د. سهيلة زين العابدين حمّاد
أواصل الرد على مقولة إسلام بحيري في برنامج توتر عالي في قناة المشهد أنّ ” الإسلام قطعة من اللؤلؤ في بحر من الطين ” من خلال أقوال بعض المستشرقين والمؤرخين الغربيين عن إنجازات العرب في الحضارة الإنسانية وأثرها على الحضارة الغربية، وفي الحلقة الماضية عرضتُ ما ذكرته المستشرقة الألمانية زيغريد هونكه في كتابها شمس العرب تسطع على الغرب عن معجزة العرب.
يقول فلوريان:” كان للعرب عصر مجيد عرفوا فيه انكبابهم على الدرس وسعيهم في ترقية العلم والفن ولا نبالغ إن قلنا إنّ أوروبا مُدِينة لهم بخدمتهم العلمية تلك الخدمة التي كانت العامل الأول والأكبر في نهضة القرنين الثالث عشر والرابع عشر للميلاد”.
ويقول المؤرخ الإنجليزي هربرت جورج ويلز:” عن حضارة العرب ” وكانت طريق العربي أن ينشد الحقيقة بكل استقامة وبساطة، وأن يجلوها بكل وضوح وتدقيق غير تارك منها شيئًا في ظل الإبهام فهذه الخامة التي جاءتنا نحن الأوروبيين من اليونان، وهي نشدان النور إنَّما جاءتنا عن طريق العرب، ولم تهبط على أهل العصر الحاضر عن طريق اللاتين .
ويعترف البارون دي فو” بأنَّ الرومان لم يحسنوا القيام بالميزان الذي تركه اليونان، وأنَّ العرب كانوا على خلاف ذلك، فقد حفظوه وأتقنوه، ولم يقفوا عند هذا الحد بل تعدوه إلى ترقيته وطبقوه باذلين الجهد في تحسينه وإنمائه حتى سلموه للعصور الحديثة.”وقال المستشرق الفرنسي لويس سديو:”إنَّ إنتاج أفكار العرب الغزيرة ومخترعاتهم النفيسة تشهد أنّهم أساتذة أهل أوروبا في جميع الأشياء . “وقال الدكتور سارطون من علماء أمريكا:” إنّ بعض الغربيين الذين يجربون أن يستخفوا بما أسداه الشرق إلى العمران يصرحون بأنَّ العرب والمسلمين نقلوا العلوم القديمة ولم يضيفوا إليها شيئًا م، هذا الرأي خطأ … ” ثم يضيف قائلًا :” ولذلك فإنَّ العرب كانوا أعظم معلمين في العالم في القرون الثلاثة:العاشر والحادي عشر والثاني عشر الميلادي. ” أمّا الطبيب والمؤرخ الفرنسي غوستاف لوبون، فيقول:”إنَّ دور العرب لم يقتصر فقط على ترقية العلوم باكتشافاتهم ، بل عملوا على نشرها بواسطة جامعاتهم، وبواسطة مؤلفاتهم، وأنّ التأثير الذي أحدثوه في أوروبا من هذه الخاصية الأخيرة قد كان عظيمًا جدًا.”ثم يقول :” قد كانوا في مدة عصور عديدة هم وحدهم الأساتذة الذين عرفتهم النصرانية، وأنّنا إليهم وحدهم مدينون في معرفة القديم اليوناني اللاتينيني، وأنَّ التعليم في جامعاتنا يتوقف على الاعتماد على ترجمة الكتب العربية إلّا في الأيام الحديثة.”، ثم يتحدث عن شغف العرب بالعلم، فيقول:” لقد بلغ شغف العرب بالتعليم مبلغًا عظيمًا حتى أنَّ خلفاء بغداد كانوا يستعملون كل الوسائل لجذب العلماء وأشهر الفنانين في العالم إلى قصورهم، وأنَّ أحد هؤلاء الخلفاء بلغ الأمر منه إلى حد إعلان الحرب على قيصر القسطنطينية، وذلك ليجبره على السماح لأحد الرياضيين المشهورين بالمجيء إلى بغداد والتعليم فيها، ولقد ازدحم في هذه المدينة الكبرى الفنانون والعلماء والأدباء من كل الأديان وكل البلاد من فرس ويونان وأقباط وكلدان وجعلوا من بغداد المركز العلمي الحقيقي، ولقد كان المأمون بن الرشيد ينظر إلى العلماء كما قال أبو الفرج كأنّهم مخلوقات اختارهم الله لإكمال العقل فهم مشاعل العالم، وهداة الجنس البشري وبدونهم تعود الأرض إلى البربرية الأولى.”
