د. سهيلة زين العابدين حمّاد
نُشر في صفحة الرأي في جريدة المدينة في 8 نوفمبر 2023م
تناولتُ في مقال الأسبوع الماضي التَّأييد الأعمى من قِبَل دول الغرب والمنظَّمات الدوليَّة لأفعال إسرائيل الإجراميَّة، وجرائم الحرب التي ترتكبها ضدَّ الشعب الفلسطيني الأعزل، وزرع كراهيته في نفوس التلاميذ الإسرائيليين، من خلال مناهج التَّعليم بالمدارس، وسأستكمل هنا ما بدأته في مقالي السابق.
إنّ إسرائيل هي الدولة الوحيدة العنصرية التي من حقِّها ممارسة العنف والتَّشجيع عليه بشكل علني، ومن حقها أن تضع مناهج تنضح بالعنصرية وتُشجِّع على الإرهاب دون أن يتَّهمها أحد بذلك، هذه الأقوال ليست ادعاءات عربية ضد إسرائيل، إنَّما هي خلاصة ما يمكن أن تنتهي إليها دراسة جديدة مميزة للباحث الإسرائيلي د/ايلي فودا تنبع أهميتها أنَّها صادرة من الجامعة العبرية في القدس المحتلة، وتقول الدراسة: إنَّ كتب التدريس المعتمدة في المدارس اليهودية لعبت دورًا مركزيًا في تصعيد الصراع العربي الإسرائيلي في الماضي ولازالت تشكِّل عاملًا يحول دون التراضي والسلام بين الشعبين، بل هي نوع من الكراهية والعنف في نفوس الإسرائيليين من خلال هذه المناهج التي طبّعت الإسرائيليين على ذلك.
الدراسة تتضمَّن تحليلًا دقيقًا موثَّقًا للكتب التعليمية الإسرائيلية على مدى أربعين عامًا وتشمل ستين كتابًا وتُضيف الدراسة أنَّ كتب التعليم الإسرائيليَّة قادت إلى تكوين فكرة مسبقة لصورة العربي في ظل حالة الاغتراب وتطوُّر الصراع بين الشعبين وأوصاف “غشاش “و”متخلف” و” لص” هي جزء من صفات أُلصقت بالشخصيِة العربية في هذه المناهج التي تمحورت فقط حول تاريخ أرض إسرائيل والشعب اليهودي والصراع العربي اليهودي. وقد وُضعت على يد مؤلفين إمَّا أنّهم امتداد للصهاينة الحاقدين الكارهين لكل ما هو مسلم وكل ما هو عربي، وإمَّا أنَّهم لا يفهمون شيئَا عن العرب والمسلمين. لذلك تضمَّنت كتب التاريخ معلومات مشوَّهة ومزوَّرة في أكثر الأحيان، وتذكر الدِّراسة قصَّة الاستيطان الإسرائيلية فتصف في كتاب رحلة مع المستوطنات الأولى للصفوف الدنيا اللقاء الأول مع العرب الفلسطينيين في قرية عربية مجاورة كان النَّاس نحيفين وجوههم صفراء والذباب يتنزه عليها دون أن يحاولوا طرده.. وكثير منهم كانوا عميانًا يمشون وهم يمسكون بأيدي بعضهم البعض يتحسسون طريقهم بالظلمة، أمّا الأولاد فساروا حفاة وعيونهم مريضة وبطونهم منفوخة وآثار لسعات الحشرات بادية على أجسادهم وتتكرر الأوصاف التي تؤدى لنشوء الأفكار المسبقة عن العرب في عشرات الكتب، ويقول مؤلف الدراسة إنَّها جاءت من أجل تثبيت مقولة: «فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا وطن»
وقد حرص اليهود الصهاينة على نشر هذه النظرة في المجتمع الدولي ومنظماته الدولية بين معظم شعوب العالم عبر المناهج الدراسية التي تدرس للتلاميذ والطلاب في الدول التي تسيطر الصهيونية على مناهجها الدراسية، وكذلك من خلال سيطرة الصهيونية العالمية على الاقتصاد والصحافة في العالم ووكالات الأنباء العالمية، وعلى السينما والتليفزيون والمسرح والثقافة والإعلان التجاري، فقلبت الباطل حقًا والحق باطلًا، فبالسرديات الإسرائيلية المُضللة أعطت للمحتل حقًا ليس له، وهو الدفاع عن نفسه ممن احتل أرضه، واستولى على بيته