مؤسسة تكوين الفكر العربي

ما علاقة مركز تكوين الفكر العربي  بطه حسين؟(1)

By شهرين مضىNo Comments

د. سهيلة زين العابدين حمّاد

لقد استهل مركز تكوين الفكر العربي انطلاق في مؤتمره الأول تحت عنوان”خمسون عامًا على رحيل طه حسين أين نحن من التجديد اليوم؟

   وفي هذا إشارة إلى أنّ مركز تكوين الفكر العربي سينهج منهج طه حسين في مشروعه النهضوي التنويري التجديدي، وقد عرفنا من خلال المقالات الثلاث السابقة مشروع طه النهضوي التجديدي الذي يتلخص في سلخ الشخصية العربية المسلمة من هويتها وعقيدتها وديانتها وقيمها ومبادئها لتكون تابعة وأسيرة لكل ما هو غربي، وأن ننهج مناهجهم في دراساتهم للإسلام وحضارته وعلومه وتاريخه وسيرة نبيه صلى الله عليه وسلم وصحابته رضوان الله عليهم، وسيتضح لنا منهجه بتطبيقه على أرض الواقع من خلال إسلامياته وكتاب الشعر الجاهلي؛ إذ أعلن  أنّه سينهج منهج ديكارت الفلسفي في بحثه هذا قائلًا:” أنّ القاعدة الأساسية لهذا المنهج هو أن يتجرد الباحث من كل شيء كان يعلمه قبل، وان يستقبل موضوع بحثه خالي الذهن مما قيل فيه خلوًا تامًا.”

ثم يقول:” فلنصطنع هذا المنهج حين نريد أن نتاول أدبنا العربي القديم وتاريخه بالبحث والاستقصاء، ولنستقبل هذا الأدب وتاريخه، وقد برأنا أنفسنا من كل ما قيل فيهما من قبل وخلصنا من كل هذه الأغلال، الكثيرة الثقيلة التي تأخذ أيدينا وأرجلنا ورؤوسنا فتحول بيننا وبين الحركة الجسمية الحرة، وتحول بيننا وبين  الحركة العقلية الحرة أيضًا، نعم يجب حين يستقبل البحث عن الأدب العربي وتاريخه أن ننسى عواطفنا القومية وكل مشخصاتها، وأن ننسى عواطفنا الدينية وكل ما يتصل بها، وأن ننسى ما يضاد هذه العواطف القومية الدينية، يجب ألا نتقيد بشيء ولا نذعن لشيء إلاَّ مناهج البحث العلمي الصحيح.”[د. طه حسين : في الأدب الجاهلي ،المجلد الخامس، 70.]

وتجرد طه حسين من عقيدته وإطلاق العنان لعقله وراح يتحدث بلسان المستشرق اليهودي البريطاني(مرجليوث) لقد جرد طه حسين نفسه من كل شيء إلا من فكر وعقيدة مرجليوث، ويظهر  هذا لنا بوضوح في الآتي :

  1. قصر القرآن تكريم على الأمة العربية، أي جعله خاصًا بالعرب، وليس للناس كافة، وذلك يثبت نحل الشعر الجاهلي وأنّ القرآن مرآة الحياة الجاهلية، فيقول في هذا الصدد:

“فأنت ترى أنّ القرآن حين يتحدث عن العرب، وعن نحل وديانات ألفها العرب، فهو يبطل منها ما يبطل ويؤيد منها ما يؤيد.”

ثم يقول:” فالقرآن إذن أصدق تمثيلًا للحياة الدينية عند العرب، من هذا الشعر الذي يسمونه الجاهلي، ولكن القرآن لا يمثل الحياة الدينية وحدها، وإنّما يمثل شيئًا أخر غيرها، لا تجده في هذا الشعر الجاهلي يمثل حياة عقلية قوية.”[المصدر السابق : ص 74-75.]

  ثم يبين أنّ القرآن تحدث عن الأمم الأخرى لأنّ العرب كانوا على صلة بهم فيقول:” القرآن يحدثنا بأنّ العرب كانوا على اتصال بمن حولهم من الأمم، بل كانوا على اتصال قوى قسمهم أحزابًا وفرقًا وشيعًا.”][المرجع السابق : ص 77.

  ويستمر طه حسين في ادعائه حتى يجعل تحريم الإسلام للربا، والحث على الصدقة وفرض الزكاة، جاء للقضاء على الفساد الذي كان سائدًا في حياة العرب الاقتصادية، فيقول في صفحة 78،79″ أفتظن أنّ القرآن كان يعني هذه العناية كلها بتحريم الربا والحث على الصدقة، وفرض الزكاة لو لم تكن حياة العرب الاقتصادية الداخلية من الفساد والاضطراب  بحيث تدعو إلى ذلك؟”

  ثم يقول:” فالشعر الجاهلي يمثل لنا العرب أجوادًا كرامًا مهينين للأموال مسرفين في ازدرائها، ولكن في القرآن إلحاحًا في ذم البخل وإلحاحًا في ذم الطمع، فقد كان البخل والطمع إذن من آفات الحياة الاقتصادية والاجتماعية في الجاهلية، ويكفي أن تقرأ هذه الآيات التي يأمر فيها القرآن برعاية اليتيم ، وينهى عن الإسراف في ماله وعن ظلمه، والبغي عليه، ويكفي أنّ تقرأ هذه الآية (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا)[النساء: 10]لتشعر شعورًا  قويًا بأنّ العرب في الجاهلية لم يكونوا كما يمثلهم هذا الشعر أجوادًا  متلفين للمال مهينين  لكرامته” .

