د. سهيلة زين العابدين حمّاد
نُشر في صفحة الرأي بجريدة المدينة في 29 / 11/ 2023م.
يجيب عن هذا السؤال بعض العلماء والمؤرخين، منهم: العالم الأنثروبولوجي البريطاني هو “جيمس فنتون” في دراسة قام بها على يهود إسرائيل توصل فيها إلى أنّ 95% من اليهود ليسوا من بني إسرائيل التوراة، وإنّهما هم أجانب متحولون أو مختلطون، وقراءة منا في تاريخهم الأنثروبولوجى توضح لنا هذه الحقيقة، فلنقرأه معًا:
لقد ولد أبناء إسرائيل، الأسباط الاثنا عشر وأختهم في فدان آرام في منطقة حران، حيث مكث والدهم يعقوب في خدمة خاله لابان، مدة عشرين عامًا، أما الجيل الثاني من بني إسرائيل فقد ولد معظمهم في أرض “جاسان” بمصر، لقد كان بنو إسرائيل، حتى في عهد داود وسليمان، يقلدون الكنعانيين في كل شيء، ولم يكونوا بمعزل عن سكان المنطقة حتى في الاختلاط بهم عن طريق الزواج.. فيوسف عليه السلام تزوج أسنات بنت نوطي فارع، كبير كهنة مصر، فولدت له منسي وأفرايم، وموسى تزوج صفوة بنت شعيب مدين، وهي بدوية أعرابية، كما تزوج تربيس، وهي امرأة كوشية “حبشية”، ولم تذكر التوراة ولا غيرها أنّه تزوج بأخرى غيرهما، ويوشع بن نون تزوج راحاب الكنعانية.
ومن هذا يتضح أنّ نقاء بني إسرائيل واتساع مملكتهم ليس سوى خرافة توراتية تلمودية، فأبناء بني إسرائيل وأولادهم وأحفادهم بوجه عام تزوجوا من الشعوب التي عاشوا بينها، وزوجوهم من بناتهم، واتخذوا لهم من أسمائهم أسماء، فإبراهيم، ويعقوب، ويوسف، وإدريس، وإسرائيل، وناحور، وتارح، وصهيون، ويهوذا.. كلها أسماء كنعانية كانت معروفة في بلاد الشام قبل قدوم إبراهيم عليه السلام إليها بقرون. وسفر أشعيا ذكر القدس باسم عربئيل، ويعقوب سمي بإسرائيل نسبة إلى مكان قرب نابلس بهذا الاسم، وصهيون اسم تل من التلال المبنية عليها مدينة القدس، ولقد خاطب حزقيال القدسي بقوله: “أبوك عموري، وأمك حثية”.. على اعتبار أنّ أودني صادق، وهو ملك القدس الكنعاني عندما دخل قوم موسى فلسطين، عموري وزوجته حثية، وكذلك فإنّ الأعشى قد استخدم كلمة أورشليم في شعره وعنى بها القدس.[داود عبد العفو سنقرط: جذور الفكر اليهودي، ص 17]
إنّ أخلاط الشعوب الذين اعتنقوا التوراة والتلمود بعد تدوين التوراة والتلمود والذين عرفوا باسم اليهود، ليسوا كلهم من العبرانيين ولا من بني إسرائيل إلا القلة القليلة منهم التي تعادل نسبه 5 % كما قال العالم الأنثروبولوجي البريطاني، ويبين هذا تاريخ اليهود وخط سيرهم في رحلة الشتات بعد غزو تيطس الروماني لفلسطين، فانتشرت جماعات منهم إلى شمال الجزيرة العربية واستقروا في تيماء وفدك ووادي القرى وخيبر ويثرب، وجماعات منهم انتشرت في أوروبا، وأطلق عليهم اسم السفاراديم، وتشتتوا في إنجلترا، وفرنسا، وألمانيا، وبلجيكا، والنمسا، وهولندا، وإيطاليا، وسكونيا، وهنغاريا، وطردوا منها فاعتصموا بالدولة الإسلامية في الأندلس حتى خرج العرب منها عام 1492م، فلجأوا إلى الدولة العثمانية في سالونيك حيث كانت مؤامراتهم الخطيرة في إسقاط الدولة العثمانية والوصول إلى القدس، ويطلق على هؤلاء يهود التوراة.
أمّا يهود روسيا وأوروبا الشرقية فأطلق عليهم اسم يهود التلمود أو الإشكنازيم، وهم ليسوا من نسل إسرائيل وإنّما ينحدرون إلى أصول مغولية تترية وفلاندية اعتنقوا اليهودية ديانة لهم في القرن الثامن الهجري عندما اعتنقها ملك الخزر.
