د. سهيلة زين العابدين حمّاد
أواصل الحديث عن ذوبان طه فكرًا وعقلًا وثقافة في الفكر والثقافة الغربييْن، وتلاشي القيم التي تواراثها عن الآباء والأجداد، ليظهر لنا شخصًا فيكتب تارة بمنهج وفكر أستاذه كازانوفا، وتارة يكتب بمنهج وفكر مارجليوث، وتارة ثالثة يكتب بمنهج وفكر ديكارت، ويستحضر معهما معتقدات وأهداف من يستحضره، فيكتب وكأنّه هو ذاك، فنجده ذاك صاحب نظرية الشك عندما نقرأ ما كتبه تشكيكًافي نسب الرسول صلى الله عليه وسلم، والزعم بأنّ ما كتب عن نسب الرسول هو من وضع الناحلين لتعظيم شأنه، فيقول: “ونوع آخر من تأثر الدين في نحل الشعر وأضافته إلى الجاهلين وهو ما يتصل بتعظيم شأن النبي من ناحية أسرته ونسبه في قريش، “ما أقتنع الناس بأنّ النبي يجب أن يكون صفوة بني هاشم وأن يكون هاشم صفوة بني عبد مناف، وأن يكون عبد مناف صفوة بني قُصَيْ، وأن تكون قُصّيْ صفوة قريش، وقريش صفوة مضر، ومضر صفوة عدنان وعدنان من صفوة العرب، والعرب صفوة الإنسانية كلها، وأخذ القُصّاص يجتهدون في تثبيت هذا النوع من التصفية والتنقية، وما يتصل منه بأسرة النبي خاصة، فيضيفون إلى عبد الله وعبد المطلب وهاشم وعبد مناف، وقصي من الأخبار ما يرفع شأنهم ويعلي مكانتهم ويثبت تفوقهم على قومهم خاصة وعلى العرب عامة، وأنت تعلم أنّ طبيعة القصص عند العرب، تستتبع الشعر ولاسيما إذا كانت العامة هي التي تراد بهذا القصص.” المصدر السابق: ص 137.]
2. التشكيك في الحنيفية ملة إبراهيم عليه السلام والادعاء أنّ المسلمين ابتدعوها ليثبتوا أنّ للإسلام أولية في بلاد العرب، فيقول:” وشاعت في العرب أثناء ظهور الإسلام وبعده فكرة أنّ الإسلام يجدد دين العرب في عصر العصور، ثم أعرضت لما أضلها المضلون وانصرفت إلى عبادة الأوثان، ولم يحتفظ بدين إبراهيم إلا أفراد قليلون، يظهرون من حين إلى حين وهؤلاء الأفراد يتحدثون فتجد من أحاديثهم ما يشبه الإسلام وتأويل ذلك يسير، فهم أتباع إبراهيم، ودين إبراهيم هو الإسلام، وتفسير هذا من الوجهة العلمية يسير أيضًا، فأحاديث هؤلاء الناس قد وضعت لهم وحملت عليهم حملًا بعد الإسلام لا لشيء إلا ليثبت أنّ للإسلام في بلاد العرب قدمًا وسابقة.
ثمّ نجد طه أعاد ديكارت إلى مكانه، واستحضر مرة أخرى أستاذه كازانوفا، فيكتب تكذيبه القرآن وإنكار نبوة إبراهيم وإسماعيل؛ إذ قال: ” للتوراة أن تحدثنا عن إبراهيم وإسماعيل وللقرآن أن يحدثنا عنهما أيضًا، ورود هذين الاسمين في التوراة والقرآن لا يكفي لإثبات وجودهما التاريخي فضلًا عن إثبات هذه القضية التي تحدثنا بهجرة إسماعيل بن إبراهيم إلى مكة ونشأة العرب المستعربة، ونحن مضطرون أن نرى في هذه القصة نوعًا من الحيلة في إثبات الصلة بين اليهود والعرب من جهة، وبين الإسلام واليهود والقرآن والتوراة من جهة أخرى.”