ويعجب غوستاف لوبون بعد هذا أيَّما إعجاب من ذلك الشغف بالعلم الذي افتتن به العرب ويزداد إعجابه أنّ رأى هذا الشغف منهم منبعًا عن الدين نفسه، ولذلك قال: “إنَّ العلم الذي استخفت به جدًا أديان أخرى قد رفع المسلمون من شأنه عاليًا، وإليهم في الحقيقة ترجع هذه الملاحظة الصائبة” إنَّما الناس هم الذين يتعلمون والذين يعلمون وما عداهم مضر ولا خير فيه.”
وقال المستشرق الألماني الدكتور ماكس مايرهوف عن نظريات العرب في مباحث الضوء : ” إنَّ العرب أسدوا جزيل الخدمات إلى هذا العلم الذي تتجلى فيه عظمة الابتكار الإسلامي، وكذلك فيما وصلوا إليه لأول مرة في تحديد الثقل النوعي تحديدًا فنيًا دقيقًا لكثير من الأجسام الجامدة والسائلة ، والانتباه إلى ما بين السوائل من فروق في نقلها النوعي إذا كانت حارة ثم باردة ثم جامدة .
أمّا عن كتاب الخوارزمي في علم الجبر فيقول فيه المؤرخ السويسري الأمريكي فلوريان كاجوري (توفي 1930م) من علماء الغرب:” إنَّ العقل ليدهش عندما يرى ما عمله العرب في الجبر.”
وأمَّا الطب فإنَّ كتاب القانون لابن سينا كان حتى أواسط القرن السابع عشر المرجع الوحيد لمعاهد الطب وجامعات أوروبا .
وفي علم الكيمياء كان لهم الكثير من الإبداع أن تم لهم فيه من استحضار الكثير من المركبات والحوامض التي تقوم عليها الصناعة الحديثة كالمركبات التي تستعمل حتى الآن في صنع الورق والحرير والمفرقعات والأصبغة والسماد الصناعي .
أثر الحضارة الأندلسية العربية على أوروبا
وقد كان لسياسة التسامح الإسلامي أثرها العظيم في نفوس أهل الذِّمَّة؛ من اليهود والنصارى؛ حيث أقبل المستعربون الإسبان على تعلم اللغة العربية واستخدامها في حياتهم، بل فَضَّلُوها على اللاتينية، كما تتلمذ كثير من اليهود على أساتذتهم العرب.
وقد نشطت حركة الترجمة عن العربية نشاطًا كبيرًا، وخاصَّةً في مدينة طليطلة خلال القرنين الثاني عشر والثالث عشر الميلاديين، وكانت الترجمة تتمُّ من العربيَّة إلى الإسبانيَّة، ومِنْ ثَمَّ إلى اللاتينيَّة، أو من العربيَّة إلى اللاتينيَّة مباشرة، ولم تقتصر الترجمة على مؤلَّفات العلماء العرب في كلِّ مناحي المعرفة فحسب، وإنما شملت المؤلَّفات الإغريقيَّة الكبرى التي كانت قد تُرْجِمَتْ في المشرق قبل ذلك بقرنين؛ فتُرْجِمَتْ بعضُ مؤلَّفات اليونانيِّين مثل: كتب جالينوس، وأبقراط ، وأفلاطون، وأرسطو، وإقليدس، وغيرهم.
