د. سهيلة زين العابدين حمّاد
قال وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش إنّ “الشعب الفلسطيني اختراع وأنّ العرب اخترعوا شعبًا وهميًا في أرض إسرائيل وطالبوا بحقوق وهمية في أرض إسرائيل لمجرد محاربة الحركة الصهيونية“
إنّ دولة إسرائيل قائمة على أساس ديني؛ لذا لا أشك أنّ سموتريتش لم يطلع على النصوص التوراتية التي تُدحِّض مقولته تلك؛ إذ تجاهل وزير المالية الإسرائيلي الإصحاح(21)الآية(34) من سفر التكوين أولى أسفار العهد القديم، يؤكد أنّ الفلسطينيين أول من سكن فلسطين، وهذا نصّه:”وتغرّب إبراهيم في أرض الفلسطينيين أيامًا كثيرة”، كما تحدّث الإصحاح 37 آية (1) من سفر التكوين عن غربة إبراهيم وإسحاق ويعقوب عليهم السلام في أرض كنعان، ممّا يؤكد عدم وجود حق لليهود في فلسطين:“وسكن يعقوب في غربة أبيه إسحاق في أرض كنعان.”في سفر التكوين:الإصحاح 35آية 27:”وجاء يعقوب إلى إسحاق أبيه إلى ممر قرية أربع، التي هي حبرون-حبرون هي مدينة الخليل عليه السلام، سُميِّت باسمه عندما وفد إليها.-حيث تغرب إبراهيم وإسحاق”[التكوين:الإصحاح 35: 27]
كما توجد نصوص توراتية ورد فيها اسم القدس تأكيدًا على عروبتها، “وسكن رؤساء الشعب في أورشليم، وألقى سائر الشعب قرعا ليأتوا بواحد من عشرة للسكنى في أورشليم، مدينة القدس، والتسعة الأقسام في المدن”[سفر إشعيا، الإصحاح48: 2 وسفر نحميا: الإصحاح:11: 1]
وممّا يُلفت الانتباه أنّ هذه الأسماء جميعها: صهيون، يروشالايم( أورشليم القدس)، ليست أسماءً عبرية، أو يهودية، ولا يمكن ادعاء ذلك بأي وجه من الوجوه، وإنّما هي كنعانية، عرفت بها المدينة قبل أن يدخلها الإسرائيليون.[أورشليم القدس في الفكر الديني الإسرائيلي،ص 18، 19.]
وتعترف أسفار العهد القديم ذاتها بعدم عبرانية ويهودية المدينة في خطاب حزقيال لأورشليم:” هكذا قال السيد الرب لأورشليم: مخرجك ومولدك من أرض كنعان، أبوك أموري وأمك حثية” [حزقيال:16/3]
هذا ورغم تعرّض التوراة إلى كثير من التحريف إلّا أنّ وضّاع التوراة فاتهم تحريف هذه النصوص التوراتية التي تقر بأنّ الفلسطينيين هم السكان الأصليين لفلسطين.
وممّا ينبغي التأكيد عليه أنّ الكنعانيين والذين جاء ذكرهم في التوراة هم عرب ساميون سكنوا فلسطين قبل هجرة إبراهيم الخليل إلى فلسطين من العراق، وهم أوّل من استقروا في فلسطين وإليهم يعود تأسيس حضارة فلسطين القديمة، وترجع حضارة الكنعانيين إلى عصور موغلة في القدم، فمنذ مرحلة العصر الحديث التي تعود إلى8000 – 4000ق.م بدأت هذه الحضارة تنمو في مختلف المجالات الاقتصادية والسياسية والفكرية وتتقدم في مجال التمدن، والكنعانيون هم الذين اخترعوا السفينة واهتدوا إلى عمل الزجاج ووضعوا(نظام الحساب)وأعظم عمل قام به الكنعانيون للحضارة اختراعهم الأبجدية الهجائية التي تعتبر من أهم الاختراعات في العصور القديمة، بل في تاريخ الحضارة البشرية، وباختصار يمكننا القول إنّ الكنعانيين العرب الذين هاجروا من الجزيرة العربية منذ أكثر من 5000عام ق.م ضربوا بسهم وافر في المدنية واشتهروا ببناء المدن المحصنة، واستعمال العجلات الحربية والصناعات الحديدية، وعرفوا ازدهار التجارة وانتعاش الزراعة، وأقاموا مع جيرانهم علاقات اقتصادية وتجارية.
