولة على السياسة الأمريكية وموقفها من الصراع العربي الإسرائيلي والقضية الفلسطينية “

   قبل الإجابة عن هذيْن السؤاليْن ينبغي التعرف على الصهيونية المسيحية الذي ينبغي أن يسبقه التعرّف على الصهيونية المسيحية لتتضح الصورة كاملة أمامنا.

 فالصِّهْيُونِيَّة هي حركة سياسية يهودية، ظهرت في وسط وشرق قارة أوروبا في أواخر القرن التاسع عشر، ودعت اليهود للهجرة إلى أرض فلسطين بدعوى أنّها أرض الآباء والأجداد، ورفض اندماج اليهود في المجتمعات الأخرى للتحرر من معاداة السامية والاضطهاد الذي وقع عليهم في الشتات، وبعد فترة طالب قادة الحركة الصهيونية بإنشاء دولة منشودة في فلسطين والتي كانت ضمن أراضي الدولة العثمانية. وقد ارتبطت الحركة الصهيونية الحديثة بشخصية اليهودي النمساوي هرتزل الذي يعد الداعية الأول للفكر الصهيوني الحديث والذي تقوم على آرائه الحركة الصهيونية في العالم وبعد تأسيس دولة إسرائيل عام 1948م أخذت الحركة الصهيونية على عاتقها توفير الدعم المالي والمعنوي لدولة إسرائيل، وقد عقد أول مؤتمر للحركة الصهيونية في بازل بسويسرا ليتم تطبيق الصهيونية بشكل عملي على فلسطين فعملت على تسهيل الهجرة اليهودية ودعم المشاريع الاقتصادية اليهودية.

    أمّا الصهيونية المسيحية فهي تُطلق عادة على معتقد جماعة من المسيحيين المنحدرين غالبًا من الكنائس البروتستانتية الأصولية والتي تؤمن بأنّ قيام دولة إسرائيل عام 1948 كان ضرورة حتمية لأنّها تتمم نبؤات الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد،  وتشكل المقدمة لمجيء المسيح الثاني إلى الأرض كملكٍ منتصر. يعتقد الصهاينة المسيحيون أنّ من واجبهم الدفاع عن الشعب اليهودي بشكل عام وعن الدولة العبرية بشكل خاص، ويعارضون أي نقد أو معارضة لإسرائيل خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية حيث يشكلون جزءًا من اللوبي المؤيد لإسرائيل.

  ويشدد الصهاينة المسيحيين على الفصل بين إسرائيل كشعب يهودي أو شعب الله على الأرض والكنيسة أو شعب الله في السماء، مؤكدين على التفسير الحرفي للكتاب المقدس. يفضي هذا بهم إلى نتيجة حتمية مفادها أنّ أرض فلسطين التاريخية هي ملك أبدي للشعب اليهودي، وأن نبوءات الكتاب المقدس التي أعلنت عن عودة «شعب الله» إلى أرضه قد تحققت في القرنين التاسع عشر والعشرين. فالتدبيريون لا يؤمنون بأنّ المسيحية أتت لتحل محل اليهودية بل أتت لكي تعيد لها عناصرها المفقودة، فبحسب فهمهم للكتاب المقدس يعتقدون بأنّ قيام إسرائيل عام 1948 كان الخطوة الأولى لعودة المسيح للعالم؛ حيث سيخوض حربًا فيها ضد قوى الشر تسمى هرمجدون(شمال فلسطين) يُقتل خلالها ثلثي الإسرائيليين ويهتدي الثلث الباقي للمسيحية وبعد انتصاره يحكم المسيح العالم كملك لألف عام.

