مؤسسة تكوين الفكر العربي

الرد على مزاعم إسلام بحيري في برنامجه إسلام حر(4)   

By شهرين مضىNo Comments

 د. سهيلة زين العابدين حمّاد

   بيّنتُ في مقال سابق الحروب عند اليهود وفق ما حرّفوه في التوراة، وتعاليم تلمودهم، أمّا المسيحيون فليس لديهم تنظيم ديني للحرب، فلم يكن السيد المسيح عليه السلام مشرعًا في المسائل الداخلية، ولا في المسائل الدولية، ولكنه كان داعيًا إلى تطهير النفوس بترويضها روحيًا  إلى  مبادئ الأخلاق، فجاء في الإصحاح الخامس من إنجيل متى:” سمعتم أنّه قيل عين بعين  وسن بسن، أمّا أنا فأقول لكم لا تقاوموا الإنسان الشرير. بل من لطمك على خدك الأيمن فحول له الأخر، ومن أراد أن ينازعك ويأخذ ثوبك، فاترك له رداءك”.

   هذا ويستند أنصار الرأي القائل بتحريم الحرب تحريمًا مطلقًا إلى قول السيد المسيح عليه السلام للقديس بطرس:” أعد سيفك إلى مكانه، لأنّ كل الذين يأخذون السيف بالسيف يهلكون” على هذا تكون المسيحية تحرم الحرب .[طبّارة. عفيف.روح الدين الإسلامي، ص 390]

     ولقد بذل رجال من المسيحيين حياتهم في سبيل التمسك بتحريم الحرب، بل تحريم صناعة الجندية، وبذل آخرون جهودًا جبارة في سبيل التوفيق بين نص الإصحاح الخامس من إنجيل متى، ونص الإصحاح العاشر من نفس الإنجيل الذي يتناقض مع الإصحاح الخامس إذا جاء في الإصحاح العاشر هذا النص :” لا تظنوا أنّي جئت لأحمل سلامًا إلى الأرض، ما جئت لأحمل سلاحًا، بل سيفًا.  جئت لأجعل الابن يختلف عن أبيه والابنة مع أمها، وزوجة الابن مع حماتها، فيكون خصوم المرء من أهل بيته “.

  وجاء في إنجيل لوقا الإصحاح الثاني عشر هذا النص “أتظنون أنّي جئت لأجلب على الأرض سلامًا؟ أقول لكم كلا بل انقسامًا،  الآن سيكون خمسة  في بيت واحد منقسمين ثلاثة ضد اثنين، واثنان ضد ثلاثة، فيعادي الأب ابنه، والابن أباه، وتعادي الأم ابنتها، والابنة أمها والحماة زوجة ابنها وزوجة الابن حماتها[إنجيل لوقا 12: 51]

     وبتناقض هذه النصوص بين تحريم الحرب وإباحتها، أثير الجدل حول ماهية الحرب العادلة فحددوها، ووصلوا إلى  قرار أنّ الحرب التي يعلنها الحاكم أو الأمير ينبغي أن تكون عادلة، واشترطوا فيمن يعلنها أن يكون سليم النية صادقًا بلا طمع ولا وحشية، وفي القرن الرابع  الميلادي وتحت قيادة الإمبراطور قسطنطين الروماني، اضطرت الإمبراطورية الرومانية المسيحية أن تستأصل شأفة الوثنية من المملكة الرومانية بالحديد والنار.[طبّارة . عفيف . روح الدين الإسلامي  . ص390 ــــ 391] هذا ولم تكد تظهر نظريات الحرب في المسيحية، ولم يكد يقول رجال الدين المسيحي وعلماء اللاهوت مشروعية الحرب حتى تخلى الراغبون فيها عن فكرة تقسيمها إلى مشروعة وغير مشروعة، وانطلقوا يرفعون راية الحرب باسم الرب، وقررت الكنيسة في العصور الوسطى أنّه يستحيل مسالمة الكفارــ أي المسلمين، فهم لا يستحقون أي رأفة وينبغي القضاء عليهم.[عامر. د . عبد اللطيف. أحكام الأسرى والسبايا في الحروب الإسلامية. ص 42.]  كما نجد بعض كتّاب القانون الدولي في الغرب قد أدخلوا المسلمين في عداد الشعوب الهمجية التي يجب ألا تنال شرف الانتساب للجماعة الدولية ومن هؤلاء الكتّاب “تيودور رويش” حيث قال في كتابه” لمن الحق في الحرب” يكفي تمجيدًا للكنيسة أنّها أقنعت المسيحية بوحدتها وبوجوب تكوين جمعية دولية تقوم في وجه المسلمين الهمج .[المرجع السابق: ص48]

