مؤسسة تكوين الفكر العربي

ما علاقة مركز تكوين الفكر العربي  بطه حسين؟(3)

By شهرين مضىشهر واحد مضىNo Comments

د. سهيلة زين العابدين حمّاد

     من المقالات السابقة التي تم عرض فيها عرضًا سريعًا  لبعض ما دعا إليه طه حسين، اتضح لنا   إلى أي مدى كان تأثره بأساتذته المستشرقين وغير المستشرقين، من فرنسيين وإنجليز وألمان وغيرهم، فقد أخذ عن ارنستريفان الجبر التاريخي، وعن ديكارت وسانت نيف الشك الفلسفي، وعن أوجست كونت، وبول فاليري الجماعية وإلغاء الفردية والذاتية، فاتجاهه في حديث الأربعاء أخذه من سانت بيف، على هامش السيرة أخذه من كتاب على هامش الكتب القديمة، أما مذهبه في النقد فأخذ نظريته من تين وبرودنير، ورأيه في المتنبي أخذ نظريته من بلاشير، وبحثه عن ابن خلدون أخذه من دوركايم، أما كتابه في الشعر الجاهلي فأخذ نظريته من مرجليوث، ونيله من القرآن الكريم ونقده الأسلوب القرآني، ونيله من نسب النبي صلى الله عليه وسلم، ومن الصحابة رضوان الله عليهم، فأخذه من أستاذه كازانوفا.

  هذا باختصار طه حسين الذي كان أسيرًا للغرب وللفكر الغربي، وكان رسولاً لهم في بلاد الإسلام، فلقد خدم أغراضهم وحقق أهدافهم، ومع هذا نجد أجهزة الإعلام في عالمنا العربي تمجد هذا الرجل وتجعله في مقدمة الرواد، ومؤلفاته التي تقطر عداء للإسلام، وتبذر بذور الشك في القرآن وتاريخ الإسلام ونسب الرسول وأنساب العرب، وتمتلئ مجونًا، وإباحية يُدرس بعضها   للطلبة في مختلف المراحل الدراسية.

 والخطير في الأمر قيام مجموعة من تلامذته النجباء(منهم يوسف زيدان وإبراهيم عيسى، وفراس حوّاس وإسلام بحيري) في تكوين مركز يجمعهم أطلقوا عليه مسمى “مركز تكوين الفكر العربي”، ومن أهدافه الرئيسة تبني منهج طه حسين الذي يشكل مناهج مجموعة من أساتذته المستشرقين القائمة على التشكيك في القرآن الكريم والسنة النبوية والسيرة النبوية، وفي نسب الرسول  صلى الله عليه وسلم، ونسب صحابته، والنيل من سيرهم وأخلاقياتهم، وتشوبه  التاريخ الإسلامي، وإلغاء قدسية كلام الله، والسخرية منه وتعريضه للنقد كأي نص بشري، وذلك بإطلاق مؤتمرهم الأول تحت عنوان”خمسون عامًا على رحيل طه حسين أين نحن من التجديد اليوم؟” الذي كان بمثابة إعلان المركز تبني فكر طه حسين ومنهجه، وهو الذي ساروا عليهم في كتاباتهم وأقوالهم، ممّا دفع يوسف زيدان يقول على الهواء في برنامج السؤال الصعب عن القرآن الكريم:” المكتوب المُتداول هذا ليس بكلام الله!”، والذي جعل فراس الحوّاس، يقول على الهواء في برنامج السؤال الصعب أيضًا: “لا توجد حياة بعد الموت، ولا توجد جنة ولا نار، وسيدنا آدم عليه السلام شخصية وهمية، وأنّ القصص القرآني مجرّد أساطير الأولين، واعتمد التلمود ولاسيما الهاجادا Haggadah المكوّن الثالث للتلمود في مقارنة ما ورد فيه من قصص بالقصص القرآني، مدعيًا أنّ جميع الأحاديث النبوية موضوعة.