يقول المؤرخ البلجيكي جورج ألفرد ليون سارتون «حَقَّقَ المسلمون -عباقرة الشرق- أعظم المآثر في القرون الوسطى، فكُتِبَتْ أعظمُ المؤلَّفات قيمة، وأكثرها أصالة، وأغزرها مادَّة باللغة العربيَّة، وكانت من منتصف القرن الثامن حتى نهاية القرن الحادي عشر لغةَ العلم الارتقائية للجنس البشري، حتى لقد كان ينبغي لأيِّ كائنٍ إذا أراد أن يُلِمَّ بثقافة عصره وبأحدث صُوَرِهَا أن يَتَعَلَّم اللغة العربية، ولقد فعل ذلك كثيرون من غير المتكَلِّمين بها، وأعتقد أننا لسنا في حاجة أن نُبَيِّنَ منجزات المسلمين العلميَّة في الرياضيَّات، والفيزياء، وعلم الفلك، والكيمياء، والنبات، والطبِّ، والجغرافيا.”
وعن مكانة قرطبة خاصَّة في انتقال الحضارة الإسلامية يقول جوان براند تراند جون: «إن قرطبة التي فاقت كلَّ حواضر أوروبا مدنيَّةً -أثناء القرن العاشر- كانت في الحقيقة محطَّ إعجاب العالم ودهشته، كمدينة فينيسيا في أعين دول البلقان، وكان السياح القادمون من الشمال يسمعون بما هو أشبه بالخشوع والرهبة عن تلك المدينَة؛ التي تحوي سبعين مكتبة، وتسعمائة حمَّام عمومي؛ فإنْ أدركتِ الحاجةُ حُكَّام ليون أو النافار أو برشلونة إلى جَرَّاحٍ، أو مهندس، أو معماري، أو خائط ثياب، أو موسيقي فلا يتَّجِهُون بمطالبهم إلَّا إلى قرطبة.” [جون براند تراند. اسبانيا والبرتغال ، دراسة منشورة في كتاب تراث الإسلام بإشراف توماس أرنولد، ص 27]
ويؤكِّد المفكر ليوبولد فايس( يهودي نمساوي وأسلم ، وأصبح اسمه محمد أسد) أثر قرطبة في التدشين لعصر النهضة قائلًا: «لسنا نبالغ إذ قلنا: إنَّ العصر العلمي الحديث الذي نعيش فيه لم يُدَشَّن في مدن أوروبا، ولكن في المراكز الإسلاميَّة؛ في دمشق وبغداد والقاهرة وقرطبة.”[محمد أسد. الإسلام على مفترق الطرق، ص 40]
وحول الأندلس بصفةٍ عامَّة كمَعْبَر لاتصال الحضارة الإسلامية بالغرب وانتقالها إليه، تقول زيغريد هونكه: «ولم تكن جبال البرانس لتمنع تلك الصلات، ومن هنا وجدت الحضارة العربية الأندلسية طريقها إلى الغرب.” [شمس العرب تسطع على الغرب، ص 31]
وتضيف قائلة: «وقد حمل مشعل الحضارة العربية عَبْرَ الأندلس ألوفٌ من الأسرى الأوروبيين، عادوا من قرطبة وسرقسطة، وغيرها من مراكز الثقافة الأندلسية، كما مثَّل تجار ليون وجنوا والبندقية ونورمبرج دور الوسيط بين المدن الأوروبية والمدن الأندلسية، واحتكَّت ملايين الحجاج من المسيحيين الأوروبيين في طريقهم إلى سنتياجو بالتُّجَّار العرب والحجاج المسيحيين القادمين من شمال الأندلس، كما أسهم سيل الفرسان، والتجار، ورجال الدين المتدفِّقين سنويًّا من أوروبا إلى أسبانيا في نقل أسس الحضارة الأندلسية إلى بلادهم، وحمل اليهود من تُجّار، وأطباء، ومتعلِّمِين العرب إلى بلدان الغرب، كما اشتركوا في أعمال الترجمة بمدينة طليطلة، ونقلوا عن العربية عددًا كبيرًا من القصص والأساطير والملاح.”[المرجع السابق، ص 532]
وهكذا كانت الأندلس مركزًا مهمًّا من مراكز الحضارة الإسلاميَّة، وكانت من أهمِّ معابر انتقالها إلى أوروبا.
وبعد فهذا قليل من كثير من شهادة علماء الغرب ومستشرقيه عن معجزات الحضارة الإسلامية وتفوقها على جميع الحضارات.
هذا التراث الذي وصفه بحيري بِ” بحر من طين” الذي يريد حرقه ودفنه !!! Suhaila_hammad@hotmail.com