د. سهيلة زين العابدين حمّاد
نُشر في جريدة المدينة في 1 نوفمبر 2023م
هذه حقيقة أكّدها التأييد الأعمى للدول الغربية والمنظمات الدولية لإسرائيل، وغض البصر على كل ما تركتبه من جرائم وعنف وظلم للشعب الفلسطيني، والتعامل اللاإنساني معه، وتجريده من جميع حقوقه، بل من إنسانيته، فالفلسطيني في نظر إسرائيل حكومة وجيش وشرطة ومواطنيين ومستوطنيين أنّه ليس بإنسان له حقوق، ويتمثل هذا في مقولة وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش:”إنّ الشعب الفلسطيني اختراع وهمي لم يتجاوز عمره 100 سنة، وأنّ العرب اخترعوا شعبًا وهميًا في أرض إسرائيل وطالبوا بحقوق وهمية في أرض إسرائيل لمجرد محاربة الحركة الصهيونية”، وفق ما أفادت به صحيفة “جيروزاليم بوست” (The Jerusalem Post) الإسرائيلية، وهذا القول لم ينفرد به هذا الوزير، فقد ردده ويردده كثير من المحللين السياسيين الإسرائيليين، ومن تولوا مناصب في الدولة العربية الذين تستضيفهم بعض القنوات العربية الإخبارية، عندما يُطرح لهم حل الدولتيْن، فيكون ردهم انسوا هذا القول، فالفلسطينيون لا دولة لهم، ومستحيل إقامة دولة فلسطينية، ويؤكد هذه العقيدة خريطة الشرق الأوسط الجديد التي أظهرها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أثناء كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها ال 78؛ إذ شملت الخريطة مناطق مكسية باللون الأخضر الداكن للدول التي تربطها اتفاقات سلام مع إسرائيل، أو تخوض مفاوضات لإبرام اتفاقات سلام معها، وضمت المناطق المكسية باللون الأخضر مصر والسودان والإمارات والسعودية والبحرين والأردن. ولم تشمل الخريطة أي ذكر لوجود دولة فلسطينية، حيث طغى اللون الأزرق، الذي يحمل كلمة إسرائيل، على خريطة الضفة الغربية المحتلة كاملةً، بما فيها قطاع غزة، بل نجد وزير الدفاع الإسرائيلي حين أعلن فطع الماء والكهرباء والطعام عن قطاع غزة، قال: “نحن نحارب حيوانات بشرية” ونجد بنيامين نتنياهو قدم كل خصوم إسرائيل باعتبارهم جزءً من “معسكر الأشرار”، أو حسب تعبيره “الساكنون في جبل عيبال”، وهم إيران والفلسطينيون، والعرب “المنشغلون بالإرهاب”، مقابل إسرائيل التي تنتمي لـ”معسكر الأخيار، وتسعى لسلام ورخاء العالم” ونجد باحثًا أمنيًا إسرائيليًا(عيدان رولين) يصف العرب في أحد برامج قناة RT العربية الروسية بأنّهم متخلفون، بينما الإسرائيليون غربيون متحضرون.
ولا يُستغرب هذه الأقاويل منهم، فهو يمثل المفاهيم الأساسية التي تقوم عليها العملية التربوية الصهيونية التي تصف العرب بأنَّهم متخلِّفون وجبناء ومحتلُّون لأرض إسرائيل ما زال هو الوصف السائد مع التأكيد المستمر على أنّ الأردن جزء من أرض إسرائيل، مع أنّ هذه المفاهيم تتعارض مع نصوص توراتية أكّدت أنّ الفلسطينيين هم أوّل من سكن فلسطين، ففي سفر التكوين أولى أسفار العهد القديم ورود اسم الفلسطينيين في الإصحاح(21) الآية(34) من سفر التكوين” وتغرّب إبراهيم في أرض الفلسطينيين أيامًا كثيرة”، كما تحدّث الإصحاح 37 آية 1 من سفر التكوين عن غربة إبراهيم وإسحاق ويعقوب عليهم السلام في أرض كنعان، ممّا يؤكد عدم وجود حق لليهود في فلسطين :“وسكن يعقوب في غربة أبيه إسحاق في أرض كنعان.”