وممتلكاته وسجنه وعذّبه وقتل من قتل من أهله وأولاده، وحاصره وجوّعه، بينما حرمت المُحتلة أرضه من حق الدفاع عن نفسه، فنالت إسرائيل تعاطفًا دوليًا من معظم الدول الغربية ـ- ولاسيما الدول التي منحته أرض فلسطين موطنًا له – وكذلك الراي العام، بل نجد حتى الأمم المتحدة لازمت الصمت تجاه حرب الإبادة الجماعية لفلسطيني غزة، وجرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل في غزة، باستخدامها قنابل فسفورية المُحرّمة دوليًا، وهدم أحياء كاملة، وبعص البيوت على ساكنيها دون إنذار، ولم تكتف بحصارها على مدى 16 عامًا، فأعلنت قطع الماء والكهرباء والوقود والطعام والدواء والاتصالات عن غزة – بوصف سكانها بحيوانات شرية – لإرغامهم على مغادرتها إلى سيناء لتكون الوطن البديل، وعندما استفاق الأمين العام للأمم المتحدة من غفوته، وأدان ما تقوم به إسرائيل من جرائم في غزة، وقال إنّ العنف في غزة لم يحدث من فراغ”، وأنّ الفلسطينيين يتعرضون لـ 56 عامًا من “الاحتلال”، وقال إنه “يشعر بقلق عميق إزاء الانتهاكات الواضحة للقانون الإنساني الدولي التي نشهدها في غزة”.وأضاف: “حماية المدنيين لا تعني الأمر بإجلاء أكثر من مليون شخص إلى الجنوب، حيث لا مأوى ولا طعام ولا ماء ولا دواء ولا وقود، ثم الاستمرار في قصف الجنوب نفسه”.وتابع قائلا: “دعوني أكون واضحًا: لا يوجد طرف في نزاع مسلح فوق القانون الإنساني الدولي”. فقوله هذا أثار غضب وزير خارجية إسرائيل وطالبه بالاستقالة، ويشن الآن اللوبي الصهيوني وآلته الإعلامية حملة ضد الأمين العام للأمم المتحدة، ولا أستبعد إنّهم سيعملون على تصفيته أو اغتياله سياسيًا، وهذا ديدنهم تجاه من يقاومهم أو يواجههم بجرائمهم.
فإسرائيل ماضية في تنفيذ مخطط تصفية القضية الفلسطينية، فعندما تنتهي من غزة، سوف تستهدف فلسطيني الضفة الغربية بترحيلهم إلى الأردن، ليكون وطنًا بديلًا لهم تنفيذًا لمخطط المستشرق اليهودي الصهيوني البريطاني الأمريكي برنارد لويس الذي وضعه عام 1940م، واعتمده الكونجرس الأمريكي عام 1983م لتفتيت العالم العربي والإسلامي، وفي أجهزة الحاسوب الإسرائيلية التي صادرتها حماس عثر على خريطة إسرائيل الكبرى بالعبرية تشمل لبنان وسوريا وأجزاء من مصر والسعودية والأردن والعراق والكويت، هذا وقد طلب الرئيس بايدن من الكونجرس حوالي ثلاث مليار و495 مليون دولار تمويلًا لتهجير محتمل إلى الدول المجاورة.
ولكن مصر والأردن والبلاد العربية تصدوا بقوة لمخطط التصفية والتهجير، وعلى الدول الإسلامية أن تتضامن مع الدول العربية للتصدي له، لأنّها ضمن مخطط التفتيت والتقسيم، وعلينا أن نُصحح للعالم الصورة المغلوطة التي تنقلها السرديات الإسرائيلية المُضلِّلة، وأن نُطالب في صوت واحد بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي بقيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة وجيش وشرطة، لا تتحكم إسرائيل في كهربتها ولا مائها ولا طعامها وأمنها ووقودها، عاصمتها القدس الشرقية، على حدود 4 يونيو/ حزيران عام 1967م، وعلى الدول المُطبِّعة مع إسرائيل أن تطالب إسرائيل بتغيير مناهجها الدراسية التي نُزوِّر في التاريخ وتبث الكراهية للفلسطينيين والعرب.
البريد الالكتروني: Suhaila_hammad@hotmail .com
رابط المقال : https://2u.pw/bMlVYYe