   والصهيونية المسيحية كفكر ديني رؤيوي سياسي حديث يرجع ظهوره للقرن التاسع عشر ولكن هذا الفكر يجد جذوره في تيار ديني يرجع للقرون الأولى للمسيحية يدعى بتيار الألفية. والألفية هي معتقد إيماني ظهر بين مسيحيين من أصول عبرية حافظوا من ديانتهم القديمة على ما يسمى بالماشيحية الزمنية وعلى التأويل الحرفي لنصوص العهد القدبم خاصة ما ورد في سفر رؤيا يوحنا (20: 3 – 6). فهم يعتقدون بأنّ المسيح سيعود إلى عالمنا هذا مع ملائكته والقديسين ليحكم الأرض كملك مدة ألف عام ومن هنا جاءت تسمية الألفية. مبكرًا جدًا في عام 172 م ادعى مونتانوس الفريجي بأنّ الحياة الأخلاقية والروحية لأعضاء الكنيسة قد انحدرت وابتعدت عن الله بسبب تأثير العالم السلبي عليهم، لذلك وجب على الكنيسة العودة على ما كانت عليه أيام الرسل فأعلن نفسه نبيًّا جديدًا من السماء أوكلت إليه مهمة التبشير بقرب نزول أورشليم السماوية ومجيء الرب إلى منطقة فريجية العليا – التي كانت واقعة آنذاك في آسيا الصغرى – لتأسيس مملكته التي ستستمر فترة ألف سنة.

 أعطى قيام دولة إسرائيل عام 1948 زخمًا قويًا لمتبني الصهيونية المسيحية، كما أنّ حرب حزيران عام 1967 كانت بالنسبة لهم أشبه بمعجزة إلهية تمكن فيها اليهود من دحر عدة جيوش عربية مجتمعة في آن واحد، وأحكمت خلالها الدولة العبرية سيطرتها على بقية أراضي فلسطين التاريخية خصوصًا القدس الشرقية والمواقع الدينية التي تحتضنها. وبالنسبة للتدبيريين فإنّه باحتلال إسرائيل للقدس والضفة الغربية تحققت نبوات الكتاب المقدس، فشجعت هذه العلامات «الإلهية» مسيحيين إنجيليين آخرين على الانخراط في صفوف المدافعين عن إسرائيل وإلى دفع الولايات المتحدة للبقاء إلى جانب «الطرف الصحيح» في تتميم النبوات.

  ويعتبر عام 1979 عامًا استثنائيًا بالنسبة لتاريخ الصهيونية المسيحية؛ إذ أنشأ القس جيري فالويل في الولايات المتحدة الأمريكية منظمة الأغلبية الأخلاقية. ومع بلوغ عدد أعضائها الستة ملايين عضوًا أصبحت المنظمة كتلة انتخابية قوية عزي إليها فضل نجاح رونالد ريغان في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 1980. ينص أحد المبادئ الأربعة التأسيسية لمنظمة الأغلبية الأخلاقية على «دعم إسرائيل والشعب اليهودي في كل مكان». في عام 1980 صرح فالويل بأنّ «الله بارك أمريكا لأنّ أمريكا باركت اليهود. فإذا أرادت هذه الأمة أن ترى حقولها محافظةً على بهائها وإنجازاتها العلمية محافظة على ريادتها وحريتها محمية، فعلى أمريكا أن تبقى واقفة إلى جانب إسرائيل». وبعد حل جيري فالويل منظمة الأغلبية الأخلاقية عام 1989، أسس الصهاينة المسيحيين في الولايات المتحدة عدة مؤسسات هدفها المعلن التشجيع على مساندة إسرائيل، أبرزها «مسيحيون متحدون من أجل إسرائيل» وصفها القس جون هاجي بالنسخة المسيحية من أيباك، ومؤسسات أخرى مثل «مؤتمر القيادة المسيحية الوطني من أجل إسرائيل» و«ائتلاف الوحدة من أجل إسرائيل» و«السفارة المسيحية العالمية في أورشليم» وغيرها.