يقول الكاتب الامريكي يهودي الأصل(موشيه مينوحين)في كتابه انحلال اليهودية في عصرنا: “منذ أكثر من أربعة آلاف سنة عاش الكنعانيون في فلسطين، وقد بنى الكنعانيون المدن والقصور، واستعملوا الجياد، والعربات، وأقاموا المعابد، وكانت بيوتهم مبنية بشكل جيد وبصورة فريدة في ذلك الزمن البعيد، وقد تكلم الكنعانيون لهجة أو لغة خاصة بهم مشتقة من العربية الأولى ووجد ضمن حفريات مملكة اوغاريت (قرب رأس شمرا على الساحل السوري) نماذج من الأبجدية المسمارية الخاصة التي كان الكنعانيون يستخدمونها، وهي أقدم أبجدية عرفت في تاريخ البشرية، ويربو عدد المدن التي عثر عليها ورد أصلها للكنعانيين في بلاد الشام عن 135 مدينة من أهمها أوغاريت(رأس شمرا)، جبيل، بيروت، صيدا، صور، عكا، عسقلان، أسدود، غزة، قادش، بيت شان (بيسان)، بيت أيل، أريحا، أور شالم /سالم (القدس)، حبرون (الخليل)، عجلون، يافا، شكيم (نابلس)، حلحول، المجدل، بئر السبع وغيرها. كما وجد 1200 قرية تعود نشأتها للكنعانيين.[إبراهيم الخطيب. الكنعانيون: نشأتهم، حضارتهم، ديانتهم وأثرها على التوراة، الجزء الأول، http://www.aljabha.org/?i=34798]
هذا وممّا يجدر ذكره أنّ مدينة القدس كانت باستمرار محط أنظار الدارسين التوراتيين والطامعين في الكنوز الأثرية، إلّا أنّ كثرة المباني التاريخية في المدينة، وخيبة الأمل التي أصابت الكثيرين منذ أنّ عمل فيها الكابتن الإنجليزي(تشارلز وارن) في عام 1867م بسبب صعوبة ربط آثارها بالحوادث التوراتية – أدتا إلى فترة انقطاع عن التنقيب فيها، يقول الأستاذ فيصل صالح خير رئيس مركز إحياء التراث الفلسطيني في مقال له عن القدس والآثار، نشر في جريدة الأسبوع القاهرية بتاريخ 4/9/ 2000م:” كل الشعوب والأمم التي كانت لها صلة بالقدس، وما حولها، تركت آثارًا لها شاهدة على تلك الصلة إلّا اليهود، فلم يعثر لهم على أية آثار في القدس(النطوفيون والغسوليون والعموريون والكنعانيون واليبوسيون والمصريون والهكسوس والبابليون والآشوريون والفرس واليونان والرومان)، كل هؤلاء قد تركوا في القدس وما حولها آثارًا تدل عليهم إلّا اليهود لم يستطع اليهود العثور على أي أثر يؤكد أطروحاتهم في وجود أناس يسمون” إسرائيليين أو عبريين”
والحقيقة هي أنّ اليهود هم الغرباء عن فلسطين، ولم تكن لهم حضارة، بشهادة المستشرق الفرنسي جوستاف لوبون في كتابه عن اليهود والحضارة الذي أصدره عام 1889م؛ إذ أكّد أنَّ اليهود لم يكن لهم علوم أو فنون، ولا حق لهم في الأرض التي يحاولون احتلالها، وهم غرباء عنها، وكل تقاليدهم وعاداتهم ودياناتهم مستعارة ومقتبسة ومسروقة من الدول المجاورة لهم، ويؤكد على هذا المستشرق البريطاني بودلي في كتابه حياة محمد الذي صدر عام 1946م:” إنَّ اليهود لا وطن لهم، وأنَّهم مشردون، وأنَّهم قدموا إلى يثرب بعد اضطهاد تيتس لهم ونهبه لبيت المقدس سنة 70م، فإبراهيم جد إسرائيل وإسحاق والده عاشا غرباء في كنف الكنعانيين، فالتوراة لا تذكر حركة من حركات إبراهيم وذريته إلاَّ مقرونة بالغربة”، منها:“وتغرّب إبراهيم في أرض الفلسطينيين أيامًا كثيرة“”وسكن يعقوب في غربة أبيه إسحاق في أرض كنعان”[سفرالتكوين: الإصحاح37: 1]
هذا وممّا يجدر ذكره أنّ حركة ناطوري كارتا اليهودية لم تعترف ولن تعترف بدولة إسرائيل لأنّها دولة ضد الله، فالله كتب على اليهود أن يعيشوا بلا دولة عقابًا على خطاياهم، وأنّ على اليهود أن يعيشوا بسلام في البلاد التي تستضيفهم.
البريد الالكتروني: Suhaila_hammad@hotmail.com