   ثم يقول:”والقرآن يمضي في تمثيل هذه الناحية النفسية من تاريخ العرب إلى أبعد مدى، فانظر إليه كيف يدقق في تنظيم الصلة بين الدائن والمدين “

 ويستمر طه حسين في قصر القرآن على العرب وهو يحاول إثبات نحل الشعر الجاهلي، فيقول (أمّا القرآن فيمِنُّ على العرب بأنّ الله قد سخّر لهم البحر، وبأنّ لهم  في هذا البحر منافع كثيرة ومختلفة، أذكر منها الملاحة، فالقرآن يذكر الجواري المنشآت في البحر كالأعلام، وأذكر منها الصيد، ففي القرآن مّنٌّ على العرب بأنّهم كانوا يستخرجون من البحر لحمًا طرًيا، وأذكر منها استخراج اللؤلؤ والمرجان، ثم يقول:”ولكني ألاحظ أنّ ذكر القرآن لهذا كله وامتنانه على العرب بهذا كله دليل قاطع على أنّ العرب لم يكونوا يجهلون هذا كله  بل كانوا يعرفونه حق المعرفة، وكانت حياتهم تتأثر بهم تأثرًا قويًا، وإلّا فما عرض القرآن له، وما أقام الحجة به عليهم، فأين تجد  هذا أو شيئًا من هذا في الشعر الجاهلي.”[المصدر السابق: ص 81].

    هذه الأقاويل تثبت بيقين لا يقطعه أدنى شك أنّ طه حسين قد نقلها عن مرجليوث، فقوله إنّ القرآن مَنَّ على العرب بأن سخّر لهم البحر، وأنّ القرآن حرّم الربا، وفرض الزكاة للفساد الاقتصادي المتفشي عند العرب في الجاهلية إلى أخر ما جاء في أقاويل طه حسين، يقصد منها:

أولًا: أنّ الدين الإسلامي دين العرب وحدهم، بل دين عرب الجاهلية، جاء ليقضي على ما في حياتهم من فساد، أي إنكار عالمية الإسلام.

ثانيًا: إنّ هذا الدين جاء لإصلاح حال العرب في فترة زمنية معينة، وأنّه قد انتهى دوره الآن، وهذا ما يردده الآن دعاة العلمانية، وعلى رأسهم أحمد خلف الله، فؤاد زكريا، فخلف الله يزعم بأنّ القرآن خاص بالعرب، فؤاد زكريا ينادي بتجميد الشريعة الإسلامية وإبعادها عن التشريع مدعيًا عدم ملاءمتها لهذا العصر، وذلك ليبيح ما حرمه الله كالزنا .

ثالثًا: شكّك طه حسين في أنساب العرب وهجراتهم (راجع باب الأدب الجاهلي واللغة82 –94).

رابعًا: إنكار ما جاء في القرآن الكريم من أخبار في التوراة والإنجيل عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم، فيقول في معرض حديثه عن أسباب النحل، وأنّ الدين أحد هذه الأسباب، فيقول: “وكما يقول أنّ القُصّاص، والناحلين قد اعتمدوا على الآيات التي ذكرت في الجن ليخترعوا ما اخترعوا من شعر الجن وأخبارهم المتصلة بالدين، فهم قد اعتمدوا على القرآن أيضًا فيما رووا ونحلوا من الأخبار والأشعار والأحاديث التي تضاف إلى الأحبار، فالقرآن يحدثنا بأنّ اليهود والنصارى يجدون النبي مكتوبًا عندهم في التوراة والإنجيل، وإذن فيجب أن تخترع القصص والأساطير، وما يتصل بها من الشعر ليثبت أنّ المخلصين من الأحبار والرهبان، كانوا يتوقعون بعثة النبي ويدعون الناس إلى الإيمان به حتى قبل أن يظل الناس زمانه.[المصدر السابق: ص 137.]أية جرأة هذه على الله عزّ وجل وكتابه؟؟؟

خامسًا: لم ينكر على المستشرق كليمان هوار، زعمه أنّ القرآن الكريم من نظم الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنّ النبي قد استعان بشعر أمية أبن أبي الصلت في نظم القرآن؛ إذ نجد الدكتور طه حسين يقول معلقًا على هذا الزعم الكاذب:”وليس يعنيني هنا أن يكون القرآن قد تأثر بشعر أمية أو لا يكون”[المصدر السابق: ص 145].

       إنّ هذا القول يثبت أنّ الدكتور  طه حسين يؤيد ادعاء كليمان هوار؛ إذ لم يكلف نفسه تكذيب هذا الافتراء، ورأى طه حسين معروف  في هذا المجال، وقد صرح به في كتابه(في الشعر الجاهلي) ثم حذفه، بعدما لاقى موجة الاعتراض من قبل المخلصين لدينهم، إلّا أنّه أبقى الجزء الخاص يزعم كليمان هوار، ليزرع في النفوس عبر تعاقب الأجيال فكرة خلق القرآن، بل نجده ألمح أنّ العرب استحدثوا دين الإسلام، بل لم ترق لهم اليهودية والمسيحية، فيقول:”تغلغلت النصرانية إذن، كما تغلغلت اليهودية في بلاد العرب، وأكبر الظن أنّ الإسلام لو لم يظهر لانتهى الأمر بالعرب إلى اعتناق إحدى هاتين الديانتين، ولكن الأمة العربية كان لها مزاجها الخاص الذي لم يستقم لهذيْن الدينيْن، والذي أستتبع دينًا جديدًا أقل ما يوصف به أنّه ملائم ملائمة تامة لطبيعة الأمة العربية”[المصدر السابق: 148]

    لهذا نجده يقول:” إنّ الدين لم ينزل من السماء وإنَّما خرج من الأرض، كما خرجت الجماعة.”

للحديث صلة.

البريد الاليكتروني: Suhaila_hammad@hotmail.com

Leave a Reply