  لا يقتصر دعم الصهاينة المسيحيين لإسرائيل وللقضية اليهودية على الناحية السياسية فقط، فهم يقدمون لها العون بكل الأشكال المتاحة لهم خصوصًا من الناحية المالية. فقد قدم هؤلاء تبرعات كبيرة في سبيل المساهمة بنقل يهود دول الاتحاد السوفييتي السابق وأثيوبيا إلى إسرائيل،

   ومعتقدات معتنقي الصهيونية المسيحية قائمة على عقيدة عودة المسيح المبنية على قتل أكبر عدد من الفلسطينيين خاصة والعرب عامة للتسريع بعودة المسيح إلى الأرض، ويعتبرون حرب أمريكا في العراق والمعارك السياسية التي يشنها البيت الأبيض ضد إيران وسوريا وبقية أعداء إسرائيل هي «التزام ديني»، «عبادة مقدسة» من شأنها أن تسرع عودة المسيح إلى الأرض. كذلك يرون في اغتيال القادة المناهضين للصهيونية مثل صدام حسين ومعمر القذافي وفي معاناة الشعوب المسلمة ومقتل العديد منهم جراء الحروب “انتقام إلهي من أعداء إسرائيل”، وينظرون إلى إصابة رئيس الوزراء الإسرائيلي أرئيل شارون سنة 2006 بجلطة سببها نزيف دماغي حاد تسبب له في فقدانه لوعيه ودخوله في ما يعرف طبيًا بالحالة الخضرية الدائمة التي انتهت بوفاته بعد ثماني سنوات (2014) على أساس أنّها «انتقام رباني» وعقاب على تفريطه في أراضي من حق إسرائيل وقيامه صيف 2005 بإخلاء المستوطنات الإسرائيلية ومعسكرات الجيش الإسرائيلي من قطاع غزة وأربع مستوطنات أخرى في شمال الضفة الغربية.

     فهم يرفضون كل القرارات والسياسات التي تصب في اتجاه التخلي عن جزء ولو بسيط مما يسمونه «أرض الله الموعودة للشعب اليهودي» ويعتبرونها «عرقلة» و«نسف» لمخطط عودة المسيح. ولهذا هم يدفعون بحكوماتهم إلى عرقلة جميع محاولات التوفيق في المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين والوقوف حائلا أمام وساطة كل من الأوروبيين أو الدول العربية المعتدلة وإجهاض كل مجهوداتهم لإحلال السلم بالمنطقة. ناهيك عن تحريك قادتهم لتفعيل حقهم في الفيتو وإقبار كل قرار أممي يقضي بمعاقبة إجرام إسرائيل ضد الإنسانية وسياساتها الاستعمارية.

 ومن هنا نجد استحالة أن يقر قادة الدول الغربية المعتنقين للصهيونية المسيحية قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة تضم غزة والضفة الغربية عاصمتها القدس الشرقية، وما تصريحاتهم عن ضرورة حل الدولتيْن إلّا لتخدير الصحوة العالمية التي تنادي بضرورة قيام هذه الدولة لأنّ قيامها يخالف عقيدة الصهيونية المسيحية التي يعتنقونها، وهم متفقون مسبقًا مع إسرائيل على تنفيذ مخطط تصفية القضية الفلسطينية بتهجير فلسطيني غزة إلى سيناء، وفلسطيني الضفة الغربية إلى الأردن، كما تمّت الموافقة  على خريطة نتنياهو التي عرضها في مجلس الأمن وتشمل فلسطين بكاملها مع الأردن والكويت وجزء كبير من المملكة العربية السعودية والكويت، وهذا يفسر لنا إعطاء إسرائيل الضوء الأخضر لمواصلة قصفها المدمر لغزة، وتزويدها بالأسلحة الفتّاكة والمحرّمة دوليًا، واستخدام  حق الفيتو للحيلولة دون وقف إطلاق النار ليستمر القتل والتدمير لوضع فلسطيني غزة بين خياريْ الموت أو النزوح إلى سيناء، ووضع مصر أمام الأمر الواقع بقبول هذا النزوح!

البريد الالكتروني: suhaila_hammad@hotmail.com

رابط المقال : https://nz.sa/oAlrz

Leave a Reply