والخزر يمثلون تحالفًا من الأقوام البدوية الرحل قدموا من شرق أواسط آسيا خلال القرن السابع الهجري، وسيطروا على أرض القوقاز في جنوب روسيا الواقعة شمال أذربيجان وأرمينيا بين الجانب الغربي لبحر قزوين، والحدود الأوروبية لروسيا، واستطاع الخزر تكوين كيان سياسي لهم، إلى أن قضى عليه هجوم الروس الشماليين عند نهاية القرن العاشر للميلاد.[أحمد عنان: تاريخ اليهود ص 133]
وقد اعتنق “بولان” خاقان “الخزر” اليهودية حوالي عام 740 هـ، وتبعه أفراد حاشيته في ذلك، وقام الخاقان بعد ذلك ببناء خيمة المعبد على غرار ما فعله موسى عليه السلام عند سفح سيناء، وفي عهد خليفة بولان اعتنق غالبية شعب الخزر الديانة اليهودية، وتم بناء المعابد والمدارس لهذه الديانة في بلادهم، وهذا ما جاء في رسالة تم العثور عليها مكتوبة بالعبرية، ومنسوبة إلى يوسف ملك الخزر في النصف الثاني للقرن العاشر ردًا على رسالة كان قد تلقاها من أحد يهود الأندلس.
وقد أثبت هذه الحقيقة أيضًا المؤرخ اليهودي شلومو شلحت أستاذ التاريخ في جامعة تل أبيب في كتابه( اختراع الشغب اليهودي الذي صدر في عام 2010م عن المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية «مدار» وعن «منشورات المكتبة الأهلية» في عمان.
يقول مقدم الكتاب(أنطوان شلحت)”على رغم أنّ عملية اختراع الشعب اليهودي كانت جزءًا من عملية اختراع شعوب وأمم أوسع وأشمل شهدتها أوروبا في القرن التاسع عشر، إلّا أنّ التمسك بالمتخيل القومي لدى اسرائيل والحركة الصهونية كان ولا يزال أشد هوسًا واستحواذًا مما لدى أمم وشعوب معاصرة أخرى. وثمة فارق نوعي آخر، وهو أنّ عمليات اختراع الأمم والقوميات في أوروبا، التي بدأت منذ أواخر القرن الثامن عشر، تمت تحت مقاس جماعات كانت في معظم الحالات مقيمة في بقع جغرافية متقاربة وتحلت كل واحدة منها بخصائص إثنية مشتركة أو متشابهة، في حين أنّ اليهود كانوا مفتقرين إلى هذه الخصائص كليًا في البلدان المختلفة التي عاشوا فيها.
ويقول أيضًا: “يعود كتاب شلومو ساند إلى الماضي السحيق ليثبت أنّ اليهود الذين يعيشون اليوم في إسرائيل لا يتحدّرون من نسل الشعب العتيق الذي سكن مملكة يهودا خلال فترة الهيكل الأول والثاني. إنّما تعود أصولهم، تبعًأ للمؤلف، إلى شعوب متعددة اعتنقت اليهودية على مرّ التاريخ في أماكن شتى من حوض البحر الأبيض المتوسط والمناطق المجاورة، ويشمل هذا الأمر أيضًأ يهود اليمن (بقايا مملكة حمير في شبه الجزيرة العربية التي اعتنقت اليهودية في القرن الرابع الميلادي) ويهود أوروبا الشرقية الإشكنازيين (من بقايا مملكة الخزر البربرية التي اعتنقت اليهودية في القرن الثامن الميلادي). ويخصص ساند أحد الفصول لمعالجة ما سماه بـ «اختراع الشتات»، ليؤكد فيه أنّ نفي اليهود وإجلاءهم عن الأرض لم يقعا أبدًا، ويقول: «كانت هناك حاجة إلى اختراع الشتات كقاعدة لتشييد ذاكرة بعيدة المدى يزرع فيها شعب منفي من صنع الخيال كي يقدم كاستمرار متصل لشعب التوراة الذي سبقه». يقول ساند إنّ السر وراء استحواذ الروايات التاريخية الملفقة على المخيلة الجمعية، على رغم توافر القرائن المفندة لها، يكمن في عثور الناس فيها على تعبير أقرب إلى الإدراك العام حين يكون الخيال أبلغ تعبيرًا من الواقع. وكمثال على ذلك يشير الكاتب إلى أنّ ماري أنطوانيت لم تقل أبدًأ «دعهم يأكلون الكيك»، لكن العبارة جسّدت موقف البلاط الفرنسي المستخف بمعاناة المحرومين، فاستحقت بذلك مصداقية لا صحة لها. بالطريقة نفسها، يذكر ساند أنّ الأسطورة والذاكرة