والأدلة كثيرة لا حصر لها على عروبة فلسطين سأفرد لها مقالًا، واكتفيت بهذيْن الإصحاحيْن للرد على مقولة وزير المالية الإسرائيلي وبنيامين تنتياهو أنّ فلسطينيين للفلسطينيين بشهادة التوراة.
ووصف وزير الدفاع الإسرائيلي الفلسطينيين بأنّهم حيوانات بشرية، ووصف نتنياهو العرب والفلسطينيين في كلمته في الأمم المتحدة العرب والفلسطينيين بالأشرار غير بمستعرب فهذا ما تحويه المناهج الدراسية في إسرائيل، فقد أكّدت نتائج دراسة إسرائيلية نشرت في سبتمبر عام 2010 م أنَّ كتب التَّعليم الإسرائيليَّة حالت دون تحقيق السَّلام مع العرب. وحسب الدِّراسة التي أعدَّها الباحث الإسرائيلي إيلي بوديا المحاضر في جامعة حيفا، فإنّ كتب التَّدريس الإسرائيليَّة أشعلت طيلة نصف القرن الماضي جذوة الصِّراع الإسرائيلي العربي، وكرَّست حالة الحرب وحالت دون التَّوصُّل للسَّلام ووصف “بوديا” مناهج التَّدريس اليهوديَّة بـ”المنحرفة، وزرع كراهيَّة الفلسطينيين في نفوس التَّلاميذ الإسرائيليين إلى حد الاستنتاج بأنّ ما يجري داخل جدران المدارس يؤثِّر إلى مدى بعيد في قرار الحرب والسَّلام لدى قادة إسرائيل. وأشار البحث الذي جاء تحت اسم “الصراع الإسرائيلي في كتب التاريخ المدرسيَّة العبريَّة“، إلى أنَّ الكتب المدرسيّة قادت بطريق غير مباشر إلى إثارة الصراع المسلَّح. وأكَّد بوديا أنَّ كتب التَّاريخ الإسرائيليَّة التي أخضعها للبحث انشغلت بتعميق القيم الصهيونيَّة ورعاية الأساطير والتَّمجيد بأبطالها. ولفت الباحث إلى أن َّتلك الكتب وصفت الصِّراع بطريقة مشبَّعة بعدم الدقة إلى حد التشويه وشيطنة العرب وتجريدهم من إنسانيتهم، مما أدَّى إلى ترسيخ صورة نمطيَّة لدى الإسرائيليين الذين ظهروا دائمًا بصورة الغربيين المتحضرين صانعي السَّلام مقابل صورة العرب “الخونة العدوانيين المتخلِّفين والمجرمين والخاطفين القذرين والمبادرين دوما نحو التدمير”. وأشار الكاتب إلى أنّ تعابير مثل مُتوحِّش ومُحتال ومُخادع ولص وسارق وإرهابي، كانت كثيرًا ما تُستخدم في وصف العربي. مشيرًا إلى أنَّ العرب يوصفون بأنَّهم النُّسخة الحديثة من “العماليق”، ألد أعداء الإسرائيليين في التوراة. ويؤكِّد الباحث أنَّ كتب التدريس الإسرائيليَّة تحاول أن تكرِّس قناعة مفادها أنَّ السلام مع العرب، “يهدد إسرائيل المهزوزة ويستلزم تحصين النَّاشئة بتقوية الوعي الصهيوني.” يقول الناقد أنطوان شلحت، الذي كتب مقدمة البحث:” إنَّ سنوات ما بعد 2000، شهدت صعودًا يمينيًا متطرفًا إلى رأس هرم جهاز التعليم في إسرائيل، بعد تسلُّم ليمور لفنات من حزب الليكود حقيبة التَّعليم. وتعتبر فترة لفنات الأخطر على التَّعليم الإسرائيلي، باعتبارها “قاب قوسين أوأدنى من الفاشية التامة”، لأنَّ لفنات أسقطت كل ما ليس مستمدًا من الرِّواية الصهيونية التاريخيَّة، أنَّ فلسطين كانت خالية من العرب باستثناء القليل الذين فرُّوا عام 1948.
البريد الالكتروني : Suhaila_hammad@hotmail.com
رابط المقال : https://2u.pw/itPVfHz