أمّا إبراهيم عيسى لم يكتف بالتشكيك في صحة السيرة النبوية لتنهار القدوة العظمى والمثل الأعلى لشباب وشابات الأمة الإسلامية بأسرها في رسول الله صلى الله عليه وسلم، نجده في روايته التي أسماها” رحلة الدم ـــ القتلة الأوئل ــــ  الصادرة عام (2016) في (708) صفحة للقضاء على كل قدوة من صحابته رضوان الله عليهم بمن فيهم المبشرين بالجنة وكتبة الوحي، وأطلق على الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته بالقتلة الأوائل، وأنّ لاهَمّ لهم إلّا المال والنساء والغنائم.

  أمّا إسلام بحيري فقد نصّب نفسه محاميًا ليوسف زيدان وإبراهيم عيسى، ومعنى هذا  موافقته على ما كتباه وقالاه، حتى أنّه يصفهما بالمفكريْن العظيميْن، والعجيب أنّه يقول لا تحاسبوهم عمّا قالوه وكتبوه قبل انطلاق مركز تكوين الفكر العربي، مع أنّ ما قالوه وكتبوه كان وفق منهج وفكر أستاذهم وقدوتهم ومثلهم الأعلى طه حسين، ومقولة زيدان” المتداول المكتوب هذا ليس بكلام الله ” قالها بصفته المتحدث الرسمي لمركز تكوين الفكر العربي.

  كما نجد إسلام بحيري يسير على ذات منهج طه حسين، وقد وصف كتب التراث في برنامجه ” مع إسلام” الذي كان يُذاع على قناة القاهرة والناس بأنّها «لعنة، وأنّها كتب معادية للعالم، وكتب النفايات البشرية، وركام يندفن ويحترق، وأنّه كله مبنى على النفاق والكذب والتدليس، وكتبه المصدر الرئيسي لكل إرهاب وقتل باسم الدين»

وعندما سئل” لو لم تولد في عائلة  مسلمة هل كنت أخترت الإسلام دينًا لك ؟

 فأجاب الحقبقة تجربة عايزة خبرة  اختبرها. أنا ما أخترتتهاش .أنا أختبرت الدين وأنا داخله فوجدته قطعة من اللؤلؤ في وسط بحر من الطين!!  

  وبعد هذا العرض لفكر أربعة من أعضاء مجلس أمناء مركز تكوين الفكر العربي، وأيقونتهم طه حسين على مدى ستة أشهر، أتضح لنا ما هو المشروع النهضوي التنويري التجديدي الإصلاحي الذي يريد هؤلاء الأعضاء فرضه على المجتمعات العربية، من خلال مركزهم الذي لا رئيس له، ومُمِّولونه مجهولون؟

 ويتلخص مشروعهم في الآتي:

  1. التشكيك في القرآن الكريم أنّه من عند الله، ونقد نصوصه كأي نص بشري.
  2. إنكار الحياة بعد الموت والجنة والنار، واعتبار سيدنا آدم عليه شخصية وهمية، والقصص القرآني من أساطير الأولين.
  3. إنكار السنة، واعتبار جميع الأحاديث موضوعة.
  4. التشكيك في السيرة النبوية، وفي نسبه عليه الصلاة والسلام.
  5. وصف الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته رضوان الله عليهم بالقتلة الأوائل.
  6. ذمّ إبراهيم عيسى في روايته” رحلة الدم ” كبار الصحابة رضوان الله عليهم، وتصويرهم أنّ لاهم لهم إلّا المال والنساء والغنائم، ويشتم بعضهم البعض، ويقتل بعضهم البعض، واتهامه السيدة عائشة وسيدنا علي رضي الله عنهما بالتحريض على قتل سيدنا عثمان رضي الله عنه، وامتهن سيدنا عثمان أيّما امتهان بجعله دفن بلا غسل وبلا صلاة عليه في مقابر اليهود وأنّ الذي دفنه نعثل اليهودي، وأنّ امرأة ساقطة مجهولة النسب هي التي سعت إلى دفنه، وكانت مع زوجته نائلة عند الدفن، وهذا لم يذكره أحد من المؤرخين، كما نال من شرف الرسول صلى الله عليه وسلم ومن نسب عمرو بن العاص رضي الله عنه، وقد فنّدتُ مزاعمه في مقالات سابقة.

