4-قضايا الأمة العربية والإسلامية

أكذوبة أرض الميعاد!

By شهر واحد مضىNo Comments

د. سهيلة زين العابدين حمّاد

نُشر في صفحة الرأي في جريدة  المدينة في 22 نوفمبر 2023

  ورد في المنشورات التي نشرتها صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” التي تم توزيعها فى الضفة الغربية تحمل رسالة تهديد للفلسطينيين في الضفة بترك منازلهم وأرضهم والهجرة القسرية للأردن هذه العبارات:”… سنطردكم بقوة من أرضنا المقدسة التي كتبها الله لنا والذي أمرنا بعدم الارتداد عنها مهما صار لتتم علينا كلِمَة رَبَّنَا الْحُسْنَى بِمَا صبرنا معكم، احملوا حمالتكم فورًا وارحلوا من حيث ما أتيتم إنّنا لآتون”.[جريدة اليوم السابع https://2u.pw/bogPQpc] وهذا النص لم يأت من فراغ، ولكن من تزييف اليهود للتاريخ منذ قرون وماضون تزييفه في مناهجهم الدراسية التي لم تشترط الدول العربية المٌطبعة مع إسرائيل تغييرها وحذف منها التزييف في التاريخ والادعاء أنّ فلسطين أرض الميعاد التي وعدهم الله بها، فلقد بنى اليهود الصهاينة ادعاءاتهم بأرض المعاد التي سيقيمون عليها دولة إسرائيل الكبرى الممتدة من النيل إلى الفرات، بأنّ الله قد رسم لهم مملكة وحددها تحديدًا جغرافيًا  دقيقًا من النيل إلى الفرات؛ طبقًا لما جاء في سفر التكوين “في ذلك اليوم قطع الرب مع إبرام ميثاقًا قائلًا:” لنسلك أعطي هذه الأرض من نهر مصر إلى نهر الكبير”[تكوبن: 15/ 18]تؤكد التوراة هذا الوعد بقولها “وأعطي لك ولنسلك من بعدك أرض غربت، كل أرض كنعان ملكًا أبديًا”[تكوين: 17/8.] وفات اليهود الذين استندوا على هذا النص بوعدهم بأرض الميعاد أنّ نسل إبراهيم عليه السلام ليس قاصرًا على فرع إسحاق عليه السلام، وإنّما يشمل نسل إسماعيل عليه السلام أيضًا الذين منهم  الكنعانيين الذين أرضهم فلسطين، وهم أول من سكنها، وفلسطين لهم وأرضهم، ولم يكن لنسل إسحاق عليه السلام من بني إسرائيل موطن؛ لذا سموا بالعبريين، أي الذين عبروا الصحراء. 

 ولكن وضاع التوراة فاتتهم هذه الحقيقة عندما صاغوا هذا السفر ظنوا أنّه سيكون قاصرًا على نسل إبراهيم من إسحاق عليه السلام، وهذا يكشف وضعهم، كما يكشف هذا الوضع ما جاء في سفر التكوين الإصحاح 22 الآية 1،2 أنَّ الله امتحن إبراهيم فقال: ها أنا ذا فقال:(خذ ابنك وحيدك الذي تحبه إسحاق واذهب إلى أرض المريَّا، واصعده هناك محرقة على أحد الجبال الذي أقول لك) فقد استبدلوا إسماعيل بإسحاق، وفاتهم أنَّ كلمة “ابنك وحيدك” تكشف زيفهم فمعروف أنَّ إسحاق عليه السلام، ليس الابن الوحيد لسيدنا إبراهيم عليه السلام، لأنَّ إسحاق من زوجه سارة، والتي كانت عقيمًا، ولذا تزوج من السيدة هاجر التي أنجبت له إسماعيل عليه السلام، وبعد أربع عشر عامًا أنجبت السيدة سارة إسحاق عليه السلام فهذه النصوص ليست من التوراة التي نزلت على موسى عليه السلام، وإنّما كتبه عزرا الوراق، فهذان النصان يتعارضان مع العدالة الإلهية؛ إذ كيف يُعطي لإبراهيم أرض كنعان، فإن أراد أن يعطيه أرضًا فلا يعطيه أرضًا يملكها الغير؟

   فالتوراة التي بنى اليهود حقوقهم في فلسطين على أسفارها، وخاصة أسفار موسى الخمسة قد ثبت لديهم زيفها، وأنَّها ليست التي نزلت على سيدنا موسى عليه السلام، وذلك بعد عرض التوراة على النقد التاريخي، وما أثبتته الحفائر الأثرية من تناقض مع ما ورد في التوراة.

