د. سهيلة زين العابدين حمّاد
نُشر في صفحة الرأي بجريدة المدينة في 25 أكتوبر 2023
في 20/7/2018 أقرّ الكنيست قانون القومية الإسرائيلي العنصري الذي ينص على أنّ:
إسرائيل هي الوطن التّاريخي للشعب اليهودي، وأنّ الشعب اليهودي فقط هو من يقرّر المصير في الدّولة، والإقرار بيهوديّة الدّولة، واعتبار تنمية الاستيطان اليهوديّ قيمة قوميّة، وعليه ستعمل إسرائيل على تشجيعه – الاستيطان أحد أبرز العراقيل أمام تطبيق حل الدولتين؛ إذ يقطع الأراضي الفلسطينية ويمنع التواصل الجغرافي بينها- ويَعتبر القدس الكاملة والموحدة عاصمةً لإسرائيل، ويُغلق القانون باب العودة نهائيًا أمام الفلسطينيين، ويبقه مفتوحًا على مصراعيه أمام الهجرات اليهودية، ويضرب القانون بعرض الحائط القرارات الدولية والأمميّة التي أكّدت على حق العودة والتّعويض، ومنها القرار 194، وانحاز القانون للقومية اليهودية على حساب المواطنة، وهذا مُخالف للبناء السياسي للدولة الديمقراطية، ويضع القانون الحجر الأساسي في عملية مؤسسة الفصل العنصري في الدّاخل المحتل بين العرب واليهود ليشَرْعِن كل مُمارسات إسرائيل العنصرية والاستعمارية، كما يُحوّل أصحاب البلاد إلى رعايا وليسوا مواطنين، كما يحرمهم من حق تقرير المصير، أو أيّة حقوق جماعية شرعية، وينهي القانون أيّ احتمال للسلام المزعوم، وينتهك القانون الدولي، ومنظومة قانون الدّولة المرتكز على مبادئ المساواة أمام القانون وسيادته؛ إذ يقوم على ضم الأراضي والتّمييز وفرض الهوية على السكان بالاستيطان والطرد والتّهجير، ويُعتبر هذا القانون نكسةً قانونيةً وضربةً قاضيةً للقانون الدّولي، ولهذا نجد الاحتلال الإسرائيلي يعمل على التسريع بعمليات استباحة الأراضي الفلسطينية بهدف تعميق الاستيطان وتوسيعه للحيلولة دون قيام دولة فلسطينية ذات سيادة قابلة للحياة، وقد أطلقت إسرائيل منذ سنوات خطة واسعة لتعزيز الترابط بين المستوطنات الإسرائيلية في الضفة المحتلة وداخل الخط الأخضر، وهذه الخطوة تهدد حدود الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، وتعزل القدس وتفصلها عن محيطها الفلسطيني، مع عمليات تهجير واسعة للمواطنين الفلسطينيين من الأغوار، مقابل تشجيع المزيد من العائلات الإسرائيلية للاستيطان في الأغوار لدعم مخططات التهويد في المنطقة.
وما تقوم به إسرائيل منذ 7 أكتوبر 2023 من حرب إبادة في قطاع غزة وجرائم حرب ومنع الطعام والماء والكهرباء والوقود والدواء والاتصالات عن قطاع غزة وهدم البيوت على أصحابها، وإبادة 55 أسرة بكاملها، وأمر مليون ومائة ألف من سكان القطاع النزوح من شماله إلى جنوبه، وقصفها لسيارات النازحين إلى جنوب غزة، بل قصفها للجنوب، ليس بهدف القضاء على حماس من جذورها – كما تدعي الآن – التي أصبحت فجأة من الدواعش، وكانت من قبل يوميْن من عملية 7 أكتوبر لحماس موقعة معها عقود عمل للمزيد من عمال غزة للعمل في مستوطناتها، ويدخل شهريًا ملايين الدولارات من قطر إلى حماس في غزة عبر إسرائيل، وكانت إسرائيل حريصة على بقاء سلطة حماس في قطاع غزة لتعزيز الانقسام الفلسطيني، وأفشلت كل محاولات التقارب والتصالح بين حماس وفتح.