فنجد طه حسين يصدق ديكارت فيما كتبه عن تصوفه، وقصته مع الطائر بربيبش، بينما يكذب الله سبحانه وتعالى، بل ينسب كلام الله(القرآن الكريم) إلى النبي، ويشكك في نسب الرسول عليه الصلاة والسلام، وأنساب العرب، وشعرهم . ولم يكتف بهذا بل عرّض القرآن للنقد وجعل طلبته في الجامعة ينتقدون القرآن الكريم، هذا هو منهج كازانوفا الذي تعلمه. طه منه ؛إذ درس القران وتفسيره على يديه، وتجرؤ طه حسين على كتاب الله، جعله يتجرأ أيضًا على سيرة رسول الله فجعل سيرته في كتاب(على هامش السيرة) مادة للأدب الأسطوري، وحشد فيها ما استطاع من إسرائيليات، وأحاديث موضوعة تمامًا، كما فعل الأستاذ توفيق الحكيم في مسرحية محمد صلى الله عليه وسلم، وفجأة نجد طه يترك أستاذه كازانوفا، ويستعيد ديكارت، وأخذ يشكك في تاريخ الخليفتين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما في كتابه(الشيخان) وقد رد عليه معالي الشيخ محمد عمر توفيق في كتابه(طه حسين والشيخان) والأستاذ محمود محمد شاكر فيما كتبه في الفتنه الكبرى ، كما نجده شكك في نسب المتنبي، وادعى أنّه لقيط، وقلل من مكانة ابن خلدون إرضاءً لأستاذه اليهودي أميل دوركايم، الذي كان يشرف على هذا البحث، واستحضر مرة أخرى كازانوفا، ودعا إلى فصل الدين عن الأدب، واتباع مذهب الفن للفن فكتب:”أريد أن أدرس الأدب العربي كما يدرس صاحب العلم الطبيعي علم الحيوان والنبات، ومالي أدرس الأدب لأقصر حياتي على مدح أهل السنة، وذم المعتزلة، من الذي يكلفني أن أدرس الأدب لأكون مبشرًا للإسلام، أو هادمًا للإلحاد” .
وقال أيضًا:(إنّ الإنسان يستطيع أن يكون مؤمنًا وكافرًا في وقت واحد، مؤمنًا بضميره وكافرًا بعقله، فإنّ الضمير يسكن إلى الشيء ويطمئن إليه، فيؤمن به إما العقل فينقد ويبدل ويكفر أو يعيد النظر من جديد فيهدم ويبني و يبني ويهدم .
دعا إلى الفرعونية مثل صديقه توفيق الحكيم، وقال مقولته:” إنّ الفرعونية متأصلة في نفوس المصريين وستبقى كذلك، بل يجب أن تبقى وتقوى، والمصري فرعوني قبل أن يكون عربيًا، ولا يطلب من مصري أن يتخلى عن فرعونيته ” ويقول “وأؤكد قول أحد الطلبة القائل: لو وقف الدين الإسلامي حاجزًا بيننا وبين فرعونيتنا لنبذناه” .
وهنا يناقض نفسه فيما قاله في كتابه” مستقبل الثقافة في مصر”؛ إذ قال:” أن نسير سيرة الأوربيين ونسلك طريقهم لنكون لهم أندادًا، ولنكون لهم شركاء في الحضارة، خيرها وشرها، حلوها ومرها، وما يحب منها وما يكره، وما يحمد منها وما يعاب.”[ص 54] فهو يريد من الشعب المصري أن يكون أوروبيًا، وينبذ الإسلام إن وقف حاجزًا بينه وبين فرعونيته.
كما نجد طه حسين أشاع الأدب الإباحي بترجماته للقصص الفرنسي المكشوف، وترجمة شعر بودلير وغيره، كما نجده أحيا شعر المجون والغزل، شعر خارج عن الأخلاق، ومجد شعرائه أمثال أبي نواس والضحاك وبشار وغيرهم .
كما عمل على إحياء الفكر الباطني المجوسي الذي كان يحمل المؤامرة على الإسلام والدولة الإسلامية، وذلك بإعادته طبع رسائل إخوان الصفا .
وقدمها بمقدمة ضخمة ختمها بقوله:” وجملة القول إنّ هذه الرسائل كنز لم يقدر بعد لأنّه لم يعرف بعد وهو إذا عرف فقد يجلو قطعة من حياة الأمة الإسلامية في عصر من أهم عصورها وأجلها خطرًا، وعسى أن يكون في نشر هذه الرسائل وتيسير الحصول عليها ما يدني من هذه الغاية ويقرب من هذا المثل الأعلى.”[المجلد 16 من المجموعة الكاملة لطه حسين، صفحة 198]
للحديث صلة.
البريد الاليكتروني: Suhaila_hammad@hotmail.com