   فالتوراة المتداولة والمعتمدة عليها دولة الاحتلال الصهيوني  في ادعاء حقوقها التاريخية الباطلة ليست هي كتاب الله الذي  نزل على سيدنا موسى عليه السلام، فقد سُرقت، أو أخفيت قبل السبي البابلي، لأنَّ التوراة الأصلية أصغر بكثير من التوراة المتداولة، وقد نُقشت على اثني عشر حجرًا، وكانت تُعبِّر عن الشريعة فقط، وأنَّه كانت على الأرجح مكتوبة باللغة المصرية القديمة التي كان يتقنها سيدنا موسى عليه السلام، أمَّا التوراة التي عند اليهود فهي مكتوبة باللغة الآرامية، وقد كتبها عزرا الوراق، وهو رئيس الكتبة الذين حرَّفوا التوراة وبدَّلوها، وقد ارتبط اسمه بكتابة التوراة، ويذكرHosmer  أنّ عزرا– في منتصف القرن الخامس قبل الميلاد –  هو الذي قاد جماعة من اليهود إلى فلسطين؛ حيث استعاد بها الحياة اليهودية، وهو الذي أبرز أجزاء كثيرة مما سُمّي فيما بعد بالعهد القديم، وقد أكمل الكهنة الذين جاءوا بعد عزرا ما بدأه هذا الكاهن، وفي عهد المكائيين كانت أجزاء العهد القديم قد وُجِدت تقريبًا، ولكنها لم تكن وضعت في نظامها المعروف الآن، كما أنّها لم تكن في مستوى واحد من حيث الإجلال والتقدير.[د. أحمد شلبي: مقارنة الأديان(ليهودية) ص 263، نقلًا عن The Jews pp.75-76.: Hosmer]وذكره السموأل بن يحي اليهودي المغربي(توفي سنة 570هـ)،”وما كتبه عزرا من الذاكرة فحرَّف ما حرَّف، وشوَّه ما شوَّه، وبدَّل ما بدَّل.”

  والتوراة جمعت على مدى 1100سنة كان آخرها القرن الخامس الميلادي، ونتيجة لامتداد زمن التأليف إلى أكثر من ألف عام، وطوال عصور الجمع يختلف أحبار اليهود أنفسهم  في أسماء وعدد أسفار العهد القديم.حمد طاهر: الأناجيل دراسة مقارنة، ص 11.]

    ومنذ خضوع التوراة للنقد في القرن السادس عشر كأي كتاب بدأ فريق من العلماء المسيحيين في دراسة التوراة دراسة نقدية، وخرجوا من دراستهم ببعض النتائج أهمها أنَّ التوراة المتداولة لم تكن من عمل موسى عليه السلام، وإنَّما كتبت بعده بقرون طويلة.

وسأكتفي بما يُثتت تحربف التوراة ما أصدره الحاخام اليهودي يتسحاق شابيرا رئيس المدرسة الدينية اليهودية من فتاوى دينية في كتابه” توراة الملك” بقتل من هو غير يهودي إذا كان يشكل خطرًا على اليهود حتى لو كان طفلًا أو رضيعًا مستندًا في فتاويه على نصوص توراتية  سمحت  بعض أسفارها بقتل الرجال والنساء حتى  الأطفال في حال اشتركوا أو كان لهم أي ضلع في تعريض اليهود للخطر، ولو كان هؤلاء الأطفال والرضع يعيشون في بيت يسبب الأذى لليهود، من ذلك ما جاء في سفر “يوشع بن نون” الذي أمر جنودَه بأن يحرقوا مدينة “أريحا” بمن فيها من الرجال والنساء والأطفال، كما جاء في كُتُبِهم، ولم يقتصر الأمر على حرْق “أريحا” بل عليهم أن يقوموا بذلك في كل مدينة استولوا عليها. جاء في سفر يشوع: وأخذوا المدينة وحرموا كل ما في المدينة -أي اقتلوهم- من رجل وامرأة، من طفل وشيخ، حتى البقر والغنم والحمير بحد السيف.”[21:ط -22.]