وحرب إسرائيل لإبادة غزة مخطط له، ويؤيد هذا القول خريطة الشرق الأوسط الجديد التي عرضها نتنياهو في الأمم المتحدة مؤخرًا- وهو يلقي كلمته – بلا وجود فيها لقطاع غزة والضفة الغربية؛ إذ غطى اللون الأزرق لدولة إسرائيل كل مساحة فلسطين؛ لذا انتهزت إسرائيل هجوم حماس 7 أكتوبر لتنفذ لصفقة القرن بالتهجير القسري لفلسطيني غزة إلى سيناء للتكون وطنًا بديلًا لتصفية القضية الفلسطينية، وقد قدم الرئيس الأمريكي السابق ترامب صفقة القرن بدلًا من مشروع”غزة الكبرى” الذي سبق طرحه عام 1953 بين الحكومة المصرية والحكومة الأمريكية ووكالة الأمم المتحدة بعد سلسلة من المجازر التي اقترفتها القوات الإسرائيلية في البريج وغزة وخان يونس وأعيد طرحه في الأعوام 1979،و 2004،و2008، و2012 فترة حكم الأخوان لمصر، وقد رفض الرئيس الفلسطيني استلام 1000 كيلومتر في سيناء من الرئيس محمد مرسي، الذي رحب بإقامة آهل غزة في سيناء، بينما رفضها قبله رؤساء مصر السادات ومبارك، والرئيس السيسي منذ أن كان وزيرًا للدفاع في عهد مرسي عندما أصدر قانونًا عام 2012 بمنع تملك أراضي سيناء إلّا للمصريين عن رابع جد، بعدما بُدأ بيع أراض في سيناء لفلسطينيين مُنحوا الجنسية المصرية، فأوقفه في حينه، وعندما تولى السلطة في مصر، وبعد أن قضى على الإرهاب في سيناء قام بإعمارها وتنميتها وصنّفها كمشروع أمن قومي بتكلفة 275 مليار جنيه، بما يعادل 15،6 مليار دولار، وتم تشغيل أربعة أنفاق تمر أسفل قناة السويس لربط سيناء بعمق مصر.. تختصر المسافة من ساعة إلى أربع دقائق، وأعلى قناة السويس يجري مد خط للسكك الحديدية عبر جسر الفردان، وإنشاء مدن كاملة في قلب سيناء كمدينة شرق بورسعيد الجديدة تستوعب مليون ونصف المليون نسمة، ومدينة الإسماعيلية الجديدة لاستيعاب 250 ألف نسمة، ومدينة رفح الجديدة التي تستوعب 150 ألف نسمة. وقد أوضحت صحيفة يديعوت أحرنوت أنَّ مصر تسعى لزيادة عدد السكان في سيناء إلى 6 أضعاف ليصل إلى ثلاثة ملايين ونصف المليون بحلول عام 2027ممّا أثار مخاوف الأوساط الإسرائيلية، وعنما بدأت حرب إسرائيل على غزة 7 أكتوبر 2023، أعلن الرئيس السيسي أكثر من مرة أنّ الأمن القومي لمصر خط أحمر، وأنّ مصر لن تسمح بتصفية القضية الفلسطينية بتهجير سكان غزة إلى سيناء، وأنّ معبر رفح المصري لن يُفتح إلّا لإدخال المساعدات لأهل غزة، واستقبال الجرحى الفلسطينيين لعلاجهم، ومرور الأجانب الذين يريدون الخروج من غزة، واشترط خروجهم بدخول المساعدات .
ولكن هذه المرة طرحته إسرائيل بتهجير سكان غزة إلى سيناء بالقوة العسكرية، واستيلاء إسرائيل على كامل غزة وضمها إلى دولة إسرائيل اليهودية بالتواطؤ مع الإدارة الأمريكية بممارسة ضغوط دولية على مصر والأردن، وبعض الدول العربية لقبول تهجير الفلسطينيين في غزة إلى سيناء والضفة الغربية إلى الأردن، تمهيدًا لاحتلال إسرائيل لهما تحت ذريعة حقها في الدفاع عن نفسها ضمن تنفيد مخطط دولة”إسرائيل الكبرى”، وقد عُثر على خريطة” دولة إسرائيل الكبرى في الحواسيب الإسرائيلية التي صادرتها حماس، وتضم الخريطة فلسطين بأكملها وسوريا ولبنان والأردن وسيناء وأجزاء أخرى من مصر والسعودية والعراق والكويت، واتفاقيتي كامب ديفيد ووادي عربة لم تحولا دون مخطط احتلالهما من قبل إسرائيل؛ لذا نجدها حريصة على إصدار الأمم المتحدة قرارًا يمنحها حق الدفاع عن نفسها، ونرى جوجل يحذف اسم سيناء من خريطة مصر.