  ولن ينسى التاريخ قط الحروب الصليبية التي قامت تحت أعلام المسيحية وباسم الرب وصفها جيبون وهو من كتّاب الغرب بأنّها “تركت في التاريخ أقصى ما عرف من التعصب  لها ضد المسلمين فحسب، بل ضد مسيحي الشرق، إذ أنّهم بمجرد الاستيلاء على القدس  اتهموهم بالإلحاد والتمرد  على السلطة الشرعية سلطة البابا فاضطهدوهم وحاربوهم وشردوهم ولقي مسيحو الشرق ذلك بحسرة وألم مقارنين ذلك بما لا قوه من سماحة المسلمين إنّ الصليبيين خدام الرب يوم أن استولوا على بيت المقدس في 15/7/1099م رأوا أن يكرموا الرب بذبح سبعين ألف مسلم، ولم يرحموا الشيوخ ولا الأطفال ولا النساء وفي مذبحة استمرت ثلاثة أيام، ولم تنته إلّا لما أعياهم الإجهاد من القتل .[المرجع السابق: 42 ـــ 43]

 كما أنّ محاكم التفتيش في أسبانيا وسنين الدم بعد انتهاء حكم المسلمين في الأندلس بعد سقوط غرناطة عام 1492م بعد حكم دام ثمانية قرون؛ إذ  بدأ الظلم بالانتشار، لم يسلَم أحدٌ منه، طال المسلمين واليهود، بدأ طمس كل أثر بقي بعد المسلمين، وتم حرق الكتب العلمية والدينية ومنها القرآن الكريم، صدرت الأوامر بطردهم أو تحويل ديانتهم إلى المسيحية، ومن يرفض ينهالون عليه بأشدّ أنواع التعذيب، لم يلتزم الجميع بالأوامر، فبدأ البحث عن حلٍ لإخضاع الجميع، فظهرت من هنا الفكرة الدموية التي أزهقت أرواح الملايين من الأبرياء ألا وهي محاكم التفتيش.(المحاكم الكاثوليكية). وقد تعددت أساليبهم الشنيعة في حق الملايين من الأبرياء، رحلت غرناطة ورحلت معها أرواح الأبرياء بين يديّ الطغاة الذين لا يعرفون معنى الإنسانية، فقد ارتكبت الفظائع بأفعالها وقراراتها، لم يسلَم منها أحد، حتى اضطر البعض للتظاهر باعتناقهم الديانة المسيحية نهارًا، وأمّا ليلاً فيؤدُّون سرًا تعاليم ديانتهم. لم تكن تحتاج محاكم التفتيش إلى دليل لإثبات جرمٍ على الُمتَهم، فكان بإمكان أي شخص الافتراء على شخصٍ آخر بأنّه ليس مسيحيّ لتبدأ محاكم التفتيش عملها من التعذيب والقتل. تفننت تلك المحاكم بأساليب التعذيب وكانت تتم العملية ببطءٍ شديد حتى ينال المذنب عقابه، ولا ينجو من براثِن الموت، ومن أساليب التعذيب ناي المشاغبين، والثور الحديدي، والحوض، وكاسر الأصابع، والمخلعة، والشوكة الزنديقة، وكرسي محاكم التفتيش، والقفص المُعَلَّق.

 أمّا الولايات المتحدة الأمريكية فقد ارتكبت جرائم حرب في حروبها في الفلبين؛ إذ قتلت حوالي نصف مليون مدني، وفي الحرب العالمية الثانية، راح ضحية القصف الجوي الأمريكي البريطاني على المدن مليونيْن ونصف قتيل؛

حيث استخدم الحلفاء ودول المحور القصف الجوي على المدن والمدنيين طريقة للانتصار في الحرب، وقصف مدينتي هيروشيما وناجازاكي باليابان. حيث تم قصفهما بقنبلتين نوويتين لإرغام دول المحور على الاستسلام، وقتلت القنبلتان ما يصل إلى 140,000 شخص في هيروشيما، و80،000 في ناغازاكي بحلول نهاية سنة 1945، حيث مات ما يقرب من نصف هذا الرقم في نفس اليوم الذي تمَّت فيه التفجيرات. ومن بين هؤلاء، مات 15-20 ٪ متأثرين بالجروح أو بسبب آثار الحروق، والصدمات، والحروق الإشعاعية، يضاعفها الأمراض، وسوء التغذية والتسمم الإشعاعي.