أمّا أيقونتهم طه حسين، فهو يزعم:

أولًا : أنّ الدين الإسلامي دين العرب وحدهم، بل دين عرب الجاهلية، جاء ليقضي على ما في حياتهم من فساد، أي إنكار عالمية الإسلام .

ثانيًا: إنّ هذا الدين جاء لإصلاح حال العرب في فترة زمنية معينة، وأنّه قد انتهى دوره الآن.

ثالثًا: شكك طه حسين في أنساب العرب وهجراتهم (راجع باب الأدب الجاهلي واللغة82 –94).

رابعًا: أنكر ما جاء في القرآن الكريم من أخبار في التوراة والإنجيل عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم، فيقول في معرض حديثه عن أسباب النحل ، وأنّ الدين أحد هذه الأسباب.

خامسًا: شكّك في نسب الرسول صلى الله عليه وسلم، والزعم بأنّ ما كتب عن نسب الرسول هو من وضع الناحلين لتعظيم شأنه.

سادسًا: شكّك في الحنيفية ملة إبراهيم عليه السلام والادعاء أنّ المسلمين ابتدعوها ليثبتوا أنّ للإسلام أولية في بلاد العرب.

سابعًا : لم ينكر على المستشرق كليمان هوار، زعمه أنّ القرآن الكريم من نظم الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنّ النبي قد استعان بشعر أمية أبن أبي الصلت في نظم القرآن؛ إذ نجد طه حسين يقول معلقًا على هذا الزعم الكاذب”وليس يعنيني هنا أن يكون القرآن قد تأثر بشعر أمية أو لا يكون.”[ في الأدب الجاهلي ،المجلد الخامس، 70.] ويؤكد هذا قوله :” إنّ الدين لم ينزل من السماء وإنَّما خرج من الأرض، كما خرجت الجماعة.”

ثامنًا: تجرؤ طه حسين على سيرة رسول الله، فجعل سيرته في كتاب(على هامش السيرة) مادة لأدب الأسطورة، وحشد فيها ما استطاع من إسرائيليات،  وأحاديث موضوعة تمامًا ، كما فعل الأستاذ توفيق الحكيم في مسرحية محمد صلى الله عليه وسلم.

 ثامنًا:  شكك في تاريخ الخليفتين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما في كتابه(الشيخان) وقد رد عليه معالي الشيخ محمد عمر توفيق في كتاب (طه حسين والشيخان) والأستاذ محمود محمد شاكر فيما كتبه في الفتنه الكبرى.

هذا التنوير الذي يريدونه، وهذا الإصلاح الديني الذي يُنادون به بلا قرآن ولا سنة، مع تشويه صورة نبي الإسلام وصحابته رضوان الله عليهم، مع المطالبة بحرق التراث الإسلامي والحط من شأن علماء المسلمين، وتمجيد وإعلاء شأن من ينتمون إلى مشروعهم النهضوي التنموي التجديدي الإصلاحي الذي يخدم أهداف أعداء الإسلام الذين حاربوه منذ ظهوره حتى تمكنّوا من بث سمومهم في عقول هؤلاء، ومن يسيرون على نهجهم.