وهكذا نجد أنّ رؤية الإدارة الأمريكية لحل القضية الفلسطينية بتصفيتها، وليس بحل الدولتين، والذي لخّصه الرئيس الأمريكي السابق ترامب بقوله:”إنّ حل الدولتين ليس الحل الوحيد للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، وهي مقولة تشير إلى أنّ حل تهجير فلسطيني غزة إلى سيناء قد تبنته أيضًا الإدارة الأمريكية الحالية بإعطائها إسرائيل الضوء الأخضر لكل ما تقوم به من حرب إبادة وجرائم حرب في غزة بعد عملية حماس، حتى بعد مذبحة المستشفى الأهلي المعمداني التي راح ضحيتها أكثر من خمسمائة شهيد وثمانمائة جريحًا نجد الرئيس الأمريكي بعد اعتذاره عن أخذه بالرواية الإسرائيلية الكاذبة عن قطع حماس لرؤوس أربعين رضيعًا من من الإسرائيليين واغتصابهم للنساء لعدم صحتها، نجده يأخذ بالرواية الإسرائيلية الكاذبة التي تبرأت من جريمة مذبحة مستشفى المعمداني وإلصاقها بحماس رغم إقرار المتحدث الرسمي الرقمي لرئيس الوزراء الإسرائيلي هنانيا نفتالي، في تغريدة على حسابه في منصة «اكس»، مساء 17 أكتوبر بقصف المستشفى لاعتقادهم بأنّه يؤوي قاعدة لحركة حماس. وأرفق تغريدته بصورة للنيران تشتعل في المستشفى بعد الضربة، إلّا أنّه عاد وحذفها سريعًا(جريدة عكاظ https://www.okaz.com.sa/news/politics/2146012#google_vignette]
وقد نشرت العربية نت فيديو يدحض الرواية الإسرائيلية في نفي ضربها للمشفى وإلصاقه بحماس ،كما أشارت إلى ما ذكره الخبير الروسي الكسي نيلكوف أنّ إسرائيل استخدمت قنبلة “مارك 84” في قصف المستشفى المعمداني معتمدًا على صوت الصفير السابق للانفجار.[ https://2u.pw/yjUMamH]
إنّ هذا يؤكد مسؤولية إسرائيل عن هذه المذبحة، كما يؤكده قصفها في نفس الليلة مدرسة من مدارس الأنروا، وقصفها في 19 أكتوبر كنيسة الروم الأرثوذكس في حي الزيتون غزة التي يبلغ عمرها 1616 حيث أنتهى إنشاءها عام 407م، وقتل في هذا القصف 18قتيلًا، وصرّحت بطريركية القدس للعربية:” إسرائيل تستهدف المؤسسات الكنسية التي تفدم خدمات إنسانية بغزة.” وتصريح المسؤول الإعلامي عن الهلال الأحمر الفلسطيني إنّ الجيش الإسرائيلي طالب إخلاء 24 مشفى بغزة لقصفها، كل هذا يدين إسرائيل قصفها مشفى المعمدان، بينما نجد الرئيس بايدن يُعلن من تل ابيب أنّ أولوياته إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين متجاهلًا تمامًا تجويع إسرائيل لشعب غزة، ومنع عنه الطعام والماء والكهرباء والطاقة والدواء، ورفضها القاطع إدخال المعونات لهم عبر معبر رفح، دون أن يرغمها على فتحه، مع الدعم الأمريكي اللامتناهي لإسرائيل بكل أنواع السلاح والذخائر، وقد استدعت أكبر حاملتي طائرات لترسُوَا على السواحل الإسرائيلية، ومشاركة ألفي جندي أمريكي من قوات الكوماندوز مع الجيش الإسرائيلي في الهجوم البري على غزة، لإجبار فلسطيني غزة للهجرة إلى سيناء، ومصر قبولها التهجير إلى سيناء لتنفيذ ما هو مخطط له لتصفية القضية الفلسطينية.
إنّ التضامن العربي بموقفه الموحّد الرافض لصفقة القرن أفشلها فشلًا ذريعًا، بالرغم من حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية لفلسطيني غزة، ورغم كل الضغوط الأمريكية والغربية على مصر والأردن وبعض الدول العربية لقبول صفقة القرن، فلن تجرؤ إسرائيل وأمريكا وحلفائهما على محاولة فرضها بعد رفضها من قبل الفلسطينيين ومصر التي أعلنت رسميًا أكثر من مرة أنّ الأمن القومي المصري خط أحمر، مع إجماع عربي على رفض التهجير، ويقابله رفض مشروع الوطن البديل في الأردن لفلسطيني الضفة الغربية الذي تعد له إسرائيل العدة لتنفيذه بعد حرب غزة استكمالًا لخريطة نتنياهو التي عرضها في الأمم المتحدة.
البريد الالكتروني: suhaila_hammad@hotmail.com
رابط المقال : https://2u.pw/Zz3l7Yo