   وفي الحرب الفيتنامية قتلت أمريكا خوالي خمسة مليون، 4 ملايين منهم مدنيين عُزّل، حسب غدعاء فيتنام سنة 1995م. في حين كان وزير الدفاع حينما ماكنامارا قال في لقاء متلفز لاحقًا أنّ عدد القتلى 3 مليون 400 ألف. ومن ضمن جرائم الحرب الأمريكية في فيتنام استخدام الرش الكيماوي لتدمير وحرق وإتلاف البشر والحقول والقرى، مثل الرش البرتقالي والأزرق والأخضر.

  كما ظهرت العديد من جرائم الحرب على يد القوات الأمريكية في حق المدنيين في العراق وباكستان وأفغانستان واليمن والصومال، في صور قصف جوي ضد مدنيين عُزل أو اغتصاب النساء والرجال أو قتل أسرى حرب أو تعذيبهم وانتهاك آدميتهم أو إبادة جماعية أو استخدام أسلحة محرمة دوليا. حيث قامت منظمة هيومن رايتس ووتش بالادعاء في 2005 أنّ «مسؤولية القيادة» قد تجعل كبار المسؤولين مع إدارة بوش مذنبين بجرائم حرب، سواء أكان ذلك بعلمهم أو كان بأشخاص تحت مسؤوليتهم. ولم يتم حتى الآن إجراء تحقيق عالي المستوى في الجرائم التي ارتكبتها القوات الأمريكية في فترة ما يُسمى «الحرب على الإرهاب» بداية من 2001 إلى اليوم، هذا وقد قدرت بعض الجهاتّ أن قتلى العراق على سبيل المثال بلغ مليوني مدني منذ بداية الحرب في 2003 وجريمة سجن أبو غريب[. https://2u.pw/hslXMf5Q.]

 كما لابد من بيان الدموية في الاستعماريْن الأمريكي والأوروبي، فقد أباد الأمريكان الهنود الحمر سكان أمريكا الشمالية الأصليين، وأقاموا دولتهم الولايات المتحدة الأمريكية، وأباد البريطانييون سكّان بريطانيا الأصليين، وأقاموا عليها امبراطوريتهم التي لا تغيب عنها الشمس، وأباد الأستراليون سكان أستراليا الأصليين، وأقاموا دولتهم، والآن نشهد حرب إبادة للفلسطينيين في غزة والضفة الغربية لإقامة دولة يهودية على الأرض الفلسطينية بمباركة ودعم أمريكي وأوروبي، وقد قتلت إسرائيل في حربها على غزة التي بدأت 8 أكتوبر ولم تتوقف حتى الآن  أكثر من 50 ألف شهيد معظمهم أطفال ونساء، وحوالي عشرة آلاف مفقود، وأكثر من مائة ألف جريح، وعدد ضحايا حرب إسرائيل على لبنان خلال شهر منذ 23 سبتمبر 2024 أكثر من ألفي شهيد ، وعدد الجرحى فاق 10 آلاف جريح ، وبلغ عدد النازحين ما يقارب مليون ونصف، وهدّموا الكثير من القرى الجنوبية والكثير من البنايات والأبراج في صيدا وصور وبعلبك والبقاع والضاحية الجنوبية، بل امتد غاراتهم إلى المستشفيات وسيارات الإسعاف والمسعفين،  وقد استشهد مليون جزائري لتحرير الجزائر من الاستعمار الفرنسي، وهناك مئات الألوف الذين قتلهم المستعمرون الغربيين في البلاد العربية والآسيوية والأفريقية.

   وهكذا نجد مقولة بحيري عن الإسلام أنّه أكثر الأديان دموية عار عن الصحة، ممّا ينمّ عن مدى جهله بالتاريخ الإسلامي من جهة، وعلى مدى  تحامله على الإسلام بترديده مزاعم أعدائه كالببغاء!!

البريد الاليكتروني: Suhaila_hammad@hotmail.com

Leave a Reply