    وبعد هذه الرحلة في قراءة فكر رباعي مركز تكوين الفكر العربي ( إبراهيم عيسى ، ويوسف زيدان ، وفراس حواس ، وإسلام بحيري وأيقونتهم طه حسين على مدى ستة أشهر تبيّن لنا مخاطر هذا الفكر على  العقيدة الإسلامية والهُوية العربية من خلال تشكيكها في أن القرآن الكريم من عند الله ، وفي صحة الأحاديث النبوية والزعم بأنّ جميعها موضوع، مع التشكيك في صحة السيرة النبوية، وفي نسب الرسول صلى الله عليه وسلم ، وفي نسب العرب، والنيل من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلّم رضي الله عنهم، وما تطرّقتُ إلى هذا الفكر في صفحة الرأي بجريدة المدينة باعتبارها منبرًا حرًا لحماية الرأي العام العربي من معاول الهدم، إلّا من واجبي كحاملة أمانة القلم ورسالة الكلمة  ـــ منذ أن أمسكتُ بالقلم على مدى نصف قرن  ـــ أن أبيّن للشباب العربي بصورة خاصة حقيقة مخاطر الفكر الذي يقدمونه على أنّه يهدف إلى نهضة الأمة العربية وتنويرها وإصلاحها وتجديدها بسيرهم على نهج طه حسبن القائم على التبعية للغرب بمسخ الهُوية العربية والإسلامية بالسير على نهج الغرب، والأخذ من حضارتهم ما يُحمد منها وما يُعاب، وأن نحب ما يحبون، ونكره ما يكرهون، ونُفكر كما يُفكرون، ليسهل عليهم إعادة استعمارنا واحتلالنا، ودعوتهم إلى هذا النهج ،  ومن أكثر الوسائل التي يستخدمونها المؤلفات والندوات والمحاضرات والبرامج التلفازية التي تنتشر فيديوهاتها في اليوتيوب، ويشاهدها مئات الألوف، وينتشر بذلك فكرهم الهدّام بين شبابنا،    فمن واجب حملة الفكر في عالمنا العربي  التوعية بخطورة هذا الفكر، فكيف بحملة الفكر في مهد الإسلام، ومهبط الوحي، وموطن  أصول العرب وأنسابهم ، وشهد أحداث السيرة النبوية، وتكوين الدولة الإسلامية الأولى ،  وهذا من ركائز وأسس  رؤية المملكة 2030 ؛ إذ جعلت من أهدافها تعزيز القيم الإسلامية، والحفاظ على الهُوية الوطنية، وأقترح على وزارة والإعلام  تخصيص صفحات في الصحف والمجلّات وبرامج إذاعية وتلفازية  لكشف النقاب عن فكر من يسعى إلى هدم القيم الإسلامية ومسخ الهوية الوطنية ، كما أقترح على وزارة الثقافة أن تُنظّم مؤتمرات و ندوات ومحاضرات لهذا الهدف، وهذا ما يفرضه علينا واقعنا الحالي، فالأمر لا يقتصر على تغيير خريطة الفكر العربي لتدين بالتبعية لكل ما هو غربي، بل يمتد إلى أرض الواقع بتغيير الخريطة الجغرافية للوطن العربي وفق مخطط المستشرق اليهودي البريطاني الأمريكي برنارد لويس لتفتيت العالم العربي الذي وضعه عام 1940، واعتمده الكونجرس الأمريكي عام 1983، وماضية الصهيونية العالمية والإدارة الأمريكية على تنفيذه تحت مسمى الشرق الأوسط الجديد، والذين يتجاهلون هذه الحقيقة هم البعيدون عن الواقع الذي نعيشه!

  أسأل الله أن أكون قد وُفِقّت في بيان خطورة أهداف مركز تكوين الفكر العربي، وكشف حقيقة فكر الأعضاء الرئيسين لمجلس أمنائه من خلال بعض كتبهم ,وأحاديثهم التلفازية.

هذا وقد جمّعتُ المقالات التي كتبتها عن مركز تكوين الفكر العربي ـــ من خلال رباعي أعضائه( إبراهيم عيسى ويوسف زيدان وفراس حواس ، وإسلام بحيري وأيقونتهم طه حسين ، ونشرتها جريدة المدينة في صفحة الرأي من الفترة 30 مايو إلى 14 نوفمبر عام 2024، وتم إكمالها في موقعي الالكتروني إلى 30 نوفمبر 2024 ـــ في كتاب تحت عنوان ” قراءة للمشروع النهضوي التجديدي التنويري الإصلاحي لمركز تكوين الفكر العربي” ، وسيصدر قريبًا ـــ إن شاء الله ـــ في مكتبتي اليكترونية ( مكتبة الدكتورة سهيلة زين العابدين حمّاد الالكترونية)

أستودعكم الله.

البريد الاليكتروني: Suhaila_hammad@hotmail.com

Leave a Reply