وما جاء في سفر التثنية: “وإذا دفعها الرب إلهك إلى يدك، فاضرب جميع ذكورها بحد السيف، وأما النساء والأطفال والبهائم وكل ما في المدينة غنيمتها فتغتنمها لنفسك، وتأكل غنيمة أعدائك التي أعطاك الرب إلهك، هكذا تفعل بجميع المدن البعيدة منك جدًّا، التي ليست في مدن هؤلاء الأمم هنا، أما مدن هؤلاء الشعوب التي يعطيك الرب إلهك نصيبًا، فلا تستبقِ منهم نسمة، بل تُحرمها تحريمًا:الحثيين، والأموريين، والكنعانيين، والفرزيين، والحويين، واليبوسيين، كما أمرك الرب إلهك.”[16:20]

وجاء في نفس سفر التثنية17:13: فضَرْبًا تضربُ سُكان تلك المدينة بحد السيفِ، وتُحرمُها بكلِّ ما فيها مع بهائمها بحدِّ السيفِ، واجْمَع كل أمتعتها إلى وسطِ ساحتها، وتحرق بالنار المدينة وكل أمتعتِها كاملة للرب إلهك، فتكون تلاًّ إلى الأبد لا تُبنى بعد”

وجاء في صموئيل في سِفره: “إيَّايَ أرْسلَ الرَّبُّ لِمَسْحِك مَلِكًا على شَعْبِه إسْرَائِيل، والآنَ فاسْمَعْ صَوْتَ كَلامِ الرَّبِّ، هكَذا يَقُولُ رَبُّ الجُنُودِ: إنِّي قَد افْتَقَدْتُ ما عَمِلَ عَماليقُ بإسْرَائِيلَ حِينَ وَقَفَ لَهُ في الطَّرِيقِ عِنْدَ صُعُودِه مِنْ مِصْر، فالآنَ اذْهَبْ واضْرِبْ عَمَالِيقَ، وحَرِّمُوا كُلَّ ما لَهُ، ولاَ تَعْفُ عَنْهُمْ؛ بَلِ اقْتُلْ رَجُلاً وامْرَأَةً، طِفْلاً ورَضِيعًا، بقَرًا وغَنَمًا، جَمَلاً وحِمَارًا”[ 15:4]. ونسبوا إلى النبي حزقيال أنّه قال:لا تشفق أعينكم، ولا تعفوا عن الشيخ والشاب والعذراء والطفل والنساء، واقتلوا للهلاك. 7:9.

      ووفق هذه النصوص جاء تصريح كبير حاخامات إسرائيل، ورئيس حزب شاس الديني عفوديا يوسف بأنّ:”الرب قد ندم لأنه خلَق العرب ووصف العرب بأنَّهم:أنجاس، والموت لهم أفضل من الحياة. [جذور العنف والعنصرية في الفكر الديني اليهودي”، أحمد لطفي عبدالسلام، ص 194]

وهذه الحرب عند اليهود وفق نصوص التوراة التي كتبها عزرا الوراق، ما تقوم به إسرائيل الآن في حربها على غزة  من حرق( أرض محروقة) وتدمير لباني وكنائس ومدارس ومستشفيات ومخابز، مع قتل الرجال والشيوخ والنساء الأطفال منهم الرُّضع والخًدّج بلغوا أكثر من 11 ألفًا منهم خمسة  آلاف طفلًا بعد مرور 41 يومًا من بدء الحرب.

  فهل يُعقل أنّ الله الخالق العادل الذي حرّم الظلم على نفسه أن يأمر اليهود بقتل غير اليهود ممن يشكلون  خطرًا على اليهود حتى لو كانوا أطفالًا رضعًا؟

    لقد بيّن الخالق جل شأنه  في مواضع كثيرة من القرآن الكريم كتابه السماوي الثالث المُنزّل تعرّض التورة كتابه الأوّل المُنزّل للتحريف في سور: البقرة: 7، وآل عمران:98،اولأنعام: 9، والمائدة:13، وفي البقرة: 79(فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـذَا مِنْ عِندِ اللّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ)

  ويتفق مع ما ذكره الله عز وجل عن  تحريفهم للتوارة ما ورد في(سفر إرميا:8/8) مما ينسب إلى الله عزَّ وجلَّ القول:” كيف تقولون نحن حكماء، وشريعة الرب معنا، حقًّا إنّه إلى الكذب حوَّلها قلم الكتبة الكاذب، خَزِىَ الحكماء ارتاعو وأُخِذُوا ها قد رفضوا كلمة الرب” فهذا النص من نبي من أنبيائهم الكبار على ما ذكروا وكان في عصر متأخر، قد عاصر انحرافاتهم، وذلك قبيل الغزو البابلي وسبي اليهود، وهو نص على تركهم لدين الله وتحريفهم لشريعته، وأنّ الكتبة الموكلون بالكتب المنزلة قد حوَّلوها إلى الكذب والزور.

  وهكذا نجد اليهود الصهاينة قد بنوا وعد الله لهم بأرض الميعاد على أكذوبة من صنع وُضّاع التوراة!!

البريد الالكتروني: suhaila_hammad@hotmail.com

رابط المقال : https://2u.pw/TK9F2Nw

Leave a Reply