البديلة والتطلعات والرغبات تمكّنت من حياكة نسيج التاريخ اليهودي الذي لا يستند إلّا إلى النزر القليل من الأدلة المتضاربة التي يعثر عليها في المدونات أو التنقيبات الأثرية. وإذ يفنّد الخبراء والمتخصصون الفكرة السائدة حول طرد اليهود من أرض فلسطين عام 70 للميلاد، نجد أنّ خراب أورشليم وتدمير الهيكل على يد الرومان لم يتسببا في خروج جمعي إلى الشتات، لكنهما شكّلا تحولًا جوهريًا في إحساس اليهود بذاتهم وتحديد موقعهم في العالم. في مجال سعيه إلى تفنيد مزاعم اليهود بحق تاريخي في الأرض، يحرص ساند على برهنة أن أصول اليهود المعاصرين لا تنتهي إلى أرض فلسطين القديمة. ويستشهد بالنظرية القائلة بأنّ يهود وسط أوروبا وشرقها، الذين ينتسب إليهم 90 بالمئة من اليهود الأميركيين، يتحدرون من الخزر الذين اعتنقوا الديانة اليهودية في القرن الثامن الميلادي وأقاموا إمبراطورية لهم في القوقاز. ومع أنّ المؤلف يخلص في نهاية الكتاب الى استنتاج فحواه ضرورة الدفع قدمًا بفكرة جعل إسرائيل «دولة جميع مواطنيها»، في إطار «مقاربة الدولتين» حلًا مرغوبًا للصراع عمومًا، إلّا أنّ الاستنتاجات التي توصل إليها في معرض تفنيد أسطورة اختراع أو اختلاق الشعب اليهودي توسِّع دائرة الضوء كثيرًا حول أراجيف رواية «الحركة الصهيونية». على أنّ مقولات ساند تذهب إلى «المحرّم» وتفكّكه، وهو بهذا ينقل النقاش التاريخي الإسرائيلي من إطار المؤرخين الجدد الذين كشفوا وقائع النكبة والطرد المنظم عام 1948، إلى أفق جديد قوامه إعادة نظر جذرية في المسلمات الصهيونية وإخضاعها لمحاكمة تاريخية جذرية. وخلافًا لـ{المؤرخين الإسرائيليين الجدد»، الذين سعوا إلى تقويض مسلمات الهستوريوغرافيا الصهيونية وحسب، فإنّ ساند لا يكتفي في هذا الكتاب بالعودة إلى سنة 1948 أو إلى بداية الحركة الصهيونية في أواخر القرن التاسع عشر، بل يبحر آلاف السنين إلى الوراء، ساعيًا إلى إثبات أنّ الشعب اليهودي لم يكن أبدًا «شعبًا عرقيًا» ذا أصل مشترك، وإنّما هو خليط كبير ومتنوع لمجموعات بشرية تبنت خلال مراحل مختلفة من تاريخ الديانة اليهودية.
هذا ولو سلّمنا جدلًا بصحة الإصحاح 15 / 18 من سفر التكوين”:” لنسلك أعطي هذه الأرض من نهر مصر إلى نهر الكبير” والذي أثبتُ عدم صحته في مقال سابق، فإنّ هذه الدراسات الأنثربولجية أثبتت أنّ حوالي 95 % من يهودو اليوم ليسو من نسل إسحاق عليه السلام المقصودون في هذا الإصحاح؛ إذًا لأحقية لهم في فلسطين.
وخلاصة القول ـ كما يقول الأستاذ جمال حمدان “إنّ يهود العالم اليوم مختلطون في جملتهم اختلاطًا بعد بهم عن أي أصول إسرائيلية فلسطينية قديمة حتى لم تعد هذه تمثل في تكوينهم إلا قطرة في محيط، وإذا كان ثمة تحفظ ما، فهو أن~ هناك مراحل ودرجات من هذا التخليط، فبعض الجماعات اليهودية، كيهود التركستان أقل تهجناً وتخلطاً والبعض أكثر كالإشكنازيم، غير أنّ الحقيقة الحاسمة والفاصلة هي أنّ الأقل تخلطًا إنما يمثلون عدديًا نسبة بالغة الضآلة من مجموع اليهودية العالمية، بينما أنّ المخلطين تمامًا والذين ابتعدوا جدًا أو كلية عن الأصول الأولى يشكلون الأغلبية الساحقة منهم، ومن هنا فلا جناح علينا إذا قررنا في النهاية أنّ اليهود اليوم ليسوا من بني إسرائيل، وأنّ ّهؤلاء شيء وأولئك شيء آخر أنثروبولوجيًا، ولا رابط بين الطرفين إلّا الدين والدين وحده”. وكشف الأستاذ جمال حمدان لهذه الحقائق من أسباب اغتيال الموساد له.
رابط المقال : رابط المقال : https://2u.pw/JH2MV7h
Suhaila_hammad@hotmail.com